عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 79 الخميس مايو 30, 2013 6:29 am | |
| مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً. (79) قَوْلُهُ ـ تَعَالَى شأنُه: {مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}. أَيْ مَا أَصَابَكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ خِصْبٍ وَرَخَاءٍ وَصِحَّةٍ وَسَلَامَةٍ فَبِفَضْلِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْكَ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ جَدْبٍ وَشِدَّةٍ فَبِذَنْبٍ أَتَيْتَهُ عُوقِبْتَ عَلَيْهِ. وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تشريفًا والْمُرَادُ كلُّ فردٍ في أُمَّتِهُ أو هي مجتمعةً، وتعمُّ حقيقَةُ هذا الخطاب المخلوقات جميعاً لأنّه حقيقةُ الحقائقِ، فاللهُ ـ سبحانَه وتعالى ـ مصدرُ كلِّ خيرٍ في هذا الوُجودِ. أَيْ مَا أَصَابَكُمْ يا معشَرَ النَّاسِ مِنْ خِصْبٍ واتِّساعِ رِزْقٍ فَمِنْ تَفَضُّلِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ جَدْبٍ وَضِيقِ رِزْقٍ فَمِنْ أَنْفُسِكُمْ، أَيْ مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِكُمْ وَقَعَ ذَلِكَ بِكُمْ. فقَدْ أريد بالْخِطَابُ الْجِنْسُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ}، العصر: 1و2. أَيْ إِنَّ النَّاسَ لَفِي خُسْرٍ، أَلَا تَرَاهُ بعدها اسْتَثْنَى مِنْهُمْ فَقَالَ: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} وَلَا يُسْتَثْنَى إِلَّا مِنْ جُمْلَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ. وَالْمَعْنَى فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا حَتَّى يَقُولُوا مَا أَصَابَكَ مِنْ حسنةٍ فمن الله. وقيل: إِنَّ أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ مُضْمَرَةٌ، وَالْمَعْنَى أَفَمِنْ نَفْسِكَ؟ ومثلُه قولُه تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ} الشعراء: 22. والمَعنى أوَ تلكَ نِعْمَةٌ؟ وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هَذَا رَبِّي} الأنعام: 77. أَيْ أَهَذَا رَبِّي؟ قَالَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيُّ:رَمَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِدُ لَمْ تُرَعَ ........... فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتُ الْوُجُوهَ هُمُ هُمُأَرَادَ (أَهُمْ) فَأَضْمَرَ أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَسَيَأْتِي. وفي إجراءِ الجَوابِ أوَّلاً: على لسانِ النَبيِّ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ وسَوْقِ البيانِ مِن جهتِهِ ـ تعالى ـ ثانياً: بِطَريقِ تَلوينِ الخِطابِ، والالْتِفاتِ إيذانٌ بمزيدِ الاعْتِناءِ بِه والاهتمامِ بِرَدِّ اعتقادِهمُ الباطلِ وزَعمِهِمُ الفاسِدِ، والإشعارُ بأنَّ مضمونَه مَبنِيٌّ على حِكْمة دقيقةٍ حَرِيَّةٍ بأنْ يَتولّى بَيانَها عَلّامُ الغُيوبِ ـ عزَّ وجَلَّ، والعدولُ عن خِطابِ الجميعِ كما في قوله تعالى: {وَمَا أصابكم مّنْ مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} الشورى: 30. للمُبالَغَةِ في التحقيقِ بقطعِ احتمالِ سببيَّةِ (معصيةِ) بعضِهم لِعُقوبةِ الآخرين.وقيل: الخطابُ له ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ لكنْ لا لِبيانِ حالِه بلْ لبيانِ حالِ الكَفَرَةِ بِطريقِ التَصويرِ، ولَعَلَّ العُدولَ عن خِطابِهم لِإظهارِ كَمالِ السَخَطِ والغَضَبِ عليهم؛ وللإشعارِ بأنَّهم ـ لِفَرْطِ جهلِهم وبَلادَتِهم ـ بِمَعْزِلٍ مِنْ اسْتِحقاقِ الخِطابِ، لاسيَّما بمثلِ هذهِ الحِكْمَةِ الأَنيقَةِ.وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْحَسَنَةُ الْفَتْحُ وَالْغَنِيمَةُ يَوْمُ بَدْرٍ، وَالسَّيِّئَةُ مَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، أَنَّهُمْ عُوقِبُوا عِنْدَ خِلَافِ الرُّمَاةِ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ يَحْمُوا ظَهْرَهُ وَلَا يَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِهِمْ، فَرَأَوُا الْهَزِيمَةَ عَلَى قُرَيْشٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَغْنَمُونَ أَمْوَالَهُمْ فَتَرَكُوا مَصَافَّهُمْ، فَنَظَرَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَكَانَ مَعَ الْكُفَّارِ يَوْمَئِذٍ ظَهْرَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَدْ انكشف مِنَ الرُّماةِ فَأَخَذَ سَرِيَّةً مِنَ الْخَيْلِ وَدَارَ حَتَّى صَارَ خَلْفَ الْمُسْلِمِينَ وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنَ الرُّمَاةِ إِلَّا صَاحِبُ الرَّايَةِ، حَفِظَ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَوَقَفَ حَتَّى اسْتُشْهِدَ مَكَانَهُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ بيانُه فِي (آلِ عِمْرَانَ). فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى نَظِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ {قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها} يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}. وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الحَسَنَةُ ها هنا الطَّاعَةَ وَالسَّيِّئَةُ الْمَعْصِيَةَ كَمَا قَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مَا أَصَبْتَ كَمَا قَدَّمْنَا، إِذْ هُوَ بِمَعْنَى الْفِعْلِ عِنْدَهُمْ وَالْكَسْبِ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْحَسَنَةُ الطَّاعَةَ وَالسَّيِّئَةُ الْمَعْصِيَةَ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: {مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها} الأنعام: 160. وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَهِيَ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُنَا لَهُ مِنَ الْخِصْبِ وَالْجَدْبِ وَالرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ عَلَى نَحْوِ مَا جَاءَ فِي آيَةِ (الْأَعْرَافِ) وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} الأعراف: 130. (بِالسِّنِينَ) أيْ بِالْجَدْبِ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ، حُبِسَ الْمَطَرُ عَنْهُمْ فَنَقَصَتْ ثِمَارُهُمْ وَغَلَتْ أَسْعَارُهُمْ. {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} الأعراف: 131. أَيْ يَتَشَاءَمُونَ بِهِمْ وَيَقُولُونَ هَذَا مِنْ أَجْلِ اتِّبَاعِنَا لَكَ وَطَاعَتِنَا إِيَّاكَ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: {أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ}. يَعْنِي أَنَّ طَائِرَ الْبَرَكَةِ وَطَائِرَ الشُّؤْمِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالنَّفْعِ وَالضُّرِّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا صُنْعَ فِيهِ لِمَخْلُوقٍ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُضِيفُونَهُ للنبيِّ ـ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حَيْثُ قَالَ: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} النساء: 178. كَمَا قَالَ: {أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} آل عمران: 166. أَيْ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَعِلْمِهِ، وَآيَاتُ الْكِتَابِ يَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَشُكُّ فِي أَنَّ كُلَّ شي بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى في سورة الأنبياء: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} الآية: 35. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ} الرعد: 11. أخرجَ التِرْمِذِيُّ عن أبي موسى الأشعريِّ قال: قال رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((لا يُصيبُ عبدًا نَكْبَةً فما فوقَها أوْ ما دُونَها إلّا بِذَنْبٍ وما يَعفو اللهُ ـ تعالى ـ عنْه أَكْثَرُ)). وبهذا النَظَرِ قالَ الفاروقُ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنه: (إنْ أصبت فمِنَ اللهِ وإنْ أَخطأت فمِنَ الشيطان). وأخرجَ ابْنُ أَبي حاتِمٍ عنِ ابْنِ عبّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ أنَّه قال في الآية : (ما كانَ مِنْ نَكبةٍ فَبِذَنْبِكَ وأنَا قَدَّرْتُ ذلك عليكَ) فتدبَّرْ.وَقَدْ تَجَاذَبَ بَعْضُ جُهَّالِ أَهْلِ السُّنَّةِ هَذِهِ الْآيَةَ وَاحْتَجَّ بِهَا، كَمَا تَجَاذَبَهَا الْقَدَرِيَّةُ وَاحْتَجُّوا بِهَا، وَوَجْهُ احْتِجَاجِهِمْ بِهَا أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْحَسَنَةَ هَا هُنَا الطَّاعَةُ، وَالسَّيِّئَةَ الْمَعْصِيَةُ، قَالُوا: وَقَدْ نَسَبَ الْمَعْصِيَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ" إِلَى الْإِنْسَانِ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى، فَهَذَا وَجْهُ تَعَلُّقِهِمْ بِهَا. وَوَجْهُ تَعَلُّقِ الْآخَرِينَ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} النساء: 78. قَالُوا: فَقَدْ أَضَافَ الْحَسَنَةَ وَالسَّيِّئَةَ إِلَى نَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجُهَّالُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، لِأَنَّهُمْ بَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ السَّيِّئَةَ هِيَ الْمَعْصِيَةُ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْقَدَرِيَّةُ إِنْ قَالُوا {مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أَيْ مِنْ طَاعَةٍ {فَمِنَ اللَّهِ} فَلَيْسَ هَذَا اعْتِقَادَهُمْ، لِأَنَّ اعْتِقَادَهُمُ الَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ مَذْهَبَهُمْ أَنَّ الْحَسَنَةَ فِعْلُ الْمُحْسِنِ وَالسَّيِّئَةَ فِعْلُ الْمُسِيءِ. وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ لَكَانَ يَقُولُ: مَا أَصَبْتَ مِنْ حَسَنَةٍ وَمَا أَصَبْتَ مِنْ سَيِّئَةٍ، لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ لِلْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ جَمِيعًا، فَلَا يُضَافُ إِلَيْهِ إِلَّا بِفِعْلِهِ لَهُمَا لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} بَيانٌ لِجَلالَةِ مَنْصِبِهِ ـ صلى اللهُ عليْه وسلَّمَ ـ ومكانتِه عندَ ربِّه بعدَ الذَّبِّ عنْه بأتَمِّ وجْهٍ، وفيه رَدٌّ أيْضًا على مَنْ زَعَمَ اخْتِصاصِ رسالتِه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ بالعَرَبِ، فتعريفُ الناس بـ "الـ" للاسْتِغراقِ، والجارُّ "لـ" متعلِّقٌ بـ "رَسُولاً" وقد قُدِّمَ عليْهِ للاختِصاصِ الناظرِ إلى قيدِ العمومِ أيْ مرسلاً لِكُلِّ النّاسِ لا لِبَعضِهم فقط كما زعموا. ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى ذَا رِسَالَةٍ.وقولُه: {وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً} أَيْ كَفَى اللَّهُ شَهِيدًا عَلَى صِدْقِ رِسَالَةِ نَبِيِّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنَّه صادقٌ. أو شهيداً على عبادِه بما يَعمَلون مِنْ خيرٍ أو شَرٍّ، والالْتِفاتُ لِتربيةِ المَهابَةِ.قولُه تعالى: {ما أَصَابَك مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ} ما: إما شرطيَّةٌ، و"أصابَك" في محلِّ جزمٍ بالشرط. أو مَوصولةٌ بمعنى الذي وجملة "أصابك" صِلةُ المَوصولِ ولا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، والأوَّلُ أَظهَرُ. وقولُه: "مِنْ حَسَنَةٍ" هو المفعولُ به، والفاءُ في "فَمِنَ الله" جوابُ الشَرْطِ على الأوّلِ وزائدةٌ على الثاني، والجارُّ بعدَها خبرٌ لِمُبْتَدأٍ محذوفٍ تقديرُه: فهو مِنَ اللهِ، والجملةُ: إمَّا في محلِّ جَزْمٍ أو رفعٍ على حَسَبِ القوليْن. وقيلَ في قوله "فَمِن نَّفْسِكَ" استفهامٌ وهمزةُ الاستفهامِ محذوفةٌ تقديرُه: أَفَمِنْ نفسِك، وهو كثيرٌ، كما تقدم.وقرأتْ السيدةُ عائشة أمّ المؤمنين ـ رضي اللهُ عنها: "فَمَنْ نفسُك" بفتح ميم "من" ورفعِ السين، على الابتداءِ والخبرِ، أي: أيُّ شيءٍ نفسُك حتى يُنْسَب إليها فِعْلٌ؟. وقولُه: {رسولاً} حالٌ مؤكِدَةٌ، ويجوزُ أن يكونَ مصدرًا مؤكِّدًا بمعنى إرسال، ومِن مجيءِ "رسول" مصدراً قول كُثيِّرِ عَزَّةَ: لقد كَذَبَ الواشون ما بُحْتُ عندهم ............ بِسِرِّ ولا أَرْسَلْتُهمْ برسولِأي بإرسالٍ، بمعنى رسالةٍ. وقولُه: {للناس} جارٌّ ومجرور يَتعلَّقُ بـ "أرسلناك" واللامُ الجارَّةُ للعِلَّةِ. وقيلَ "للناس" حالٌ من "رسولاً" لأنَّه في الأصلَ صفةٌ لِلنَكِرَة فَقُدِّمَ عليْها، وفيه نظرٌ. وقولُه: {وكفى باللهِ شهيدًا} شَهِيداً: نَصْبٌ عَلَى الْبَيَانِ وَالْبَاءُ في "باللهِ" حرف جرٍّ زَائِدَةٌ. | |
|