عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 19 الأربعاء مايو 01, 2013 6:01 am | |
| يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً. (19) قولُه ـ تعالى شأنُه: {يا أيها الذين آمنوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً} خطابٌ للمؤمنين، يا مَنْ آمنْتُمْ بي بِمَحْضِ اخْتِيارِكم، وآمَنْتُمْ بِي إلهاً لَهُ كلُّ صِفاتِ العِلْمِ والقُدْرَةِ والحِكْمَةِ والقَيُّومِيَّةِ، ما دُمْتُمْ قدْ آمنتُمْ بهذا الإلهِ اسْمَعوا مِن الإلهِ الأحكامَ التي يَطْلُبُها مِنكمْ. إذاً فهو لمْ يُنادِ غيرَ المُؤمنين وإنَّما نادى مَن آمَنَ باخْتِيارِهِ وبِتَرجيحِ عَقلِه. وهَذَا مُتَّصِلٌ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الزَّوْجَاتِ. وَالْمَقْصُودُ نَفْيُ الظُّلْمِ عَنْهُنَّ وَإِضْرَارِهِنَّ، وَالْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ. أَيْ لَا يَحِلُّ لكم وِراثةُ النِساءِ "كَرْهاً". و رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا قولَه: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِمَعْنَاهُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَبُو مِجْلَزٍ: كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ يُلْقِي ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ ثَوْبَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَيَصِيرُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ نَفْسِهَا وَمِنْ أَوْلِيَائِهَا، فَإِنْ شَاءَ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ إِلَّا الصَّدَاقَ الَّذِي أَصْدَقَهَا الْمَيِّتُ، وَإِنْ شَاءَ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَأَخَذَ صَدَاقَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَإِنْ شَاءَ عَضَلَهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا وَرِثَتْهُ مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ تَمُوتُ فَيَرِثُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ـ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً". فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوهُنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ فَتَكُونُوا أَزْوَاجًا لَهُنَّ. وَقِيلَ: كَانَ الْوَارِثُ إِنْ سَبَقَ فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ سَبَقَتْهُ فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا كانتْ أَحَقَّ بِنفْسِها، قال السُّدِّيُّ. وَقِيلَ: كَانَ يَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ عَجُوزٌ وَنَفْسُهُ تَتُوقُ إِلَى الشَّابَّةِ فَيَكْرَهُ فِرَاقَ الْعَجُوزِ لِمَالِهَا فَيُمْسِكُهَا وَلَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَالِهَا أَوْ تَمُوتَ فَيَرِثُ مَالَهَا. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَأَمَرَ الزَّوْجَ أَنْ يُطَلِّقَهَا إِنْ كَرِهَ صُحْبَتَهَا وَلَا يُمْسِكْهَا كَرْهًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ـ تَعَالَى: "لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً". وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ إِذْهَابُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، وَأَلَّا تُجْعَلَ النِّسَاءُ يورثْنَ عنِ الرِجالِ كَما يورَثُ المالُ. وَالْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ. وَقِيلَ: لِأَزْوَاجِ النِّسَاءِ إِذَا حَبَسُوهُنَّ مَعَ سُوءِ الْعِشْرَةِ طَمَعاً بإِرْثِهَا، أَوْ يَفْتَدِينَ بِبَعْضِ مُهُورِهِنَّ، وَهَذَا أَصَحُّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} الْعَضْلُ الْمَنْعُ واخْتَلَفوا فِي مَعْنَى الْفَاحِشَةِ، فَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الزِّنَا، وَإِذَا زَنَتِ الْبِكْرُ، وكانت معقوداً عليها ولمْ يَدْخُلْ بها زَوْجُها بعدُ، فَإِنَّهَا تُجْلَدُ مِائَةً وَتُنْفَى سَنَةً، وَتَرُدُّ إِلَى زَوْجِهَا مَا أَخَذَتْ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: إِذَا زَنَتِ امْرَأَةُ الرَّجُلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُضَارَّهَا وَيَشُقَّ عَلَيْهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ فَخُذُوا مُهُورَهُنَّ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو قِلَابَةَ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا فِدْيَةً إِلَّا أَنْ يَجِدَ عَلَى بَطْنِهَا رَجُلًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ". وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: الْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْبُغْضُ وَالنُّشُوزُ، قَالُوا: فَإِذَا نَشَزَتْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهَا، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْفَاحِشَةُ الْبَذَاءُ بِاللِّسَانِ وَسُوءُ الْعِشْرَةِ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَهَذَا فِي مَعْنَى النُّشُوزِ. وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يُجِيزُ أَخْذَ الْمَالِ مِنَ النَّاشِزِ عَلَى جِهَةِ الْخُلْعِ، إِلَّا أَنَّهُ يَرَى أَلَّا يَتَجَاوَزَ مَا أَعْطَاهَا رُكُونًا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: "لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ". وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ النَّاشِزِ جَمِيعَ مَا تَمْلِكُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالزِّنَا أَصْعَبُ عَلَى الزَّوْجِ مِنَ النُّشُوزِ وَالْأَذَى، وَكُلُّ ذَلِكَ فَاحِشَةٌ تُحِلُّ أَخْذَ الْمَالِ. وَإِذَا تَنَزَّلْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِطَابِ فِي الْعَضْلِ الْأَوْلِيَاءُ فَفِقْهُهُ أَنَّهُ مَتَى صَحَّ فِي وَلِيٍّ أَنَّهُ عَاضِلٌ نَظَرَ الْقَاضِي فِي أَمْرِ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا، إِلَّا الْأَبَ فِي بَنَاتِهِ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ في عضلِها صلاحٌ فلا يُعتَرَضُ عليه. قَوْلُهُ: {وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أَيْ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ. وَالْخِطَابُ لِلْجَمِيعِ، إِذْ لِكُلِّ أَحَدٍ عِشْرَةٌ، زَوْجًا كَانَ أَوْ وَلِيًّا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْأَمْرِ فِي الْأَغْلَبِ الْأَزْوَاجُ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ} وَذَلِكَ تَوْفِيَةُ حَقِّهَا مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَأَلَّا يَعْبَسَ فِي وَجْهِهَا بِغَيْرِ ذَنْبٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُنْطَلِقًا فِي الْقَوْلِ لَا فَظًّا وَلَا غَلِيظًا وَلَا مُظْهِرًا مَيْلًا إِلَى غَيْرِهَا. وَالْعِشْرَةُ: الْمُخَالَطَةُ وَالْمُمَازَجَةُ. وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:فَلَئِنْ شَطَّتْ نَوَاهَا مَرَّةً ......................... لَعَلَى عَهْدِ حَبِيبٍ مُعْتَشِرْجَعَلَ الْحَبِيبَ جَمْعًا كَالْخَلِيطِ وَالْغَرِيقِ. فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِحُسْنِ صُحْبَةِ النِّسَاءِ إِذَا عَقَدُوا عَلَيْهِنَّ لِتَكُونَ أَدَمَةُ مَا بَيْنَهُمْ وَصُحْبَتُهُمْ عَلَى الْكَمَالِ، فَإِنَّهُ أَهْدَأُ لِلنَّفْسِ وَأَهْنَأُ لِلْعَيْشِ. وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أنْ يَتَصَنَّعَ لها كما تتصنَّعُ لَه. وقال يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَنْظَلِيُّ: أَتَيْتُ مُحَمَّدَ ابن الْحَنَفِيَّةِ فَخَرَجَ إِلَيَّ فِي مِلْحَفَةٍ حَمْرَاءَ وَلِحْيَتُهُ تَقْطُرُ مِنَ الْغَالِيَةِ (نوعٌ فاخرٌ مِنَ الطِيبِ)، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْمِلْحَفَةَ أَلْقَتْهَا عَلَيَّ امْرَأَتِي وَدَهَنَتْنِي بالطيبِ، وإنَّهُنَّ يَشْتَهينَ مِنّا ما نَشْتَهِيهِ مِنْهُنَّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِامْرَأَتِي كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ الْمَرْأَةُ لِي. وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِلَى مَعْنَى الْآيَةِ يُنْظَرُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَاسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ)). أَيْ لَا يَكُنْ مِنْكَ سُوءُ عِشْرَةٍ مَعَ اعْوِجَاجِهَا، فَعَنْهَا تَنْشَأُ الْمُخَالَفَةُ وَبِهَا يَقَعُ الشِّقَاقُ، وَهُوَ سَبَبُ الْخُلْعِ. قولُه: {وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} خطابٌ للذين يُسيئون العِشْرَةَ مَعَهُنَّ. والمعروفُ ما لا يُنْكِرُهُ الشَرعُ والمُروءةُ، والمُرادُ ههنا النَصَفَةُ في المَبيتِ والنَفَقَةِ وجَمالُ القولِ ونحوُ ذلك. وقيل: المَعروفُ أنْ لا يَضْرِبَها ولا يُسيءَ الكلامَ معها وأنْ يَكونَ مُنْبَسِطَ الوجهِ لها، وقيل: هو أنْ يَتَصَنَّعَ لها كما تَتصنَّعُ له.قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ} أَيْ لِدَمَامَةٍ أَوْ سُوءِ خُلُقٍ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ فَاحِشَةٍ أَوْ نُشُوزٍ، فَهَذَا يُنْدَبُ فِيهِ إِلَى الِاحْتِمَالِ، فَعَسَى أنْ يؤولَ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ يَرْزُقَ اللَّهُ مِنْهَا أَوْلَادًا صالحين. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)) أَوْ قَالَ ((غَيْرُهُ)). الْمَعْنَى: أَيْ لَا يُبْغِضْهَا بُغْضًا كُلِّيًّا يَحْمِلُهُ عَلَى فِرَاقِهَا. أَيْ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَغْفِرُ سَيِّئَتَهَا لِحَسَنَتِهَا وَيَتَغَاضَى عَمَّا يَكْرَهُ لِمَا يُحِبُّ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فَيُخَارُ لَهُ، فَيَسْخَطُ عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْعَاقِبَةِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خِيرَ لَهُ. وَذُكِرَ أنَّ الشَّيْخَ أَبُا مُحَمَّدٍ بْنَ أَبِي زَيْدٍ كان مِنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالْمَعْرِفَةِ. وَكَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ سَيِّئَةُ الْعِشْرَةِ وَكَانَتْ تُقَصِّرُ فِي حُقُوقِهِ وَتُؤْذِيهِ بِلِسَانِهَا، فَيُقَالُ لَهُ فِي أَمْرِهَا وَيُعْذَلُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا، فَكَانَ يَقُولُ: أَنَا رَجُلٌ قَدْ أَكْمَلَ اللَّهُ عَلَيَّ النِّعْمَةَ فِي صِحَّةِ بَدَنِي وَمَعْرِفَتِي وَمَا مَلَكَتْ يَمِينِي، فَلَعَلَّهَا بُعِثَتْ عُقُوبَةً عَلَى ذَنْبِي فَأَخَافُ إِنْ فَارَقْتُهَا أَنْ تَنْزِلَ بِي عُقُوبَةٌ هِيَ أَشَدُّ مِنْهَا. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ الطَّلَاقِ مَعَ الْإِبَاحَةِ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَكْرَهُ شَيْئًا أَبَاحَهُ إِلَّا الطَّلَاقَ وَالْأَكْلَ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْمِعَيَ إِذَا امْتَلَأَ)).قوله تعالى: {أَن تَرِثُواْ النساءَ} في محلِّ رفعٍ على الفاعلِيَّةِ بـ "يَحِلُّ" أي: لا يَحِلُّ لكم إرثُ النساءِ. وقُرئ "لا تَحِلُّ" بالتاء من فوق على تأويل أن تَرثوا: بالوِراثَةِ، وهي مؤنَّثةٌ. و"النساءَ" مفعولٌ بِه: إمَّا على حَذْفِ مضافٍ، أي: أنْ تَرِثوا أموالَ النِّساءِ إنْ كان الخِطابُ للأزواج؛ وعليه فلا يُحتاج إلى حَذْفِ أحدِ المفعولين: إمَّا الأوَّل أو الثاني على جَعْلِ "أنْ تَرِثوا" متعدِّياً لاثْنيْنِ فـ "هُنَّ" والثاني محذوفٌ تقديرُه: أَنْ تَرِثوا مِنْ آبائكمُ النِّساءَ.و"كُرْهاً" مصدرٌ في مَوْضِعِ نصبٍ على الحالِ مِنَ النِّساءِ أيْ: أَنْ تَرثوهُنَّ كارهاتٍ أو مُكْرَهاتٍ. وقَرَأَ الأَخَوانِ "كرهاً" هُنا وفي "براءة" و"الأحقاف" بضمِّ الكافِ، ووافقَهما عاصمٌ وابنُ عامرٍ مِنْ رِوايةِ ابْنِ ذَكوانٍ عنه على ما في الأحقاف، والباقون بالفتح. قولُه: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} تعضلوهنَّ: مجزومٌ بـ "لا" الناهية، وعلامة جزمه حذفُ النونِ لأنَّه مِنَ الأفعالِ الخَمسةِ، وعَطَفَ جُملةَ نهيٍ على جملةٍ خَبريَّة فإنْ لم تُشْتَرَطِ المُناسَبَةُ بيْن الجُمَلِ كما هو مَذهبُ سِيبَويْهِ فواضحٌ، وإنْ اشْتَرْطْنا ذلك كما هو رأيُ بعضِهم فلأنَّ الجملةَ قبلَها في معنى النهي، إذِ التقديرُ: لا تَرثِوا النساءَ كَرهاً فإنَّه غيرُ حلالٍ لَكم. وجعله أبو البقاء على هذا الوجهِ مستأنفاً، يَعني أنَّه ليس بِمعطوفٍ على الفعلِ قبله. ويجوزُ أنْ يكون "تعضلوهنَّ" منصوباً عطفاً على الفِعلِ قبلِه."تَرِثوا"، فتكون الواوُ مُشَرِّكةً عاطفة فِعْلاً على فعل.وقرأ ابنُ مسعودٍ: "ولا أَنْ تَعْضُلوهنَّ" فهذه القراءة تُقَوِّي احتمالَ النَصبِ وأنَّ العَضْلَ مِمَّا لا يَحِلُّ بالنّصِّ. قولُه: {لِتَذْهَبُواْ} اللامُ متعلِّقةٌ بـ "تَعْضُلوهن"، والباءُ في "ببعض" إمّا هي باءُ التعديةِ المُرادِفةُ لهمزتِها أي: لِتَذْهَبُوا بعضَ ما آتيتموهن. أو هي للمُصاحَبَةِ، فيكون الجارُّ في مَحَلِّ نصبٍ على الحال، ويتعلَّقُ بمحذوفٍ أي: لتذهبوا مصحوبين ببعضِ، و"ما" موصولةٌ بمعنى الذي أو نَكِرَةٌ مَوصوفَةٌ، وعلى التقديرين فالعائدُ مَحذوفٌ.قولُه: {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ} إمّا أنْ نقولَ: هو استثناءٌ منقطعٌ، فيكونُ "أن يأتينَ" في محلِّ نصبٍ، أو نقول: هو استثناءٌ مُتَّصِلٌ، وفيه حينئذٍ ثلاثةُ أَوْجُهٍ، أحدُها: أنَّه مُستثْنى مِنْ ظَرْفِ زَمانٍ عامٍّ تقديرُه: "ولا تعضُلوهنَّ في وقتٍ من الأوقات إلّا وقتَ إتيانِهنَّ فاحشةً. الثاني: أنَّه مُستَثْنى مِنَ الأحوالِ العامَّةِ تقديرُه: لا تَعْضُلوهن في حالٍ مِنَ الأحوالِ إلَّا في حالِ إتيانِهِنَّ بِفاحشة. والثالث: أنَّه مُستَثنى مِنَ العِلَّةِ العامَّةِ تقديرُه: لا تعضُلوهن لِعِلَّةٍ مِنَ العِلَلِ إلَّا لإتْيانِهِنَّ بفاحشة. وقيل: هو استثناءٌ متَّصلٌ، تقديرُه: ولا تَعْضُلوهُنَّ في حالٍ إلَّا في حالِ إتيانِ الفاحشةِ. وهذان الوجهان هما في الحقيقة وجهٌ واحدٌ، لأنَّ القائلَ بكونِه منصوباً على الحالِ لا بُدَّ أنْ يُقدِّرَ شيئاً عاماً يجعلُ هذه الحالَ مستثناةً منه.وقرأ ابنُ كثيرٍ وأبو بكرٍ عن عاصمٍ: "مُبَيَّنة" بفتح الياءِ اسمَ مفعولٍ في جميع القرآن، أي: بَيَّنَها مَنْ يَدَّعيها وأوضحَها. والباقون بكسرِها اسمَ فاعلٍ وفيه وَجهانِ، أحدُهُما: أنَّه مِن "بيَّنَ" المُتعدِّي، فعلى هذا يكون المفعولُ محذوفاً تقديرُه مُبيِّنةً حالَ مرتَكِبِها. والثاني: أنَّه مِن بَيَّنَ اللازمِ، فإنَّ "بَيَّن" يكونُ متعدِّياً ولازماً يُقالُ: بانَ الشيءُ وأَبان واسْتَبانَ وبَيَّن وتبيَّن بمعنى واحدٍ أي: ظَهَر. وقرأ بعضُهم: مُبيِنَة بكسرِ الباءِ وسكونِ الياءِ اسمَ فاعلٍ مِن "أبان"، وفيها الوجهان المتقدِّمان في المُشدَّدةِ المَكسورة، لأنَّ "أبان" أيضاً يكون متعدِّياً ولازماً، وأمَّا "مُبَيِّناتٍ" فقرأَها الأخَوانِ وابنُ عامرٍ وحَفصٌ عن عاصمٍ بِكسرِ الياء اسمَ فاعل، والباقون بفتحِها اسمَ مفعولٍ.قولُه: {بالمعروف} الباءُ باءُ الحالِ: إمَّا مِنَ الفاعلِ أيْ: مُصاحِبينَ لهُنَّ بالمعروفِ، أوْ مِنَ المَفعولِ أيْ: مصحوباتٍ بالمعروفِ. ويجوزُ أنْ تكونَ باءَ التَعْدِيَةِ. قولُه: {فعسى} الفاءُ جوابُ الشَرْطِ، وإنَّما اقْتَرَنَتْ بها "عسى" لكونِها جامدةً. والمعنى: فإنْ كرِهتُموهُنَّ فاصْبِروا عليهِنَّ مَعَ الكَراهةِ، فلَعَلَ لَكمْ فيما تَكرهونَ خيْراً كثيراً.وقُرئ "ويَجْعَلُ" برفعِ اللامِ. على أنَّ جملةَ "يجعل" في محل نصبٍ على الحال، يَعني أنها خبرٌ لِمُبْتَدأٍ محذوفٍ والتقديرُ: واللهُ يجعلُ، والجملةُ من المبتدأِ والخبرِ في محل نصبٍ حال؛ لئلَّا يَلزمَ دُخولُ الواو على مُضارعٍ مُثْبَتٍ. و"عسى" هُنا تامَّةٌ لأنَّها رَفَعَتْ "أنْ" وما بعدها، والتقديرُ: فقد قَرُبَتْ كراهتُكم، فاستغنتْ عن تقديرِ خبرٍ، والضمير في "فيه" يعودُ على "شيء" أي: في ذلك الشيءِ المَكروهِ، وقيل: يعودُ على الكُرْهِ المَدلولِ عليْه بالفِعلِ. وقيل: يعودُ على الصَبْرِ وإنْ لم يَجْرِ له ذكر. | |
|