عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 17 الثلاثاء أبريل 30, 2013 8:41 am | |
| إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً. (17) قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ} أيْ إنَّ قَبولَ التوبةِ كالمَحتومِ على اللهِ بِمُقتَضى وعدِهِ مَنْ تابَ عليه إذا قَبِلَ توبتَه. قِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ ذَنْبًا. وَقِيلَ: لِمَنْ جَهِلَ فَقَطْ، وَالتَّوْبَةُ لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ ذَنْبًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ فَرْضٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، لِقَوْلِهِ ـ تَعَالَى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} النور: 31. وَتَصِحُّ مِنْ ذَنْبٍ مَعَ الْإِقَامَةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: لَا يَكُونُ تَائِبًا مَنْ أَقَامَ عَلَى ذَنْبٍ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَعْصِيَةٍ وَمَعْصِيَةٍ هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَإِذَا تَابَ الْعَبْدُ فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَبِلَهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْهَا. وَلَيْسَ قَبُولُ التَّوْبَةِ وَاجِبًا عَلَى اللَّهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ كَمَا قَالَ الْمُخَالِفُ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْوَاجِبِ أَنْ يَكُونَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنَ الْمُوجَبِ عَلَيْهِ، وَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ خَالِقُ الْخَلْقِ وَمَالِكُهُمْ، وَالْمُكَلِّفُ لَهُمْ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ بِوُجُوبِ شي عَلَيْهِ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَهُوَ الصَّادِقُ فِي وَعْدِهِ بِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنِ الْعَاصِينَ مِنْ عِبَادِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ} الشورى: 25. وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ} التوبة: 104. وَقَوْلُهُ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ} طه: 82. فَإِخْبَارُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ أَشْيَاءَ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ يَقْتَضِي وُجُوبَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ. وَالْعَقِيدَةُ أَنَّهُ لا يجبُ عليْه شيءٌ عَقْلًا، فَأَمَّا السَّمْعُ فَظَاهِرُهُ قَبُولُ تَوْبَةِ التَّائِبِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: وَهَذِهِ الظَّوَاهِرُ إِنَّمَا تُعْطِي غَلَبَةَ ظَنٍّ، لَا قَطْعًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَبُولِ التَّوْبَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَدْ خُولِفَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى. فَإِذَا فَرَضْنَا رَجُلًا قَدْ تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا تَامَّةَ الشُّرُوطِ فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ قَبُولُ تَوْبَتِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَقْطَعُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نفسِه عَزَّ وجَلَّ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَكَانَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ يَمِيلُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ وَيُرَجِّحُهُ، وَبِهِ أَقُولُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ أَنْ يَنْخَرِمَ فِي هَذَا التَّائِبِ الْمَفْرُوضِ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ}. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ}. وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِ "عَلَى اللَّهِ" حَذْفًا وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى عَلَى فَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ. وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كما جاء في الصحيحين لِمُعَاذٍ: ((أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ)) قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ((أَنْ يُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ)). فَهَذَا كُلُّهُ مَعْنَاهُ: عَلَى فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ بِوَعْدِهِ الْحَقِّ وَقَوْلِهِ الصِّدْقِ. دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} الأنعام: 12. أَيْ وَعَدَ بِهَا. وقيل: "عَلَى" ها هنا مَعْنَاهَا "عِنْدَ" وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، التَّقْدِيرُ: عِنْدَ اللَّهِ، أَيْ إِنَّهُ وَعَدَ وَلَا خُلْفَ فِي وَعْدِهِ أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ إِذَا كَانَتْ بِشُرُوطِهَا الْمُصَحِّحَةِ لَهَا، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: النَّدَمُ بِالْقَلْبِ، وَتَرْكُ الْمَعْصِيَةِ فِي الْحَالِ، وَالْعَزْمُ عَلَى أَلَّا يَعُودَ إِلَى مِثْلِهَا، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ لَمْ تَصِحَّ التَّوْبَةُ. وَقَدْ قِيلَ مِنْ شُرُوطِهَا: الِاعْتِرَافُ بِالذَّنْبِ وَكَثْرَةُ الِاسْتِغْفَارِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (آلِ عِمْرَانَ) كَثِيرٌ مِنْ مَعَانِي التَّوْبَةِ وَأَحْكَامِهَا. وَلَا خِلَافَ فِيمَا أَعْلَمُهُ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ حَدًّا، وَلِهَذَا قالوا: إِنَّ السَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ وَالْقَاذِفَ مَتَى تَابُوا وَقَامَتِ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمُ الْحُدُودُ. وَقِيلَ: "عَلَى" بِمَعْنَى "مِنْ" أَيْ إِنَّمَا التَّوْبَةُ مِنَ اللَّهِ لِلَّذِينَ.قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ}. السُّوءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَ(الْأَنْعَامِ) {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ} الأنعام: 54. يَعُمُّ الْكُفْرَ وَالْمَعَاصِيَ، فَكُلُّ مَنْ عَصَى رَبَّهُ فَهُوَ جَاهِلٌ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْ مَعْصِيَتِهِ. قَالَ قَتَادَةُ: أَجْمَعَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ فَهِيَ بِجَهَالَةٍ، عَمْدًا كَانَتْ أَوْ جَهْلًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وغيره: الْجَهَالَةُ هُنَا الْعَمْدُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أُمُورُ الدُّنْيَا كُلُّهَا جَهَالَةٌ، يُرِيدُ الْخَاصَّةَ بِهَا الْخَارِجَةَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ جَارٍ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} محمد: 36. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَعْنِي قَوْلَهُ: "بِجَهالَةٍ" اخْتِيَارَهُمُ اللَّذَّةَ الْفَانِيَةَ عَلَى اللَّذَّةِ الْبَاقِيَةِ. وَقِيلَ: "بِجَهالَةٍ" أَيْ لَا يَعْلَمُونَ كُنْهَ الْعُقُوبَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ فُورَكَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَضُعِّفَ قَوْلُهُ هَذَا وَرُدَّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ قَبْلَ الْمَرَضِ وَالْمَوْتِ. وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَا كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَهُوَ قَرِيبٌ. وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ وَالضَّحَّاكُ أَيْضًا وَعِكْرِمَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ: قَبْلَ الْمُعَايَنَةِ لِلْمَلَائِكَةِ وَالسَّوْقِ، وَأَنْ يُغْلَبَ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ حَيْثُ قَالَ:قَدِّمْ لِنَفْسِكَ تَوْبَةً مَرْجُوَّةً .............. قَبْلَ الْمَمَاتِ وَقَبْلَ حَبْسِ الْأَلْسُنِبَادِرْ بِهَا غَلْقَ النُّفُوسِ فَإِنَّهَا ................ ذُخْرٌ وَغُنْمٌ لِلْمُنِيبِ الْمُحْسِنِقَالَ العُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا صَحَّتِ التَّوْبَةُ مِنْهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ، لِأَنَّ الرَّجَاءَ بَاقٍ وَيَصِحُّ مِنْهُ النَّدَمُ وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ)). قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَمَعْنَى مَا لَمْ يُغَرْغِرْ: مَا لَمْ تَبْلُغْ رُوحُهُ حُلْقُومَهُ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّيْءِ الَّذِي يُتَغَرْغَرُ به. قاله الهروي وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَتُوبُونَ عَلَى قُرْبِ عَهْدٍ مِنَ الذَّنْبِ مِنْ غَيْرِ إِصْرَارٍ. وَالْمُبَادِرُ فِي الصِّحَّةِ أَفْضَلُ، وَأَلْحَقُ لِأَمَلِهِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَالْبُعْدُ كل البعد الموت، كما قال مالكُ بنُ الرّيبِ المازنيِّ:يقولون لا تبعد وهم يدفنونني ............... وَأَيْنَ مَكَانُ الْبُعْدِ إِلَّا مَكَانِيَاوَرَوَى صَالِحٌ الْمُرِّيُّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ قَدْ تَابَ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: إِنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا هَبَطَ قَالَ: بِعِزَّتِكَ لَا أُفَارِقُ ابْنَ آدَمَ مَا دَامَ الرُّوحُ فِي جَسَدِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَبِعِزَّتِي لَا أَحْجُبُ التَّوْبَةَ عَنِ ابْنِ آدَمَ مَا لَمْ تُغَرْغِرْ نَفْسُهُ).قوله ـ تعالى: {إِنَّمَا التوبة عَلَى الله} قد تقدَّم الكلام على "إنما" في أوَّلِ البقرةِ وما قيلَ فيها. و"التوبة" مبتدأ ، وفي خبرها وجهان، أظهرهما: أنه "على الله" أي: إنَّما التوبةُ مستقرة على فضلِ اللهِ، ويكون "للذين" متعلِّقاً بما تعلَّقَ بهِ الخبرُ. وأجاز أبو البقاء عند ذِكْرِه هذا الوجهَ أن يكونَ "للذين" متعلِّقاً بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ، قال: فعلى هذا يكون "للذين يعملون السوء" حالاً من الضميرِ في الظَرْفِ وهو "على الله"، والعاملُ فيها الظرفُ أو الاستقرارُ أي: كائنةً للذين، ولا يجوزُ أَنْ يكونَ العاملُ في الحالِ التوبةَ لأنَّه قد فُصِلَ بينَهما بالخبر، وهذا الذي قاله فيه تكلُّفٌ لا حاجةَ إليه.الثاني: أنْ يكونَ الخبرُ "للذين" و"على الله" متعلِّقٌ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ مِنْ شيءٍ مَحذوفٍ، والتقدير: إمَّا التوبةُ إذا كانتْ أو إذ كانتْ على الله للذين يعملون، فـ "إذا" و"إذ" معمولان لـ "الذين"؛ لأنَّ الظرفَ يتقدَّمُ على عاملِه المعنويِّ. و"كان" هذه التامَّةُ وفاعلُها هو صاحبُ الحالِ. ولا يَجوزُ أنْ تكونَ "على الله" حالاً مِنَ الضميرِ المُستَتِرِ في "للذين"، والعامل فيها "للذين" لأنَّه عاملٌ معنويٌّ، والحالُ لا تتقدَّمُ على عامِلِها المَعنوِيِّ. ونَظَّر أبو البقاءِ هذه المسألةَ بقولِهم: هذا بُسْراً أطيبُ منه رُطَباً. يَعني أنَّ التقديرَ هنا: إذ كان بُسْراً أطيبُ منه إذْ كان رُطَباً، ففي هذه المسألةِ أقوالٌ كثيرةٌ مُضطَّرِبةٌ لا يَحْتَمِلُها هذا الكتابُ. وقدَّرَ الشيخُ مُضافيْنِ حُذِفا مِنَ المَبتَدَأِ والخبرِ فقال: التقديرُ: إنَّما قَبُولُ التوبةِ مترتِّبٌ على فضلِ اللهِ، فـ "على" باقيةٌ على بابها مِن الاسْتِعلاءِ.قولُه: {بِجَهَالَةٍ} فيه وجهان، أحدُهما: أنْ يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ مِن فاعلِ "يعملون"، ومعناها المُصاحَبَةُ أي: يَعملون السوءَ مُلْتَبسين بجهالةٍ أي: مُصاحبين لَها، ويَجوزُ أنْ يَكونَ حالاً مِنَ المَفعولِ أي: مُلْتَبِساً بجهالةٍ، وفيه بُعْدٌ وَتَجَوُّزٌ.والثاني: أنْ يَتعلَّق بـ "يعملون" على أنَّها باءُ السببيَّةِ، أي: الحاملُ لهم على عملِ السوءِ هو الجهالة، إذْ لو كانوا عالِمين بما يترتَّبُ على المَعصيةِ متذَكِّرين له حالَ عملِها لم يَقْدُموا عليها كقولِه: ((لا يَزْني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) لأنَّ العقلَ حينئذٍ يكونُ مغلوباً أو مَسْلوباً.قولُه: {مِن قَرِيبٍ} فيه وجهان: أحدُهما: أن تكون "من" لابتداءِ الغايةِ أي: تبتدئُ التوبةُ مِن زمانٍ قريبٍ مِن زمانِ المَعصيَةِ لِئَلَّا يَقَعَ في الإِصرارِ، وهذا إنَّما يَتَأتَّى على قولِ الكُوفيِّين، وأمَّا البَصًريُّون فلا يُجيزون أنْ تَكونَ "مِنْ" لابتداءِ الغايةِ في الزَّمان، ويتأوَّلون ما جاءَ منه، ويكون مفهومُ الآيةِ أنَّه لو تابَ مِنْ زَمانٍ بَعيدٍ لم يدخُلْ في مَنْ خُصَّ بكَرامَةِ قَبولِ التوبةِ على اللهِ المَذكورةِ في هذه الآيةِ، بلْ يكونُ داخلاً فيمن قالَ فيهم {فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم}.والثاني: أنَّها للتبعيضِ أي: بعضَ زمانٍ قريبٍ، يَعني: أيْ جزءً مِنْ أجزاءِ هذا الزمانِ أتى بالتوبةِ فيه فهو تائبٌ مِنْ قَريبٍ. وعلى الوجهين فـ "مِنْ" متعلقةٌ بـ "يتوبون"، و"قريب" صفةٌ لِزمانٍ محذوف كما تقدَّم تَقريرُه، إلَّا أنَّ حَذْفَ هذا المَوصوفِ وإقامةَ هذه الصِفةِ مُقامُه ليس بقياسٍ، إذْ لا يَنقاسُ الحَذْفُ إلَّا في صُوَرٍ، منها أنْ تكونَ الصِفةُ جَرَتْ مَجْرى الأسْماءِ الجَوامِدِ كالأبطحِ والأبرقِ، أو كانت خاصَّةً بجِنْسِ المَوصوفِ نحو مَرَرتُ بكاتبٍ، أو تقدَّم ذِكْرُ مَوصوفِها نحو: اسقِني ماءً ولو بارداً، وما نحن فيه ليس شيئاً من ذلك.وفي قوله: {ثُمَّ يَتُوبُونَ} إعلامٌ بسَعَةِ عفوِه، حيثُ أتى بحرفِ التراخي. والفاء في قوله "فأولئك" مؤذنةٌ بتسبُّبِ قَبولِ اللهِ توبتَهم إذا تابوا من قريب. وضَمَّنَ "يتوب" معنى يَعْطِفُ فلذلك عَدَّى بـ "على". وأمَّا قولُه: "إِنَّمَا التوبة عَلَى الله" فراعَى المضافَ المحذوفَ إذِ التقديرُ: إنَّما قبولُ التوبةِ على اللهِ. | |
|