أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(89)
قولُهُ ـ عَزَّ وجلَّ: {أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} هذا اسْتِئْنافٌ بَيانيٌّ لجَوابِ سُؤالٍ يِنْشأُ عَنِ الإخبارِ بِ {وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ} مِنَ الآيةِ السابِقَةِ لهذه. فَقَدْ أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لِهَؤُلاَءِ المُؤْمِنِينَ المُخْلِصِينَ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وهيّأَ لهم جَزَاءً عَلَى إِيمَانِهِمْ وَإِخْلاَصِهِمْ فِي طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، جَنَّاتٍ تَجْرِي الأنْهَارُ فِي جَنَبَاتِهَا، ومِنْ تحتِ مَبانِيها وأَعاليها. و "أَعَدَّ" مِنَ الإعدادِ: أيْ التهيئةِ. وفيهِ إشْعارٌ بالعِنايَةِ بِشأْنهم والاهتمامِ بهم.
قولُهُ: {خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أيْ: دائمون فيها لا يخرُجونَ منها، ولا يموتون فيها، ولا يَنْفَدُ نَعيمُها، وَهَذَا هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ، وفَوزُ الإنسانِ: حُصولُهُ على أَمَلِهِ، وظَفَرُهُ بِبُغْيَتِهِ.
أخرجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ، يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ لَيُعِدُّ لِلْعَبْدِ مِنْ عَبِيدِهِ فِي الْجَنَّةِ لُؤْلُؤَةً مَسِيرَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، أَبْوَابُهَا وَغُرَفُهَا وَمَغَالِيقُهَا لَيْسَ فِيهَا فَصْمٌ وَلا قَصْمٌ، وَالْجَنَّةُ مِئَةُ دَرَجَةٍ فَثَلاثٌ مِنْهَا وَرِقٌ وَذَهَبٌ وَلُؤْلُؤٌ وَزَبَرْجَدٌ وَيَاقُوتٌ، وَسَبْعَةٌ وَتِسْعُونَ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ الَّذِي خَلَقَهَا".
قولُهُ تعالى: {خالدين فيها} خالدين: حالٌ مِنَ الضَميرِ في "لَهُمْ" والعامِلُ "أَعَدَّ". والجارُّ "فيها" مُتَعَلِّقٌ بِ "خالدين".