قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)
قوله تعالى : { مَا لَوْنُهَا } كقولِه "هي"؟ واللونُ عبارةٌ عن الحمرةِ والسوادِ ونحوِهما . واللونُ أيضاً النوعُ ، وفلان يَتَلَوَّن أي : لا يثبُتُ على حالٍ .
{ صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا } بجوز أن يكونَ " فاقعٌ " صفةً و" لونُها " فاعلٌ به ، وأن يكونَ خبراً مقدماً ، و " لونُها " مبتدأ مؤخرٌ والجملةُ صفةٌ ، ويجوز أن يكونَ " لونُها " مبتدأً ، و" تَسُرُّ" خبرَه ، وإنما أَنَّث الفعلَ لاكتسابِه بالإِضافةِ معنى التأنيث كقوله :
مَشَيْنَ كما اهتَزَّتْ رماحٌ تَسَفَّهَتْ ......... أعاليهَا مَرُّ الرياحِ النَّواسِمِ
وقول الآخر :
وتَشْرَقُ بالقولِ الذي قد أَذَعْتَه ... كما شَرِقَتْ صدرُ القناةِ من الدمِ
أنَّث فعلَ المَرِّ والصدرِ لَمَّا أُضيفا لمؤنثٍ ، وقُرئ {تَلْتَقِطْهُ بَعْضُالسيارة} يوسف: 10، وقيل : لأنَّ المرادَ باللونِ هنا الصفرةُ ، وهي مؤنثةٌ فَحُمِل على المعنى في ذلك ، ويقال : أصفرُ فاقعٌ ، وأبيضُ ناصعٌ وأخضرُ ناصعٌ ، وأحمرُ قانئٌ وأسودُ حالِكٌ وحائِك وحَلَكُوك وحُلْكُوك ودَجُوجيّ وغِرْبيب وبهيم ، وقيل : " البهيم الخالصُ من كل لون " .
وبهذا يَظْهر أن صفراء على بابها من اللون المعروفِ لا سوداء كما قاله بعضهم ، فإنَّ المفقوعَ من صفةِ الأصفرِ خاصةً ، وأيضاً فإنه مجازٌ بعيدٌ ، ولا يُسْتَعمل ذلك إلا في الإِبِلِ لقُرْب سوادها من الصفرةِ كقوله تعالى : {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} المرسلات: 33 . وقال:
تلك خَيْلِيْ منه وتلكَ رِكابي .............. هُنَّ صُفْرٌ أولادُها كالزَّبيبِ
{تَسُرُّ الناظرين} جملةٌ في محلِّ رفعٍ صفةً لـ " بقرة " أيضاً ، وقد تقدَّم أنه يجوز أن تكونَ خبراً عن "لونها" بالتأويلين المذكورين .
والسرورُ لَذَّةٌ في القلب عند حصولِ نَفْعِ أو توقُّعِه ، ومنه "السريرُ " الذي يُجْلَسُ عليه إذا كان لأولي النِّعمةِ ، وسريرُ الميِّت تشبيهاً به في الصورة وتفاؤلاً بذلك .
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)
{ مَا هِيَ } مرةً ثانيةً ، تكريرٌ للسؤال عن حالِها وصفتِها واستكشافٌ زائدٌ ليزدادوا بياناً لوَصْفِها .
{ إِنَّ البقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا } " البقر " اسمُ إنَّ وهو اسمُ جنسٍ كما تقدَّم . وقرئ " الباقِرُ " وهو بمعناه . و "تَشَابه" جملةٌ فعلية في محلِّ رفعٍ خبراً لـ " إِنَّ " ، وقرئ: " تَشَّابَهُ " مشدَّداً ومخففاً وهو مضارعٌ ، فالأصلُ : تَتَشابهُ بتاءين ، فَأُدْغِمَ وحُذِفَ منه أخرى ، وكِلا الوجهين مقيس .
وقُرئ أيضاً : يَشَّابَهُ بالياء من تحت وأصله يتشابه فَأُدغم أيضاً ، وتذكيرُ الفعل وتأنيثُه جائزان لأن فاعلَه اسمُ جنس وفيه لغتان: التذكيرُ والتأنيثُ ، قال تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} الحافة: 7 فَأَنَّث و{ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} القمر : 20 فذكَّر ، ولهذا موضعٌ نستقصي منه ، يأتي إن شاء الله تعالى .
وتَتَشَابَهُ بتاءين على الأصل ، وتَشَّبَّهُ بتشديد الشين والباء من غير ألف ، والأصلُ : تَتَشَبَّهُ . وتَشَّابَهَتْ ، ومُتَشَابِهَة ، ومُتَشَابِه ، ومُتَشَبِّه على اسم الفاعل من تشابه وتَشَبَّه ، وقُرئ : تَشَبَّهَ ماضياً .
وفي مصحف أُبَيّ : " تَشَّابَهَتْ " بتشديد الشين . وقرئ : تَشَّابَهَ كذلك .
{إِن شَاءَ الله} هذا شرطٌ جوابُه محذوفٌ لدلالةِ إنْ وما في حَيِّزها عليه ، والتقدير: إن شاء اللهُ هدايتَنا للبقرة اهتدَيْنا ، ولكنهم أَخرجُوه في جملةٍ اسميةٍ مؤكَّدة بحرفَيْ تأكيدٍ مبالغةً في طَلَب الهداية ، واعترضوا بالشرطِ تيمُّناً بمشيئةِ الله تعالى .
و{ لمهتدونَ} اللامُ لامُ الابتداءِ داخلةٌ على خبرِ " إنَّ " ، وأصلُ " مُهْتَدُون " مُهْتَدِيُون ، فأُعِلَّ بالحَذْفِ ، وهو واضحٌ مما تقدَّم .