روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 46

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 46 Jb12915568671



الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 46 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 46   الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 46 I_icon_minitimeالثلاثاء مارس 30, 2021 5:57 pm

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ
(46)
قوْلُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} اسْتِفْهَامٌ تَعْجِيبِيٌّ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهمْ بِمَا نَزَلَ في الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِهِم لَمَّا كَذَّبوا أَنْبِيَاءَهُم. وَقَدْ سَافَرَ قومُكَ إِلَى بلادِهم ودِيَارِهِمْ، وَرَأَوْا آثارَ قُرَى تِلْكَ الأُمَمِ الْمُهْلَكَةِ، وَمَنْ لَمْ يُسَافِرْ مِنْ قومِكَ إلى تِلْكَ الدِّارِ، ولمْ يرَ الآثارَ، فَقدْ سَمِعَ مِمَّنْ سَافَرَ وَرَأَى عَجَائِبِ مَا شَاهَدُ فِي أَسْفَارِهِ.
وَفيهِ حَضٌّ عَلَى السِّياحةِ والأَسْفَارِ، لِلِاطِّلاعِ عَلى تِلْكَ الآثارِ، بُغْيَةَ النَّظَرِ والاعْتِبارِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ "التَّفَكَّر" عَن عبْدِ اللهِ ابْنِ دِينَارٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: أَوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنِ اتَّخَذْ نَعْلَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ، وَعَصًا، ثُمَّ سُحْ فِي الأَرْضِ فَاطْلُبِ الْآثَارَ والعِبَرَ حَتَّى تَحْفُوا النَّعْلَانِ وَتَنْكَسِرِ الْعَصَا. 
قولُهُ: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها} أَيْ: فَتَكونَ لَهُم قُلوبٌ عاقِلَةٌ عَالِمَةٌ؛ فَيَعْقِلُونَ بِقُلوبِهِمْ مَدْلُولَ مَا يَرَوْنَ مِنَ العِبَرِ، وَيَعْلَمُونَ مَا نَزَلَ بِمَنْ كَذَّبَ قَبْلَهُمْ مِنَ الأُمَمِ. وَأَسْماعٌ تَسْمَعُ أَخبارَ أُولَئِكَ الأَقْوامِ، فَإِنَّ مَنْ يَرَى ثمَّ لا يَتَفَكَّرُ ويَعْتَبِرُ كالمَيِّتِ الذي لا يُحِسُّ بِمَا ولا يفقهُ مِنْ ذلكَ شَيْئًا، وَمَنْ يَسْمَعُ وَلَا يَرْعَوِي، ويُدْعى ولا يُجيبُ كَمَنْ صُمَّتْ أُذُنَاهُ فَلَا يَسْمَعُ بِهِمَا شَيْئًا. لِأَنَّهُمْ إِذْ صَمُّوا آذانَهُم عَنْ سَمَاعِ نُصْحِكَ لَهُمْ، وَدُعائِكَ إِيَّاهم، أَصْبحوا هُمْ ومَنْ هُوَ أَصَمٌّ أَصْلًا سَوَاءً، قالَ تَعَالى مِنْ سورةِ يونُسَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ} الآيةَ: 42.
أَفَلَا يَسيرُونَ في الأَرْضِ، أَيْ: يُسًافٍرٌوا لِيَرَوْا وَيَسْمَعُوا أَخْبَارَ الأُمَمِ المُكَذِّبَةِ وَيَعْتَبْرُوا بِهَا. فَإِنَّهُمْ إِذَا سَافَرُوا مَرُّوا بِمَساكِنِ قَوْمِ صَالِحٍ، وَقَوْمِ لُوطٍ، وَقَوْمِ هُودٍ، فَوَجَدُوا دِيارَهُمْ خَالِيَةً، وَآثَارَهُمْ مُنْطَمِسَةً، فلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، لأَنَّهُمْ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، وَكُفْرُوا بِرَبِّهِمْ. فَإِذا رَأَوْا آثارهمْ بِعُقُولٍ نَيِّرَةٍ وذهْنٍ متفتِّحٍ وفِكْرٍ مُسْتَنيرٍ: أدْركوا أَنَّ تَكْذِيبَهُمْ لِنَبِيِّهمْ سَوفَ يوصِلُهُمْ إِلَى ما وصلَ إِلَيْهِ هؤلاءِ مِنْ سَخَطِ اللهِ ـ تَعَالَى، وسَيَحِلُّ بِهِم وبديارِهم كَالَّذي حَلَّ بمَنْ قبْلَهُمْ مِنْ هَلَاكٍ ودَمارٍ.
وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، كَقَوْلِهِ ـ تَعَالَى، فِي قَوْمِ لُوطٍ: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} الآيَتَانِ: (137 ـ 138) مِنْ سُورةِ الصَّافَّاتِ. وَقَالَ مِنْ سُورَةِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ} الآيةَ: 10، ثُمَّ هدَّدَ كُفَّارِ مَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ في الآيةِ نَفْسَها، وذلكَ بِمَا فَعَلَ بِالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فقَالَ: {وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا}.
وهَلْ مِنْ شَيْءٍ أَبْلَغُ فِي العِظَةِ وَالعِبْرَةِ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ المَرْءُ إِلَى آثارِ قَوْمٍ أَهْلَكَهُمُ اللهُ فَيَرَى بُيُوتًا خَاوِيَةً ساقِطَةً عَلى عُرُوشِهَا، وبِئْرًا كانَ يَشُرَبُ أَهْلُهَا مِنْهَا وَقَدْ هُجِرَتْ وَعُطِّلَتْ فَما مِنْ أَحَدٍ يَرِدُها أَوْ يَشْرَبُ مِنْهَا، وَقَصْرٍ عَالٍ مرتفعٍ بَنَاهُ مَلِكُهَا فأحكَمَ بناءَهُ، وَقَدْ ذهَبَ بانيهِ وَخَلَا مِنْ ساكِنيهِ، فَخَرَّ سَقْفُهُ وتَدَاعتْ جُدْرانُهُ وهوتْ أَعمدتُهُ وأَركانُهُ.
قولُهُ: {فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ} وكثيرًا ما تَرى إِنْسَانًا يُبْصِرونَ ما ينفعُهُمْ، ولا ينتفعونَ بِهِ ويرونَ الخَطَرَ أَمَامهم ولا يَجْتَنِبًونَهُ بَلْ يأْتونهُ وتنبوه بهُِجيبُشَيْئًا، وَمَنْ هُ عنهُنِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِِ ضميرٌ مُتَّسِلٌ بِهِيَقَعُونَ فِيهِ، وَقَدْ ترى مَنْ كُفَّ بَصَرهُ يَتَحَسَّسُ مَوَاطِنَ النَّفْعِ فَأْتيها، ويَسْتشْعِرُ سُبُلَ الضَّرَرِ فيجتنبُها ويَبْتَعِدُ عَنْها لِأَنَّ الأَعْمَى حقيقةً هوَ مَنْ عَمِيَتْ بَصِيرَتُهُ لا مِنَ عَميَ بَصَرُهُ. قالَ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ يونُسَ ـ عليْهِ السَّلامُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ} الآيةَ: 43، وقالَ مِنْ سُورَةِ الزُّخْرُفِ: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} الآيةَ:40.
قولُهُ: {وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} أَيْ: إِنَّ العَمَى الحَقِيقِيَّ هُوَ عَمَى القُلُوبِ حِينَ تَنْقُلُ لَهَا العَيٍنُ الصُّورةَ، فَتَتَلَقُّاها وَهِيَ لَاهِيَةٌ غافِلَةٌ، فَلَا تُحَلِّلَهَا التَّحْليلَ الَّذي تَتَّعِظُ وتَعْتَبِرُ بِهِ. فَالْعَمَى الحَقِيقِيُّ هُوَ عَمَى البَصَائرِ لَا عَمَى الأَبْصَارِ.
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيُّ فِي "نَوَادِر الْأُصُول" وَالإمامُ عُبَيْدُ اللهِ أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيِّ الوَائِلِيِّ البَكْرِيِّ شَيْخِ السُّنَّةِ، فِي الإِبانَةِ عَنْ أُصُولِ الدِّيانَةِ فِي الحَديثِ، والبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ، والعَسْكَريُّ، والدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الفِرْدَوْسِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ جَرَادٍ الخفاجيِّ العَقِيلِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ الْأَعْمَى مَنْ يَعْمَى بَصَرُهُ وَلَكِنَّ الْأَعْمَى مَنْ تَعْمَى بَصِيرَتُهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ" قَالَ: مَا هَذِهِ الْأَبْصَارُ الَّتِي فِي الرُّؤوسِ، فَإِنَّهَا جَعَلَهَا اللهُ مَنْفَعَةً وَبُلْغَةً، وَأَمَّا الْبَصَرُ النَّافِعُ فَهُوَ فِي الْقَلْبِ. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ زَائِدَةَ، يَعْنِي ابْن أُمِّ مَكْتُومٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ.
قالوا: وَقَوْلُهُ: "الَّتي في الصُّدورِ" هُوْ للتَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّ القُلُوبَ لَا تَكُونُ في غَيْرِ الصُّدُورِ، وهُوَ الرَّأْيُ والوَجْهُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الَّذي قَدْ تُعُوْرِفَ، وَاعْتُقِدَ: أَنَّ العَمَى فِي الحَقِيقَةِ مَكَانُهُ البَصَرُ، وَهُوَ أَنْ تُصَابَ الحَدَقَةُ بِمَا يَطْمِسُ نُورَهَا، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي القَلْبِ اسْتِعَارَةٌ وَمَثَلٌ. فَلَمَّا أُريدَ إِثْبَاتُ مَا هُوَ خِلَافُ المُعْتَقَدِ مِنْ نِسْبَةِ العَمَى إِلَى القُلُوبِ حَقِيقَةً، وَنَفْيِهِ عَنِ الأَبْصَارِ، احْتَاجَ هَذَا التَّصْويرُ إِلَى زِيَادَةِ تَعْيِينٍ، وَفَضْلِ تَعْريفٍ؛ لِيَتَقَرَّرَ أَنَّ مَكَانَ العَمَى هُوَ القُلُوبُ لَا الأَبْصَارُ، كَمَا تَقُولُ: لَيْسَ المَضَاءُ للسَّيْفِ، وَلَكِنَّهُ لِلِسانِكَ الَّذي بَيْنَ فَكَّيْكَ. فَقَوْلُكَ: "الَّذي بَيْنَ فَكَّيْكَ" تَقْريرٌ لِمَا ادَّعَيْتَهُ لِلِسَانِهِ، وتَثْبيتٌ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ المَضَاءِ هُوَ هُوَ لَا غَيْرَ. وَكَأَنَّكَ قُلْتَ: مَا نَفَيْتُ المَضَاءَ عَنِ السَّيْفِ، وَأَثْبَتُّهُ لِلِسانِكَ، فَلْتَةً مِنِّي وَلَا سَهْوًا، وَلَكِنْ قَدْ تَعَمَّدْتُ بِهِ إِيَّاهُ بِعَيْنِهِ تَعَمُّدًا.
وَقَدْ رَدَّ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ الأَنْدَلُسِيُّ هَذا عَلى الزَّمَخْشَرِيِّ فَقالَ: "تَعَمَّدْتُ بِهِ إِيَّاهُ"، وَجَعَلَ هَذِهِ العِبَارَةَ عُجْمَةً مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فَصَلَ الضَّمِيرَ، وَلَيْسَ مِنْ مَوَاضِعِ فَصْلِهِ، وَكَانَ صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: تَعَمَّدْتُهُ بِهِ كَمَا تَقُولُ: السَّيْفُ ضَرَبْتُكَ بِهِ لَا "ضَرَبْتُ بِهِ إِيَّاكَ".
وَرَدَّ السَمِينُ الحلبيُّ عَلَى أَبي حَيَّانَ فَقَالَ: وَقَدْ تَقَدَّمَ لَكَ نَظِيرُ هَذَا الرَّدِّ، وَالجَوَابُ عَنْهُ بِمَا أُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} الآيةَ: 1، مِنْ سورةُ المُمْتَحَنَةَ. و قال: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذينَ أُوتُواْ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ} الآيةَ: 131، مِنْ سورةِ النِّسَاءِ، وَهُوَ أَنَّهُ مَعَ قَصْدِ تَقْديمِ غَيْرِ الضَّميرِ عَلَيْهِ لِغَرَضٍ يَمْتَنِعُ اتِّصالُهُ، وَأَيُّ خَطَأٍ فِي مِثْلِ هَذَا حَتَّى يَدَّعِي العُجْمَةَ عَلَى فَصِيحٍ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ أَعْداؤُهُ، وَإِنْ كانَ مُخْطِئًا فِي بَعْضِ الاعْتِقاداتِ مِمَّا لَا تَعَلُّقَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ بِصَدِدِهِ؟
وقال الإِمامُ فخرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ: وَفِيهِ عِنْدِي وَجْهٌ آخَرُ: وَهُو أَنَّ القَلْبَ قَدْ يُجْعَلُ كِنَايَةً عَنِ الخَاطِرِ وَالتَّدَبُّرِ، كَقَوْلِهِ ـ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} الآيةَ: 37، مِنْ سورةِ (ق). وَعِنْدَ قَوْمٍ أَنَّ مَحَلَّ الذِّكْرِ هُوَ الدِّمَاغُ، فَاللهُ ـ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ هُوَ الصَّدْرُ.
وَفِي مَحَلِّ العَقْلِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، وَإِلَى الأَوَّلِ مَيْلُ ابْنِ عَطِيَّةَ، فقد قَالَ: هُوَ مُبَالَغَةٌ، كَمَا تَقُولُ: نَظَرْتُ إِلَيْهِ بِعَيْنِي، وَكَقَوْلِهِ ـ تَعَالى: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ} الآيةَ: 167، مِنْ سُورَةِ: آلِ عِمْرَانَ.
وَقَدْ أُبْدِيَتْ فَائِدَةٌ فِي قوْلِهِ ـ جَلَّ جَلَالُهُ: "بِأَفْوَاهِهِمْ" زِيَادَةً عَلَى التَّأْكِيدِ. واللهُ أَعْلَمُ.
قوْلُهُ تَعَالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} الهمزةُ: هِيَ هنا لِلِاسْتِفْهامِ التَّوْبِيخِي الإِنْكَارِيِّ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، وَالفَاءُ: عَاطِفَةٌ عَلَى ذَلِكَ المَحْذُوفِ، وَالتَّقْديرُ: أَغْفَلَ أَهْلُ مَكَّةَ فَلَمْ يَسيرُوا فِي الأَرْضِ. و "لَمْ" حَرْفُ نَفْيٍ وقلبٍ وَجَزْمٍ. و "يَسِيرُوا" فِعْلٌ مُضارعٌ مجزومٌ بـ "لم"، وعلامةُ جَزْمِهِ حَذْفُ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسةِ، وواوُ الجماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفعِ بالفاعِلِيَّةِ، والألِفُ للتَفريق. و "في" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعلِّقٌ بِـ "يَسِيرُوا"، و "الأرضِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ. والجملةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الجُمْلَةِ المَحْذُوفَةِ. وَالْجُمْلَةُ المَحْذوفَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ فلَا مَحَلَّ لَهُمَا مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ} الفاءُ: حَرْفُ عَطْفٍ وسَبَبٍ، و "تَكُونَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ نَاقِصٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ" مُضْمَرَةً وُجُوبًا بَعْدَ الفَاءِ السَّبَبِيَّةِ الوَاقِعَةِ فِي جَوَابِ الاسْتِفُهامِ، أَوِ النَّفِيِ، أَوْ التَّقْريرِ. و "لَهُمْ" اللَّامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلَّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ لِـ "تَكُونَ"، والهاءُ: ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، والمُيمُ عَلَامَةُ جَمْعِ المُذَكَّرِ. و "قُلُوبٌ" اسْمُ "كانَ" مَرفوعٌ بِهَا. وَجُمْلَةُ "تَكُونَ" مِنِ اسْمِها صِلَةُ "إِنْ" المُضْمَرَةِ لَا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعْرَابِ، وَ "إِنْ" مَعَ صِلَتِهَا فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى مَصْدَرٍ مُتَّصِلٍ مِنَ الجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، مِنْ غَيْرِ سَابِكٍ بينهما لِإِصْلَاحِ المَعْنَى. والتَّقْديرُ: هَلْ يَكُونُ سَيْرُهُمْ فِي الأَرْضِ، فَكَوْنُ قُلُوبٍ عَاقِلَةٍ لَهُمْ. أَوْ لَمْ يَكُنْ سَيْرُهُمْ فِي الأَرْضِ، فَكَوْنُ قَلُوبٍ عَاقِلَةٍ لَهُمْ.
قولُهُ: {يَعْقِلُونَ بِها} فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفعِهِ ثباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفَاعِلِيَّةِ. و "بِهَا" الباءُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَعْقِلُونَ"، و "ها" ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ صِفَةً لِـ "قُلُوبٌ"، وَالتَّقْديرُ: فَتَكُونَ قُلُوبٌ عَاقِلُونَ بِهَا كَائِنَةً لَهُمْ.
قَوْلُهُ: {أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} أَوْ: هوَ هنا حَرْفٌ للعَطْفِ والتَّنويعِ، وَ "آذَانٌ" مَعْطُوفٌ عَلَى "قُلُوبٌ" مِنِ الجملةِ التي قبلَها. وَ "يَسْمَعُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وَعَلَامَةُ رَفعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ فِي آخِرِهِ، لِأَنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخَمْسَةِ، وَوَاوُ الجَماعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِه،ِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالفَاعِلِيَّةِ. وَ "بِهَا" الباءُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَسْمِعُونَ"، وَ "هَا" ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، وَالْجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ على أَنَّها صِفَةٌ لِـ "آذانٌ"، وَالتَّقْديرُ: فَتَكُونَ آذَانٌ سَامِعُونَ بِهَا كَائِنَةً لَهُمْ. والمَعْنَى: إِنَّهُم لَمْ يَسِيرُوا سَيْرًا تَكُونُ لَهُمْ بِهِ "قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا"، وَ "آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا".
قوْلُهُ: {فَإِنَّها} الفاءُ: للاسْتِئْنَافِ وَالتَّعْلِيلِ، "إنَّ" حَرْفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفعْلِ للتَّوكيدِ. وَ "هَا" ضَمِيرُ القِصَّةِ متَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُهَا. وَخَبَرُها جملةُ "لا تَعْمَى الأَبْصَارُ"، وَجُمْلَةُ "إِنَّ" مِنِ اسْمِها وخَبَرِها مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ مَا قَبْلَهَا لا محلَّ لها مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} لا: نافيةٌ. و "تَعْمَى" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ وَالجَازِمِ، وَعَلَامَةُ رَفْعِهِ ضَمَّةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى آخِرِهِ، لِتَعَذُّرِ ظهورِها عَلَى الأَلِفِ. وَ "الأَبْصارُ" فَاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعَ خَبَرًا لِـ "إِنَّ" مُفَسِّرَةً لِضَمِيرِ الشَّأْنِ.
قولُهُ: {وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} الواوُ: عَاطِفَةٌ. و "لَكِنْ" حَرْفُ اسْتِدْرَاكٍ. و "تَعْمَى الْقُلُوبُ" مِثْلُ قولِهِ "تَعْمَى الأَبْصَارُ"، ولها نَفْسُ الإِعْرَابِ. وَ "الَّتِي" اسمٌ مَوْصُولٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ صِفَةً لِـ "الْقُلُوبُ"، أَوْ بَدَلًا مِنْهُ، أَوْ بَيَانٌ لَهُ. وَ "فِي" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِصِلَةٍ للاسْمِ المَوْصُولِ، وَ "الصُّدُورِ" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "لَا تَعْمَى الأبصارُ" عَلَى كَوْنِهَا خَبَرًا لـ "أَنَّ".
قرأَ الجُمْهورُ: {فتكونَ} بالتاءِ مِنْ فوقُ للتأْنيثِ، وَقَرَأَ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ: "فَيَكُونَ" بالياءِ مِنْ تَحْتُ؛ لِأَنَّ التَأْنِيثَ مَجَازِيٌّ. وَمُتَعلَّقُ الفِعْلِ مَحْذُوفٌ أَيْ: مَا حَلَّ بِالْأُمَمِ السَّالِفَةِ.
قَرَأَ الجُمْهورُ: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصارُ} فالهَاءُ: حَرْفُ عِمَادٍ، والضَّمِيرُ يعودُ لِلْقِصَّةِ. و "لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ" مُفَسِّرَةٌ لَهُ. وَقد حَسَّنَ تَأْنِيثَ هَذَا الضَّميرِ أَنْه جاءَ بعدَهُ فِعْلٌ فيه عَلَامةُ تَأْنِيثٍ وهوَ "تَعْمَى". وَقَرَأَ عبدُ اللهِ ابْنُ مسعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: "فَإِنَّهُ" فَيَكونُ التَّذْكِيرُ باعْتِبَارِ الأَمْرِ وَالشَّأْنِ، أَيْ: فإنَّ الأَمْرَ، أَوْ فإِنَّ الشَّأْنَ إنَّهُ لا تعمى الأَبْصَارُ.. .
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ ضَمِيرًا مُبْهَمًا يُفَسِّرُهُ "الأَبْصَارُ"،  وَالضَّميرُ في "تَعْمَى" رَاجِعٌ إِلَيْهِ. وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ الأَنْدَلُسِيُّ فَقَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الَّذي يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ مَحْصُورٌ، وَلَيْسَ هَذَا وَاحِدًا مِنْهُ: وَهُوَ مِنْ بابِ "رُبَّ"، وَفِي بابِ "نِعْم" و "بِئْسَ"، وَفِي بابِ الإِعْمَالِ، وَفِي بابِ البَدَلِ، وَفي بابِ المُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِهَا، وَفِي بَابِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ، وَالخَمْسَةُ الأُوَلُ تُفَسَّرُ بِمُفْرَدٍ، إِلَّا ضَمِيرَ الشَّأْنِ، فَإِنَّهُ يُفَسَّرُ بِجُمْلَةٍ، وَهَذَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنَ السِّتَّةِ. قَالَ السَّمينُ: بَلْ هَذَا مِنَ المَوَاضِعِ المَذْكُورَةِ، وَهُوَ بَابُ المُبْتَدَأِ. وَغَايَةُ مَا في ذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ ناسِخٌ، وَهُوَ "إِنَّ" فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: هِيَ العَرُوبُ تَقُولُ مَا شَاءَتْ، وَهِيَ النَّفْسُ تَتَحَمَّلُ مَا حَمَلْتْ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ سُورَةِ الأَنْعَامِ: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا} الآيةَ: 29. وَقَدْ جَعَلْ الزَّمَخْشَرِيُّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِمَّا يُفَسَّرُ بِمَا بَعْدَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الآيَةِ الكَريمَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ الأَمْثِلَةِ إِلَّا دُخُولُ النَّاسِخِ، وَلَا أَثَرَ لَهُ، وَعَجِبْتُ منْ غَفْلَةِ الشَّيْخِ عَنْ ذَلِكَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 46
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 2
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 18
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 33
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 48
» الموسوعةُ القرآنيةُ (فيضُ العليم مِن معاني الذكْر الحكيم) سورةُ الحج، الآية: 64

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: