روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 282 (3)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 282 (3) Jb12915568671



فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 282 (3) Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 282 (3)   فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 282 (3) I_icon_minitimeالسبت أكتوبر 20, 2012 11:50 am


وإذا
تَقَرَّرَ وَثَبَتَ الْحُكْمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَقَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ: ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ
وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا دُونَ حُقُوقِ الْأَبْدَانِ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى
ذَلِكَ مِنْ كُلِّ قَائِلٍ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. قَالَ: لِأَنَّ
حُقُوقَ الْأَمْوَالِ أَخْفَضُ مِنْ حُقُوقِ الْأَبْدَانِ، بِدَلِيلِ
قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيهَا. وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي
جِرَاحِ الْعَمْدِ، هَلْ يَجِبُ الْقَوَدُ فِيهَا بِالشَّاهِدِ
وَالْيَمِينِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَجِبُ بِهِ
التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ. وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا
يَجِبُ به شيء، لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَبْدَانِ. قَالَ: وَهُوَ
الصَّحِيحُ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ في
الأموال خاصة، وقال عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ:
يُقْبَلُ فِي الْمَالِ الْمَحْضِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَلَا يُقْبَلُ فِي
النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ الْمَحْضَيْنِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وإن كان
مضمونُ الشهادةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَكِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْمَالِ،
كَالشَّهَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ وَالنِّكَاحِ بَعْدَ الْمَوْتِ، حَتَّى لَا
يُطْلَبَ مِنْ ثُبُوتِهَا إِلَّا الْمَالُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَفِي
قَبُولِهِ اخْتِلَافٌ، فَمَنْ رَاعَى الْمَالَ قَبِلَهُ كَمَا يَقْبَلُهُ
فِي الْمَالِ، وَمَنْ رَاعَى الحال لم بقبلة. وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ:
شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ غَيْرُ جَائِزَةٍ فِي قَوْلِ عَامَّةِ
الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ فِي قَوْلِ
أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ
وَغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا يَشْهَدْنَ فِي الأموال. وكل مالا يَشْهَدْنَ
فِيهِ فَلَا يَشْهَدْنَ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِنَّ فيه، كان معهن رجل
أولم يَكُنْ، وَلَا يَنْقُلْنَ شَهَادَةً إِلَّا مَعَ رَجُلٍ نَقَلْنَ عَنْ
رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ. وَيُقْضَى بِاثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ في كل مالا
يَحْضُرُهُ غَيْرُهُنَّ كَالْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
هَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَفِي بَعْضِهِ اخْتِلَافٌ.


قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ}
فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الصِّفَةِ لِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. قَالَ
ابْنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُ: هَذِهِ مُخَاطَبَةٌ لِلْحُكَّامِ. وَهَذَا
غَيْرُ نَبِيلٍ، وَإِنَّمَا الْخِطَابُ لِجَمِيعِ النَّاسِ، لَكِنِ
الْمُتَلَبِّسَ بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ إِنَّمَا هُمُ الْحُكَّامُ، وَهَذَا
كَثِيرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ يَعُمُّ الْخِطَابُ فِيمَا يَتَلَبَّسُ بِهِ
الْبَعْضُ. ولما قال الله تَعَالَى: “
مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ
دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي الشُّهُودِ مَنْ لَا يُرْضَى، فَيَجِيءُ مِنْ
ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ لَيْسُوا مَحْمُولِينَ عَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى
تَثْبُتَ لَهُمْ، وَذَلِكَ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَهَذَا
قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كُلُّ مُسْلِمٍ ظَاهِرُ
الْإِسْلَامِ مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ فِسْقٍ ظَاهِرٍ فَهُوَ عَدْلٌ وَإِنْ
كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ
وَأَبُو ثَوْرٍ: هُمْ عُدُولُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا عَبِيدًا.
فعمّموا الحكمَ، ويَلزمُ منه قَبُولُ شَهَادَةِ الْبَدَوِيِّ عَلَى
الْقَرَوِيِّ إِذَا كَانَ عَدْلًا مَرْضِيًّا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
وَمَنْ وَافَقَهُ، وَهُوَ مِنْ رِجَالِنَا وَأَهْلِ دِينِنَا. وَكَوْنُهُ
بَدَوِيًّا كَكَوْنِهِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ وَالْعُمُومَاتُ فِي الْقُرْآنِ
الدَّالَّةُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْعُدُولِ تُسَوِّي بَيْنَ
الْبَدَوِيِّ وَالْقَرَوِيِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: “
مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ” وَقَالَ تَعَالَى: “وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ” فَـ “مِنْكُمْ
خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا يَقْتَضِي قَطْعًا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى
الْعَدَالَةِ زَائِدًا عَلَى الإسلام ضرورة، لأنَّ الصفةَ زائدةٌ عَلَى
الْمَوْصُوفِ، وَكَذَلِكَ “
مِمَّنْ تَرْضَوْنَ
مِثْلُهُ، خِلَافَ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، ثُمَّ لَا يُعْلَمُ
كَوْنُهُ مَرْضِيًّا حَتَّى يُخْتَبَرَ حَالُهُ، فَيَلْزَمُهُ أَلَّا
يَكْتَفِيَ بِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ. وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ إِلَى رَدِّ شَهَادَةِ
الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((لَا
تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ)). وَالصَّحِيحُ
جَوَازُ شَهَادَتِهِ إِذَا كَانَ عَدْلًا مَرْضِيًّا، عَلَى مَا يَأْتِي
فِي”النِّسَاءِ” وَ”بَرَاءَةٌ” إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَيْسَ فِي
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرْقٌ بَيْنَ الْقَرَوِيِّ فِي الْحَضَرِ أَوِ
السَّفَرِ، وَمَتَى كَانَ فِي السَّفَرِ فَلَا خِلَافَ فِي قَبُولِهِ.
والْعَدَالَةُ هِيَ الِاعْتِدَالُ فِي الْأَحْوَالِ الدِّينِيَّةِ،
وَذَلِكَ يَتِمُّ بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ مُحَافِظًا
عَلَى مُرُوءَتِهِ وَعَلَى تَرْكِ الصَّغَائِرِ، ظَاهِرَ الْأَمَانَةِ
غَيْرَ مُغَفَّلٍ. وَقِيلَ: صَفَاءُ السَّرِيرَةِ وَاسْتِقَامَةُ
السِّيرَةِ فِي ظَنِّ الْمُعَدِّلِ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ.


ولَمَّا
كَانَتِ الشَّهَادَةُ وِلَايَةً عَظِيمَةً وَمَرْتَبَةً مُنِيفَةً، وَهِيَ
قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ، شَرَطَ تَعَالَى فِيهَا
الرِّضَا وَالْعَدَالَةَ. فَمِنْ حُكْمِ الشَّاهِدِ أَنْ تَكُونَ لَهُ
شَمَائِلُ يَنْفَرِدُ بِهَا وَفَضَائِلُ يَتَحَلَّى بِهَا حَتَّى تَكُونَ
لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ، تُوجِبُ لَهُ تِلْكَ الْمَزِيَّةُ رُتْبَةَ
الِاخْتِصَاصِ بِقَبُولِ قَوْلِهِ، وَيُحْكَمُ بِشُغْلِ ذَمِّهِ
الْمَطْلُوبِ بِشَهَادَتِهِ. وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى جَوَازِ
الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ عِنْدَ
عُلَمَائِنَا عَلَى مَا خَفِيَ مِنَ الْمَعَانِي وَالْأَحْكَامِ.
وَسَيَأْتِي لِهَذَا فِي سُورَةِ “يُوسُفَ” زِيَادَةُ بَيَانٍ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَى
اجْتِهَادِ الْحُكَّامِ، فَرُبَّمَا تَفَرَّسَ فِي الشَّاهِدِ غَفْلَةً
أَوْ رِيبَةً فَيَرُدُّ شَهَادَتَهُ لِذَلِكَ.


قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ: يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ فِي الْأَمْوَالِ دون
الحدود. وهذه مناقضة تُسْقِطُ كَلَامَهُ وَتُفْسِدُ عَلَيْهِ مَرَامَهُ،
لِأَنَّنَا نَقُولُ: حَقٌّ مِنَ الْحُقُوقِ. فَلَا يُكْتَفَى فِي
الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِظَاهِرِ الدَّيْنِ كَالْحُدُودِ، وَإِذْ قَدْ
شَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى الرِّضَا وَالْعَدَالَةَ فِي الْمُدَايَنَةِ كَمَا
بَيَّنَّا فَاشْتِرَاطُهَا فِي النِّكَاحِ أَوْلَى، خِلَافًا لِأَبِي
حَنِيفَةَ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ النكاح ينعقد بشهادة فاسقين. فنفى
الِاحْتِيَاطَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْأَمْوَالِ عَنِ النِّكَاحِ، وَهُوَ
أَوْلَى لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالْحَدِّ
وَالنَّسَبِ. وقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ ضَعِيفٌ جِدًّا،
لِشَرْطِ اللَّهِ تَعَالَى الرِّضَا وَالْعَدَالَةَ، وَلَيْسَ يُعْلَمُ
كَوْنُهُ مَرْضِيًّا بمجرَّدِ الإسلامِ، وإنّما يُعلَمُ بالنظَرِ في
أَحوالٍ حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ. وَلَا يُغْتَرُّ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ: أَنَا
مُسْلِمٌ. فَرُبَّمَا انْطَوَى عَلَى مَا يُوجِبُ رَدَّ شَهَادَتِهِ،
مِثْلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي
الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ} إِلَى
قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ}. وَقَالَ: {وَإِذا
رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ}. الآية.


قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما}
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَى تَضِلَّ تَنْسَى. وَالضَّلَالُ عَنِ
الشَّهَادَةِ إِنَّمَا هُوَ نِسْيَانُ جُزْءٍ مِنْهَا وَذِكْرُ جُزْءٍ،
وَيَبْقَى الْمَرْءُ حَيْرَانَ بَيْنَ ذَلِكَ ضَالًّا. وَمَنْ نَسِيَ
الشَّهَادَةَ جُمْلَةً فَلَيْسَ يُقَالُ: ضَلَّ فِيهَا.


قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا}
قَالَ الْحَسَنُ: جَمَعَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَمْرَيْنِ، وَهُمَا أَلَّا
تَأْبَى إِذَا دُعِيَتْ إِلَى تَحْصِيلِ الشَّهَادَةِ، وَلَا إِذَا
دُعِيَتْ إِلَى أَدَائِهَا، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ
وَالرَّبِيعُ وَابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ لِتَحَمُّلِهَا وَإِثْبَاتِهَا فِي
الْكِتَابِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَى الْآيَةِ إِذَا دُعِيَتْ إِلَى
أَدَاءِ شَهَادَةٍ وَقَدْ حَصَلَتْ عِنْدَكَ. وَأَسْنَدَ النِّقَاشُ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَسَّرَ الْآيَةَ
بِهَذَا، قَالَ مُجَاهِدٌ: فَأَمَّا إِذَا دُعِيَتْ لِتَشْهَدَ أَوَّلًا
فَإِنْ شِئْتَ فَاذْهَبْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا، وقال أَبُو مِجْلَزٍ
وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ
وَغَيْرُهُمْ. وَعَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ الْحُضُورُ عِنْدَ
الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَإِنَّمَا عَلَى الْمُتَدَايِنَيْنِ أَنْ يَحْضُرَا
عِنْدَ الشُّهُودِ، فَإِذَا حَضَرَاهُمْ وَسَأَلَاهُمْ إِثْبَاتَ
شَهَادَتِهِمْ فِي الْكِتَابِ فَهَذِهِ الْحَالَةُ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ
تُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {
وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا}
لِإِثْبَاتِ الشَّهَادَةِ فَإِذَا ثَبَتَتْ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ دُعُوا
لِإِقَامَتِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ فَهَذَا الدُّعَاءُ هُوَ بِحُضُورِهِمَا
عِنْدَ الْحَاكِمِ. وَالْآيَةُ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ جَمَعَتْ أَمْرَيْنِ
عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، فَالْمُسْلِمُونَ مَنْدُوبُونَ إِلَى مَعُونَةِ
إِخْوَانِهِمْ، فَإِذَا كَانَتِ الْفُسْحَةُ لِكَثْرَةِ الشُّهُودِ
وَالْأَمْنِ مِنْ تَعْطِيلِ الْحَقِّ فَالْمَدْعُوُّ مَنْدُوبٌ، وَلَهُ
أَنْ يَتَخَلَّفَ لِأَدْنَى عُذْرٍ، وَإِنْ تَخَلَّفَ لِغَيْرِ عُذْرٍ
فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَا ثَوَابَ لَهُ. وَإِذَا كَانَتِ الضَّرُورَةُ
وَخِيفُ تَعَطُّلُ الْحَقِّ أَدْنَى خَوْفٍ قَوِيَ النَّدْبُ وَقَرُبَ مِنَ
الْوُجُوبِ، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الْحَقَّ يَذْهَبُ وَيَتْلَفُ
بِتَأَخُّرِ الشَّاهِدِ عَنِ الشَّهَادَةِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ الْقِيَامُ
بِهَا، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ مُحَصَّلَةً وَكَانَ الدُّعَاءُ إِلَى
أَدَائِهَا، فَإِنَّ هَذَا الظَّرْفَ آكَدُ، لِأَنَّهَا قِلَادَةٌ فِي
الْعُنُقِ وَأَمَانَةٌ تَقْتَضِي الأداء. وقد دلَّ قولُه: “
وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا
عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ هُوَ الَّذِي يَمْشِي إِلَى الْحَاكِمِ، وَهَذَا
أَمْرٌ بُنِيَ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَعُمِلَ بِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ
وَفَهِمَتْهُ كُلُّ أُمَّةٍ، وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ: “فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى
الْحَكَمُ”. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالْعَبْدُ خَارِجٌ عَنْ جُمْلَةِ
الشُّهَدَاءِ، وَهُوَ يَخُصُّ عُمُومَ قَوْلِهِ: “
مِنْ رِجالِكُمْ
لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُجِيبَ، وَلَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ
يَأْتِيَ، لِأَنَّهُ لَا اسْتِقْلَالَ لَهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا
يَتَصَرَّفُ بِإِذْنِ غَيْرِهِ، فَانْحَطَّ عَنْ مَنْصِبِ الشَّهَادَةِ
كَمَا انْحَطَّ عَنْ مَنْزِلِ الْوِلَايَةِ. نَعَمْ! وَكَمَا انْحَطَّ عَنْ
فَرْضِ الْجُمُعَةِ وَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ العُلَمَاء: هَذَا فِي حَالِ
الدُّعَاءِ إِلَى الشَّهَادَةِ. فَأَمَّا مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ
لِرَجُلٍ لَمْ يَعْلَمْهَا مُسْتَحِقُّهَا الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهَا،
فَقَالَ قَوْمٌ: أَدَاؤُهَا نَدْبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: “
وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا
فَفَرَضَ اللَّهُ الْأَدَاءَ عِنْدَ الدُّعَاءِ، فَإِذَا لَمْ يُدْعَ
كَانَ نَدْبًا، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلَامُ: ((خَيْرُ
الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا)).
رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَدَاءَهَا فَرْضٌ وَإِنْ لَمْ
يُسْأَلْهَا إِذَا خَافَ عَلَى الْحَقِّ ضَيَاعَهُ أَوْ فَوْتَهُ، أَوْ
بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ عَلَى مَنْ أَقَامَ عَلَى تَصَرُّفِهِ عَلَى
الِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ إِلَى غَيْرِ
ذَلِكَ، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ تَحَمَّلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَدَاءُ تِلْكَ
الشَّهَادَةِ، وَلَا يَقِفُ أَدَاؤُهَا عَلَى أَنْ تُسْأَلَ مِنْهُ
فَيُضَيِّعَ الْحَقَّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ
لِلَّهِ} وَقَالَ: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا)). فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ
نَصْرُهُ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ الَّتِي لَهُ عِنْدَهُ إِحْيَاءً
لِحَقِّهِ الَّذِي أَمَاتَهُ الْإِنْكَارُ. ولَا إِشْكَالَ فِي أَنَّ مَنْ
وَجَبَتْ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ الَّتِي
ذَكَرْنَاهَا فَلَمْ يُؤَدِّهَا أَنَّهَا جُرْحَةٌ فِي الشَّاهِدِ
وَالشَّهَادَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى
وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ تِلْكَ الشَّهَادَةَ إِنْ كَانَتْ بِحَقٍّ
مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ كَانَ ذَلِكَ جُرْحَةً فِي تِلْكَ
الشَّهَادَةِ نَفْسِهَا خَاصَّةً، فَلَا يَصْلُحُ لَهُ أَدَاؤُهَا بَعْدَ
ذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الَّذِي يُوجِبُ جُرْحَتَهُ
إِنَّمَا هُوَ فِسْقُهُ بِامْتِنَاعِهِ مِنَ الْقِيَامِ بِمَا وَجَبَ
عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَالْفِسْقُ يَسْلُبُ أَهْلِيَّةَ الشهادة
مطلقًا، وهذا واضح. ولَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاة
والسَّلَامُ: ((خَيْرُ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ
أَنْ يُسْأَلَهَا)). وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ: ((إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ
الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ـ ثُمَّ قَالَ
عِمْرَانُ: فَلَا أَدْرِي أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ـ ثُمَّ يَكُونُ
بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا
يُؤْتَمَنُونَ وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمُ
السِّمَنُ)). أَخْرَجَهُمَا الصَّحِيحَانِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ
عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُرَادَ بِهِ شَاهِدُ الزُّورِ،
فَإِنَّهُ يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُسْتَشْهَدْ، أَيْ بِمَا لَمْ
يَتَحَمَّلْهُ وَلَا حَمَلَهُ. وَذُكِرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ بِبَابِ الْجَابِيَةِ فَقَالَ: (إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا
كَمَقَامِي فِيكُمْ) ثُمَّ قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ
فِي أَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ وَشَهَادَةُ الزُّورِ). الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ
يُرَادَ بِهِ الَّذِي يَحْمِلُهُ الشَّرَهُ عَلَى تَنْفِيذِ مَا يَشْهَدُ
بِهِ، فَيُبَادِرُ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا، فَهَذِهِ
شَهَادَةٌ مَرْدُودَةٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى هَوًى غَالِبٍ عَلَى
الشَّاهِدِ. الثَّالِثُ مَا قَالَهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ رَاوِي
طُرُقِ بَعْضِ هَذَا الْحَدِيثِ:كَانُوا يَنْهَوْنَنَا وَنَحْنُ غِلْمَانٌ
عَنِ الْعَهْدِ وَالشَّهَادَاتِ.


قوله تعالى: {وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ}
تَسْئَمُوا: تَمَلُّوا. وَهَذَا النَّهْيُ عَنِ السَّآمَةِ إِنَّمَا جَاءَ
لِتَرَدُّدِ الْمُدَايَنَةِ عِنْدَهُمْ فَخِيفَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَمَلُّوا
الْكَتْبَ، وَيَقُولَ أَحَدُهُمْ: هَذَا قَلِيلٌ لَا أَحْتَاجُ إِلَى
كَتْبِهِ، فَأَكَّدَ تَعَالَى التَّحْضِيضَ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
إِلَّا مَا كَانَ مِنْ قِيرَاطٍ وَنَحْوِهِ لِنَزَارَتِهِ وَعَدَمِ تشوُّفِ
النفسِ إليه إقرارًا وإنكارًا.


قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} مَعْنَاهُ أَعْدَلُ، يَعْنِي أَنْ يُكْتَبَ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ وَيُشْهَدَ عَلَيْهِ. {وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ} أَيْ أَصَحُّ وَأَحْفَظُ. {وَأَدْنى} مَعْنَاهُ أَقْرَبُ. وَ{تَرْتابُوا} تَشُكُّوا.

قوله تعالى: و{وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ}
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ إِذَا رَأَى الْكِتَابَ وَلَمْ يَذْكُرِ
الشَّهَادَةَ لَا يُؤَدِّيهَا لِمَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنَ الرِّيبَةِ
فِيهَا، وَلَا يؤدي إلّإ ما يَعْلَمُ، لَكِنَّهُ يَقُولُ: هَذَا خَطِّي
وَلَا أَذْكُرُ الْآنَ مَا كَتَبْتُ فِيهِ. وأَكْثَرُ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَمْنَعُ أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ عَلَى خَطِّهِ
إِذَا لَمْ يَذْكُرِ الشَّهَادَةَ. وَاحْتَجَّ مَالِكٌ عَلَى جَوَازِ
ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا}.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَمَّا نَسَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْكِتَابَةَ
إِلَى الْعَدَالَةِ وَسِعَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى خَطِّهِ وَإِنْ لَمْ
يَتَذَكَّرْ.


ذَكَرَ
ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي
الرَّجُلِ يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةٍ فَيَنْسَاهَا قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ
يَشْهَدَ إِنْ وَجَدَ عَلَامَتَهُ فِي الصَّكِّ أَوْ خَطَّ يَدِهِ.
وَفِيمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَكَمَ فِي أَشْيَاءَ غَيْرِ وَاحِدَةٍ
بِالدَّلَائِلِ وَالشَّوَاهِدِ، وَعَنِ الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِهِ مَا
يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْمَذْهَبِ.


قَوْلُهُ
تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها
بَيْنَكُمْ} التقدير: إِلَّا أَنْ تَكُونَ التِّجَارَةُ تِجَارَةً، أَوْ
إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمُبَايَعَةُ تِجَارَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ
نَظَائِرُهُ وَالِاسْتِشْهَادُ عَلَيْهِ. وَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى
مَشَقَّةَ الْكِتَابِ عَلَيْهِمْ نَصَّ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ وَرَفَعَ
الْجُنَاحَ فِيهِ فِي كُلِّ مُبَايَعَةٍ بِنَقْدٍ، وَذَلِكَ فِي
الْأَغْلَبِ إِنَّمَا هُوَ فِي قليل كالمطعوم ونحو لَا فِي كَثِيرٍ
كَالْأَمْلَاكِ وَنَحْوِهَا.


قَوْلُهُ تَعَالَى: {تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ}
يَقْتَضِي التَّقَابُضَ وَالْبَيْنُونَةَ بِالْمَقْبُوضِ. وَلَمَّا
كَانَتِ الرِّبَاعُ وَالْأَرْضُ وَكَثِيرٌ مِنَ الْحَيَوَانِ لَا يَقْبَلُ
الْبَيْنُونَةَ وَلَا يُغَابُ عليه، حَسُنَ الكتْبُ فيها وَلَحِقَتْ فِي
ذَلِكَ مُبَايَعَةُ الدَّيْنِ، فَكَانَ الْكِتَابُ تَوَثُّقًا لِمَا عَسَى
أَنْ يَطْرَأَ مِنَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَتَغَيُّرِ الْقُلُوبِ.
فَأَمَّا إِذَا تَفَاصَلَا فِي الْمُعَامَلَةِ وَتَقَابَضَا وَبَانَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا ابْتَاعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ، فَيَقِلُّ فِي
الْعَادَةِ خَوْفُ التَّنَازُعِ إِلَّا بِأَسْبَابٍ غَامِضَةٍ. وَنَبَّهَ
الشَّرْعُ عَلَى هَذِهِ الْمَصَالِحِ فِي حَالَتَيِ النَّسِيئَةِ
وَالنَّقْدِ وَمَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يُغَابُ، بِالْكِتَابِ
وَالشَّهَادَةِ وَالرَّهْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْبُيُوعُ ثَلَاثَةٌ:
بَيْعٌ بِكِتَابٍ وَشُهُودٍ، وَبَيْعٌ بِرِهَانٍ، وَبَيْعٌ بِأَمَانَةٍ،
وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا بَاعَ بِنَقْدٍ
أَشْهَدَ، وَإِذَا بَاعَ بِنَسِيئَةٍ كَتَبَ.


قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا}
قال الطبري: معناه وأشهدوا على صغيرِهِ وَكَبِيرِهِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ
هَلْ ذَلِكَ عَلَى الواجب أَوِ النَّدْبِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى
الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُ عُمَرَ وَالضَّحَّاكُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ
وَجَابِرُ بْنُ زيد ومُجاهد وداوود بنُ عليّ وابنُه وأبو بكر: هو على
الواجبِ. وَذَهَبَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ إِلَى أَنَّ ذلك على النَدْبِ
والإرشاد لا عَلَى الْحَتْمِ. وَيُحْكَى أَنَّ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ
وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَزَعَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ
هذا القول الْكَافَّةِ، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَلَمْ يَحْكِ عَنْ
أَحَدٍ مِمَّنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ إِلَّا الضَّحَّاكُ. قَالَ وَقَدْ بَاعَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتب. وقال: نسخةُ
كِتَابِهِ:” بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا اشْتَرَى
الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اشترى منه عبدًا ـ أَوْ أَمَةً ـ لَا
دَاءَ وَلَا غَائِلَةَ وَلَا خِبْثَةَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ”.
وَقَدْ بَاعَ وَلَمْ يُشْهِدْ، وَاشْتَرَى وَرَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ
يَهُودِيٍّ وَلَمْ يُشْهِدْ. وَلَوْ كَانَ الْإِشْهَادُ أَمْرًا وَاجِبًا
لَوَجَبَ مَعَ الرَّهْنِ لِخَوْفِ الْمُنَازَعَةِ.


قوله تعلى: {إِنْ تَفْعَلُوا} يَعْنِي الْمُضَارَّةَ، {فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ}
أَيْ مَعْصِيَةٌ. فَالْكَاتِبُ وَالشَّاهِدُ يَعْصِيَانِ بِالزِّيَادَةِ
أَوِ النُّقْصَانِ، وَذَلِكَ مِنَ الْكَذِبِ الْمُؤْذِي فِي الْأَمْوَالِ
وَالْأَبْدَانِ، وَفِيهِ إِبْطَالُ الْحَقِّ. وَكَذَلِكَ إذايتهما إذا كانا
مشغولين معصية وخروج عَنِ الصَّوَابِ مِنْ حَيْثُ الْمُخَالَفَةُ لِأَمْرِ
اللَّهِ. قوله: “
بِكُمْ” تَقْدِيرُهُ فُسُوقٌ حَالٌّ بِكُمْ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ مَنِ اتَّقَاهُ عَلَّمَهُ، أَيْ
يَجْعَلُ فِي قَلْبِهِ نُورًا يَفْهَمُ بِهِ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ، وَقَدْ
يَجْعَلُ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ ابْتِدَاءً فُرْقَانًا، أَيْ فَيْصَلًا
يَفْصِلُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ
فُرْقاناً}. والله أعلم.


قولُه تعالى: {إلى أَجَلٍ} متعلِّقٌ بـ “تدايَنْتُمْ“، ويَجوزُ أنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه صفةٌ لِدَيْن. و”مُسَمَّى” صفةٌ لدَيْن، فيكونُ قد قَدَّم الصفةَ المؤولةَ على الصريحةِ وهو ضعيفٌ، فكان الوجهُ الأولُ أوجَهَ. و”تَدَايَنَ
تفاعَلَ مِن الدَّيْنِ كتبايَعَ مِن البَيْع، يُقالُ: دايَنْتُ الرجلَ أي:
عاملْتُه بِدَيْنٍ، وسواءً كنتَ مُعْطِياً أمْ آخذاً، قال رُؤبةُ:


دايَنْتُ أَرْوى والديونُ تُقْضى ………….. فَمَطَّلَتْ بعضاً وأَدَّتْ بَعْضَا

ويقال: دِنْتُ الرجلَ: إذا بِعْتُهُ بدَيْنٍ، وأَدِنْتُه أنا: أَخَذْتُ منه بدَيْن، فَفَرَّقوا بين فَعَلَ وأَفْعَلَ.

قولُه: {فاكتُبوهُ} الضميرُ يعودُ على “بِدَيْنٍ” وإنَّما ذَكَرَ قولَه: “بدَيْنٍ” ليُعيدَ عليه هذا الضميرَ، وإنْ كان الدَّيْن مفهوماً من قولِهِ: “تدايَنْتُم“، أوْ لأنَّه قد يُقالُ: تَدايَنوا أي: جازى بعضُهم بعضاً فقال: “بَدْينٍ” ليُزِيلَ هذا الاشتراكَ، أو لِيَدُلَّ بِهِ على العُمومِ، أي: أيِّ دَيْنٍ كان مِنْ قليلٍ وكثيرٍ.

وقوله: {إِلَى ا أَجَلٍ} على سبيلِ التأكيدِ، إذْ لا يكونُ الدَّيْنُ إلَّا مؤجَّلاً، وألفُ “مُسَمَّى” مُنْقَلِبةٌ عن ياءٍ، تلك الياءُ مُنقَلِبَةٌ عن واو، لأنَّه من التَسميَةِ، وقد تقدَّم أنَّ المادَّةَ مِنْ سَما يَسْمو.

قولُه: {بالعدل} فيه أوْجُهٌ، أحدُها: أنْ يَكونَ الجارُّ مُتَعَلِّقاً بالفِعْلِ قبلَه. فـ “بالعدلِ
متعلِّقٌ بقولِهِ: فَلْيَكْتُبْ، أي: لِيَكْتُبْ بالحَقِّ، فيجوزُ أَنْ
يكونَ حالًا أي: ليكتبْ عادِلاً، ويَجوزُ أَنْ يكونَ مفعولاً بِهِ أي:
بسببِ العَدْلِ. وتعلِّقٌ بـ “
العدل” بـ “فَلْيَكْتُب
تعلُّقٌ معنويٌّ؛ لأنَّه جازَ فيه أَنْ يكونَ حالاً، وإذا كانَ حالاً
تعلَّقَ بمحذوفٍ لا بنفسِ الفعلِ. وأَنْ يكونَ مفعولاً يعني أن تتعلَّقُ
الباءُ بنفسِ الفعلِ. والثاني: أَنْ يتعلَّقَ بـ “
كاتبٍ”. على أنّه صفةٌ له، أي: كاتبٌ مأمونٌ على ما يَكْتب. وقال ابنُ عطية: الباءُ متعلقةٌ بقولِهِ: “وَلْيَكْتُب“، وليْسَتْ متعلقةً بقولِهِ: “كاتبٌ
لأنّه كان يَلْزَمُ ألاَّ يَكتُبَ وثيقةً إلّا العدلُ في نفسِهِ، وقد
يكتُبها الصَبِيُّ والعبدُ. الثالث: أن تكونَ الباءُ زائدةً، تقديرُهُ:
فَلْيكتب بينكم كاتبُ العدلِ.


قولُه: {أَنْ يَكْتُبَ} مفعولٌ به أي: لا يأبَ الكتابَةَ. و”كما عَلَّمه الله” يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بقولِهِ: “أَنْ يَكْتُبَ
على أنّه نعتٌ لمَصدَرٍ مَحذوفٍ، أو حالٌ من ضميِرِ المَصْدرِ على رأيِ
سِيبَوَيْهِ، والتقديرُ: أَنْ يَكتُبَ كِتابةً مثلَ ما عَلَّمه اللهُ، أو
أَنْ يَكتُبَهُ أي: الكَتْبَ مثلَ ما عَلَّمَه اللهُ. ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ
بقوله: “
فَلْيَكْتُبْ” بعدَه. والظاهرُ تعلُّق الكافِ بقولِهِ: “فَلْيَكْتُب” وقال الزمخشري : ـ بعد أَنْ ذكرَ تعلُّقَهُ بِأَنْ يكتُبَ، وبـ “فليكتب” ـ فإنْ قلتَ: أيُّ فرقٍ بين الوجهين؟ قلتُ: إنْ عَلَّقْتَه بـ “أَنْ يكتب
فقد نَهَى عن الامتناعِ من الكتابةِ المُقيَّدةِ، ثمَّ قيلَ له:
فَلْيَكْتُب تلك الكتابةَ لا يَعْدِلُ عنها، وإنْ عَلَّقْته بقوله: “
فَلْيكتب” فقد نَهَى عن الامتناعِ بالكِتابةِ على سبيلِ الإِطلاق، ثمَّ أَمَرَ بِها مُقيَّدةً. ويجوزُ أن تكونَ متعلقةً بقولِهِ: “لا يَأْبَ“، وتكونُ الكافُ حينئذٍ للتعليلِ. قالَ ابنُ عطية: ويُحْتَمل أن يكونَ “كما” متعلقاً بما في قولِهِ “ولا يأْبَ
من المعنى أي: كما أَنْعَمَ اللهُ عليه بعلمِ الكتابةِ فلا يَأْبَ هو،
وَلْيُفْضِل كما أُفْضِلَ عليه. وهو خلافُ الظاهِرِ، وتكونُ الكافُ في هذا
القولِ للتعليلِ وعلى القولِ بكونِها متعلقةً بقوله: “
فَلْيكتب” يجوزُ أَنْ تكونَ للتعليلِ أيضاً، أي: فلِأجلِ ما عَلَّمه اللَّهُ “فليكتبْ”.

وقرأ العامةُ: “فَلْيكتب” بتسكينِ اللام كقولهم: “كَتْف” في كَتِف، إجراءً للمُنْفَصِلِ مُجْرى المُتَّصِلِ. وقد قرأَ الحسنُ بكسرِها وهو الأصلُ.

قوله: {وَلْيُمْلِلِ}
أمرٌ من أَمَلَّ يُمِلُّ ، فلمَّا سَكَنَ الثاني جَزْماً جَرى فيه لُغتان:
الفَكُّ وهو لُغَةُ الحجازِ، والإِدْغامُ وهو لغةُ تميم، وكذا إذا
سَكَنَوقفاً نحو: أَمْلِلْ عليه وأَمِلَّ، وهذا مطَّرِدٌ في كلِّ مُضاعَفٍ.
وقُرئ هنا شاذّاً: “
وَلْيُمِلَّ” بالإِدغامِ، ويقال: أَمَلَّ يُمِلُّ إملالاً، وأَمْلَى يُمْلي إملاءً. ومِنْ الأولى قولُ ابنِ مُقبِلٍ:

أَلَا يا دِيارَ الحيِّ بالسَّبُعان ……………… أَمَلَّ عليها بالبِلَى المَلَوانِ

ومن
الثانيةِ قولُه تعالى: {فَهِيَ تملى عَلَيْهِ} المائدة: 54، ويُقالُ:
أَمْلَلْتُ وَأَمْلَيْتُ، فقِيلَ: هما لُغتانِ، وقيل: الياءُ بدلٌ من أحدِ
المِثْلَيْنِ، وأصلُ المادَّتين: الإِعادةُ مرةً بعدَ أُخرى.


و”الحقُّ” يَجوزُ أَنْ يكونَ مبتدأً، و”عليه” خبرٌ مقدَّمٌ، ويَجوزُ أَنْ يكونَ فاعِلًا بالجارِّ قبلَه لاعتمادِهِ على الموصولِ، والموصولُ هو فاعِلُ “يُمْلِلْ
ومفعولُه محذوفٌ أي: وَلْيُمْلِلُ الديَّانُ الكتابَ ما عليه مِن الحقِّ،
فَحَذَفَ المفعوليْن للعلمِ بهما. ويتعدَّى بـ “على” إلى أحدِاهما: فيُقال:
أَمْلَلْتُ عليه كذا، ومنه الآيةُ الكريمة.


قولُه: {وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ} يَجوزُ في “منه” أنْ يَكونَ مُتَعَلِّقًا بـ “يبخَسْ“، و”مِنْ” لابتداءِ الغايةِ، والضميرُ في “منه
للحقِّ. والثاني: أنَّها متعلِّقةً بمحذوفٍ لأنَّها في الأصلِ صِفةٌ
للنَكِرَةِ، فلَمَّا قُدِّمَتْ على النَكِرَةِ نُصِبَتْ حالاً. و”
شيئاً“:
إمَّا مفعولٌ بِه وإمَّا مَصدَرٌ. والبَخْسُ: النَّقْصُ، يُقالُ منه:
بَخَسَ زيدٌ عَمْراً حَقَّهُ يَبْخَسُهُ بَخْسَاً، وأصلُهُ مِن: بَخَسْتُ
عينِه، فاستُعيرَ منه بَخْسُ الحَقِّ، كما قالوا: “عَوَرْتُ حَقَّه”
استِعارَةً مِنْ عَوَرِ العَيْنِ. ويُقالُ: بَخَصْتُه بالصّادِ.
والتَباخُسُ في البَيْعِ: التناقُصُ، لأنَّ كُلَّ واحدٍ مِن
المُتبايِعَيْنِ يُنْقِصُ الآخرَ حَقَّه.


قولُه: {أَن يُمِلَّ هُوَ} أَنْ وما في حَيِّزِها في محلِّ نَصْبٍ مفعولاً به، أي: لا يستطيعُ الإِملالَ، و”هو
تأكيدٌ للضميرِ المستتر. وفائدةُ التوكيِدِ به رَفْعُ المَجازِ الذي كان
يَحتمِلُه إِسنادُ الفِعْلِ إلى الضميرِ، والتَنصيصُ على أنَّه غيرُ
مُستطيعٍ بنفسِه.


وقُرئ بإسكان هاء “هو
وهي قراءةٌ ضعيفة لأنَّ هذا الضميرَ كلمةٌ مستقلةٌ مُنفصِلَةٌ عمّا
قبلَها. ومَنْ سَكَّنَهَا أَجرى المُنفَصِلَ مُجْرى المُتَّصلِ. والهاءُ في
وَليُّه” للذي عليه الحقُّ إذا كان متَّصفاً بإحدى الصفاتِ الثلاثِ. وقولُه: “بالعَدْل” كما تقدَّم في نظيرِهِ فلا حاجةَ إلى إعادتِهِ.

وقوله: {واستشهدوا}
يجوزُ أنْ تكونَ السينُ على بابِها من الطلب أي: اطلُبوا شهيدَيْن، ويجوزُ
أن يكونَ استفعلَ بمعنى أَفْعَلَ، نحو: اسْتَعْجَلَ بمعنى أَعْجَل،
واسْتيقن بمعنى أَيْقَنَ. وفي قوله: “
شهيدين” تنبيهٌ على أنَّه يَنبغي أنْ يَكونَ الشاهدُ مِمَّن تَتكرَّرُ منه الشهادةُ حيثُ أتى بِصيغَةِ المُبالَغةِ.

قولُه: {مِّن رِّجَالِكُمْ} يَجوزُ أنْ يتعلَّقَ باسْتَشْهِدوا، وتكونُ “مِنْ” لابتداءِ الغايةِ، ويَجوزُ أنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه صِفةٌ لِشهيدَيْن و”مِنْ” تَبعيضِيَّةٌ.

قوله: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} جَوَّزُوا في “كان
هذه أَنْ تكونَ الناقصةَ وأَنْ تكونَ التامَّةَ، وبالإِعرابين يختلفُ
المعنى: فإنْ كانَتْ ناقصةً فالألفُ اسمُها، وهي عائدةٌ على الشهيدَيْن أي:
فإنْ لّمْ يَكنِ الشاهدان رَجُلَيْن، والمعنى على هذا: إنْ أغْفَلَ ذلك
صاحبُ الحقِّ أو قصَدَ أَنْ لا يُشْهِدَ رجليْن لِغرضٍ لَه، وإنْ كانَتْ
تامةً فيكون “
رجلين
نَصْباً على الحالِ المؤكِّدةِ كقولِهِ: {فَإِن كَانَتَا اثنتين} النساء:
176، ويكونُ المعنى على هذا أنّه لا يُعْدَل إلى ما ذَكَرَ إلّا عندَ عدمِ
الرجال. والألفُ في “
يكونا” عائدةٌ على “شهيدين[font:4ce3='Traditional
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 282 (3)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: