[size=29.3333]قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[/size]
[size=29.3333](161)[/size]
[size=26.6667]قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى في الآية السابقة أَنَّ الْكُفَّارَ تَفَرَّقُوا وفرَّقوا دينَهم شِيَعاً، بَيَّنَ هنا أَنَّ اللهَ هَدَى رسولَهُ إِلَى الطريقِ الْمُسْتَقِيمِ وَهُوَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ، وأَمَرَ نَبيَّهُ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ يسيرُ على هذا النهجِ الذي ارتضاه له ربُّه ـ سبحانه ـ وهو الدين القَيِّمُ، وأَنَّهُ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ على مِلَّةِ إبْراهيمَ ـ عليه السلامُ ـ وأَمره أن يُخاطِبَ العَرَبَ مُخْبِراً عن نَفْسِهِ الكَريمةِ، وعَمَّنِ اتَّبَعَهُ مِنَ المُؤمنين قائلاً: لقد هَداني ربّي الذي خَلَقني، ورَبَّني اللهُ القَوّامُ على كلِّ نَفْسٍ، وكلِّ شيءٍ، فذكَرَ الرّبوبِيَّةَ في هذا المَقامِ للدَّلالَةِ على أَنَّ الهِدايةَ مَنْسوبةٌ إلى الخالِقِ المُكَوِّنِ، وقدْ أَكَّدَ أَنَّ الهِدايَةَ مِنْ رَبِّ الوُجودِ بـ "إن"، وقد كانت هذه الهدايةُ إلى دينٍ اتَّصَفَ بأُمورٍ ثلاثةٍ:[/size]
[size=26.6667]أَوَّلُها: أَنَّهُ صِراطٌ مُسْتَقيمٌ، لا التواءَ فيه ولا اعْوِجاجَ، مُوصِلٌ إلى الحَقِّ الذي لا رَيبَ فيهِ، وليس فيه تَعقيدٌ بَلْ إنَّهُ منسجمٌ مع الفِطْرَةِ النَقيَّةِ التي فطرَ اللهُ الناسَ عليها.[/size]
[size=26.6667]ثانيها: أَنَّهُ "دِينًا قِيَمًا" أيْ هو قِيَمٌ في ذاتِهِ بَلَغَ أَعلى المَنْزِلَةِ في الأَدْيانِ، أو هو قَويمٌ، لا ميلَ فيه عن الحقِّ. [/size]
[size=26.6667]ثالثُها: أَنَّهُ "مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا" وهوَ شَرَفٌ إضافيٌّ، فالوصفانِ الأَوَّلان ذاتيّانِ مشتقّانِ مِنْ ذاتِ الدين، وقد ذكَرَ ـ تعالى ـ هذا الوصفُ لِيُبيِّنَ للعَرَبِ الذين كانوا يَتَفاخَرون بِنَسَبِهم إلى إبْراهيمَ، وبأنَّهُ أَبو العَرَبِ، ويَدَّعونَ أَنَّهم على مِلَّةِ إبْراهيمَ أَنَّ هذا الرسولَ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ هو الذي على مِلَّةِ إبْراهيم حقيقةً، ولَيْسوا هُمْ.[/size]
[size=26.6667]قولُهُ: {حَنِيفًا} أَيْ غيرُ مائلٍ إلى باطِلٍ، فهو مُستقيمٌ متوجِّهٌ إلى الحَقِّ. وَهو وصْفٌ ذاتيٌّ آخَرُ لِهذا الدِّين جاءَتْ بهِ هذه الآيةُ، وقد سَبَقَ بيانُ معنى الحَنَفِ. [/size]
[size=26.6667]قولُهُ: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أيْ ليس لكم أنْ تُفاخِروا باتِّباعِكم إبراهيم، فما كان إبراهيمُ مِنَ المُشركين، ولا كان أَبوكم وأبو الأنبياءِ مِمَّنْ دَخَلَ في صُفوفِ المُشْركين، بل كان ـ عليه السلامُ ـ مؤمناً بربِّه أَوَّابًا إليه. كما قال فيه تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفَا وَمَا كانَ مِنَ الْمُشْرِكينَ} سورة النحل، 123، وقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} الآيتان: 120و121. [/size]
[size=26.6667]ولقد كانت مِلَّةُ إبراهيم ـ عليْهِ السَّلامُ ـ سَمْحَةً لَا ضِيقَ فيها، وكذلك دِينُ مُحَمَّدٍ ـ عليه الصلاةُ والسلام ـ دينٌ سَمْحٌ لَا حَرَجَ فيه. قالَ تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} سورة الحج، الآية: 78.[/size]
[size=26.6667]قولُهُ تَعالى: {[/size][size=29.3333]دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً[/size][size=26.6667]} [/size][size=29.3333]دِيناً[/size][size=26.6667]: نَصْبٌ على أَنَّهُ مَصْدَرٌ على المَعنى أَيْ: هَداني هِدايةَ دينٍ قَيِّمٍ، أوْ على إضْمارِ "عَرَّفني ديناً" أوْ الزموا دِيناً. وقال أَبو البَقاءِ: إنَّهُ مَفْعولٌ ثانٍ لِـ "هداني"، وهو غَلَطٌ؛ لأنَّ المَفْعولَ الثاني هُنا هُوَ المَجْرورُ بـ "إلى" فاكْتَفى به. وقالَ مَكّي: إنَّه مَنْصوبٌ على البَدَلِ مِنْ مَحَلِّ "إلى صراط". وقيلَ: إنّه مَنْصوبٌ بـ "هداني" مُقَدَّرَةً لِدلالَةِ "هداني" الأَوَّلُ عَلَيْها، وهُوَ كالذي قَبْلَهُ في المَعْنى. و"مِلَّةَ" بَدَلٌ مِنْ "ديناً" أوْ مَنْصوبٌ بإضْمارِ أَعْني. و"حنيفاً" حالٌ من إبراهيم، وهناك أوجه أخرى ذكرناها عند قوله: {حنيفاً} في الآية 135 من سورة البقرة.[/size]
[size=26.6667]وقَرَأَ الكُوفِيّون وابْنُ عامِرٍ: "قِيَماً" بكسر القافِ وفَتْحِ الياءِ خَفيفَةً وقرأ باقي السبعةِ "قَيِّما" بفَتْحِها وكَسْرِ الياءِ مُشَدَّدَةً. [/size]