وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا.
(111)
قوله ـ تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا} أيْ ومَنْ يأتِ ذنبًا على عَمْدٍ منْهُ لَه ومعرفةٍ بِه، فإنَّما يَجتَرِحُ وَبَالَ ذلك الذَنْبِ وضُرَّه وخِزْيَهُ وعارَه على نفسِه، دونَ غيرِه مِنْ سائرِ خلقِ الله. والكَسْبُ معناهُ طلبُ ما يَرغبُه الإنسانُ، ويُطلَقُ على ما يَنالُه الإنسانُ مِنْ أُمورِ الدنيا، وما تَنالُه النَّفسُ مِنْ حظوظِها أوْ ما تَراهُ حظًا لَها، وقد وَرَدَ الكَسْبُ في القرآنِ بمعنى طَلَبِ الرِزْقِ، وَوَرَدَ بمعنى فِعلِ الخيْرِ، وَوَرَدَ بمعنى فِعلِ الإثْمِ.
ولاحظْنا في تعبيراتِ القرآنِ الكريمِ عنْ كَسْبِ الآثامِ أنَّها تُقرَنُ بما تَدُلُّ على اسْتِمراءِ النَّفْسِ للشَرِّ، وتأثُّرِها بِه، فقد قال تعالى: {أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} الأنعام: 70، أي تُمنعُ مِن الخَيْرِ بسببِ ما كَسَبَتْهُ مِنْ ذُنوبٍ، وقال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا} الأنعام: 70، وقال تعالى: {إِن الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} الأنعام: 120.
قولُه: {فإنَّما يَكْسِبُه على نفسِهِ} فإنَّ رَيْنَ الإثْمِ يَظهَرُ في الحالِ في صفاءِ مِرآةِ قلبِه يُعميهِ عن رُؤيةِ الحَقِّ ويُصِمُّه عن سَماعِ الحَقِّ كما قالَ تعالى: {كلَّا بَلْ رانَ على قلوبِهم ما كانوا يَكْسِبون} المطفِّفين: 14.
قولُه: {وكان الله عليمًا حكيمًا} وكان اللهُ "علِيمًا" بما تَفعلون، أيُّها المُجادلون عن الذين يَختانون أَنفسَهم، في جدالِكم عنهم وغيرِ ذلك مِنْ أفعالِكم وأفعالِ غيرِكم، وهو يُحصيها عليكم وعليهم، حتَّى يُجازيكم جميعًا بها "حكيمًا" وهو حَكيمٌ بسياستِكم وتدبيرِكم وتدبيرِ جميعِ خلقِه.
وقد نَزَلَتْ هذه الآيةُ في بني أُبيرِق كما ذَكرنا فيما مضى قبلُ.