وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ
(57)
قولُهُ ـ تَعالى شَأْنُهُ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} أَمَّا الذينَ كَفَرُوا بالحَقِّ، وَجَحَدُوهُ، وَكَذَّبُوا بِهِ، وَخَالَفُوا رُسُلَ اللهِ، وَاسْتَكْبَروا عَنْ اتِّبَاعِهِمْ، وَهُمُ الَّذينَ لَا يَزَالُونَ فِي مِرْيَةٍ مِنَ ذَلِكَ، وَأَصَرُّوا عَلى شِرْكِهِمْ وضلالهم واسْتِكْبَارِهِمْ واسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ. ولذلك فقدِ اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ الْمُهِينَ لِأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِفَتِهِمْ بِالْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ بِالْآيَاتِ الرَّبَّانيَّةِ.
قولُهُ: {فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} فَسَيَجْزِيهِمُ اللهُ عَلَى اسْتِكْبَارِهِم وَجُحُودِهِمْ وتكذيبِهِمْ وعِصْيانِهم عَذَابًا أَلِيمًا فِي نَارِ جَهَّنَّم يُخْزِيهِمْ وَيُذِلُّهُمْ. فَالْمُهِينُ: الْمُذِلُّ، أَيْ لَهُمْ عَذَابٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَا فِيهِ هوانُهُمْ ومَذَلَّتُهُمْ، كَالضَّرْبِ بِالْمَقَامِعِ وَنَحْوِهِ.
وهَذِهِ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الفَريقَيْنِ ـ فَرِيقِ المُؤمِنِينَ بِاللهِ العَظِيمِ، العاملينَ الأعمالَ الصالحةَ، وَفَريقِ الكافرينَ بربِّهِمُ الكَريمُ، وأَساؤوا العمَلَ هِيَ مِنْ مَوَاقِعِ حَرْفِ التَّفْصِيلِ "أَمَّا". وَالإشَارَةُ بِـ "أُولَئِكَ" المُخْتَصَّةِ بِالْبُعِيدِ لِبُعْدِهم عَنْ مولاهُمُ ورَحْمَتِهِ، وتحقيرِهِم والاسْتهانةِ بِشَأْنِهم.
وَقد أُدْخِلتِ فَاءُ التَعْقِيبِ والسَّبَبِ عَلَى "أُولَئِكَ" لِتَضَمُّنِ المُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ. ولِتَفِيدَ بِأَنَّ عَذابَهُمْ المُخْزِي المُذِلَّ هُوَ عَاقِبَةُ كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهُمْ وعِصْيانِهِم، فَإِنَّهُ هُوَ المُتَسبِّبُ في عُقُوبَتِهِمْ. بَيْنَمَا لمْ تُدْخَلْ الفاءُ عِندَما أَشِيرَ إِلَى المُؤْمِنِينَ فِي الآيَةِ الَّتي قَبْلَها عندَ ذِكْرِ نَعِيمِهم بدُخولِهِمُ جنَّاتِ النَّعيمِ، وَذَلِكَ لِبَيَانِ أَنَّ عطاءَ اللهِ ـ تَباركَ وَتَعَالَى، لَهم هوَ بِمَحْضِ لُطْفِهِ بِهِمْ، وتَفَضُّلِهِ عَلَيْهِمْ، دُونَما سَبَبٍ مِنْهُمْ، كما قالَ في الآيةِ: 103، مِنْ سورةِ البقرةِ، والآيةِ: 74، مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ـ جَلَّ مِنْ قائلٍ: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
قوْلُهُ تَعَالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} الوَاوُ: حَرفٌ للعَطْفِ، و "الَّذِينَ" اسمٌ مَوصولٌ، مَبنيٌّ على الفتْحِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالابْتِداءِ، خبرُهُ "أُولئكَ". وهَذِهِ الحُمْلةُ الاسْميَّةُ، فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: {فَالَّذِينَ آمَنُوا} مِنَ الآيةِ التي قبلَها.
قَوْلُهُ: {كَفَرُوا} فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الضَّمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجِماعَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والألِفُ فارقةٌ، والجُملةُ الفعليَّةُ هَذِهِ صِلَةٌ للاسْمِ المَوصُولِ "الذينَ. فلا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} الواوُ: للعَطْفِ، و "كَذَّبوا" فِعْلٌ ماضٍ مثلُ "كفروا" ولهُ مِثْلُ إِعْرابِهِ. و "بِآيَاتِنَا" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "كَذَّبُوا" و "آياتِ" مَجْرُورٌ بحرفِ الجرِّ مُضافٌ، و "نَا" المُعظِّمِ نفسَهُ ـ سُبْحانهُ، ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السكونِ في مَحلِّ الجَرِّ بالإضافَةِ إِلَيْهِ، والجُملَةُ الفعليَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ: "كَفَرًوا".
قولُهُ: {فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} الفاءُ: رَابِطَةٌ للخَبَرِ بِالمُبْتَدَأِ، لِمَا فِي المُبْتَدَأِ مِنْ رَائِحَةِ الشَّرْطِ. وَ "أُولِاءِ" اسْمُ إِشَارةٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الكَسْرِ في مَحَلِّ الرَّفعِ خبرُ المُبْتَدَأِ "الذينَ" أوْ على كونِهِ مُبْتَدَأً ثَانيًا، والكافُ للخطابِ. وَ "لَهُمْ" اللامُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ تقديرُهُ: "كائنٌ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ علامةُ تذْكيرِ الجَمعِ. و "عَذَابٌ" مَرفوعٌ بِالِابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ. و "مُهِينٌ" صِفَةٌ لـ "عَذَابٌ". وَالجُمْلَةُ خَبَرٌ للمُبْتَدَأِ الثاني، وَجُمْلَةُ الثَّانِي خَبَرُ المُبتَدَأِ لأَوَّلِ. ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ فاعِلًا بِهِ لِاعْتِمَادِهِ عَلى المُخَبَّرِ عَنْهُ.