عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 89 الثلاثاء يونيو 04, 2013 8:39 am | |
| وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) قولُهُ تباركت أسماؤه: { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} كلامٌ مُستأنَفٌ يَتَضَمَّنُ بيانَ حالِ هؤلاءِ المُنافقين، وغلوِّهم وتَماديهم في الكفرِ وتَصديهم لإضلالِ غيرِهم إثْرَ بيانِ كُفرِهم وضلالتِهم في أنفسِهم وإيضاحَ أنَّهم يَوَدُّون أنْ يَكْفُرَ المؤمنون كما كَفروا هم عِناداً وغُلوًّا في الكُفرِ وتَماديًا في الضَلالِ. ولا دَلالةَ في نِسبَةِ الكُفْرِ إليْهم على أنَّه مخلوقٌ لهمُ اسْتِقلالاً لا دخلَ للهِ تعالى فيه لِتكونَ هذه الآيةُ دليلاً على صَرْفِ ما تَقَدَّمَ عن ظاهرِهِ كما زَعَمَ بعضُهم لأنَّ أَفعالَ العِبادِ لها نسبةٌ إلى اللهِ تعالى باعتبارِ الخَلْقِ، ونِسبَةٌ إلى العبادِ باعتبارِ الكَسْبِ.قولُه: {فلا تتَّخذوا منهم أولياءَ} جمعَ "أَوْلِيَاء" مُراعاةً لجمعِ المُخاطبين، فالمُرادُ نهيُ كلِّ واحدٍ من المخاطبين عن أن يَتَّخِذَ أيًّا من المنافقين وليًّا. أيْ إذا كان حالهم على ما ذُكِر مِن الوَدادَةِ فلا تُوالوهم.قولُه: {حتَّى يُهاجِروا في سبيلِ اللهِ} أيْ حتَّى يُؤمِنوا وتَحَقَّقوا من إيمانِهم بِهِجْرةٍ للهِ ـ تعالى ـ ورسولِه ـ صلى الله عليْه وسلَّمَ ـ لا لِغَرضٍ من أغراض الدنيا، المُرادُ بالهِجرةِ هنا الخروجُ معَ الرسولِ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ للقتالِ في سبيلِ اللهِ مُخلِصين صابرين محتسبين، قال عِكْرِمَةُ: هي هِجْرَةٌ أُخْرى. وأصلُ السبيلِ الطريقُ، واستُعْمِلَ كثيراً في الطريقِ المُوصِلَةِ إليه ـ سبحانه وتعالى ـ وهي امْتِثالُ الأَوامِرِ واجتنابُ النَواهي، والآيةُ ظاهرةٌ في وُجوبِ الهِجرةِ. وَالْهِجْرَةُ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا الْهِجْرَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ لِنُصْرَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ هَذِهِ وَاجِبَةً أَوَّلَ الْإِسْلَامِ حَتَّى قَالَ: ((لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ)). وَكَذَلِكَ هِجْرَةُ الْمُنَافِقِينَ مَعَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الْغَزَوَاتِ، وَهِجْرَةُ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ. وَهِجْرَةُ الْمُسْلِمِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فيما خرجه الشِهابُ وابنُ الأعرابي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ـ رضي الله عنهما ـ قَالَ، قال رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ)). وَهَاتَانِ الْهِجْرَتَانِ ثَابِتَتَانِ الْآنَ. وَهِجْرَةُ أَهْلِ الْمَعَاصِي حَتَّى يَرْجِعُوا تَأْدِيبًا لَهُمْ فَلَا يُكَلَّمُونَ وَلَا يُخَالَطُونَ حَتَّى يَتُوبُوا، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَعَ كَعْبٍ وَصَاحِبَيْهِ. "فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ" أي أَعرَضوا عَنِ الهِجْرَةِ في سبيلِ اللهِ تعالى كما قالَ ابْنُ عبَاسٍ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنهُما ـ أيْ إنْ أَعْرَضُوا عَنِ التَّوْحِيدِ وَالْهِجْرَةِ للقتالِ فَأْسِرُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ. "حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" عَامٌّ فِي الْأَمَاكِنِ مِنْ حِلٍّ وَحَرَمٍ. فإنَّ حكمَهم حكمُ سائِرِ المُشركين أَسْرًا وقتْلًا، وقيل: المُرادُ القتلِ لا غير، إلّا أنَّ الأمرَ بالأخذِ لِتَقدُمِه على القتلِ عادةً.قولُه: {وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} أيْ جانبوهم مُجانَبَةً كُلِّيَّةً ولا تَقبَلوا مِنهم وِلايَةً ولا نُصْرَةً أبَداً، كما يُشْعِرُ بذلك المُضارعُ الدَالُّ على الاسْتِمرارِ أو التَكريرُ المُفيدُ للتَأكيدِ.وفي سبب نزولِ الآيةِ أنها نَزَلتْ فيمن رَجَعَ يومَ أُحُدٍ على ما حكاه خبرُ الشيخين وجزم به الخازنُ في تفسيره. قولُه تعالى: {لَوْ تَكْفُرُونَ كما كَفَروا فتكونوا سواءً} لو: إمَّا أن تكونَ مَصدريَّةً تتقدَّرُ معَ ما بعدَها بِمَصْدَرٍ، وذلك المَصدرُ في محلِّ المَفعولِ لـ "وَدُّوا"، وحينئذٍ فلا جوابَ لها، والتقديرُ: وَدُّوا كُفرَكم، أو هي على بابِها مِنْ كونِها حرْفًا لِما كان سَيَقَعُ لِوُقوعِ غيرِه فيكونُ مفعولُ "وَدَّ" محذوفاً، وجوابُ "لو" أيضاً محذوفٌ، لدَلالةِ المَعنى عليهِما، والتقدير: وَدُّوا كُفرَكم لو تَكفُرون كما كفروا لَسُرُّوا بذلك. و"كما كفروا" نعتٌ لِمَصْدَرٍ محذوفٍ تقديرُه: كُفراً مثلَ كُفرِهم، أو حالٌ مِن ضميرِ ذلك المَصدرِ كما هو مذهبُ سِيبَوَيْهِ، و"فتكونوا" عطفٌ على "تكفرون" والتقدير: وَدُّوا كُفرَكم فكونَكم مُسْتَوِينَ مَعَهم في شَرْعهم، ولو نُصِبَ على جوابِ التَمَنّي لَجازَ. وقد جاءَ النَصبُ في جوابِها كقولِه: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ} الشعراء: 102. و"سواءً" خبرُ "تكونون" وهو في الأصلِ مَصدرٌ واقعٌ موقعَ اسمِ الفاعلِ بِمعنى مُسْتَوينَ؛ ولذلكَ وُحِّدَ نحو: "رِجالُ عَدْلٌ". | |
|