كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ
(4)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} كُتِبَ عَلَيْهِ: أَيْ لَزِمَهُ وَثَبتَ عَلَيْهِ في قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ إِضْلَالُهُ لِمَنْ أَصْغى إِلَيْهِ وَوثقَ بِهِ، وَاعْتَمَدَ عَليْهِ، وَجَعَلَهُ لَهُ وَلِيًّا، واتَّبَعَهُ فِيما يُوسْوِسُ بهِ إِلَيْهِ ويَأْمُرُهُ بِفِعْلِهِ أَنْ يُبَعِدَهَ عَنْ طَريقِ الصَّوابَ، ويُلْقيَهُ في مَهَاوِي الضَّلَالَةِ والعَذَابِ، فَقدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّهُ قالَ: قَضَى اللهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ أَطَاعَ إِبْلِيسَ أَضَلَّهُ وَلَمْ يُرْشِدْهُ، وَصَيَّرَهُ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالَى: "كُتِبَ عَلَيْهِ" قَالَ: عَلَى الشَّيْطَانِ، و "أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ" قَالَ: اتَّبَعَهُ.
فالضَّمائرُ في كلٍّ مِمْ: "عَلَيْهِ" و "تَوَلَّاهُ" و "فَأَنَّهُ" عائدةٌ عَلَى الشَّيطانِ. فقدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِي اللهُ عنهُ فِي قَوْلِهِ ـ تَعَالى: "كُتِبَ عَلَيْهِ" قَالَ: كُتِبَ عَلَى الشَّيْطَانِ.
وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَى لُزُومِ ذَلِكَ الإِضْلالِ فِعْلُ "الكَتْبَ" لَمَا هوَ مِعْرُوفٌ مِنْ أَنَّ كِتَابَةَ الْعَقْدَ هِيَ الضَّمانُ لِإِمْضائِهِ وَتَنْفِيذِ بُنُودِهِ، وَضمانِ عَدَمِ الْإِخْلَالِ بِهِ، كما قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ اليَشْكُرِيُّ:
حَذَرَ الْجَوْرِ وَالتَّطَاخِي وَهَلْ يَنْقُـــ ......... ــــضُ مَا فِي الْمَهَارِقِ الْأَهْوَاءُ
الجورُ: الظُّلْمُ، والتطاخي: إِساءةُ المُعاملةِ، و المَهَارِقُ: الأَوْرَاقُ.
قولُهُ: {وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} هِيَ وَظيفةُ الشَّيطانِ ومهمَّتُهُ الَّتي لا مُهِمَّةَ لهُ غيرَها، ولا هَمَّ لهُ سِواهَا، وقدْ تَعَهَّدَ أَمَامَ اللهِ ـ تَعَالى، بِالْعَمَلِ عَلَى إِنْجَازها وتَنْفيذِ بُنُودِهَا وقدْ حكى لنا اللهُ ـ تَعَالَى، هَذا التَّعَهُّدَ فقالَ مِنْ سورةِ النِّساءِ: {.. وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ إلى أنْ قالَ اللهُ تَعَالى: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا} الآيات: (117 ـ 121).
قولُهُ تَعَالى: {كُتِبَ عَلَيْهِ} كُتِبَ: فِعْلٌ مَاضٍ مُغَيَّرُ الصِّيغَةِ (مبنيٌّ للمَجهولِ أَوْ للمَفْعولِ). و "عَلَيْهِ" عَلَى: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "كُتِبَ". والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِ. والجملةُ الفعليَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ. وَيجوزُ أَنْ تكونَ في مَحَلِّ الجَرِّ صِفةً للشَّيْطَانِ.
قولُهُ: {أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ} أَنَّهُ: حرفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ، للتَّوْكِدِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُها. و "مَنْ" اسْمُ شَرْطٍ جَازِمٌ، مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ، والخَبَرُ جُمْلَةُ الشَّرْطِ، أَوِ الجَوَابِ، أوْ هُما مَعًا، وَيجوزُ أَنْ تُعْرَبَ "مَنْ" اسْمًا مَوْصُولًا بِمَعْنى "الَّذي" مَبْنيًّا عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ. وَ "تَوَلَّاهُ" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلى الفَتْحِ المُقدَّرِ عَلى آخِرِهِ لِتَعَذُّرِ ظهورِهِ عَلى الأَلِفِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلى "مَنْ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ على المَفْعولِيَّةِ، والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ الجَزْمِ فِعْلُ شَرْطٍ لِـ "مَنْ"، إِنْ أُعْرِبتْ شَرْطِيَّةً، وإِذا أُعْرِبَتْ "مَنْ" اسْمًا مَوْصولًا، كانتِ الجُملةُ صِلَةً لَهَا لا محَلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ.
وجُملةُ "أَنَّ" في محلِّ الرَّفْعِ نائبُ فاعِلٍ لِـ "كُتِبَ".
قولُهُ: {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} الفَاءُ: رَابِطَةٌ لِجَوَابِ "مَنْ" إنْ أُعْرِبَتْ شَرْطِيَّةً، وإذا أُعْرِبَتْ "ما" اسْمًا مَوْصولًا، كانَتِ الفاءُ وَاقِعَةً فِي خَبَرِ "مَنْ" المَوْصُولَةِ، لِـمَا فِي هَذا الاسْمِ المَوْصُولِ مِنْ رَائِحَةِ الشَّرْطِ، و "أَنَّ" حَرْفٌ ناصِبٌ، ناسِخٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتَّوكيدِ، وَالهَاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُ "أَنَّ". و "يُضِلُّهُ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فِيهِ جوازًا تقديرُهُ (هوَ) يَعُودُ عَلَى الـشَيْطَانٍ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ على المَفْعولِيَّةِ. والجُمْلَةُ الفعلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الرَّفعِ خَبَرُ "أَنَّ" وجُمْلَةُ "أَنَّ" إِمَّا جوابُ "مَنْ" إِنْ أُعرِبتْ شرطيَّةً، أَوْ صلةٌ لها إنْ أُعربتْ اسْمًا مَوْصولًا بحَسَبِ ما تقدَّمَ، وإذًا فَليسَ لها مَحَلٌّ مِنَ الإِعْرَابِ.
قولُهُ: {وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "يَهْدِيهِ" فعلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمَ، وعلامةُ رَفْعِهِ ضمَّةٌ مقدَّرةٌ على آخِرِهِ لِثِقَلِها عَلى اليَاءِ، وفاعِلُهُ ضميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هُوَ) يَعُودُ عَلَى الشَّيْطانِ، والهَاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ على المَفْعُولِيَّةِ. و "إِلَى" حرفُ مُتَعَلِّقٌ بـ "يَهْدِيهِ"، و "عَذَابِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ، مُضاف، و "السَّعِيرِ" مَجْرُورٌ، بالإِضَافَةِ إِلَيْهِ. والجُمْلَةُ معطوفةٌ عَلَى جُمْلَةِ "يُضِلُّهُ" عَلَى كونِها في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "أَنَّ"
قَرَأَ العَامَّةُ: {كُتِبَ} مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَبِفَتْحِ "أَنَّ" فِي المَوْضِعَيْنِ. عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ في "أَنَّ" وَمَا فِي حَيِّزِهِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ لِقِيامِهِ مَقَامَ الفاعِلِ. فَضميرُ الْهَاءِ فِي "عَلَيْهِ" وَفِي "أَنَّهُ" يَعُودَانِ عَلى "مَنْ" الأُولى. وَ "مَنْ" الثانِيَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكونَ شَرْطِيَّةً وَالفَاءُ جَوَابُها، ويَجوزُ أَنْ تَكونَ مَوْصُولَةً، والفاءُ زَائِدَةٌ في الخَبَرِ لِشَبَهِ المُبْتَدَأِ بِالْشَرْطِ. وَفُتِحَتْ "أَنَّ" الثانِيَةُ لِأَنَّها وَمَا فِي حَيِّزِهَا فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى كَوْنِها خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والتقديرُ: فَشَأْنًهُ، وَحَالُهُ أَنْهُ يُضِلُّهُ. أَوْ يُقَدَّرُ: "فَأَنَّه" مُبْتَدَأٌ، وَيكونُ خَبَرُهُ مَحْذوفًا أَيْ: فَلَهُ أَنَّهُ يَضِلُّهُ.
وَقَالَ أَبو القاسِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَنْ فَتَحَ فَلِأَنَّ الْأَوَّلَ فَاعِلُ "كَتَبَ"، والثاني عَطْفٌ عَلَيْهِ. فَعَقَّبَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبو حيَّانَ الأنْدَلُسِيُّ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّك إِذَا جَعَلْتَ "فَأَنَّهُ" عَطْفًا عَلَى "أَنَّهُ" بَقِيَتْ "أَنَّهُ" بِلَا اسْتِيفَاءِ خَبَرٍ، لِأَنَّ "مَنْ" في قَوْلِهِ: "مَنْ تَوَلاَّه" مُبْتَدَأَةٌ. فَإِنْ قَدَّرْتَها مَوْصُولَةً فَلَا خَبَرَ لَهَا حَتَّى تَسْتَقِلَّ خَبَرًا لـ "أَنَّهُ". وَإِنْ جَعَلْتَهَا شَرْطِيَّةً فَلَا جَوَابَ لَهَا؛ إِذْ جُعِلَتْ "فَأَنَّهُ" عَطْفًا عَلَى "أَنَّهُ" الأُولَى.
قالَ السَّمينُ الحَلَبِيُّ: وَقَدْ ذَهَبَ ابْنُ عَطِيَّةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ إِلَى مِثْلِ قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَ "أَنَّهُ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى المَفْعُولِ الَّذي: لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَ "أَنَّهُ" الثَّانِيَةُ عَطْفٌ عَلَى الأُولَى مُؤَكِّدَةً مِثْلَهَا. وَفي هَذَا رَدٌّ وَاضِحٌ عَلَى كلامِ الشَّيْخِ أَبي حَيَّانَ.
وقُرِئ: "كَتَبَ" بالبِناءِ للفَاعِلِ، أَيْ: كَتَبَ اللهُ. وَعَلَيْهِ فَـ "أَنَّ" وَمَا فِي حَيِّزِهَا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى المَفْعُولِ بِهِ، وَبَاقي الآيَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بيانُهُ آنِفًا.
وَقَرَأَ الأَعْمَشُ وَالجُعَفِيُّ عَنْ أَبي عَمْرِو ابْنِ العَلَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "إِنَّهُ" و "فَإِنَّهُ" بِكَسْرِ الهَمْزَتَيْنِ فيهِما. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: "إِنَّهُ" و "فإِنَّهُ" بالكَسْرِ فِيهِمَا، وَهَذَا يُوْهِمُ أَنَّهُ مَشْهُورٌ عَنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَإنَّ فِي تَخْريجِ هَذِهِ القِرَاءَةِ ثَلاثَةُ وُجوهٍ هِيَ:
الوَجْهُ الأَوَّلُ ـ أَنْ يَكونَ عَلَى إِضْمَارِ فعلٍ ماضٍ مُغَيَّرِ الصِّيِغَةِ (مَبْنِيٍّ للمفعولِ، أَوْ للْمَجْهولِ) والتَّقْديرُ: "قِيلً".
الثاني ـ أَنْ تَكونَ عَلَى حِكَايَةِ المَكْتُوبِ كَمَا هُوَ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: كُتِبَ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ، كَمَا تَقُولُ: كُتِبَ عَلَيْهِ: إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الحَميدُ.
الثالثُ: أَنَّ في "كُتِبَ" مَعْنَى "قِيلَ". قَالَ الشَّيْخُ أَبو حَيَّانَ الأنْدَلُسِيُّ في تفسيرِهِ (البحْرُ المُحيطُ): أَمَّا تَقْديرُ "قِيلَ" يَعْنِي فَيَكُونُ "عَلَيْهِ" فِي مَوْضِعِ مَفْعُولِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَجُمْلَةُ "أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ" مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ لـ "قِيلَ" المُضْمَرَةِ.
وهَذَا لَيْسَ مَذْهَبَ البَصْرِيِّينَ فَإِنَّ الجُمْلَةَ عِنْدَهُمْ لَا تَكونُ فَاعِلًا وَلَا تَكونُ مَفْعُولًا لِـ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَكَأَنَّ الشَّيْخَ أَبا حَيَّانَ قَدِ اخْتَارَ مَا بَدَأَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ أَوَّلًا، وَفَيهِ مَا فَرَّ مِنْهُ: وَهُوَ أَنَّهُ أَسْنَدَ الفِعْلَ إِلَى الجُمْلَةِ، فَاللَّازِمُ مُشْتَرَكٌ. ثُمَّ قَالَ: "وَأَمَّا الثاني ـ يَعْنِي أَنَّهُ ضُمِّنَ "كُتِب" مَعْنَى القَوْلِ فَلَيْسَ مَذْهَبَ البَصْرِيِّينَ، لِأَنَّهُ لَا تُكْسَرُ "إِنَّ" عِنْدَهُمْ إِلَّا بَعْدَ القَوْلِ الصَّريحِ، لَا مَا هُوَ بِمَعْنَاهُ.
وَالضَّمِيرانَ فِي "عَلَيْهِ" وَ "أَنَّهُ" عَائِدَانِ عَلَى "مَنْ" الأُولَى ـ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ الضَّمَائِرُ فِي "تَوَلَّاهُ" وَ "فَأَنَّهُ"، وَضَّمِيرُ الْمَرْفُوعِ فِي "يُضِلُّهُ" وَ "يَهْديهِ"؛ لِأَنَّ "مَنْ" الأَوَّلَ هُوَ المُحَدَّثُ عَنْهُ. وَضَمِيرُ المَرْفوعِ فِي "تَوَلاَّه"، والمَنْصُوبِ فِي "يُضِلُّهُ" وَ "يَهْدِيه" عائدٌ عَلَى "مَنْ" الثَّانِيَةِ.
وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي "عَلَيْهِ" يعودُ لِكُلِّ شَيْطانٍ. وَالضَّمِيرُ فِي "فَأَنَّهُ" هُوَ ضميرُ الشَّأْنِ.
وَقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الَّذي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الضَّميرَ الأَوَّلَ فِي "أَنَّهُ" يَعُودُ عَلَى كُلِّ شَيْطانٍ، وَفِي "فَأَنَّهُ" يَعُودُ عَلَى "مَنْ" الَّذي هُوَ المُتَوَلِّي، واللهُ تَعالى أَعْلَمُ.