أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا
(24)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ جِيءَ بِهِ لِمُقَابَلَةِ حَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْآخِرَةِ التي سَبَقَ الحديثُ عَنْها مِنْ أَنَّهمْ لا بُشْرَى لهُمْ بِأَيِّ حَظٍّ في الجَنَّةِ، بِضِدِّهَا حيثُ بَيَّنَ هُنَا حَالَ الْمُؤْمِنِينَ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ، فَبيَّنَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَقْتَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الكَريمَةِ فَرِيقَانِ: فَريقُ الْمُشْرِكُونَ وفريقُ الْمُؤْمِنُينَ. فَالْمُؤْمنونَ هُمْ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ، وَهُمْ "خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا".
وَالمُرادُ بِـ "يَوْمَئِذٍ" يَوْمُ الْقِيَامَةِ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. انْظُرْ: "تَنْويرُ الْمِقْبَاسِ: (ص: 302). وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبي حاتِمٍ في تَفْسيرِهِ: (8/2680)، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَ "خَيْرٌ": للتَّفْضِيلِ، وَهُوَ تَهَكُّمٌ بِالْمُشْرِكِينَ، وَكَذَلِكَ "أَحْسَنُ". وَالْمُسْتَقَرُّ: هُوَ مَوْضِعُ الِاسْتِقْرَارِ. وهُوَ ـ هُنَا، فِي ظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، كَمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. كَما جاءَ فيما أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُما مِنْ حَديثِ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ سيِّدِنا رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((سَبْعَةٌ يُظْلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ..)).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ في تَفْسِيرِهِ: (8/2681)، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، نَحْوَ قولِ ابْنِ عبَّاسٍ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمانَ: (أَفْضَلُ مَنْزِلًا فِي الْجَنَّةِ) "تَفْسيرُ مُقَاتِلٍ": (ص: 44 ب). وَقَدْ تَقَدَّمَ قِوْلُهُ ـ تَعالى، في الآيَةِ: (15)، مِنْ هَذِهِ السُّورةِ الْمُبَاركَةِ: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ}.
قولُهُ: {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} أَحْسَنُ: صِيغَةُ "أَفْعَل" ـ هُنَا، للتَّفْضِيلِ فَهِيَ عَلَى بَابِهَا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا فِي الْآخِرَةِ مِنْ مُسْتَقَرِّ الْكُفَّارِ، وَكَذلِكَ أَحْسَنُ مَقِيلًا مِنْ مَقِيلِهِمْ، لَوْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يسْتَقِرُّوا وأَنْ يَقِيلُوا، وَيجوزُ أَنْ يَكونَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيا. وَيَجوزُ: أَنْ تَكُونَ صيغَةُ "خَيْرٌ" وَ "أَحْسَنُ" لِمُجَرَّدِ الْوَصْفِ وَلَيْسَتْ لِلْمُفَاضَلَةِ.
وَأَمَّا "مَقيلًا" فَإِنَّ "الْمَقِيلَ" هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُؤْوَى إِلَيْهِ فِي وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ
نَهارًا لِأخْذِ قِسْطٍ مِنَ الرَّاحَةِ فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ بَعْدَ تَنَاوُلِ طَعَامِ الْغَدَاءِ، كَمَا هِيَ عَادَةُ الْمُتَرَفِينَ، نامَ الْمَرْءُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَنَمْ، فَقَدْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْقَيْلُولَةُ وَالْمَقِيلُ الِاسْتِرَاحَةُ نِصْفَ النَّهَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ ذَلِكَ نَوْمٌ، لِأَنَّ اللَّهَ ـ تَعَالَى، قَالَ: "وَأَحْسَنُ مَقِيلًا" وَالْجَنَّةُ لَا نَوْمَ فِيهَا.
وَإِنَّما تَكونُ القيلولةُ فِي الْمَكَانِ الْمُريحِ فَقدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلَا" قَالَ: فِي الْغُرَفِ مِنَ الْجَنَّةِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلَا" قَالَ: أَحْسَنُ مَنْزِلًا وَخَيْرُ مَأْوًى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "وَأَحْسَنُ مَقِيلَا"، قَالَ: مَصِيرًا.
وَيُرْوَى أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقْصَرُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يَكُونَ كَمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. فَإِنَّ حِسَابَهُمْ أَنْ يُعْرَضُوا عَلَى رَبِّهمْ عَرْضَةً وَاحِدَةً، وَذَلِكَ هُوَ الْحِسَابُ الْيَسِيرُ الَّذي ذَكَرَهُ اللهُ ـ تَعَالَى، بِقَوْلِهِ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} الآيَتَانِ الْكَريمَتَانِ: (8 و 9) مِنْ سُورَةُ الِانْشِقاقِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَاركِ فِي الزُّهْدِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنٌ أبي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْتَصِفُ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقِيلَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، ثمَّ قَرَأَ "أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلَا"، وَقَرَأَ قولَهُ ـ تَعَالى، مِنْ سُورةِ الصَّافَّاتِ: {ثُمَّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} الْآيَةَ: (68). وَهَذِهِ القراءَةُ الْمَرْوِيَّةُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ شَاذَّةٌ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِها، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ الْحَقَّ هِيَ: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ}.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُما، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ ضَحْوَةٌ، فَيَقِيلُ أَوْلِيَاءُ اللهِ عَلَى الْأَسِرَّةِ مَعَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيَقِيلُ أَعْدَاءُ اللهِ مَعَ الشَّيَاطِينِ مُقَرَّنِينَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يُفْرَغُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نِصْفَ النَّهَارِ، فَيَقِيلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ـ تَعَالَى: "أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلَا".
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الصَّوَّافِ، أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقْصَرُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكونَ كَمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَإِنَّهُمْ لَيَقِيلونَ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ حِينَ يَفْرُغُ النَّاسُ مِنَ الْحِسَابِ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ ـ تَعَالَى: "أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلَا".
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلَا"، أَيْ: مَأْوًى وَمَنْزِلًا، قَالَ قَتَادَةُ: حَدَّثَ صَفْوَانُ ابْنُ مُحْرِزْ قَالَ: إِنَّهُ لَيُجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِرَجُلَيْنِ كَانَ أَحَدُهُمَا مَلِكًا فِي الدُّنْيَا فَيُحاسَبُ، فَإِذا عَبْدٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا، فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّار، وَالْآخَرُ كَانَ صَاحِبَ كَسَاةٍ فِي الدُّنْيَا، فَيُحَاسَبُ، فَيَقُولُ: يَا رَبُّ مَا أَعْطَيْتنِي مِنْ شَيْءٍ فَتُحَاسِبْنِي بِهِ، فَيَقُولُ: صَدَقَ عَبْدِي فَأَرْسِلُوهُ، فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُتْرَكانِ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُدْعَى صَاحِبُ النَّارِ، فَإِذَا هُوَ مِثْلُ الْحَمَمَةِ السَّوْدَاءِ، فَيُقَالُ لَهُ: كَيْفَ وَجَدْتَ مَقِيلَكَ؟ فَيَقُولُ: شَرَّ مَقِيلٍ، فَيُقَال لَهُ: عُدْ. ثُمَّ يُدْعَى صَاحِبُ الْجَنَّةِ، فَإِذا هُوَ مِثْلُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَيُقَالُ لَهُ: كَيْفَ وَجَدْتَ مَقِيلَكَ؟ فَيَقُولُ رَبِّ خَيْرَ مَقِيلٍ فَيُقَالُ لَهُ: عُدْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهُ، أَنَّهُ سُئِلَ عَن يَوْم الْقِيَامَةِ، أَمِنَ الدُّنْيَا هُوَ أَمْ مِنَ الْآخِرَةِ؟ فَقَالَ: صَدْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الدُّنْيَا وآخِرُهُ مِنَ الْآخِرَةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ عِنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لَأَعْرِفُ السَّاعَةَ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ: السَّاعَةُ الَّتِي يَكونُ فِيهَا ارْتِفَاعُ الضُّحَى الْأَكْبَرِ، إِذَا انْقَلَبَ النَّاسُ إِلَى أَهْلِيهِمْ لِلْقَيْلُولَةِ، فَيَنْصَرِفُ أَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْجنَّة فَيُنْطَلَقُ بِهِمْ إِلَى الْجنَّةِ فَكَانَتْ قَيْلُولَتُهُمْ فِي الْجنَّةِ وَأُطْعِمُوا كَبِدَ الْحُوتِ فَأَشْبَعَهُمْ كُلَّهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: "أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلَا".
فَحِسَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَسِيرٌ، يَنْتَهِي فِي نِصْفِ نَهَارٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: "مَقِيلًا" أَيْ مَكَانَ قَيْلُولَةٍ، أَيَ اسْتِرَاحَةٍ فِي مُنْتَصَفِ النَّهَارِ، وَمَا بَيَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، جَاءَ بَيَانُهُ فِي آيةٍ كريمةٍ أُخْرى، بِقَوْلِهِ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورَةِ الانْشِقاقِ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} الآيتانِ: (8 و 9) مِنْ سُورَةُ الِانْشِقاقِ. وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: "أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا" الْآيَةَ، أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ لَيْسُوا كَذَلِكَ، وَأَنَّ حِسَابَهُمْ غَيْرُ يَسِيرٍ. وَهَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ـ تَعَالَى، في الآيةِ: (26) مِنْ هَذِهِ السُّورةِ المُباركةِ: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا}، فَقَوْلُهُ: (عَلَى الْكَافِرِينَ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسيرٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ عَسِيرٍ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ ـ تَعَالَى، مِنْ سُورَةِ القَمَرِ: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} الآيةَ: (. وَذَكَرَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} الآيةَ: (4) مِنْ سُورةِ المَعارِجِ. فَقُلْتُ مَا أَطْوَلَ هَذَا الْيَوْمُ. فَقَالَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ)). وَهُوَ حديثٌ ضَعِيفٌ.
قولُهُ تَعَالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يومَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} أَصْحَابُ: مَرْفوعٌ بالِابْتِداءِ، مُضاف. ٌو "الجَنَّةِ" مَجْرورٌ بالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ. وَ "يَوْمَئِذٍ" ظَرْفٌ مُضافٌ إِلَى مِثْلِهِ، مُتَعَلِّقٌ بِالخَبَرِ "خَيْرٌ". و "خَيْرٌ" خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ مَرْفوعٌ. وَ "مُسْتَقَرًّا" تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ الْمُبْتَدَأِ مَنْصُوبٌ بِاسْمِ التَّفْضِيلِ "خَيْرٌ". وَ "وأَحْسَنُ" الواوُ: لِلْعَطْفِ، وَ "أَحْسَنُ" اسْمُ تَفْضِيلٍ مَعْطوفٌ عَلَى الخَبَرِ "خَيْرٌ" مَرْفوعٌ مِثْلُهُ. وَ "مَقِيلًا" تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ الْمُبْتَدَأِ أَيْضًا، مَنْصُوبٌ بِـ بِاسْمِ التَّفْضيلِ "أَحْسَنُ". وِهَذِهِ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرابِ.