أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
الصلاة في الأصل على ما عليه أكثر أهل اللغة الدعاء ومن الله تعالى الرحمة ، وقيل: الثناء ، وقيل: التعظيم ، وقيل: المغفرة ، وقال: الإمام الغزالي: الاعتناء بالشأن ، ومعناها الذي يناسب أن يراد هنا سواء كان حقيقياً أو مجازياً الثناء والمغفرة لأن إرادة الرحمة يستلزم التكرار ، والرحمة تقدم معناها وأتى بـ "على" إشارة إلى أنهم منغمسون في ذلك وقد غشيهم وتجللهم فهو أبلغ من اللام ، وجمع ((صلوات)) للإشارة إلى أنها مشتملة على أنواع كثيرة على حسب اختلاف الصفات التي بها الثناء والمعاصي التي تتعلق بها المغفرة ، وقيل: للإيذان بأن المراد صلاة بعد صلاة على حد التثنية في "لبيك وسعديك" وفيه أن مجيء الجمع لمجرد التكرار لم يوجد له نظير ، والتنوين فيها وكذا فيما عطف عليها للتفخيم والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم لإظهار مزيد العناية بهم ، ومن ابتدائية ، وقيل: تبعيضية ، وثَمّ مضاف محذوف أي: من ((صلوات)) ربهم، وأتى بالجملة اسمية للإشارة إلى أن نزول ذلك عليهم في الدنيا والآخرة .
قوله تعالى: {أولئك} مبتدأٌ ، و"صلواتٌ" مبتدأٌ ثانٍ ، و"عليهم" خبرُه مقدَّمٌ عليه ، والجملةُ خبرُ قولِه: "أولئك" ، ويجوزُ أَنْ تكونَ "صلوات" فاعلاً بقوله: "عليهم" . لأنه قد قَوِيَ بوقوعِهِ خبراً . والجملةُ من قولِه: "أولئك" وما بعدَه خبرُ "الذين" على أحِد الأوجه المتقدِّمِة ، أو لا محلَّ لها على غيرِه من الأوجه ، و"قالوا" هو العاملُ في "إذا" لأنّه جوابُها، وقد تقدَّم الكلامُ في ذلك ، وتقدَّم أنها هل تقتضي التكرارَ أم لا؟
قوله: {إِنَّا للَّهِ} إنَّ واسمُها وخبرُها في محلِّ نَصْبٍ بالقولِ ، والأصل: إنَّنا بثلاث نوناتٍ ، فَحُذِفَتِ الأخيرةُ من إنَّ لا الأولى ، لأنه قد عُهِدَ حَذْفُها ، ولأنها طَرَفٌ والأطرافُ أَوْلَى بالحَذْفِ ، لا يُقال: "إنها لو حُذِفَتِ الثانيةُ لكانَتْ مخففةً ، والمخففةُ لا تعملُ على الأفصح فكانَ ينبغي أن تُلْغَى فينفصلَ الضميرُ المرفوعُ حينئذٍ إذ لا عمل لها فيه ، فدلَّ عَدَمُ ذلك على أنَّ المحذوفَ النونُ الأولى لأنَّ هذا الحَذْفَ حَذْفٌ لتوالي الأمثالِ لا ذاك الحَذْفُ المعهود في "إنَّ" و"أصابَتْهم مصيبةٌ" من التجانسِ المغاير ، إذ إحدى كلمتي المادةِ اسمٌ والأخرى فِعْلٌ ، ومثلُه: {أَزِفَتِ الآزفة} النجم: 57 {وَقَعَتِ الواقعة} الواقعة: 1 قوله: {وَرَحْمَةٌ} عَطْفٌ على الصلاة وإن كانَتْ بمعناها ، فإنَّ الصلاةَ من الله رحمةٌ لاختلافِ اللفظين كقولِه:
وقَدَّمَتِ الأدِيمَ لراهِشَيْهِ ... وأَلْفَى قولَها كَذِباً ومَيْنَا
وقوله :
أَلا حَبَّذا هِنْدٌ وأرضٌ بها هندٌ ... وهندٌ أتى مِنْ دونِها النَّأْيُ والبُعْدُ
قولُه: {مِّن رَّبِّهِمْ} فيه وجهان ، أحدهما: أنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ لأنه صفةٌ لصلوات و"مِنْ" للابتداءِ ، فهو في محلِّ رفعٍ أي: صلواتٌ كائنةٌ من ربهم .
والثاني : أن يتعلَّقَ بما تَضَمَنَّه قولُه: "عليهم" من الفعل إذا جَعَلْناه رافعاً لصلوات رَفْعَ الفاعلِ ، فعلى الأولِ يكونُ قد حَذَفَ الصفةَ بعد "رحمة" أي: ورحمةٌ منه ، وعلى الثاني لا يَحْتاج إلى ذلك . وقولُه: {وأولئك هُمُ المهتدون} نظيرُ: {وأولئك هُمُ المفلحون} البقرة: 5 .