عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 269 السبت أكتوبر 13, 2012 10:13 am | |
| يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) يُقالُ الحِكْمةُ صَوابُ الأمورِ ووضعُ الشيءِ في مَوْضِعِه النافِعِ. ويُقالُ الحكمةُ أَلّا تَحكُمَ عليكَ رُعوناتُ البَشريَّة. ويُقالُ الحكمةُ موافقةُ أَمرِ اللهِ تعالى، فكأن الحقَّ ـ سبحانه وتعالى ـ يقول: كلُّ ما أَمرتُكم بِه هو عينُ الحِكمَةِ؛ لأنّي أُريدُ أنْ أُؤَمِّنَ حياتَكم الدنيا فيمن تتركون مِنَ الذُرِّيَّةِ الضُعفاءِ، وأُؤَمِّنَ لكم سَعادَةَ الآخرةِ. فإنَّ تنفيذَ العَبْدِ المُؤمنِ ما يأمُرُ بِهِ اللهُ هو وضعٌ للأشياءِ في مَوضِعِها وهو أخذٌ بالحِكمَةِ. ومُخالَفةُ أمرِهِ هوالسَّفَهُ. ويُقالُ الحِكمَةُ شُهودُ الحقِّ ـ سبحانه ـ والسَّفَهُ شُهودُ غيرِه. كما قيلَ إنَّ الحِكمةَ معرفةُ الموجودات، وفعلُ الخيرات بقدرِ طاقَةِ البَشَرِ، وذاك عام فيما يدرك بالعقل وبالوحي، وإن كان قد خُصَّ في بعضِ المَواضِعِ بما يُدرَكُ بالعقلِ في نحوِ قولِه: {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، فقولُ ابنِ عَبّاسٍ ـ رضي الله عنهما: الحكمةُ ـ هاهنا: هِيَ الْمَعْرِفَةُ بِالْقُرْآنِ فِقْهِهِ وَنَسْخِهِ وَمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ وَغَرِيبِهِ وَمُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ. وقولُ ابنِ زيْدٍ: قريب من هذا. وقولُ السُّدِّيِّ أنَّها النُّبُوَّةُ، وقيل إنّها الفهمُ، والخَشْيَةُ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: الْحِكْمَةُ الْمَعْرِفَةُ بِدِينِ اللَّهِ وَالْفِقْهِ فِيهِ وَالِاتِّبَاعِ لَهُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الْحِكْمَةُ الْفَهْمُ فِي الْقُرْآنِ، وَقَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْحِكْمَةُ الْوَرَعُ. وكلُّها صحيحٌ وإشارةٌ إلى أَبعاضِها، ومن قال: عنى بالخير الجنَّةَ ومَنْ قال: هو العلم الظاهر والباطن فصحيح، والحكيم يقال بمعنى الفاعل والمفعول نحو: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} أي محكم. ثمَّ بيَّنَ أنَّ حقيقةَ ذلك لا يتذكَّرُها إلَّا أُولوا الألبابِ. وقد تقدَّم حقيقةُ اللُّبِّ وما لَهُ مِنَ المَزيَّةِ على مُقتَضى لَفظِ العقلِ، وإليه أشيرَ بقولِه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} وأما من قال: كلُّ مُكَلَّفٍ ذو لُبٍّ فبعيد عن معرفة حقيقتِه وما تقدَّم يُغني عن بَسْطِ القولِ فيهِ هاهنا. وقَوْلُهُ تَعَالَى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ} أَيْ يُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ. فالْحِكْمَةَ مَصْدَرٌ مِنَ الْإِحْكَامِ وَهُوَ الْإِتْقَانُ فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، فَكُلُّ مَا ذُكِرَ فَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْحِكْمَةِ الَّتِي هِيَ الْجِنْسُ، فَكِتَابُ اللَّهِ حِكْمَةٌ، وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ حِكْمَةٌ، وَكُلُّ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّفْضِيلِ فَهُوَ حِكْمَةٌ. وَأَصْلُ الْحِكْمَةِ مَا يُمْتَنَعُ بِهِ مِنَ السَّفَهِ، فَقِيلَ لِلْعِلْمِ حِكْمَةٌ، لِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ بِهِ، وَبِهِ يُعْلَمُ الِامْتِنَاعُ مِنَ السَّفَهِ وَهُوَ كُلُّ فِعْلٍ قَبِيحٍ، وَكَذَا الْقُرْآنُ وَالْعَقْلُ وَالْفَهْمُ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)). وَقَالَ هُنَا: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} وَكَرَّرَ ذِكْرَ الْحِكْمَةِ وَلَمْ يُضْمِرْهَا اعْتِنَاءً بِهَا، وَتَنْبِيهًا عَلَى شَرَفِهَا وَفَضْلِهَا حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا}. وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُسْنَدِهِ عن ثَابِتٍ بْنِ عَجْلَانَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ لَيُرِيدُ الْعَذَابَ بِأَهْلِ الْأَرْضِ فَإِذَا سَمِعَ تَعْلِيمَ الْمُعَلِّمِ الصِّبْيَانَ الْحِكْمَةَ صَرَفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ. ويَعْنِي بِالْحِكْمَةِ ـ هنا ـ الْقُرْآنَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ} يُقَالُ: إِنَّ مَنْ أُعْطِيَ الْحِكْمَةَ وَالْقُرْآنَ فَقَدْ أُعْطِيَ أَفْضَلَ مَا أُعْطِيَ مَنْ جَمَعَ عِلْمَ كُتِبِ الأَوَّلين مِنَ الصُّحُفِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهُ قَالَ لِأُولَئِكَ: {وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}. وَسَمَّى هَذَا خَيْرًا كَثِيرًا، لِأَنَّ هَذَا هُوَ جَوَامِعُ الْكَلِمِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أُعْطِيَ الْعِلْمَ وَالْقُرْآنَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَ نَفْسَهُ، وَلَا يَتَوَاضَعَ لِأَهْلِ الدُّنْيَا لِأَجْلِ دُنْيَاهُمْ، فَإِنَّمَا أُعْطِيَ أَفْضَلَ مَا أُعْطِيَ أَصْحَابُ الدُّنْيَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الدُّنْيَا مَتَاعًا قَلِيلًا فَقَالَ: {قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ}. وَسَمَّى الْعِلْمَ وَالْقُرْآنَ "خَيْراً كَثِيراً". قولُه تعالى: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ} الجمهورُ على "يُؤْتِي" و"ومَنْ يُؤْتَ" بالياءَ فيهما، وقرأ الربيعُ بنُ خيثَم بالتاءِ على الخطاب فيهما. وهو خطابٌ للباري ـ تعالى ـ على الالْتِفاتِ. وقرأ الجمهور: "ومن يُؤْتَ" مبنيًّا للمفعول، والقائمُ مقامَ الفاعلِ ضميرُ "مَنْ" الشرطيَّةِ، وهو المفعولُ الأوَّلُ، و"الحكمةَ" مفعولٌ ثانٍ. وقَرَأَ يَعقوب: "يُؤْتِ" مبنيًّا للفاعل، والفاعلُ ضميرُ اللهِ تعالى، و"مَنْ" مفعولٌ مقدمٌ، و"الحكمة" مفعولٌ ثان كقولِك؛ "أيَّاً يُعْطِ زيدٌ درهماً أُعْطِه درهماً". وقراءةُ الأعمش "ومَنْ يُؤْتِه الحكمةَ" بإثباتِ هاءِ الضمير، و"مَنْ" في قراءتِه مبتدأٌ لاشتغالِ الفعلِ بمعمولهِ، وعند مَنْ يُجَوِّزُ الاشْتِغالَ في أَسماءِ الشَرْطِ والاستفهامِ يَجوزُ في "مَنْ" النصبُ بإضْمارِ فعلٍ، ويقدِّرُه متأخِّراً، والرفعُ على الابتداءِ.وقوله: {أُوتِيَ} جوابُ الشَرْطِ، والماضي المُقترِنُ بِـ "قَدْ" الواقعُ جواباً للشرْطِ تارةً يكونُ ماضيَ اللفظِ مستقبلَ المعنى كهذه الآيةِ، فهو الجوابُ حقيقةً، وتارةً يكونُ ماضيَ اللفظِ والمعنى نحو: {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ} فاطر: 4. فهذا ليسَ جواباً، بل الجوابُ محذوفٌ أي: فَتَسَلَّ فقد كُذِّبَتْ رسلٌ، وسيأتي له مزيدُ بيانٍ. قال الزمخشريُّ: والتنكيرُ في "خيراً" يفيدُ التعظيمَ كأنَّه قال: فقد أُوتِي أيَّ خيرٍ كثيرٍ. وتقديرُه هكذا يُؤدي إلى حَذْفِ الموصوفِ بـ "أي" وإقامةِ الصفةِ مُقامَه، فإنَّ التقديرَ: فقد أوتي خيراً أيَّ خيرٍ كثيرٍ، وإلى حذفِ "أيَّ" الواقعةِ صفةً، وإقامةِ المُضافِ إليها مُقامَها، وإلى وصفِ ما يُضاف إليه "أي" الواقعةُ صفةً نحو: مَرَرْتُ برجلٍ أيِّ رجلٍ كريمٍ، وكلُّ هذا يَحْتاج إثباتُه إلى دليل، والمحفوظُ عن العربِ أنَّ "أيّاً" الواقعةَ صفةً تُضاف إلى ما يُماثِلُ الموصوف نحو: دَعَوْتُ أمرَأً أيَّ امرىءٍ، فأجابني. وقد يُحْذَفُ الموصوفُ بأيّ كقولِ الفرزدق: إذا حارَب الحَجَّاجُ أيَّ منافقٍ ............ عَلاه بسيفٍ كلما هُزَّ يَقطَعُ تقديرُهُ: منافقاً أيَّ منافقٍ، وهذا نادرٌ، وقد تقدَّم أَنَّ تقديرَ الزمخشري كذلك، أعني كونَه حَذَفَ موصوفَ أيّ. وأصلُ "يَذَّكَّرُ": يَتَذَكَّر فَأَدْغَمَ. | |
|