[size=29.3333]قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [/size][size=29.3333](23)[/size]
[size=29.3333]قولُهُ ـ تعالى شأنُه: {قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا} قالا ذلك اعترافاً بالذنب ومسارعةً في التوبة، وهذا ما يميزُ بين الإنسانِ والشيطان، أمّا الشيطانُ فإنّه يسترسِلُ في خطئه إذا أخطأ ويُصِرُّ عليه، كما فعل إبليس عندما عصى أمرَ ربِّه، فقد طلب الإمهالَ حتى يزداد في العصيان، بدلا من أن يتوب إلى اللهِ ويرجوه المغفرةَ كما فعل آدمُ حيْث قال: يا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا...، وهذه هيِ الكَلِماتُ التي تَلَقاها آدمُ مِنْ رَبِّهِ؛ وهي التي عناها تعالى بقولِهِ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} سورة البقرة، الآية: 37. قال ذلك الحسَنُ. ولقد بدا لهما ظُلْمُهُما لِنَفْسِيْهِما عندما ذاقا الشجرةَ وبدَتْ لَهُما سوءاتُهما، فقد ظلَما نَفْسَيْهما بِعِصْيانِهِما للهِ ـ تبارك وتعالى ـ وذلك هو الظُلمُ المُبين، وكانَ ذلك باغْتِرارِهِما بما وسوسَ الشَيْطانُ به لهما، وقد حذّرَهما مِنْهُ ربُّهُما بقولِه في الآيةِ السابقة: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُو مُّبِينٌ} واضحُ العداوة. لكنَّ شهوتهما تغلَّبَتْ عَلَيْهِما بوسوسة الشيطانِ، فنسيا تحذيرَ اللهِ لهما منه، وهذا اعترافٌ مِنْهُما بالذّنْبِ، بأنَّهُما ظَلَما نَفْسَيْهِما بِما وَقَعَ مِنْهُما [/size]
[size=29.3333]مِنَ المُخالَفَةِ.[/size]
[size=29.3333]قولُه: {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} لقد كانَ هذا الإحساسُ العميقُ بِظُلمِ نَفْسَيْهِما مَصحوباً بِضَراعَةٍ إلى اللهِ تَعالى أنْ يَغفِرَ لَهُما ويَرْحَمَهُما، فقد طلبا مِنَ اللهِ تعالى المَغْفِرَةَ وطلبا معها رحْمَتَهُ ـ سبحانَه، وعرفا بأنّه إن لم تَكنْ لهما من اللهِ مَغْفِرَةٌ ورحمةٌ بأنَّهما سيكونان مِنَ الخَاسرينَ الذينَ خَسِروا أَنْفُسَهم بظُلمِهم لَها، وذلك هُوَ الخُسْرانُ المُبين. [/size]
[size=29.3333]لقد نَطَقا على عَيْنِ التَوْحيدِ، حيثُ لم يقولا لقد خسِرْنا بِظُلْمِنا، بَلْ قالا: لقد فَعَلْنَا فإنْ لم تَغْفِرْ لَنا خَسِرْنا، فبِحَجبِ غُفْرانِكَ عنا نَخْسَرُ.[/size]
[size=29.3333]وقدِ اسْتَدَلَّ عُلَماءُ أهلِ السُنَّةِ والجماعةِ بِهذِه الآيةِ الكريمةِ على أَنَّ الصَّغائِرَ يُعاقَبُ عَلَيْها مَعَ اجْتِنابِ الكَبائرِ إنْ لَمْ يَغْفِرْها اللهُ تَعالى. بينما ذَهَبَتِ المُعْتَزِلَةُ إلى أَنَّ اجْتِنابَ الكَبائرِ يُوجِبُ تَكْفيرَ الصَّغائرِ وإنْ لَمْ يَتُبِ العَبْدُ مِنْها، وجَعَلوا لذلك ما ذُكِرَ هُنا جارياً على عادَةِ الأَوْلياءِ والصالِحين في تَعْظِيمِهم الصَغيرَ مِنَ السَيِّآتِ وتَصغيرِهمُ العَظيمَ مِنَ الحَسَناتِ، فلا يُنافي كونَهما مغفوراً لَهُما، والكثيرُ مِنْ أَهْلِ السُنَّةِ جَعَلوهُ مِنْ بابِ هَضْمِ النَفْسِ بِناءً على أَنَّ ما وَقَعَ كانَ عن نِسيانٍ، ولا كبيرةَ ولا صَغيرةَ مَعَهُ. وقيل إنَّ ذلِكَ الإقدامَ على الأكلِ من الشجرةِ كان صغيرةً، وقد كانَ قبلَ نُبوَّةِ آدمَ ـ عليْه السَّلامُ ـ إذْ لا يَجُوزُ على الأنْبياءِ ـ عليهِمُ السَّلامُ ـ ارتكابُ كبيرةٍ ولا صَغيرةٍ بعد النبوَّةِ.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ تعالى: {قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا} قالا: فعلٌ ماضٍ، وفاعلُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الضَميرُ المُتَّصِلُ بِهِ وهو أَلِفُ الاثْنَيِنِ، ويَعودُ على آدَمَ وزَوٍجِهِ ـ عليهِما السّلامُ، و"رَبَّنا" مُنادى مُضافٌ مَنصوبٌ، وهو نداءُ ضَراعةٍ وخَشْيَةٍ، وحُذِفَ حَرْفُ النِّداءِ مُبالَغَةً في التَعظيمِ لِما فيهِ مِنْ مَعْنى الأَمْرِ. و"نا" مضافٌ إليه، و"ظَلَمْنا" فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه دَلَّ عليهِ الضَميرُ المُضافُ إليه، وهو "نا" الدّالَّةُ على الجماعةِ، و"أَنْفُسَنا" مَفعولٌ بِهِ منصوبٌ، وهُو مُضافٌ، و"نا" الدّالَّةُ على الجَماعَةِ مضافٌ إليْهِ، وجملةُ "قالا" جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مَبْنِيَّةٌ على تَقديرِ سُؤالٍ، كأنَّهُ قيلَ: فماذا قالا؟ وجُمْلَةُ "ظلمنا" واقعةٌ مَقولَ القَولِ، والجملتان لا محلَّ لهما مِنَ الإعْرابِ.[/size]
[size=29.3333]قولُه: {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لنا} الواو عاطفة، و"إِنْ" شَرْطِية. و"لَمْ" جازمةٌ و"تَغْفِرْ" مُضارِعٌ مَجْزومٌ، وهوَ فِعْلُ الشرطٍ.[/size] [size=29.3333]وقدْ حُذِفَ جَوابُه لِدَلالَةِ جوابِ القَسَمِ المُقَدَّرِ عليه، فإنَّ قَبْلَ حرفِ الشَرْطِ لامَ التَوْطِئَةِ للقَسَمِ مُقَدَّرَةً كما في قولِه تعالى: {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ} المائدة: 73. ويَدُلُّ على ذلك كَثْرَةُ وُرودِ لامِ التَوْطِئَةِ قَبْلَ أَداةِ الشَرْطِ في كلامِ العربِ، و"لنا" جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقانِ بـ "تغفر" و"وَتَرْحَمْنا" عطفٌ على "تغفر". [/size]
[size=29.3333]قولُه: {لَنَكُونَنَّ منَ الخاسرين} اللام واقعة في جواب الشرط. "نكونن" فعلٌ مُضارعٌ ناقصٌ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لاتِّصالِهِ بِنُونِ التَوكيدِ الثَقيلَةِ، واسْمُها ضميرٌ مُسْتَتِرٌ تَقديرُه "نَحنُ"، و"مِنَ الْخاسِرِينَ" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقانِ بخبرِها المَحْذوفٍ، والجُمْلَةُ لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ لأنَّها واقعةٌ جوابَ شَرْطٍ لَمْ يَقْتَرِن بالفاءِ، وقدْ أَغْنى جَوابُ الشَرْطِ عَنْ جوابِ القَسَمِ. [/size]
[size=29.3333]ويَجوزُ أَنْ تُعْرَبَ جُمْلَةُ "لنكونن" جوابَ القَسَمِ، واللامُ لامُ القَسَمِ وقدْ أَغْنَى جوابُ القَسَمِ عنْ جوابِ الشَرْطِ.[/size]