ِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(4)
قولُهُ ـ جَلَّ وعلا: {إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ} مَصْدَرٌ ميميٌّ، وكانَ قياسُهُ فَتْحَ الجيمِ لأنَّه مِنْ بابِ ضَرَبَ، وقياسُ مَصْدَرِهِ المِيميِّ ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِنْ مَحَلِّهِ، أَيْ: إليْهِ تَعالى لا إلى غيره رُجوعُكُمْ جميعاً بالمَوْتِ، لا يَتَخَلَّفُ مِنْكُمْ أَحَدٌ أبداً، ثمَّ البَعْثِ للجَزاءِ في مِثْلِ ذلك اليومِ.
قولُهُ: {وَهُوَ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ} فَيَنْدَرِجُ في تِلكَ الكُلِيَّةِ قُدْرَتُهُ ـ سبحانَه وتعالى، على إماتَتِكم ثمَّ بَعْثِكم وجَزائكم فيُعَذِّبُكم بِأَلوانِ العذابِ وأَفانينِه، وهذا تقريرٌ وتَأْكيدٌ لِما سَلَفَ مِنْ ذِكْرِ اليومِ، وتَعْليلٌ للخوفِ. فسَيَكُونُ مَعَادُكُمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهُوَ القَادِرُ كذلك عَلَى مَا يَشَاءُ: مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَى أَوْلِيَائِهِ، كما هو قادرٌ على انْتِقَامِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَكما هُوَ قَادِرُ عَلَى إِعَادَةِ الخَلاَئِقِ إلَى الحَيَاةِ مَرَّةً أُخْرَى يَوْمَ القِيَامَةِ.
قولُهُ تعالى: {إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ}. إِلَى اللهِ: جارٌّ ومَجرورٌ في محلِّ رفعِ خبرٍ مُقَدَّمٍ. و "مَرْجِعُكُمْ" مَرْجِعُ: مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وهو مضافٌ، والكافُ: في محلِّ جَرٍّ بالإضافة، والميمُ علامةُ جمعِ المُذكَّرِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ. وقد أفادَ هذا التركيبُ بتقديمِ الخَبَرِ على مبتدئه أنَّ الرجوعَ إنّما هو للهِ وحدَه ـ سبحانهُ وتعالى، لا غيرَ.
قولُهُ" {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الوَاوُ: حاليَّةٌ، هُوَ: ضميرٌ منفصِلٌ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ رفعِ مُبْتَدَأٍ. و "عَلَى كُلِّ شَيْءٍ" جارٌّ ومجرورٌ مضافٌ، ومضافٌ إِلَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بـ "قَدِيرٌ". و "قَدِيرٌ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحالِ مِنَ اسمِ الجَلالَةِ، والعاملُ فيهِ الاسْتِقْرارُ الذي تَعَلَّقَ بِهِ الخَبَرُ.