عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 2 3 الثلاثاء مايو 07, 2013 8:28 pm | |
| وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً. (32) قولُه تعالى شأنه: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ} لمَّا نهى اللهُ تعالى المؤمنين عن أَكلِ أَموالِ الناسِ بالباطلِ وقتْلِ الأنفس بغير حقٍّ، عقَّبَه بالنهيِ عما يُؤدِّي إليْه مِنَ الطمعِ في أموالِهم، فنهى أوَّلاً عن التعرُّض لأموالِهم بالجَوارِحِ، ثمَّ نهى عن التعرُّضِ لِها بالقُلوبِ على سبيلِ الحَسَدِ، وذلك لِتَطهرِ أَعمالِهمُ الظاهرةِ والباطنةِ. فلذلك يقول لهم لا تتمنَّوْا ما أَعطاه اللهُ لبعضِكم وميَّزه به على غيرِه مِنْ مالٍ أو جاهٍ، وكلِّ ما يَجْري التنافسُ فيه، فإنَّ ذلك قِسْمَةٌ صادرةٌ مِنْ حكيمٍ خبيرٍ، وعلى المُفضَلِّ عليه أنْ يَرضى بما قَسَمَ اللهُ لَهُ ولا يَتَمَنّى حظَّ أخيهِ ولا يَحسُدُهُ لأنَّ ذلك اعتِراضٌ على المانِحِ ـ سبحانَه ـ الذي أَتْقَنَ كلَّ شيءٍ وأَحْكَمَه ودبر العالم بحكمته البالغة ونظمه، فهو لا يعطي ولا يمنع إلّا لحكمة، جهلنا ذلك أو علمناه، قال المتنبي:وأظلم خلق الله من باتَ حاسداً ............ لمن بات في نعمائِه يَتَقَلَّبُولذلك قل ابنُ عبّاسٍ ـ رضيَ اللهُ تعالى عنهما: لا يَقلْ أحدُكم ليتَ ما أُعطيَ فلانٌ مِن المالِ والنِعمةِ والمَرأةِ الحسناءِ كان عندي فإنَّ ذلك يَكونُ حَسَداً ولكنْ لِيَقُلْ: اللهُمَّ أَعطِني مثلَه.وجاء في أسباب نزولها أن أُمَّ سَلَمَةَ ـ رضي اللهُ عنها ـ قَالَتْ: يَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا يَغْزُو النِّسَاءُ وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى "وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ". رَواه التِّرْمِذِيُّ. وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَوَّلَ ظَعِينَةٍ قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرَةً. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانوا في الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الصِّبْيَانَ، فَلَمَّا وُرِّثُوا وَجُعِلَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ تَمَنَّى النِّسَاءُ أَنْ لَوْ جُعِلَ أَنْصِبَاؤُهُنَّ كَأَنْصِبَاءِ الرِّجَالِ. وَقَالَ الرِّجَالُ: إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ نُفَضَّلَ عَلَى النِّسَاءِ بِحَسَنَاتِنَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا فُضِّلْنَا عَلَيْهِنَّ فِي الْمِيرَاثِ، فَنَزَلَتْ. والتَّمَنِّي نَوْعٌ مِنَ الْإِرَادَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ، ومِنْه ما يَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي، فَنَهَى اللَّهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ التَّمَنِّي، لِأَنَّ فِيهِ تَعَلُّقَ الْبَالِ وَنِسْيَانَ الْأَجَلِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَدْخُلُ فِي هَذَا النَّهْيِ الْغِبْطَةُ، وَهِيَ أَنْ يَتَمَنَّى الرَّجُلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَالُ صَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَنَّ زَوَالَ حَالِهِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى إِجَازَةِ ذَلِكَ: مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَهِيَ الْمُرَادُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مالًا فهو يُنفِقُه آناءَ الليلِ وآناءَ النَّهَارِ)). فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ((لَا حَسَدَ)) أَيْ لَا غِبْطَةَ أَعْظَمُ وَأَفْضَلُ مِنَ الْغِبْطَةِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ. وَقَدْ نَبَّهَ الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَيْثُ بَوَّبَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ (بَابُ الِاغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ) وقد بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا لَا يَجُوزُ تَمَنِّيهِ، وَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا وَأَشْبَاهِهَا. وَأَمَّا التَّمَنِّي فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَذَلِكَ هُوَ الْحَسَنُ، وَأَمَّا إِذَا تَمَنَّى الْمَرْءُ عَلَى اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْرِنَ أُمْنِيَّتَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي قَوْلِهِ: ((وَدِدْتُ أَنْ أَحْيَا ثُمَّ أُقْتَلَ)). وهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْبُخَارِيُّ كِتَابَ التَّمَنِّي فِي صَحِيحِهِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَمَنِّي الْخَيْرِ وَأَفْعَالِ الْبِرِّ وَالرَّغْبَةِ فِيهَا، وَفِيهِ فَضْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى سَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ تَمَنَّاهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَذَلِكَ لِرَفِيعِ مَنْزِلَتِهَا وَكَرَامَةِ أَهْلِهَا. وَفِي الصَّحِيحِ: ((إِنَّ الشَّهِيدَ يُقَالُ لَهُ تَمَنَّ فَيَقُولُ أَتَمَنَّى أَنْ أَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا حَتَّى أُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى)). وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتمنَّى إيمانَ عمَّيْهِ أبي طالبٍ وأَبِي لَهَبٍ وَصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لا يكون، وكان يَقولُ: ((وا شَوْقاهُ إِلَى إِخْوَانِي الَّذِينَ يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي)). وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّمَنِّيَ لَا يُنْهَى عَنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً إِلَى الْحَسَدِ وَالتَّبَاغُضِ، وَالتَّمَنِّي الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي الْآيَةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ أَنْ يَتَمَنَّى الرَّجُلُ حَالَ الْآخَرِ مِنْ دِينٍ أَوْ دُنْيَا عَلَى أَنْ يَذْهَبَ مَا عِنْدَ الْآخَرِ، وَسَوَاءٌ تَمَنَّيْتَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يعودَ إليْك أو لا. وَهَذَا هُوَ الْحَسَدُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ الَّذِي ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} النساء: 54. وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا خِطْبَةُ الرَّجُلِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَبَيْعُهُ عَلَى بَيْعِهِ، لِأَنَّهُ دَاعِيَةُ الْحَسَدِ وَالْمَقْتِ. وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْغِبْطَةَ وَأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي النَّهْيِ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَبِاللَّهِ تَوْفِيقُنَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَمَنَّى مَالَ أَحَدٍ، أَلَمْ تَسْمَعِ الَّذِينَ قَالُوا: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} القصص: 79. إلى أنْ قَالَ: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ} القصص: 82. حِينَ خُسِفَ به وبداره وبأموالِه: {لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا} القصص: 82. فلَا يجوزُ أن يَتَمَنَّى الرَّجُلُ مَالَ أَخِيهِ وَلَا امْرَأَتَهُ وَلَا خَادِمَهُ وَلَا دَابَّتَهُ ولا بيته ولا سيارتَه..، وَلَكِنْ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مِثْلَهُ. وَهُوَ كَذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ، وكذلك قولُه في القرآن {وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}. وَمِنَ الْحُجَّةِ لِلْجُمْهُورِ قَوْلُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ بِهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ)). الْحَدِيثَ ... وَقَدْ تَقَدَّمَ. خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَالَ وَمَا يُدْرِيهِ لَعَلَّ هَلَاكَهُ فِيهِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا تَمَنَّاهُ لِلدُّنْيَا، وَأَمَّا إِذَا تَمَنَّاهُ لِلْخَيْرِ فَقَدْ جَوَّزَهُ الشَّرْعُ، فَيَتَمَنَّاهُ الْعَبْدُ لِيَصِلَ بِهِ إِلَى الرَّبِّ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} يُرِيدُ مِنَ الثَّوَابِ والعقاب "وَلِلنِّساءِ" كذلك. فَلِلْمَرْأَةِ الْجَزَاءُ عَلَى الْحَسَنَةِ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا كَمَا لِلرِّجَالِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمِيرَاثُ. وَالِاكْتِسَابُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِمَعْنَى الْإِصَابَةِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَنَهَى اللَّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَنِ التَّمَنِّي عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَوَاعِي الْحَسَدِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَصَالِحِهِمْ مِنْهُمْ، فَوَضَعَ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمْ عَلَى التَّفَاوُتِ عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ. قوله تعالى: {وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ)). وَخَرَّجَ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ)). وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالسُّؤَالِ لِلَّهِ تَعَالَى وَاجِبٌ، وَقَدْ أَخَذَ أبو العتاهية هَذَا الْمَعْنَى فَنَظَمَهُ فَقَالَ:لا تَسأَلنَّ بُنَيَّ آدم حاجةً ................... وسلِ الذي أبوابه لا تحجبُ اللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ .............. وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ فاجعل سؤالك للإله فإنما .................... في فضل نعمة ربنا تتقلبوَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ أَبُو الْفَضْلِ الْفَقِيهُ الْمَالِكِيُّ فَأَحْسَنَ:الْتَمِسِ الْأَرْزَاقَ عِنْدَ الَّذِي .................. مَا دُونَهُ إِنْ سِيلَ مِنْ حَاجِبِمَنْ يُبْغِضُ التَّارِكَ تَسْآلَهُ .................. جُودًا وَمَنْ يَرْضَى عَنِ الطَّالِبِوَمَنْ إِذَا قَالَ جَرَى قَوْلُهُ .......................... بِغَيْرِ تَوْقِيعٍ إِلَى كَاتِبِوقال سعيدٌ بْنُ جبيرٍ: "وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ" أي اسألوه الْعِبَادَةَ، لَيْسَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا. وَقِيلَ: سَلُوهُ التَّوْفِيقَ لِلْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ. لكن "فضله" عام تشمل أمور الدين والدنيا. فعَنْ السيدةِ عَائِشَةَ أمِّ المؤمنين ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ أَنَّهَا قَالَتْ: سَلُوا رَبَّكُمْ حَتَّى الشِّبَعِ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يُيَسِّرْهُ اللَّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لَمْ يَتَيَسَّرْ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَأْمُرْ بِالسُّؤَالِ إِلَّا لِيُعْطِيَ. قولُه: {إنَّ اللهَ كان بكلِّ شيءٍ عَليمًا} فهو يَعلمُ ما يَستحِقُّهُ كلُّ إنسانٍ، ففضلُهُ عَنْ عِلْمٍ وحكمةٍ وتِبيانٍ، وفي الأثر: (لا يَزالَ الناسُ بخيرٍ ما تَبايَنوا فإذا تساوَوْا هَلَكوا)، وتباينوا: أي تَفاوتوا. وذلك لاخْتِلالِ النظامِ المُرتَبِطِ بذلك. وقد يُقالُ معناهُ أنَّه لا يُغتمُّ لِتفاوتِ الناسِ في المراتبِ والصنائعِ بأن يَكونَ مثلًا بعضُهم أميرًا وبعضُهم سُلطانًا وبعضُهم وزيرًا وبعضُهم رئيسًا وبعضُهم أهلَ صنائعَ لَتَوقُّفِ النظامِ عليْه. فعلى الإنسان المؤمن العاقل أن يعرف ذلك كلَّه ويسلِّمَ أمره إلى الله في حكمتِه وأحكامه، ولا ضيرَ في أن يسعى لتحسين وضعه بازلاً أقصى جُهدِه متوكِّلاً على مولاه وربِّه، لكنَّه إذا أخفقَ في سعيِهِ فعليه أن يعلمَ أن هذا غير قسومٍ له وإنَّما قسمته في أمرٍ آخرَ ولِيرْضَ بما قُسِمَ له ولا يسخطْ يقولُ اللهُ تعالى في الحديث القدسيِّ: (مَنِ اسْتَسْلَمَ لِقَضائي وصَبَرَ على بَلائي وشَكَرَ لِنَعمائي كَتَبْتُهُ صِدِّيقًا وبَعَثْتُهُ يومَ القيامةِ معَ الصِدِّيقينَ، ومَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضائي ولمْ يَصبِرْ على بلائي ولم يَشكُرْ لِنَعْمائي فلْيِطْلُبْ رَبًا سِوائي).قوله تعالى: {مَا فَضَّلَ الله } ما: موصولةٌ أو نَكِرَةٌ مَوصوفَةٌ، والعائدُ الهاءُ في "بِه". و"بعضَكم" مفعولٌ بـ "فَضَّل" و"على بعضٍ" متعلِّقٌ بِه.قولُه: {واسألوا} الجمهورُ على إثباتِ الهمزةِ في الأمرِ مِنَ السؤالِ المُوجَّهِ نحوَ المُخاطَبِ إذا تقدَّمَه واوٌ أوْ فاءٌ نحو: {فَاسْأَلِ الذين} يونس: 94. و{واسألوا اللهَ مِن فَضْلِهِ} النساء: 32. وابنُ كثيرٍ والكِسائيُّ بنَقْلِ حركةِ الهمزةِ إلى السين تَخفيفاً لِكَثرةِ اسْتِعمالِه. فإنْ لم تتقدَّمْه واوٌ ولا فاءٌ فالكُلُّ على النقلِ نحو: {سَلْ بني إِسْرَائِيلَ} البقرة: 211، وإنْ كان لِغائبٍ فالكُلُّ على الهَمزِ نحوَ: {وَلْيَسْأَلُواْ مَا أَنفَقُواْ} الممتحنة: 10. وتخفيفُ الهمزِ لغةُ الحِجازِ، ويُحتَمَلُ أنْ يَكون ذلك مِن لغةِ مَنْ يَقول: "سال يسال" بألفٍ مَحْضةٍ، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك في البقرةِ عند {سَلْ بني إسرائيل}، وهذا إنَّما يتأتَّى في "سل" و"فسل" وأمَّا "وسَلوا" فلا يتأتَّى فيه ذلك؛ لأنَّه كان يَنبغي أن يُقالَ: سالوا كخَافوا، وقد يُقال: إنَّه التزَم الحذفَ لكثرةِ الدَّوْر. وهو يتعدَّى لاثنينِ، والجلالةُ مفعولٌ أوَّل، وفي الثاني قولان، أحدُهما: أنَّه محذوفٌ تقديره "أمانيَّكم"، أو: شيئاً مِن فضلِه، فحُذِفَ الموصوفُ وبقيتْ صِفتُه نحو: "أطعمتُه من اللحم" أي: شيئاً منه، و"مِنْ" تبعيضيَّةٌ. والآخر: أنَّ "مِنْ" زائدة، والتقديرُ: "واسألوا اللهَ مِن فَضْلِهِ"، وهذا إنَّما يَتمشَّى على رأي الأخفشِ لفِقدانِ الشرطيْن، وهما تنكيرُ المَجرورِ وكونُ الكلامِ غيرَ مُوجَبٍ. | |
|