ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا
(98)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا} الإِشَارَةُ بـ "ذَلِكَ" إِلى الوَعِيدِ المُتَقَدِّمِ بعذابِ جَهَنَّمَ، فإنَّ هَذَا الذي وَصَفَهُ اللهُ مِنْ أَحْوَالِ هَؤُلاءِ المُشْرِكينَ يَوْمَ القِيَامَةِ، مِنْ حَشْرِهِمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وبُكْمًا وَصُمًّا، وإِصْلائِهِمُ النَّارَ، عَلَى مَا تقَّمَ بيانُهُ مِنْ حَالَتِهِمْ فِيهَا، جَزَاءَ كُفْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا بآياتِ اللهِ، العَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّةِ الإعَادَةِ إِلَى الحياةِ دَلالَةً وَاضِحَةً، ونَعْنِي بِهَا أَدِلَّتَهُ تَعَالَى وَحُجَجَهُ، التي آتَاهَا رُسُلَهُ الذينَ دَعُوهُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ تَعَالَى، وَإِفْرادِهِمْ إِيَّاهُ بِالأُلُوهَةِ دُونَ غيرِهِ، مِنَ الأَوْثانِ والأَصْنَامِ وغَيْرِهَا. لكنَّهُمْ أَصَرُّوا عَلَى التَكْذِيبِ والكُفْرِ والشُّكْرِ، فَجَازَاهُمُ الحَقُّ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، بِإِدَامَةِ تَعْذِيبِهِمْ.
وَهَذَا اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، لِأَنَّ الْعِقَابَ الْفَظِيعَ الْذي حَكَاهُ اللهُ تَعَالَى في الآيَةِ الَّتي قَبْلَهَا يُثِيرُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ سُؤَالًا عَنْ سَبَبِ تَرَكُّبِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ مِنْ تِلْكَ الصُّورَةِ المُخِيفَةِ، فَجاءَ الْجَوَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّا كانَ بِسَبَبِ الْكُفْرِ بِآيَاتِ اللهِ التي نزَّلَها عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ، وَإِنْكَارِ الحَشْرِ وَالْمَعَادِ، والحِسَابِ والجَزَاءِ.
قَوْلُهُ: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا} هو مِنْ حجَجِهِمُ الواهِيَةِ التي سَاقُوهَا فِي مَعْرِضِ دفاعِهمْ عَنْ مُعْتَقَدِهِمْ حينَ أُمِرُوا بأَنْ يُؤْمِنوا بِالحَشْرِ والمَعَادِ والحِسَابِ، وَبِثَوَابِ اللهِ وَعِقَابِهِ فِي الآخِرَةِ.
قولُهُ: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} أَيْ قَالُوا: أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا بَالِيَةً، وَصِرْنَا تُرابًا وَرَمادًا، أَمِنَ المَعْقُولِ أَنْ نُبْعَثَ بَعْدَ ذَلِكَ خَلْقًا جَديدًا، كَمَا ابْتَدَأْنَاهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي الدُّنْيَا؟. وَذَلِكَ اسْتِنْكَارًا مِنْهُمْ، واسْتِعْظَامًا وَتَعَجُّبًا مِنْ أَنْ يَكونَ ذَلِكَ.
قوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا} ذَلِكَ: ذا: اسمُ إِشارةٍ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ، واللامُ: للبُعْدِ والكافُ للخِطابِ، وَالجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإِعْرَابِ. و "بِأَنَّهُمْ" الباءُ: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بالخَبَرِ "جَزَاؤ"، أَيْ: ذَلِكَ العَذَابُ المُتَقَدِّمُ هُوَ جَزَاؤُهُمْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ كَفَروا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكونَ "جَزَاؤُهُم" مُبْتَدَأً ثَانَيًا، فيَتَعلَّقُ الجَارُّ بِخَبَرُهِ، وَتكونُ الجُمْلَةُ خَبَرَ "ذَا"، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "جَزَاؤ" بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيانٍ، وَ "بِأَنَّهُمْ" الخَبَرُ، و "أَنَّ" حرفٌ نَاصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمُها، والميمُ للجَمْعِ المُذَكَّرِ. و "كَفَرُوا" فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجَمَاعَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ، والأَلفُ للتفريقِ، والجُمْلَةُ خَبَرُ "إِنَّ" في مَحَلِّ الرَّفعِ. و "بآياتِنَا" الباءُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "كفروا"، و "آياتِنا" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، مُضافٌ، و "نَا" ضميرُ المُعَظِّمِ نَفْسَهُ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ.
قولُهُ: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا} الواوُ: للعَطْفِ، و "قالوا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَمِّ لاتِّصالِهِ بِوَاوِ الجَمَاعَةِ، وَوَاوُ الجَمَاعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفعِ فَاعِلُهُ، وَالأَلِفُ للتَّفْريقِ، والجملةُ معطوفةٌ عَلَى جملةِ "كفروا" على كونِها في محلِّ الرَّفعِ خبرُ "إِنَّ". و "أَإِذا" الهَمْزَةُ للاسْتِفْهَامِ الإِنْكَارِيِّ، و "إِذا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ، مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ خافضٌ لِشَرْطِهِ متَعلِّقٌ بجوابِهِ. و "كُنَّا" فِعْلٌ ماضٍ نَاقِصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هو "نَا" الدالةُ على الجماعةِ، وهي ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرَّفْعِ اسِمُ "كانَ" و "عِظَامًا" خَبَرُهُ منصوبٌ بِهِ، و "رُفاتًا" مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ الخَفْضِ بِـ "إِذا" عَلَى كَوْنِهَا فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا، وَالظَّرْفُ مُتَعَلَّقٌ بِالجَوَابِ الآتِي.
قولُهُ: {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} الهَمْزَةُ للاسْتِفْهَامِ الإِنْكَارِيِّ مُؤَكِّدَةٌ لِلأُولى، و "إِنَّا" إِنَّ: حَرْفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعلِ، وَ "نا" الدالَّةُ عَلَى الجَمَاعَةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ النَّصْبِ، اسْمُ "إنَّ". و "لَمَبْعُوثُونَ" اللَّامُ: هي المُزحلقةُ للتوكيدِ (حَرْفُ ابْتِدَاءٍ) و "مَبْعُوثُونَ" خَبَرُ "إِنَّ" مَرْفوعٌ بِها، وعلامةُ رَفْعِهِ الواوُ لأَنَّهُ جَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ، والنُّونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينَ في الاسْمِ المُفرَدِ. و "خَلْقًا" نَصْبٌ عَلى الحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَكِنِّ فِي "مَبْعُوثُونَ". أَيْ: مَخْلُوقِينَ مُسْتَأْنَفِينَ. وَيَجوزُ أَنْ يكونَ "خَلْقًا" مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ إِمَّا مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِـ "مَبْعُوثونَ" مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، أَيْ: إِنَّا لَمَبْعُوثونَ بَعْثًا جَديدًا. وَ "جَدِيدًا" نَعْتٌ لِـ "خَلْقًا" منصوبٌ مِثْلهُ. وَجُمْلَةُ "أَإِنَّا" جَوَابُ "إِذا" الشَّرْطِيَّةِ، وَجُمْلَةُ "إِذَا" الشَّرْطِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بالقَوْلِ لِـ "قَالُوا".