وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ.
(126)
قولُه ـ تعالى شأنُه: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا} وهذا: إشارة إلى ما أوحي للنبي ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ ممَّا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنَ الدّينِ والقرآن، أيْ ما جاءَ بِهِ القرآنُ، أوِ الإسلامُ. و"صراط رَبّكَ" طريقُه الذي ارْتَضاهُ، أوْ عادتُه وطريقتُه التي اقْتَضَتْها حِكْمَتُه. و"مُّسْتَقِيماً" أي لا اعْوِجاجَ فيهِ ولا زَيْغَ، أوْ عادلاً مُطَّرِداً، فالصِراطُ هو الطريقُ والخَطُّ المُستقيمُ، بعدَ أَنْ بيَّنَ اللهُ ـ سبحانَه ـ شرْحَ صَدْرِ المُؤمِنِ لِنورِ الحَقِّ، وضِيقَ صَدْرِ الكافِرِ، حتَّى لَا يَدْخُلَ النُّورَ قَلْبُهُ، بَعْدَ ذلِك بيَّنَ الصِراطَ المُسْتَقيمَ. ولا يَخْفَى ما في التَعَرُّضِ لِعُنوانِ الرُّبوبيَّةِ مَعَ الإضافةِ إلى ضَميرِ المُخاطَبِ مِنَ اللُّطفِ.
قولُهُ: {قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} أيْ بَيَّنا الأَدِلَّةَ القائِمَةَ على صِدْقِهِ، أوْ يُرادُ مِن َالآياتِ القُرآنِيَّةِ أيْ بَيَّناها ووضحناها لقومٍ يَتَذَكَّرون ما في تَضاعيفِها، ومِنْ شأنِهِمُ التَذَكُّرُ والإدْراكُ السليمُ، لأنَّه لم يُطمَسْ على قُلوبِهم، ولم تُضَيَّقْ عنِ الحَقِّ صُدورُهم، فيَعلَمونَ أَنّ كُلَّ الحوادِثِ بقَضائِهِ وقدَرِهِ، وأَنَّه ـ سبحانهُ وتعالى ـ حكيمٌ عادلٌ في جميعِ أَفعالِهِ. وتخصيصُ هؤلاءِ القومِ بالذِكْرِ لأنَّهم المُنتفعون بذلك التَفصيل، والله تعالى يَهدي مَنْ يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ.
قولُهُ تعالى: {مُسْتَقِيماً} حالٌ مِنْ "صراط"، والعامِلُ فيهِ إمَّا "ها" لِما فيها مَن مَعنى التَنبيه، وإمَّا "ذا" لِما فيه مِنْ مَعنى الإِشارةِ، وهي حالٌ مؤكِّدَةٌ لصاحبها كقولِكَ: هذا أبوك عطوفاً، وليست مُبَيِّنَةٌ، لأَنَّ صِراطَ اللهِ لا يَكونُ إلاَّ كذلك.