عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 2 السبت أبريل 20, 2013 2:35 pm | |
| وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً. (2) قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ} شُروعٌ في تَفصيلِ مَوارِدِ الاتِّقاءِ على أَتَمِّ وجهٍ؛ وبدأَ بما يَتعلَّقُ باليتامى إظهاراً لكمالِ العنايةِ بشأنِهم ولِمُلابَسَتِهم بالأرحامِ إذِ الخِطابُ للأوصياءِ والأولياءِ وقلَّما تُفَوَّضُ الوِصايةُ لأجنبيّ، وَأَرَادَ بِالْيَتَامَى الَّذِينَ كَانُوا أَيْتَامًا، كَقَوْلِهِ: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ} وَلَا سِحْرَ مَعَ السُّجُودِ، فَكَذَلِكَ لَا يُتْمَ مَعَ الْبُلُوغِ. وَكَانَ يُقَالُ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَتِيمُ أَبِي طَالِبٍ)). اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ. "وَآتُوا" أَيْ أَعْطُوا. وَالْإِيتَاءُ الْإِعْطَاءُ. وَلِفُلَانٍ أَتْوٌ، أَيْ عَطَاءٌ. وأَتَوْتُ الرَّجُلَ آتُوهُ إِتَاوَةً، وَهِيَ الرِّشْوَةُ. وَالْيَتِيمُ مَنْ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ. وَهَذِهِ الْآيَةُ خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ. نَزَلَتْ فِي قَوْلِ مُقَاتِلٍ وَالْكَلْبِيِّ فِي رَجُلٍ مِنْ غَطَفَانَ كَانَ مَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ لِابْنِ أَخٍ لَهُ يَتِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الْيَتِيمُ طَلَبَ الْمَالَ فَمَنَعَهُ عَمُّهُ، فَنَزَلَتْ، فَقَالَ الْعَمُّ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْحُوبِ الْكَبِيرِ! وَرَدَّ الْمَالَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ وَرَجَعَ بِهِ هَكَذَا فَإِنَّهُ يَحُلُّ دَارَهُ)). يَعْنِي جَنَّتَهُ. فَلَمَّا قَبَضَ الْفَتَى الْمَالَ أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((ثَبَتَ الْأَجْرُ وَبَقِيَ الْوِزْرُ)). فَقِيلَ: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: ((ثَبَتَ الْأَجْرُ لِلْغُلَامِ وَبَقِيَ الْوِزْرُ عَلَى وَالِدِهِ)). لِأَنَّهُ كَانَ مُشْرِكًا. وَإِيتَاءُ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا إِجْرَاءُ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ مَا دَامَتِ الْوِلَايَةُ، إِذْ لَا يُمْكِنُ إِلَّا ذَلِكَ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَخْذَ الْكُلِّيَّ وَالِاسْتِبْدَادَ، كَالصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ الْكَبِيرِ. الثَّانِي الْإِيتَاءُ بِالتَّمَكُّنِ وَإِسْلَامِ الْمَالِ إليه، وذلك عند الابتلاء والإرشاد، وَتَكُونُ تَسْمِيَتُهُ مَجَازًا، الْمَعْنَى: الَّذِي كَانَ يَتِيمًا، وَهُوَ اسْتِصْحَابُ الِاسْمِ. فَإِذَا تَحَقَّقَ الْوَلِيُّ رُشْدَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ إِمْسَاكُ مَالِهِ عَنْهُ وَكَانَ عَاصِيًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً أُعْطِيَ مالَه كُلَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَدًّا. ولَمَّا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِينَاسَ الرُّشْدِ وَذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ}. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: لَمَّا لَمْ يُقَيَّدِ الرُّشْدُ فِي مَوْضِعٍ وَقُيِّدَ فِي مَوْضِعٍ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُمَا، فَأَقُولُ: إِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ سَفِيهٌ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ، وَجَبَ دَفْعُ الْمَالِ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ، عَمَلًا بالآيتين. وقال أبو حنيفة: لما بلغ رشدَه صَارَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَدًّا فَإِذَا صَارَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَدًّا فَكَيْفَ يَصِحُّ إِعْطَاؤُهُ الْمَالَ بِعِلَّةِ الْيُتْمِ وَبِاسْمِ الْيَتِيمِ؟! وَهَلْ ذَلِكَ إِلَّا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ؟. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا بَاطِلٌ لَا وَجْهَ لَهُ، لَا سِيَّمَا عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي يَرَى الْمُقَدَّرَاتِ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَسَيَأْتِي مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي الْحَجْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} أَيْ لَا تَتَبَدَّلُوا الشَّاةَ السَّمِينَةَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِالْهَزِيلَةِ، وَلَا الدِّرْهَمَ الطَّيِّبَ بِالزَّيْفِ. وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِعَدَمِ الدِّينَ لَا يَتَحَرَّجُونَ عَنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى، فَكَانُوا يَأْخُذُونَ الطيِّبَ وَالْجَيِّدَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيُبَدِّلُونَهُ بِالرَّدِيءِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَقُولُونَ: اسْمٌ بِاسْمٍ وَرَأْسٌ بِرَأْسٍ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. هَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالزُّهْرِيِّ وَالسُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ خَبِيثَةٌ وَتَدَعُوا الطَّيِّبَ وَهُوَ مَالُكُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ وَبَاذَانُ: لا تتعجلوا أكلَ الخبيثِ مِنْ أموالِهم وتَدَعو انتظار الرِّزْقِ الْحَلَالِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. يُقَالُ: تَبَدَّلَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ أَيْ أَخَذَهُ مَكَانَهُ. وَمِنْهُ الْبَدَلُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ} قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهَذِهِ الْآيَةُ نَاهِيَةٌ عَنِ الْخَلْطِ فِي الْإِنْفَاقِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَخْلِطُ نَفَقَتَهَا بِنَفَقَةِ أَيْتَامِهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، ثم نسخ بقوله {إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ}. وَقد تَأَوَّلَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ النَّهْيَ عَنِ الْخَلْطِ فَاجْتَنَبُوهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ فَخُفِّفَ عَنْهُمْ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ: إِنَّ (إِلى) بِمَعْنَى مَعَ، أَيْ لَا تُضِيفُوا أَمْوَالَهُمْ وَتَضُمُّوهَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ فِي الْأَكْلِ. فَنُهُوا أَنْ يَعْتَقِدُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى كَأَمْوَالِهِمْ فَيَتَسَلَّطُوا عَلَيْهَا بِالْأَكْلِ وَالِانْتِفَاعِ. قَوْلُهُ ـ تَعَالَى: {إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً} أي إِنَّ الْأَكْلَ كانَ إِثْمًا كَبِيرًا. قولُه ـ تعالى: {بالطَيِّبِ} هو المفعولُ الثاني لـ "تتبدَّلوا"، وقد تقدَّمَ في البقرةِ قولُه ـ تعالى: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ} الآية: 59. أنَّ المَجرورَ بالباء هو المَتروكُ والمَنصوبَ هو الحاصلُ. وتفعَّل هنا بمعنى اسْتفعلَ وهو كثيرٌ، نحو: تَعَجَّلَ وتأخَّرَ بمعنى اسْتَعجَلَ واسْتَأْخَرَ. ومِنْ مَجيءِ تَبَدَّلَ بمَعنى اسْتَبْدَلَ قولُ ذي الرُمَّةِ: فيا كرَمَ السَّكْنِ الذين تَحَمَّلوا .......... عن الدارِ والمُسْتَخْلِفِ المُتَبَدِّلِأي: المستبدل.قوله: {إلى أَمْوَالِكُمْ} إلى: بمعنى "مع" كقولِه: {إِلَى المَرافِقِ} المائدة: 6، وهذا رأيُ الكوفيّين. أو هي على بابِها، وهي ومجرورُها متعلِّقةٌ بمحذوفٍ على أنَّها حالٌ، أي: مضمومةً أو مضافةً إلى أموالكم. ويمكن أنْ يُضمَّنَ "تأكلوا" معنى "تَضُمُّوا" كأنَّه قيلَ: ولا تضمُّوها إلى أموالِكم آكلين. فإنْ قلتَ: قد حَرَّم عليهم أَكلَ مالِ اليَتامى وحدَه ومعَ أموالِهم، فلِمَ وَرَدَ النهيُّ عن أكلِها معَها؟ قلت: لأنَّهم إذا كانوا مُسْتَغنينَ عن أموالِ اليَتامى بما رَزَقهم اللهُ مِنَ الحَلالِ، وهم معَ ذلك يَطْمَعونَ فيها كان القُبحُ أبلغَ والذمُّ ألحقَ، ولأنَّهم كانوا يفعلون كذلك، فنعى عليهم فِعْلَهم، وشنَّعَ بِهم لِيكونَ أَزْجَرَ لهم.قولُه: {إِنَّهُ كَانَ حُوباً} في الهاءِ ثلاثةُ أَوْجُهٍ، أحدُها: أنَّها تَعودُ على الأكْلِ المَفهومِ مِن "لا تأكلوا". والثاني: على التبدُّلِ المَفهومِ مِنْ "لا تَتَبدَّلوا". والثالثُ: عليهِما، ذهاباً بِه مَذْهَبَ اسْمِ الإِشارةِ نحو: {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} البقرة: 68، ومنه قولُ رُؤبة: فِيها خطوطٌ مِن سَواد وَبَلَقْ ................. كأنَّه في الجِلْدِ تَوليعُ البَهَقْ والأوَّلُ أَوْلى، لأنَّه أَقربُ مَذكورٍ.وقرأَ الجُمهورُ: "حُوباً" بضمِّ الحاءِ. وقرأَ الحَسَنُ بفتحِها، وقرأ بعضُهم: "حَاباً" بالألِفِ، وهي لُغاتٌ في المَصدَرِ، والفتحُ لُغةُ تميمٍ. ونَظيرُ الحَوْبِ والحابِ: القولُ والقالُ، والطُّرادُ والطَّرْدُ وهو الإِثمُ وقيل: المَضمومُ اسْمُ مَصدَرٍ. والمفتوحُ مَصدرٌ، وأصلُهُ مِنْ حَوْبِ الإِبِلِ وهو زَجْرُها، فَسُمِّيَ بِه الإِثمُ، لأنَّه يُزْجَرُ بِه، ويُطلَقُ على الذَّنْبِ أيضاً، لأنَّه يُزْجَرُ عنه، ومنْه قولُه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ: ((إن طلاقَ أمِّ أيوبٍ لَحَوْبٌ)). أي: لَذَنْبٌ عظيم، يُقالُ: حابَ يَحُوبُ حَوْباً وحُوباً وحاباً وحَوُوباً وحِيابة. قالَ المُخبَّلُ السَعْدِيُّ: فلا يَدْخُلَنَّ الدهرَ قبرك حُوبٌ ................ فإنَّك تلقاهُ عليك حَسِيبُوقال أميَّةُ بنُ الأَسكرَ اللَّيْثيُّ: وإنَّ مهاجِرَيْنِ تَكَنَّفاه ........................... غداتئذٍ لقد خَطِئا وحاباوالحَوْبةُ: الحاجةُ، ومنه في الدُعاء: "إليكَ أرفعُ حَوْبَتي" وأوقعَ اللهُ بِه الحَوْبةَ، وتحوَّبَ فُلانٌ: إذا خَرَجَ من الحَوْبِ، كتَحَرَّجَ وتَأَثَّمَ، فالتَضعيفُ فيه للسَلْبِ. | |
|