عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 278 الأربعاء أكتوبر 17, 2012 8:48 pm | |
| يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) في هذه الآيةِ الكريمةِ يُبيِّنُ ـ سبحانَه وتعالى ـ طريقَ التوبةِ مِن الرِّبا، والخروجِ مِن مآثَمِهِ، ويَحُثُّ على هذه التوبةِ بإثباتِ أَنَّها مِن مُقتَضَياتِ الإيمانِ. وأوَّلُ طُرِقِ التوبةِ لمن خوطبوا بالقرآن أوَّلَ نُزولِه، أنْ يَترُكوا ما بقي من الرِّبا، فما كَسِبوه قبلَ الخِطابِ بالتحريم فإنَّه في مَرتبةِ العفوِ، أمّا ما يَجيءُ مِن بعدِ ذلك ـ ولو كان بعقد سابقٍ ـ فإنَّه حرامٌ، ولذا خاطبَهم ـ سبحانَه وتعالى ـ بقولِه: {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} وفي ذلك نَهيٌ عن أخذِ ما استَحَقَّ بالعُقودِ السابقة. وقد تَأَكَّدَ النَّهْيُ بثلاثةِ مؤكّداتٍ، هي: 1 ـ تصديرُ النداء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإنَّ ذلك التصديرَ لِبيانِ أنَّ تركَ الرِّبا مِن شأنِ الإيمانِ ومُقتَضَياتِهِ، فليس مِن خُلُقِ أهلِ الإيمان باللهِ ورسولِه وكِتابِه وما اشْتَمَلَ عليه مِن أخلاقٍ ساميةٍ ومبادئَ اجتماعيَّةٍ عاليةٍ، أنْ يَأكُلوا الرِّبا وأنْ يَتعامَلوا به، لأنَّه ضِدُّ تَهذيبِ النفسِ وسُمُوِّ الرّوحِ، إذْ هُو شَرَهٌ ماديٌّ وكَسبٌ بغيرِ الطريقِ الطَبيعيِّ، ولأنَّه يُقوِّضُ بُنيانَ الاجتِماعِ، ويَجعَلُ كلَّ واحدٍ مِن آحادِهِ يَنظُر إلى الآخَرِ نَظَرَ القَنيصَةِ التي يَقتَنِصُها والفَريسةِ التي يَفترِسُها، فتَنْقَطِعَ الأَوصالُ، ويَنتثِرَ العِقدُ الجامعُ.2 ـ قولُه تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ} فهذا النَّصُّ يُفيدُ أنَّ مِن مُقتَضياتِ التَّقوى اجْتِنابُ الرِّبا، لأنَّ التَّقوى معناها أنْ يَجعَلَ المؤمنُ بينَه وبين الآثامِ وِقايَةً، وأنْ يَجعَلَ بينَه وبين غَضَبِ اللهِ ـ تعالى ـ وِقايَةً، وأنْ يَجعَلَ بينَه وبينَ إيذاءِ الناسِ وِقايَةً. والرِّبا ضِدُّ هذا كلِّه، لأنَّه يُعَرِّضُ المرءَ للمآثِمِ، فإنّه بمجرَّدِ أنْ يَعجز المَدين عن الوفاءِ ـ وذلك كثير ـ تتوالى المُطالَبَةُ المَصحوبَةُ بالأَذى والتَرَصُّدِ المُسْتَمِرِّ حتّى تُصبِحَ عيشةُ المَدين ضَنْكًا، وقد يَبْخَعُ نفسَهُ تَخَلُّصًا مِنْ تلكَ المَآثِمِ المُتواليةِ المُستمرَّةِ.3 ـ أنَّه سبحانه جعلَ تركَ الرِّبا شرطاً للاستِمرارِ على الإيمان، فقال في خِتامِ الآيةِ الكَريمةِ: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أي إنْ كنتم مُستَمرِّين على حُكْمِ الإيمان، مُذعِنين لِأحكامِ الدَّيَّان. قولُه: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} ما المُرادُ منه: أَهُوَ الجِزءُ الباقي من الرِّبا الواجِبِ التنفيذِ بمُقتَضى العقدِ؛ وهل الجِزءُ الذي تَسَلَّموه من قبلُ مُباحٌ أو في مَوْضِعِ العَفْوِ؟ قال العلماءُ ذلك؛ أي أنَّ الآيةَ خاصَّةٌ بالذين كانوا يتعاملون بالرِّبا، ولَهم عُقودٌ رَبَوِيَّةٌ قد قَبَضوا بعضَها، فإنَّ لهم ما سلف، أما الباقي فليس لهم أنْ يَقبضوه، وإن كان بعقود رَبويّة عقدت قبل التحريم. ويزكي هذا المعنى قوله تعالى من قبل: {فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ من رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}.ولقد روي في سببِ نُزولِ هذه الآية أنّه كان بين قوم من ثقيف، وبني المغيرة من بني مخزوم عقود ربًا في الجاهلية، فلمّا جاء الإسلام وحُرِّم الرِّبا ودخلتْ ثَقيفُ في الإسلام طالبوا بَني مَخروم بالرّبا الذي تعاقدوا عليه من قبل، فقال أولئك؛ لا نؤدّي الرّبا في الإسلام بكسْبِ الإسلام، فكتب في ذلك عتابُ بنُ أُسيْدٍ نائبُ مكَّةَ إلى رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فنزلت هذه الآية.وترى من هذا أنَّ ما أُخِذَ قبلَ التحريمِ فأمرُه إلى الله تعالى، وما كان بعد التحريم لَا يَحِلُّ، ولو كان العقدُ قبلَه، ولذلك كانت الأحكام الإسلامية واجبةَ التطبيق على العقود التي تعقد قبل الإسلام إذا كانت مستمرَّةَ التنفيذ بعدَه وأحكامُها تَشتمل على أمرٍ منهيٍّ عنه في الإسلام.هذا حكم الله، ومن امتنع عن تنفيذِه فإنّه يُحادُّ اللهَ ورسولَه.قوله تعالى: {وَذَرُواْ} فُتِحَتِ العينُ من "ذَرْ" حَمْلاً على "دَعْ" إذ هو بمعناه، وفُتِحَتْ في "دَعْ" لأنَّه أمْرٌ من "يَدَعُ" وفُتِحَتْ من "يَدَعُ" وإنْ كان قياسُها الكسرَ لكونِ الفاءِ واواً، ك "يَعِدُ" لكونِ لامِهِ حرفَ حلقٍ. ووزنُ "ذروا": عَلوا لأنَّ المحذوفَ الفاءُ لا يُستعمل منه ماضٍ إلاَّ في لُغَيَّة، وكذلك "دَعْ".وقرأ الحسن: "ما بَقَا" بقلبِ الكسرةِ فتحةً والياءِ الفاً، وهي لغةٌ لطيء ولغيرِهِم، ومنه قولُ علْقَمَةَ التّميميّ: زَهَا الشوقُ حتى ظَلَّ إنسانُ عينِهِ ...... يَفِيضُ بمغمورٍ من الدَّمْعِ مُتْأَقِوقال الآخر: وما الدُّنيا بباقاةٍ علينا ....................... وما حَيٌّ على الدنيا بباقِويَقُولون في الناصيةِ: ناصاةٌ. وقرأ الحسنُ أيضاً: "بَقِيْ" بتسكين الياء، قال المبرِّد: تسكينُ ياءِ المنقوصِ في النصب مِنْ أحسنِ الضرورةِ، هذا مع أنّه مُعربٌ فهو في الفعلِ الماضي أحسنُ. وإذا كانوا قد حَذَفوها من الماضي صحيحَ الآخرَ فَأَوْلى من حرفِ العلةِ، قال: إنما شِعْرِيَ قَيْدٌ ................................. قد خُلْطَ بجُلْجُلانْوقال جرير في تسكينِ الياء: هو الخليفةُ فارضُوا ما رَضِيْ لكمُ .. ماضي العزيمةِ ما في حُكْمِهِ جَنَفُوقال آخر: لَعَمْرُكَ لا أخشى التَّصَعْلكَ ما بقِي...على الأرضِ قَيْسِيٌّ يسوق الأباعراقوله: {مِنَ الربا} متعلِّقٌ ببقيَ كقولهم: "بَقِيَتْ منه بقيةٌ"، والذي يَظهَرُ أنّه مُتعلِّقٌ بمَحذوفٍ على أنّه حالٌ من فاعلِ "بقَي"، أي: الذي بقي حالَ كونِهِ بعضَ الربا، فهي تبعيضيَّةٌ.ونَقَل ابنُ عطيّةٍ هنا أنَّ العدويَّ ـ وهو أبو السَّمَّال ـ قرأ "من الرِّبُو" بتشديدِ الراء مكسورةً، وضمِّ الباءِ بعدَها واوٌ. وقد قَدَّمْتُ أنَّ أبا السَّمَّال إنّما قرأ "الربا" في أولِ الآيةِ بواوٍ بعد فتحةِ الباءِ، وأنَّ أبا زيدٍ حَكَى عن بعضِهم أنّه ضَمَّ الباءَ، وقدَّمْتُ تخريجَهما على ضعفِه.وقال ابنُ جِنّي: شَذَّ هذا الحرفُ في أَمْرين، أحدُهما: الخروجُ من الكسرِ إلى الضم بناءً لازماً، والآخر: وقوعُ الواوِ بعدَ الضمةِ في آخرِ الاسمِ، وهذا شيءٌ لم يأتِ إلّا في الفعلِ نحو: يَغْزُو وَيَدْعُو، وأَمَّا "ذو" الطائيّة بمعنى الذي فشاذةٌ جدّاً، ومنهم مَنْ يُغَيِّرُ واوَها إذا فارَقَ الرفعَ، فيقولُ: "رأيتُ ذا قام"، ووجهُ القراءةِ أنّه لمَّا فَخَّم الألفَ انْتَحى بها الواوَ التي الألفُ بدلٌ منها، على حَدِّ قولهم: الصلاةُ والزكاةُ، وهي بالجملةِ قراءةٌ شاذةٌ. وغيرُهُ يقيِّدُ العبارَةَ فيقولُ: ليسَ في الأسماءِ المُعْرَبَةِ واوٌ قَبْلَهَا ضمةٌ. حتى يُخرجُ عنه "ذو" بمعنى الذي و "هو" من الضمائر، وابنُ جِنّي لم يَذْكرِ القيدَ واستثنى "ذو" الطائية. ويَرِدُ عليه نحو "هو"، ويَرِدُ على العبارةِ "ذو" بمعنى صاحب فإنَّها معربةٌ آخرها واوٌ بعدَ ضمةٍ. | |
|