[size=26.6667]مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ[/size] [size=26.6667](160)[/size]
[size=26.6667]قولُهُ تعالى شأنُهُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} الحَسَنَةُ: أيْ العَمَلُ الذي هو حَسَنٌ في ذاتِهِ واسْتَحْسَنَهُ الشَّرْعُ الشَريفُ، [/size][size=29.3333]ورآهُ نافعاً للنّاسِ فيهِ طَهارةٌ وتَزْكيةُ رُوحٍ، من إعانةِ مُحْتاجٍ وإغاثةِ مَلْهوفٍ، وغيرِ ذلك ممّا هُو في أَخْلاقِ النَّاسِ أَمْرٌ حَسَنٌ، أوْ فيهِ نَفْعٌ قُصِدَ بِهِ وَجْهُ اللهِ تَعالى[/size][size=26.6667]، وقال عبدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عبَّاسٍ وأبو هُرَيْرَة ـ رضي اللهُ عنهم وعن الصحابةِ أجمعين ـ أيْ: قالَ لا إلِهَ إلاَّ اللهُ، وقال سعيدٌ بْنُ جُبَيْرٍ ـ رضي اللهُ عنهُ: لا. والظاهرُ أَنَّها عامَّةٌ تَشْمَلُ كلَّ عَمَلٍ فيهِ طاعَةٌ للهِ ورَسولِهِ قُدِّمَ ابْتِغاءَ مَرْضاةِ اللهِ ـ سبحانه وتعالى ـ "فله" مِنَ الجَزاءِ يَوْمَ القِيامةِ "عشرُ" حَسَنَاتٍ "أمثالها" وهذا هُو أَقلُّ ما يكافَأُ به عاملُ الحَسَنَةِ، وقد وَرَدَتْ الزيادة على هذا عُموماً وخُصوصاً ففي القُرآنِ الكريمِ قولُهُ تعالى في سورةِ البقرةِ: {مَثَلُ الذينَ يُنفِقونَ أَمْوالَهم في سبيلَ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كلِّ سُنْبُلةٍ مئةُ حَبَّةٍ واللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ} الآية: 261، ووردَ في بعضِ الحَسَنَاتِ أن فاعلها يُجازى عَلَيْها بِغَيْرِ حِسابٍ، فقال ـ سُبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} سورةُ الزمر، الآية: 10. وقال في سورة غافر: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} الآية:40. وقد ثَبَتَ هذا التَضْعيفُ في السُنَّةِ النبويَّةِ المطهَّرةِ أَيْضاً بأَحاديثَ كَثيرةٍ منها: ما أخرجه الحكيمُ الترمِذيُّ عنِ ابْنِ عبّاسٍ ـ رضي اللهُ تعالى عنهما ـ قال، قالَ اللهُ تَعالى: يا موسى إنَّه لَنْ يَلْقاني عبدٌ في حاضِرِ القِيامَةِ إلاَّ فَتَّشْتُهُ عَمَّا في يَدَيْهِ، إلاَّ مَنْ كانَ مِنَ الوَرِعين، فإنّي أَسْتَحْييهم وأُجِلُّهم وأُكْرِمُهم، وأُدْخِلِهم الجَنَّةَ بِغيرِ حسابٍ. كنزُ العُمَّال في سُنَنِ الأَقوالِ والأَفْعالِ: (3 / 435). [/size]
[size=26.6667]وأخرج البيهقيُّ في شُعَبِ الإيمانِ، عنْ كَعْبِ الأَحْبارِ ـ رضي اللهُ عنهُ أَنَّهُ قال: قال رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلَّم: ((يُنادى يَومَ القيامَةِ أَنْ كُلُّ حارثٍ يُعطى بِحَرْثِهِ ويُزادُ، غيرَ أَهْلِ القرآنِ والصِيامِ يُعْطَوْنَ أُجورَهم بِغيرِ حِسابٍ)) البيهقي: (2 / 555). [/size]
[size=26.6667]وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ـ رضي اللهُ عنه ـ قَالَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: ((قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ}. فَأَمَّا الَّذِينَ سَبَقُوا بِالْخَيْرَاتِ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا الَّذِينَ اقْتَصَدُوا فَأُولَئِكَ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا، وَأَمَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ[/size] [size=26.6667]يُحْبَسُونَ فِي طُولِ الْمَحْشَرِ ثُمَّ هُمْ الَّذِينَ تَلَافَاهُمْ اللهُ بِرَحْمَتِهِ فَهُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ـ إِلَى قَوْلِهِ ـ لُغُوبٌ}. مُسْنَدُ أَحْمَدٍ بْنِ حَنْبل ـ طبعة ثانية ـ (36 / 57).[/size]
[size=26.6667]وأخرج ابنُ أبي الدنيا في "ذَمِّ الغَضَبِ" عن أَنٍس ـ رضي اللهُ عنه ـ ((إذا أُوقِفَ العِبادُ نادى مُنادٍ: لِيَقُمْ مَنْ أَجْرُهُ على اللهِ، ولْيَدْخُلِ الجَنَّةَ، قيلَ: مَنْ ذا الذي أَجْرُهُ على اللهِ؟ قال: العافون عنِ الناسِ، فقامَ كذا وكذا أَلْفاً فدَخَلوا الجَنَّةَ بغيرِ حِسابٍ)).[/size]
[size=26.6667]وعن زيد بْنِ أَرقم، أنَّ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ ـ دخلَ عليْهِ يَعودُه مِنْ مَرَضٍ كان بِه، فقال: ((ليسَ عَلَيْكَ مِنْ مَرَضك هذا بأسٌ، ولكنْ كَيْفَ بِكَ إذا عُمِّرْتَ بَعْدي فَعَمِيتَ))؟ قالَ: إذاً أَصْبِرُ وأَحْتَسِبُ، قال: ((إذاً تَدْخُلُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حسابٍ)) فعَميَ بعدَ مَماتِ النَبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلَّم. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: (3 / 764).[/size]
[size=26.6667]وعنه ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَنْ مَشى في حاجةِ أَخيهِ المُسْلِمِ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطوها سَبعينَ حَسَنَةً، ومَحا عَنْهُ سَبْعينَ سَيِّئَةً، إلى أَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ فارَقَهُ، فإنْ قُضِيَتْ حاجتُه على يَدَيْهَ خَرَجَ مِنْ ذُنوبِهِ كَيوم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وإنْ هَلَكَ فيما بَيْنَ ذلكَ دَخَلَ الجَنَّةَ بغيرِ حِسابٍ)). كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: (6 / 447).[/size]
[size=26.6667]وعن السيدة عائشة أمِّ المؤمنين ـ رضي اللهُ عنها ـ عن النبي ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ قال، قال اللهُ ـ عَزَّ وجَلَّ: إنَّ لِعَبْدي عليَّ عَهْداً إنْ أَقامَ الصَلاةَ لِوَقْتِها أَنْ لا أُعَذِّبَهُ، وأَنْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ بغيرِ حِسابٍ)).. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: (7 / 312)[/size]
[size=26.6667]وأخرج أَبو بَكْرٍ النَّقّاشُ والرافِعيُّ في تاريخِهِ، عن أَبي أَيّوبٍ الأنصاريِّ ـ رضي اللهُ عنه ـ أنَّ رسولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((مسألةٌ واحدةٌ يَتَعَلَّمُها المُؤمِنُ خيرٌ لَهُ مِنْ عبادةِ سَنَةٍ وخيرٌ لَهُ مِنْ عتْقِ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إسْماعيل، وإنَّ طالبَ العِلْمِ، والمَرْأَةَ المُطيعةَ لِزَوْجِها، والوَلَدَ البارَّ بِوالديْهِ، يَدْخُلونَ الجَنَّةَ مَعَ الأَنْبِياءِ بِغَيْرِ حِسابْ)).[/size]
[size=26.6667]فهذا بعضٌ مِنَ الأعمالِ الحسنةِ التي رُوي عن النبيِّ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم ـ أنَّ اللهَ ـ تبارك وتعالى ـ يضاعفُ ثوابها حتى يُدخِلَ صاحبَها الجنَّةَ بغيرِ حسابٍ. وورَدَ في السُنَّةِ المُطَهَّرَةِ كذلك تَضعيفُ الجزاءِ إلى سَبعينَ، وإلى سَبْعِمِئةٍ، وإلى أُلوفَ مُؤلَّفةٍ. وفضلُ اللهِ واسِعٌ وعطاؤهُ جَمٌّ، والإيمانُ شَرْطٌ لِقَبولِ العَمَلِ الصالِحِ والمُكافَأَةِ عَلَيْهِ، لقولِهِ تَعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} الأنبياء، الآية: 94. وكذلك قولُهُ في سورة غافر: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} الآية:40. كما أنَّ النيَّةَ الحَسَنَةَ شرطٌ آخرُ: قال تعالى في الآية الأخيرة مِنْ سُورةِ الكَهْفِ: {فمَن كانَ يَرْجو لِقاءَ رَبِّهِ فلْيَعملْ عَمَلاً صالحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّه أَحَداً} وقد تَوسَّعنا في هذا مِنْ قَبْلُ فأغْنى عَنِ الإعادةِ.[/size]
[size=26.6667]قولُهُ: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} أيْ من جاء بالأَعْمالِ السّيِّئَةِ "فلا يُجزى إلاَّ مِثْلَها" مِنْ دونِ زِيادةٍ عَلَيْها، أيْ على قَدْرِها في الخِفَّةِ والعِظَمِ إنْ جُوزِيَ، فالمُشْرِكُ يُجازى على سيئةِ الشِرْكِ بِخُلودِهِ في النّارِ، وفاعلُ المَعْصِيَةِ مِنَ المُسلمينَ يُجازى عليها بمِثْلِها ممّا وَرَدَ[/size] [size=26.6667]تَقديرُه مِنَ العُقوباتِ كَما وَرَدَ بذلك كَثيرٌ مِنَ الأَحاديثِ المُصَرِّحَةِ بأنَّ مَنْ عَمِلَ كذا فعَلَيْهِ كَذا، وقد تقدَّمَ في ذلك بحثٌ أيضاً، وما لمْ يَرِدْ لِعُقوبَتِه تقديرٌ مِنَ الذُنوبِ فعلَيْنا أَنْ نَقولَ يُجازيهِ اللهُ بمثلِهِـ وإنْ لمْ نَقِفْ على حَقيقةِ ما يُجازى بِهِ، هذا إنْ لَمْ يَتُبْ، أَمَّا إذا تابَ أَوْ غَلَبَتْ حَسَناتُهُ سَيِّئاتِهِ، أوْ تَغَمَّدَهُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ وتَفَضَّلَ عَليْهِ بِمَغْفِرَتِهِ، فلا مُجازاةَ، وأَدِلَّةُ الكِتابِ والسُنَّة مُصَرِّحَةٌ بِهذا تَصْريحاً لا يَبْقى بَعْدَهُ رَيْبٌ لِمُرْتابٍ.[/size]
[size=26.6667]قولُه: {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} وهم: أي المحسنون والمسيئون "لا يظلمون" بنقصِ المثوباتِ ولا بزيادة العقوباتِ، والأَوْلى في هذه الآيةِ أنَّ اللفظَ عامٌّ في كُلِّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُها العَبْدُ أوْ سَيِّئَةٍ وإعطاءُ الثَوابِ لِعاملِ الحَسَنَةِ فَضْلٌ مِنَ اللهِ، وجَزاءُ السَيِّئةِ بمِثلِها عَدْلٌ مِنْهُ ـ سًبْحانَه.[/size]
[size=26.6667]وجاء في سببِ نُزولها أنَّ رجلاً مِنَ المُسْلِمينَ قال: يا رسولَ اللهِ، لا إلهَ إلاَّ اللهُ حَسَنَةٌ؟ قال: ((نعمْ أَفْضَلُ الحَسَنَاتِ))، جاء ذلك في حديثٍ مُرْسَلٍ أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حَميدٍ. [/size]
[size=26.6667]قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها} مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ: ابْتِدَاءٌ، وَهُوَ شَرْطٌ، وَ"فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها" جوابُ الشرطِ، أيْ: فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ أَمْثَالِهَا، فَحُذِفَتِ الْحَسَنَاتُ وَأُقِيمَتِ الْأَمْثَالُ الَّتِي هِيَ صِفَتُهَا مَقَامَهَا، جَمْعُ مِثْلٍ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: عِنْدِي عَشَرَةٌ نَسَّابَاتٌ، أَيْ عِنْدِي عَشَرَةُ رِجَالٍ نَسَّابَاتٌ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: حَسُنَ التَّأْنِيثُ فِي "عَشْرُ أَمْثالِها" لَمَّا كَانَ الْأَمْثَالُ مُضَافًا إِلَى مُؤَنَّثٍ، وَالْإِضَافَةُ إِلَى الْمُؤَنَّثِ إِذَا كَانَ إِيَّاهُ فِي الْمَعْنَى يَحْسُنُ فِيهِ ذَلِكَ، نحو: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ}.[/size]
[size=26.6667]وإنما ذكَّر العددَ والمعدودُ مذكَّرٌ لأَوْجُهَ منها: أَنَّ الإِضافةَ لَها تَأْثيرٌ كَما تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ فاكْتَسَبَ المُذَكَّرُ مِنَ المُؤَنَّثِ التَأنيثَ فأُعطيَ حُكْمَ المُؤنَّثِ مِنْ سُقوطِ التاءِ مِنْ عَدَدِهِ؛ ولِذلكَ يُؤنَّثُ فِعْلُه حالةَ إضافتِهِ لِمُؤنَّثٍ نحو: {تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة} يُوسف: 10، وكقولِ الأعشى: [/size]
[size=29.3333]وتَشْرَق بالقول الذي قد أَذَعْتَهُ ......... كما شَرِقَتْ صدرُ القناةِ مِنَ الدَمِ [/size]
[size=26.6667] وكقولِ ذي الرمّةِ: [/size]
[size=29.3333]مَشَيْن كما اهتزت رماحٌ تسفَّهَتْ ..............أَعاليَها مَرُّ الرياح النَّوَاسم[/size] [size=26.6667]إلى غير ذلك مما تقدَّمَ تحقيقُه. ومنها: أنَّ هذا المُذَكَّرَ عِبارةٌ عَنْ مُؤنَّثٍ، فرُوعِيَ المُرادُ دونَ اللَّفظِ وعليْهِ قولُ النوّاحِ الكِلابيِّ: [/size]
[size=26.6667]وإنَّ كلاباً هذه عشرُ أَبْطُنٍ ....................... وأنت بريء من قبائلها العشرِ[/size]
[size=26.6667]فلم يُلْحِقِ التاءَ في عددِ أَبْطُنٍ وهي مُذَكَّرَةٌ لأنَّها عبارةٌ عَنْ مُؤنَّثٍ وهي القبائلُ فكأنَّه قيلَ: وإنَّ كلاباً هذِهِ عَشْرُ قَبائلَ، ومثلُه قولُ عُمَرَ بْنِ أَبي رَبيعَةَ: [/size]
[size=26.6667]وكانَ مِجَنِّي دونَ مَنْ كُنْتُ أَتَّقي ................ ثَلاثُ شُخوصٍ كاعبانِ ومُعْصِرُ[/size]
[size=26.6667]فلم يُلحِقِ التاءَ كذلك في عددِ "شخوصٍ" وهي مُذَكَّرَةٌ لَمَّا كانتْ عِبارةً عَنِ النِّسْوَةِ، فقولُه: كاعبان: مثنى كاعب وهي الجاريةُ إذا بدا حجمُ ثدييها، والمُعْصِرُ: مَنْ أَدْرَكَتْ مِنَ النِّساءِ، وهذا أَحْسَنُ مَمَّا قبلَه للتَصريحِ بالمُؤنَّثِ في قولِهِ: كاعبان ومعصر، وهذا كما أَنَّه إذا أُريدَ بِلَفْظٍ مُؤنَّثٍ مَعْنًى مُذَكَّرٌ فإنَّهم يَنْظُرون إلى المُرادِ دُونَ اللفظِ فيُلْحقونَ التاءَ في عدَدِ المُؤنَّثِ، كقولِ الحطيئة: [/size]
[size=26.6667]ثلاثةُ أنفسٍ وثلاثُ ذُودٍ ........................... لقد جارَ الزمانُ على عِيالي[/size]
[size=26.6667]فأَلْحَقَ التاءَ في عددِ "أنفس" وهي مُؤنَّثةٌ لأنَّها يُرادُ بها ذُكورٌ، ومثلُه قولُهُ تعالى في سورة الأعراف: {اثْنْتي عَشْرَةَ أَسْبَاطاً} الآية: 160. في أَحَدِ الوَجْهيْنِ وسيأتي إنْ شاءَ اللهُ في مَوضِعِهِ.[/size]
[size=26.6667]ومنها: أَنَّه راعى الموصوفَ المَحذوفَ، والتَقديرُ: فَلَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ أَمثالها، ثمَّ حَذَفَ المَوْصوفَ وأَقامَ صِفَتَهُ مُقامَه تاركاً العددَ على حالِهِ، ومثلُه: "مررتُ بِثلاثةِ نَسَّاباتٍ" أُلْحِقَتْ التاءُ في عَدَدِ المُؤنَّثِ مُراعاةً للمَوْصوفِ المَحذوفِ، إذِ الأَصْلُ: بثلاثةِ رجالٍ نَسّاباتٍ. وقال أبو علي: "اجتمعَ هاهنا أَمْران كلُّ مِنْهُما يُوجِبُ التَأْنيثَ، فلمَّا اجتمعا قويَ التَأْنيثُ، أَحَدُهُما: أَنَّ الأَمثالَ في المعنى "حسنات" فجازَ التأنيثُ كقولِه: [/size]
[size=26.6667]وكانَ مِجَنِّي دونَ مَنْ كُنْتُ أَتَّقي ................ ثَلاثُ شُخوصٍ كاعبانِ ومُعْصِرُ[/size]
[size=26.6667]أَرادَ بالشُخوصِ النِّساءَ، الآخر: أَنَّ المُضافَ إلى المُؤنَّثِ قد يُؤنَّثُ وإنْ كان مُذَكَّراً كَقولِ مَنْ قال: "قُطِعَتْ بعضُ أَصابِعِه" وكقولِه ـ تعالى: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة}.[/size]
[size=26.6667]وقرأَ يعقوبُ والحَسَنُ وسَعيدٌ بْنُ جُبيْرٍ والأعْمَشُ وعيسى بْنُ عُمَرَ "عَشْرٌ" بالتَنوينِ، و"أَمثالُها" بالرَّفْعِ صِفَةً لِعَشْرٍ، أي: فَلَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ أَمْثالُ تِلكَ الحَسَنَةِ، وهذِه القراءةُ سالِمَةٌ مِنْ تِلكَ التَأويلات المَذكورةِ في القِراءةِ المَشْهورة.[/size]