فيضُ العليمِ .... سورةُ البقرة، الآية: 281
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)
قولُهُ تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} المُرادُ ب "يومًا" هوَ يومُ القيامةِ، وتَنْكيرُهُ للتَّفْخيمِ والتَّهْويلِ، وتَعْليقُ الإتِّقاءِ بِهِ للمُبَالَغَة في التَّحْذيرِ عَمَّا فيهِ مِنَ الشَّدائدِ والأَهْوالِ. وقالَ للعَوَامِ هُنَا "وَاتَّقُوا يَوْمًا" وقالَ قبْلَهَا للخَوَاصِ: {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}الآيةَ: 41، مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ المُبَارَكَةِ، أَمَّا الرُّجوعُ إِلَيْهِ ـ سُبْحانَهُ، فهُوَ عَلَى ضَرْبيْنِ: رجوعٌ إِلَيْهِ حِينَ الوَفَاةِ بِالْجَسَدِ والنَّفْسِ، ورُجوعٌ إِلَيْهِ ـ عَزَّ شَأْنُهُ، بالأَسْرارِ والقُلوبِ في كُلِّ نَفَسٍ. وأتى ب "تُرْجَعُونَ" عَلى البِنَاءِ للمَفْعولِ مِنَ الرَّجْعِ، وَقُرِئَ عَلَى البِنَاءِ للفاعِلِ مِنَ الرُّجُوعِ والأَوَّلُ أَدْخَلُ في التَّهْويلِ. وقدْ جِاءَ قَوْلُهُ هُنَا: "وَاتَّقُوا يَوْمًا" تَذْيِيلًا لِمَا تَقدَّمَ مِنْ أَحْكَامٍ لِأَنَّهُ صَالِحٌ لِلتَّرْهِيبِ مِنِ ارْتِكَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ وَالتَّرْغِيبِ فِي فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ أَوْ نُدِبَ إِلَيْهِ، لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ سَلَامَةً مِنْ آثَامِهَا، وَفِي فِعْلِ الْمَطْلُوبَاتِ اسْتِكْثَارًا مِنْ ثَوَابِهَا، وَالْكُلُّ يَرْجِعُ إِلَى اتِّقَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي تُطْلَبُ فِيهِ السَّلَامَةُ وَكَثْرَةُ أَسْبَابِ النَّجَاحِ. وَفِي صحيح الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّ هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ من القرآنِ الكريم. وقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ انْتِقالِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلى الرَّفِيقِ الأَعْلى بِتِسْعِ لَيَالٍ ثمَّ لمْ يَنزِلْ بعدَها شَيْءٌ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وَمُقَاتِلٌ: بِسَبْعِ لَيَالٍ. وَرُوِيَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ. وَرُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ انتقالِهِ إلى الرفيق الأعلى بِثَلَاثِ سَاعَاتٍ، وَأَنَّهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلَامُ، قَالَ: ((اجْعَلُوهَا بَيْنَ آيَةِ الرِّبَا وَآيَةِ الدَّيْنِ)).
وَأخرج أَبُو عُبَيْدٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَريرٍ وَابْنُ الْمُنْذرِ وَابْنُ الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مِرْدُوَيْه وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النبوَّةِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما، أنَّهُ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ عَلى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، "وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله". وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنِ السُّدِّيِّ وعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ مثلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ أيضًا عَنْ أَبي صَالحٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ مِثْلَهُ.
وَأخرجَ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النبوَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما، قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: "وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى اللهِ" نَزَلَتْ بِ "مِنًى"، وَكَانَ بَيْنَ نُزُولِهَا وَبَيْنَ انْتِقالِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلى الرفيقِ الأعلى أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ سَعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ: "وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله" الْآيَة. وعَاشَ النَّبِي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ تِسْعَ لَيَالٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إلى جوارِ ربِّهِ ومولاهُ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبيعٍ الأَوَّل. وَحَكَى مَكِّيٌّ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ اجْعَلْهَا عَلَى رَأْسِ مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ آيَةً)). وَحُكِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهم جميعًا، أَنَّ آخِرَ مَا نَزَلَ مِنَ القرآنِ الكَرِيمِ: "لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ" إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ آخِرَ آيَةٍ هِيَ آيَةُ الْكَلَالَةِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَعْرَفُ وَأَكْثَرُ وَأَصَحُّ وَأَشْهَرُ. وَقَدِ اسْتَقْصَى الْأَقْوَالَ في ذلك الإمامُ جلالُ الدينِ السُيوطيُّ صَاحِبُ الْإِتْقَانِ في علومِ القرآنِ. وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُم، قَالَ: آخَرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ "وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ" فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ ضَعْهَا عَلَى رَأْسِ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ الْبَقَرَةِ. ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ فِي كِتَابِ (الرَّدِّ) لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهَا آخِرُ مَا نَزَلَ، وَأَنَّهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلَامُ، عَاشَ بَعْدَهَا أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ وَاحِدًا وَثَمَانِينَ، وَقِيلَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ تِسْعَةً، وَقِيلَ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ.
وَالْآيَةُ وَعْظٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ وَأَمْرٌ يَخُصُّ كُلَّ إِنْسَانٍ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: كَأَنَّ اللهَ تَعَالَى رَفَقَ بِالْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنْ يُوَاجِهَهُمْ بِذِكْرِ الرَّجْعَةِ، إِذْ هِيَ مِمَّا يَنْفَطِرُ لَهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ لَهُمْ: "وَاتَّقُوا يَوْمًا" ثُمَّ رَجَعَ فِي ذِكْرِ الرَّجْعَةِ إِلَى الْغَيْبَةِ رِفْقًا بِهِمْ. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ الْمُحَذَّرَ مِنْهُ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَالْحِسَابِ وَالتَّوْفِيَةِ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ يَوْمُ الْمَوْتِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ بِحُكْمِ الْأَلْفَاظِ فِي الْآيَةِ. وَفِي قَوْلِهِ: "إِلَى اللهِ" مُضَافٌ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ إِلَى حُكْمِ اللهِ وَفَصْلِ قَضَائِهِ. و "هُمْ" رَدٌّ عَلَى مَعْنَى "كُلُّ" لَا عَلَى اللَّفْظِ، إِلَّا عَلَى قِرَاءَةِ الْحَسَنِ "يُرْجَعُونَ" فَقَوْلُهُ: "وَهُمْ" رَدٌّ عَلَى ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ فِي: "يُرْجَعُونَ".
قولُهُ: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} أَيْ: جَزَاءَ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرِّ، قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: يُريدُ ثَوابَ عَمَلِهَا، خيرًا بخير، وشرًّا بِشَرٍ، و "كُلُّ نَفْسٍ" مِنَ النُّفوسِ والتَعْميمُ للمُبَالَغَةِ في تَهْويلِ اليَوْمِ. وهي وعظٌ لجميعِ النَّاسِ وَأَمْرٌ يَخُصُّ كُلَّ إِنْسَانٍ. وَأَخرجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ سَعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "ثمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ" يَعْنِي مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.
قولُهُ: {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} حالٌ مِنْ كُلِّ نَفْسٍ، تُفيدُ أَنَّ المُعاقَبينَ وإِنْ كانَتْ عُقُوباتُهم مُؤَبَّدَةً غَيْرُ مَظْلومِينَ في ذَلِكَ، لِما أَنَّه مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهم، وجمعُ الضَّميرِ لأَنَّهُ أَنْسَبُ بِحالِ الجَزَاءِ كَمَا أَنَّ الإفْرادَ أَوْفَقُ بِحالِ الكَسْبِ يُريدُ: وهُمْ لا يُنْقَصُون، لا أَهلُ الثوابِ ولا أهْلُ العِقَابِ، وتشمَلُ هذِهِ الآيَةُ جَميعَ الخَلْقِ بَرَّهم وفاجِرَهم. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ سَعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "وهم لَا يظْلمُونَ" يَعْنِي مِنْ أَعْمَالهم لَا يَنْقُصُ مِنْ حَسَنَاتِهم وَلَا يُزَادُ عَلَى سَيِّئاتِهم. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ مُتَعَلِّقٌ بِكَسْبِ الْأَعْمَالِ، وَهُوَ رَدٌّ على الجَبْرِيَّةِ. وقدْ نُكِّرَ "يومًا" للتَّفْخيمِ كَمَا أَنَّ تَعْلِيقَ الاتِّقاءِ بِهِ للمُبَالَغَةِ في التَّحْذيرِ عَمَّا فيهِ مِنَ الشدائدِ التي تَجْعَلُ الوِلْدانَ شِيبًا.
قولُهُ تَعَالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} الواوُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ. و "اتَّقُوا" فِعْلُ أمرٍ مبنيٌّ على حذفِ النونِ مِنْ آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسةِ، والواوُ الدالَّةُ على الجماعةِ ضميرٌمتَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعِلِه، والألِفُ هي الفارقةُ، و "يومًا" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرابِ. و "تُرْجَعُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، مَبْنِيٌّ للمَجْهولِ، وعلامَةُ رفعِهِ ثُبُوتُ والواوُ الدالَّةُ على الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ نائبِ فاعِلِهِ. و "فِيهِ" جارٌ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تُرْجَعُونَ"، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ صِفَةً لِـ "يَوْمًا".
قولُهُ: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} ثُمَّ: حَرْفُ عَطْفٍ وتَرْتيبٍ وتراخٍ، و "تُوَفَّى" فِعْلٌ مضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، مَبْنِيٌّ للمَجْهولِ، وعلامَةُ رفعِهِ ضمَّةٌ مقدَّرةٌ على آخِرِهِ، لتَعذُّرِ ظهورِها على الألِفِ، و "كُلُّ" نائبُ فاعِلِهِ مَرْفُوعٌ وَهُوَ مُضَافٌ، و "نَفْسٍ" مُضَافٌ إِلَيْهِ مجرورٌ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "تُرْجَعُونَ" عَلَى كَوْنِهَا صِفَةً لِـ "يَوْمًا"، ولكنَّ الرَّابِطَ فِيها مُقَدَّرٌ بِ: ثمَّ تُوفَّي فِيهِ كُلُّ نَفْسٍ "كَسَبَتْ". و "مَا" مَوْصولَةٌ، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكُونِ فِي مَحَلِّ نَصْبِ مَفْعولٍ ثانٍ. و "كَسَبَتْ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، والتاءُ لتأنيثِ الفاعلِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ جوازًا، تقديرُهُ "هي" يَعُودُ عَلى "نَفْسٍ"، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذه صِلَةٌ لـِ "مَا"، أَوْ صِفَةٌ لَهَا، والعائدُ أَوِ الرابِطُ مَحْذوفٌ تَقْديرُهُ: مَا كَسِبَتْهُ.
قولُهُ: {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} الواوُ: حالِيَّةٌ، و "هم" ضميرُ جماعةِ الغائبينَ المُنْفَصِلُ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ، و "لا" نافيةٌ لا عَمَلَ لها، و "يُظلَمونَ" فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثبوتُ النونِ في آخِرِهِ، والواوُ الدالَّةُ على الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ نائبِ فاعلِهِ، وجُمْلَةُ "يُظْلَمُونَ" في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ، والجُمْلَةُ الإسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ على الحَالِ مِنْ "كُلُّ نَفْسٍ"، وجَمْعُ الضَّميرِ هُنَا اعْتِبارًا بالمَعْنَى، وأَعادَ الضَّميرَ عَلَيْها أَوَّلًا في "كَسَبَتْ" اعْتِبَارًا باللَّفْظِ، وقُدِّمَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ؛ لأَنَّهُ الأَصْلُ، ولأَنَّ اعْتِبارَ المَعْنَى وَقَعَ رَأْسَ فاصِلَة، فكانَ تَأْخِيرُهُ أَحْسَنَ.
قَرَأَ الجُمْهورُ: {تُرجَعونَ} وقرَأَ أَبُو عَمْرٍو: "تَرْجِعُون" بِفَتْحِ التَّاءِ مَبْنِيًّا للفاعِلِ، وقرَأَ الحَسَنُ: "يَرْجِعُونَ" بياءِ الغَيْبَةِ عَلَى الالْتِفاتِ.