عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 248 السبت سبتمبر 29, 2012 11:45 am | |
| وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) إنَّ اللهَ سبحانَه إذا أظهر نوراً أمدَّه بتأييدٍ من قِبَلهِ، فلمّا مَلَكَ طالوتُ عليهم أَزالَ الإشكالَ عن صفتِه بما أَظهرَ مِن آياتِه الدالَّةِ على صِدقِ قولِ نبيِّهم في اختيارِهِ، فرَدَّ عليهِم التابوتُ الذي فيه السكينَةُ، فاتَّضحتْ لهم آيةُ مُلكِه، وأنَّ نبيَّهم ـ عليه السلام ـ صَدَقَهم فيما أخبرهم.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ ...} ذُكِرَ أَنَّ التابوتَ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَانَ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَانَ بَنو إِسْرَائِيلَ يَغْلِبُونَ بِهِ مَنْ قَاتَلَهُمْ حَتَّى عَصَوْا فَغَلَبَهُمْ عَلَيْهِ الْعَمَالِقَةُ: جَالُوتُ وَأَصْحَابُهُ، وَسَلَبُوه مِنْهُمْ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِصْيَانَ سَبَبُ الْخِذْلَانِ. وَالتَّابُوتِ ـ عَلَى مَا رُوِيَ ـ أَنَّهُ كَانَ يُسْمَعُ فِيهِ أَنِينٌ، فَإِذَا سَمِعُوا ذَلِكَ سَارُوا لِحَرْبِهِمْ، وَإِذَا هَدَأَ الْأَنِينُ لَمْ يَسِيرُوا وَلَمْ يَسِرِ التَّابُوتُ. وَقِيلَ: كَانُوا يَضَعُونَهُ فِي مَأْزِقِ الْحَرْبِ فَلَا تَزَالُ تَغْلِبُ حَتَّى عَصَوْا فَغُلِبُوا وَأُخِذَ مِنْهُمُ التَّابُوتُ وَذَلَّ أَمْرُهُمْ، فاجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ وقَالُوا لِنَبِيِّ الْوَقْتِ: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: مَلِكُكُمْ طَالُوتُ رَاجَعُوهُ فِيهِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَلَمَّا قَطَعَهُمْ بِالْحُجَّةِ سَأَلُوهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، فدَعَا رَبَّهُ فَنَزَلَ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ أَخَذُوا التَّابُوتَ دَاءٌ، فوَضَعُوهُ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ فِيهَا أَصْنَامٌ فَكَانَتِ الْأَصْنَامُ تُصْبِحُ مَنْكُوسَةً. وَقِيلَ: وَضَعُوهُ فِي بَيْتِ أَصْنَامِهِمْ تَحْتَ الصَّنَمِ الْكَبِيرِ فَأَصْبَحُوا وَهُوَ فَوْقُ الصَّنَمِ، فَأَخَذُوهُ وَشَدُّوهُ إِلَى رِجْلَيْهِ فَأَصْبَحُوا وَقَدْ قُطِعَتْ يَدَا الصَّنَمِ وَرِجْلَاهُ وَأُلْقِيَتْ تَحْتَ التَّابُوتِ، فَأَخَذُوهُ وَجَعَلُوهُ فِي قَرْيَةِ قَوْمٍ فَأَصَابَ أُولَئِكَ الْقَوْمَ أَوْجَاعٌ فِي أَعْنَاقِهِمْ. فَلَمَّا عَظُمَ بَلَاؤُهُمْ قَالُوا: مَا هَذَا إِلَّا لِهَذَا التَّابُوتِ! فَلْنَرُدَّهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَوَضَعُوهُ عَلَى عَجَلَةٍ بَيْنَ ثَوْرَيْنِ وَأَرْسَلُوهُمَا فِي الْأَرْضِ نَحْوَ بِلَادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَعَثَ اللَّهُ مَلَائِكَةً تَسُوقُ الْبَقَرَتَيْنِ حَتَّى دخلتا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ فِي أَمْرِ طَالُوتَ فَأَيْقَنُوا بِالنَّصْرِ. وَروى الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ جَاءَتْ بِهِ تَحْمِلُهُ وَكَانَ يُوشَعُ بْنُ نُونَ قَدْ جَعَلَهُ فِي الْبَرِّيَّةِ، فَرُوِيَ أَنَّهُمْ رَأَوُا التَّابُوتَ فِي الْهَوَاءِ حَتَّى نَزَلَ بَيْنَهُمْ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانَ قَدْرُ التَّابُوتِ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فِي ذِرَاعَيْنِ. وَكَانَ التابوت مِنْ عُودٍ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْأَمْشَاطُ. قَوْلُهُ تعالى: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ} اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي السَّكِينَةِ وَالْبَقِيَّةِ، فَالسَّكِينَةُ فَعِيلَةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنَ السُّكُونِ وَالْوَقَارِ وَالطُّمَأْنِينَةِ. فَقَوْلُهُ "فِيهِ سَكِينَةٌ" أي هو سبب سكون قُلُوبِكُمْ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ طَالُوتَ، وَنَظِيرُهُ: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} أَيْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ مَا سَكَنَ بِهِ قَلْبُهُ. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ التَّابُوتَ كَانَ سَبَبَ سُكُونِ قُلُوبِهِمْ فِي الْحَرْبِ. وَالتَّابُوتَ كَانَتْ فِيهِ أَشْيَاءٌ فَاضِلَةٌ مِنْ بَقَايَا الْأَنْبِيَاءِ وَآثَارِهِمْ، فَكَانَتِ النُّفُوسُ تَسْكُنُ إِلَى ذَلِكَ وَتَأْنَسُ بِهِ وَتَقْوَى. وفِي صَحِيحِ مُسْلِمٌ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ "الْكَهْفِ" وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ (حَبْليْن) فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: ((تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ)). وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ الْحُضَيْرِ بَيْنَمَا هُوَ لَيْلَةً يَقْرَأُ في مربده "الموضع الذي ييبس فيه التمر" الحديث. وفية: فقال رسوله اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ" خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نُزُولِ السَّكِينَةِ مَرَّةً، وَمَرَّةً عَنْ نُزُولِ الْمَلَائِكَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ السَّكِينَةَ كَانَتْ فِي تِلْكَ الظُّلَّةِ، وَأَنَّهَا تَنْزِلُ أَبَدًا مَعَ الْمَلَائِكَةِ. وَفِي هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ السَّكِينَةَ رُوحٌ أَوْ شي لَهُ رُوحٌ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ إِلَّا لِمَنْ يَعْقِلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.وإذْ جَعَلَ الله سَكينة بني إسرائيلَ في التابوتِ الذي فيه الألواحُ، وعصا موسى ـ عليه السلام، وآثارَ صاحبِ نُبوَّتهم. فقد جعلَ سَكينَةَ هذه الأُمَّةِ في قلوبِهم، فقال: {هو الذي أَنْزَلَ السكينةَ في قلوبِ المؤمنين} ثمَّ إنَّ التابوتَ كانت تتداولُه أيدي الأعداءِ وغيرِهم؛ فَمرَّةً كان يُدْفَنُ ومرَّةً كان يُغلَبُ عليه فيُحمَل، ومرّةً يُرَدُّ ومرَّةً ومرَّةً . . . وأمّا قلوبُ المؤمنين فَحَالَ بين أربابِها وبينَها، ولم يَسْتَوْدِعْها مَلَكاً ولا نَبيًّا، ولا سماءَ ولا هواءَ، ولا مَكانًا ولا شَخصًا، وقال صلى اللهُ عليه وسلَّم:((قلبُ المؤمِنِ بينَ إصبِعيْن مِن أَصابِعِ الرحمن)) يَعني في قبضةِ الحقِّ سبحانَه، وتحت تغليبِه وتصريفِه، والمُرادُ منه "القدرة"، وشتَّان بين أُمَّةٍ سكينتُهم فيما للأعداء عليه تَسَلُّط وأمَّةٍ سكينتُهم فيما ليس لِمخلوقٍ عليه سلطان. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبَقِيَّةٌ} اخْتُلِفَ فِي الْبَقِيَّةِ عَلَى أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: عَصَا مُوسَى وَعَصَا هَارُونَ وَرُضَاضُ الْأَلْوَاحِ، لِأَنَّهَا انْكَسَرَتْ حِينَ أَلْقَاهَا مُوسَى، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. زاد عكرمة: التَّوْرَاةُ. وقيل: الْبَقِيَّةُ: عَصَا مُوسَى وَثِيَابُهُ وَثِيَابُ هَارُونَ وَلَوْحَانِ مِنَ التَّوْرَاةِ. وَقَالَ عطية بن سعد: هي عَصَا مُوسَى وَعَصَا هَارُونَ وَثِيَابُهُمَا وَرُضَاضُ الْأَلْوَاحِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ الْبَقِيَّةُ قَفِيزَا مَنٍّ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ وَعَصَا مُوسَى وَعِمَامَةُ هَارُونَ وَرُضَاضُ الْأَلْوَاحِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْعَصَا وَالنَّعْلَانِ. وَمَعْنَى هَذَا مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ مُوسَى لَمَّا جَاءَ قَوْمَهُ بِالْأَلْوَاحِ فَوَجَدَهُمْ قَدْ عَبَدُوا الْعِجْلَ، أَلْقَى الْأَلْوَاحَ غَضَبًا فَتَكَسَّرَتْ، فَنَزَعَ مِنْهَا مَا كَانَ صَحِيحًا وَأَخَذَ رُضَاضَ مَا تَكَسَّرَ فَجَعَلَهُ فِي التَّابُوتِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْبَقِيَّةُ: الْجِهَادُ وَقِتَالُ الْأَعْدَاءِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَيِ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فِي التَّابُوتِ، إِمَّا أَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِيهِ، وَإِمَّا أَنَّ نَفْسَ الْإِتْيَانِ بِهِ هُوَ كَالْأَمْرِ بِذَلِكَ، وَأُسْنِدَ التَّرْكُ إِلَى آل موسى و آل هَارُونَ مِنْ حَيْثُ كَانَ الْأَمْرُ مُنْدَرِجًا مِنْ قَوْمٍ إِلَى قَوْمٍ وَكُلُّهُمْ آلُ مُوسَى وَآلُ هارون. وآل الرجل قرابته. وقد تقدم .قوله تعالى: {أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت} أَنْ: وما في حَيِّزها في مَحَلِّ رفعٍ خبراً ل "إنَّ"، تقديرُه: إنَّ علامَة مُلْكِه إيتاؤُكم التابوت.وفي "التابوتِ" قولان، أحدُهما: أنَّه فاعولٌ، ولا يُعْرَفُ له اشتقاقٌ، وَمَنَع قائلُ هذا أنْ يَكون وَزْنُه فَعَلُوتاً مشتَقًّا من تابَ يَتوبُ كَمَلَكوت من المُلْكِ ورهَبوت من الرُّهْبِ. والقول الثاني: أنَّ وزنَه فَعَلوت كمَلَكوت، وجَعَلَه مشتقاً من التَّوْب وهو الرجوعُ، وجَعَلَ معناه صحيحاً فيه، لأنَّ التابوتَ هو الصندوقُ الذي تُوضَعُ فيه الأشياءُ فيَرجِعُ إليه صاحبُه عند احتياجِه إليه، فقد جعلنا فيه معنى الرجوعِ.والمشهورُ أن يوقَفَ على تائِه بتاءٍ من غير إبدالِها هاءً لأنها: إمَّا أصلٌ إنْ كان وزنُه فاعولاً، وإمَّا زائدةٌ لغيرِ التأنيثِ كمَلَكوت، ومنهم مَنْ يَقْلِبها هاءً، وقد قُرِىء بها شاذاً، قرأها أُبيّ وزيد بن ثابت وهي لغةُ الأنصار، ويُحكى أنّهم لمَّا كَتَبوا المصاحفَ زمنَ عثمانَ ـ رضي الله عنه اختلفوا فيه فقالَ زيد: "بالهاء"، وقال أُبَيّ: "بالتاء"، فجاؤوا عثمان فقال: "اكتبوه على لغةِ قريش" يعني بالتاء.وهذه الهاءُ هل هي أصلٌ بنفسِها فيكونُ فيه لغتان، ووزنُه على هذا فاعول ليس إلا، أو بَدَلٌ من التاءِ لأنها قريبةٌ منها لاجتماعهما في الهَمْسِ، أو إجراءً لها مُجْرى تاءِ التأنيث؟ فقال الزمخشري: "فإنْ قلت: ما وزنُ التابوت؟ قلت: لا يَخْلو أَنْ يكونَ فَعَلوتا أو فاعولا، فلا يكون فاعولًا لِقلَّةٍ نحو سَلِسٌ وقَلِقٌ، يَعني أنَّ اتِّحاد الفاءِ واللامِ في اللفظِ قليلٌ جداً. "ولأنّه تركيبٌ غيرُ معروفٍ" يعني في الأوزان العربية، ولا يجوزُ تَركُ المعروفِ إليه فهو إذاً فَعَلوت من التوبِ وهو الرجوعُ، لأنّه ظرفٌ تُودَعُ فيه الأشياءُ فَيُرْجَعُ إليه كلَّ وقتٍ.وأَمَّا مَنْ قرأ بالهاءِ فهو فاعول عندَه، إلاَّ مَنْ يَجْعَلُ هاءَه بَدَلاً مِن التاءِ لاجتماعِهِما في الهَمْسِ، ولأنَّهما مِن حُروفِ الزِّيادةِ، ولذلك أُبْدِلَتْ منه تاء التَّأنِيثِ.قوله: {فِيهِ سَكِينَةٌ} يجوز أنْ يكونَ "فيه" وحدَه حالاً من التابوت، فيتعلَّقَ بمحذوفٍ، ويرتفعُ "سكينة" بالفاعليّة، والعاملُ فيه الاستقرارُ والحالُ هنا من قبيلِ المفردات، ويجوزُ أن يكونَ "فيه" خبراً مقدّماً. و"سكينةٌ" مبتدأ مؤخَّراً، والجملةُ في محلِّ نَصْبٍ على الحال، والحالُ هنا من قبيلِ الجملِ. و"سكينةٌ" "فَعِيلَةٌ" من السكون، وهو الوقارُ. وقرأ أبو السَّمَّال بتشديدِ الكافِ، قال الزمخشري: "وهو غريبٌ". قوله: {مِّن رَّبِّكُمْ} يَجوزُ أنْ يَتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه صِفةٌ ل "سكينة"، ومحلُّه الرفعُ. ويَجوز أنْ يتعلَّق بما تعلَّق به "فيه" من الاستقرار. و"مِنْ" يَجوزُ أنْ تكونَ لابْتِداءِ الغايةِ وأَنْ تكونَ للتبعيضِ. وثَمَّ مضافٌ محذوفٌ أي: مِن سَكيناتِ ربكم.و"بَقِيَّة" وزنُها فَعِيلَة والأصلُ: بَقِيْيَة بياءين، الأولى زائدةٌ والثانيةُ لامُ الكلمةِ، ثم أُدْغِمَ، ولا يُسْتَدَلُّ على أنَّ لامَ "بَقِيَّة" ياءٌ بقولهِم: "بَقِيَ" في الماضي، لأنَّ الواوَ إذا انكسَرَ ما قبلَهَا قُلِبَت ياءً، ألا ترى أنَّ "رَضِي" و"شَقِيَ" أصلُهما من الواوِ: الشِّقْوَةُ والرِّضوانُ.و"مِمَّا تَرَك" في محلِّ رفعٍ لأنَّه صفةٌ ل "بَقَيَّة" فيتعلَّقُ بمحذوفٍ أي: بقيةٌ كائنةٌ. و"مِنْ" للتبعيضِ، أي: من بَقِيَّاتِ ربكم، و"ما" موصولةٌ اسميَّةٌ، ولا تكونُ نَكِرَةً ولا مَصدريَّةً. و"آل" تقدَّم الكلامُ فيه، وقيل: هو هنا زائدٌ كقولِهِ: بثينةُ من آلِ النساءِ وإنَّما ............... يَكُنَّ لوصلٍ لا وصالَ لغائِبِيريدُ بُثَيْنَةُ من النساء. ويجوزُ أنْ يُريدَ: مِمَّا تَرَكَ موسى وهارون، والآلُ مقحمٌ لتفخيم شأنِهِما، أي زائدٌ للتعظيمِ. و"هارون" أعجمي. قيل: لم يَرِدْ في شيءٍ مِن لغةِ العربِ، أي: لم تَرِدْ مادُتُه في لُغَتِهِم.قوله: {تَحْمِلُهُ الملائكة} هذه الجملةُ تحتملُ أن يكونَ لها محلٌّ من الإِعرابِ على أنَّها حالٌ من التابوتِ أي: محمولاً للملائكةِ وألاَّ يكونَ لها محلٌّ لأنَّها مستأنفةٌ، إذ هي جوابُ سؤالٍ مقدَّرٍ كأنّه قيل: كيف يأتي؟ فقيل: تَحْمِلُهُ الملائكةُ.وقرأ مجاهد "يَحْمِلُه" بالياءِ، لأنَّ الفعلَ مُسْنَدٌ لجمعِ تكسيرٍ فيجوزُ في فِعْلِهِ الوجهان. و"ذلك" مشارٌ به قيل: إلى التابوت. وقيل: إلى إتيانه، وهو الأحسنُ لتناسِبَ آخرُ الآيةِ أولَها. و"إنْ" الأظهَرُ فيها أنها على بابها من كونِها شرطيَّةً وجوابُها محذوفٌ. وقيل: هي بمعنى "إذ". | |
|