عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 272 الأحد أكتوبر 14, 2012 4:53 pm | |
| لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ
فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ} هَذَا الْكَلَامُ مُتَّصِلٌ بِذِكْرِ الصَّدَقَاتِ، فَكَأَنَّهُ بَيَّنَ فِيهِ جَوَازَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَتَصَدَّقُونَ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَلَمَّا كَثُرَ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَتَصَدَّقُوا إِلَّا عَلَى أَهْلِ دِينِكُمْ)). فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُبِيحَةً لِلصَّدَقَةِ عَلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِصَدَقَاتٍ فَجَاءَهُ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: أَعْطِنِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيْسَ لَكَ من صدقةِ المسلمين شيء)). فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ غَيْرَ بَعِيدٍ فَنَزَلَتْ: ((لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ" فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِآيَةِ الصَّدَقَاتِ. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَهُمْ قَرَابَاتٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، وَكَانُوا لَا يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهِمْ رَغْبَةً مِنْهُمْ فِي أَنْ يُسْلِمُوا إِذَا احْتَاجُوا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ بِسَبَبِ أُولَئِكَ. وَحَكَى بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ أَسْمَاءَ ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ـ رضي الله عنهما ـ أَرَادَتْ أَنْ تَصِلَ جَدَّهَا أَبَا قُحَافَةَ ثُمَّ امْتَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَافِرًا فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ مَقْصِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْعِ الصَّدَقَةِ إِنَّمَا كَانَ لِيُسْلِمُوا وَيَدْخُلُوا فِي الدِّينِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ". وَقِيلَ: "لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ" لَيْسَ مُتَّصِلًا بِمَا قَبْلُ، فَيَكُونُ ظَاهِرًا فِي الصَّدَقَاتِ وَصَرْفِهَا إِلَى الْكُفَّارِ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ. وهَذِهِ الصَّدَقَةُ الَّتِي أُبِيحَتْ لَهُمْ حَسَبَ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآثَارُ هِيَ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ. وَأَمَّا الْمَفْرُوضَةُ فَلَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا لِكَافِرٍ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ وَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ)). وأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُعْطَى مِنْ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ شَيْئًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُصْرَفُ إِلَيْهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ. نَظَرًا إِلَى عُمُومِ الْآيَةِ فِي الْبِرِّ وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ وَإِطْلَاقِ الصَّدَقَاتِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَصَوَّرٌ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ أَهْلِ ذِمَّتِهِمْ وَمَعَ الْمُسْتَرَقِّينَ مِنَ الْحَرْبِيِّينَ. وَفِي التَّنْزِيلِ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} وَالْأَسِيرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ إِلَّا مُشْرِكًا. وَقَالَ تَعَالَى: {لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}. فَظَوَاهِرُ هَذِهِ الْآيَاتِ تَقْتَضِي جَوَازَ صَرْفِ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ جُمْلَةً، إِلَّا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ مِنْهَا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمُعَاذٍ: ((خُذِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ)). وَاتَّفَقَ العلماءُ بأنّ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَيُدْفَعُ إِلَيْهِمْ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إِذَا احْتَاجُوا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَأَمَّا الْمُسْلِمُ الْعَاصِي فَلَا خِلَافَ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ تُصْرَفُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا كَانَ يَتْرُكُ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فَلَا تُدْفَعُ إِلَيْهِ الصَّدَقَةُ حَتَّى يَتُوبَ. وَسَائِرُ أَهْلِ الْمَعَاصِي تُصْرَفُ الصَّدَقَةُ إِلَى مُرْتَكِبِيهَا لِدُخُولِهِمْ فِي اسْمِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَسَارِقٍ وَزَانِيَةٍ وَتُقُبِّلَتْ صَدَقَتُهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} أَيْ يُرْشِدُ مَنْ يَشَاءُ. وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَطَوَائِفٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، كما تقدم. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ} شَرْطٌ وَجَوَابُهُ. وَالْخَيْرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمَالُ، لِأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَنَ بِذِكْرِ الْإِنْفَاقِ، فَهَذِهِ الْقَرِينَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَالُ، وَمَتَى لَمْ تَقْتَرِنْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَالُ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَالِ، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا}. وَقَوْلِهِ: {مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذَا تَحَرُّزٌ مِنْ قَوْلِ عِكْرِمَةَ: كُلُّ خَيْرٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الْمَالُ. وَحُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ كَانَ يَصْنَعُ كَثِيرًا مِنَ الْمَعْرُوفِ ثُمَّ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا فَعَلَ مَعَ أَحَدٍ خَيْرًا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقال: إِنَّمَا فَعَلْتُ مَعَ نَفْسِي، وتلا: {وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ}. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ النَّفَقَةَ الْمُعْتَدَّ بِقَبُولِهَا إِنَّمَا هِيَ مَا كَانَ ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ شَهَادَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يُنْفِقُونَ ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ، فَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّفْضِيلِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ. وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ هُوَ اشْتِرَاطٌ عَلَيْهِمْ، وَيَتَنَاوَلُ الِاشْتِرَاطُ غَيْرَهُمْ مِنَ الْأُمَّةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: ((إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي امْرَأَتِكَ)). قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} يُوَفَّ إِلَيْكُمْ: تَأْكِيدٌ وَبَيَانٌ لِقَوْلِهِ: "وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ" وَأَنَّ ثَوَابَ الْإِنْفَاقِ يُوَفَّى إِلَى الْمُنْفِقِينَ وَلَا يُبْخَسُونَ مِنْهُ شَيْئًا فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَخْسُ ظلما لهم. قوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} هُداهم: اسم ليس وخبرُها الجارُّ والمجرورُ. و"الهُدَى" مصدرٌ مضافٌ إلى المفعولِ، أي: ليس عليك أن تهديَهم، ويَجوزُ أنْ يَكونَ مضافاً لفاعلِهِ، أي: ليس عليك أن يَهْتدَوا، يعني: ليس عليك أن تُلْجِئَهم إلى الاهتداء. وفيه طباقٌ معنويٌّ، إذ التقدير: هدى للضالين. وفي قوله: "ولكن الله يَهْدِي" مع قوله: "هداهم" جناسٌ مغاير لأنَّ إحدى الكلمتين اسمٌ والأخرى فعلٌ . ومفعولُ "يشاءُ" محذوفٌ، أي: هدايَتَه.وقوله: {فَلأَنْفُسِكُمْ} خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أي: فهو لأنفسكم. وقوله: "إلاَّ ابتغاءَ" فيه وجهان، أحدُهما: أنّه مفعولٌ من أجلِه أي: لأجل ابتغاءِ وجهِ اللَّهِ، والشروطُ هنا موجودةٌ. والثاني: أنّه مصدرٌ في محلِّ الحالِ، أي: إلاَّ مبتغين، وهو في الحالَيْنِ استثناءٌ مفرَّغٌ، والمعنى: وما تُنْفِقُونَ نفقةً معتدّاً بقَبولِهَا إلاَّ ابتغاءَ وجهِ اللَّهِ، أو يكونُ الخاطَبُون بهذا ناساً مخصوصين، وهم الصحابةُ، لأنهم كانوا كذلك، وإنّما احتجنا إلى هذين التأويلين لأنَّ كثيراً ينفق لابتغاءِ غيرِ وجهِ الله.وقوله: {يُوَفَّ} جوابُ الشرط، وقد تقدَّم أنَّه يُقال: "وَفَّى" بالتشديدِ و"وفَى" بالتخفيفِ و"أَوْفَى" رباعياً.وقوله: {وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} جملةٌ من مبتدأٍ وخبرٍ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من الضميرِ في "إليكم"، والعاملُ فيها "يُوَفَّ" وهي تشبهُ الحالَ المؤكِّدَةَ لأنَّ معناها مفهومٌ من قولِهِ: "يوفَّ إليكم" لأنهم إذا وُفُّوا حقوقَهم لم يُظْلَموا. ويجوز أن تكونَ مستأنفةً لا محلَّ لها من الإِعراب. أخبرَهم فيها أنّه لا يقعُ عليهم ظلمٌ فيندرجُ فيه توفيةُ أجورِهم بسببِ إنفاقهِم في طاعةِ اللَّهِ تعالى اندراجاً أوَّليَّاً. | |
|