وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)
قولُهُ ـ جَلَّ وعَزَّ: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} قِيلَ: هَذَا أَمْرٌ قَدَرِيٌّ مِنْهُ تَعَالَى، فهوَ كَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ مريم ـ عَلَيْها السَّلامُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} الآية: 83، أَيْ: تُزْعِجُهُمْ إِزْعَاجًا إِلَى الْمَعَاصِي، وَتَسُوقُهُمْ إِلَيْهَا سَوْقًا، وقِيلَ هُوَ تَهْديدٌ لَهُ مِنْهُ ـ سُبْحانَهُ، إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، أَيِ: افْعَلْ ذَلِكَ فَسَتَرَى أَنَّ عَاقِبَتَهُ وَخِيمَةٌ، فهو كقولِهِ تَعَالى مِنْ سُورَةِ فُصِّلت: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} الآيةَ: 40، وَاللهُ أَعْلَمُ.
والاسْتِفْزازُ: هُوَ الاسْتِخفافُ، والإِزْعاجُ، والخِداعُ. وَاسْتَفَزَّني، أَيْ: اسْتَخَفَّني لِمِا يُريدُهُ، وَخَدَعَني. قَالَ الشمَّاخُ بْنُ ضِرَارٍ:
يُطيعُ سَفيهَ القومِ إِذْ يَسْتَفِزُّهُ .............. ويَعْصي حَليمًا شَيَّبَتْهُ الهَزاهِزُ
فأَنَتَ تَقولُ: اسْتَفَزَّني فُلانٌ، إِذا خَدَعَكَ حَتَّى تَقَعَ في أَمْرٍ أَرادَهُ، وَمِنَ خِفَّةِ حرَكَتِهِ، قِيلَ لِوَلَدِ البَقَرَةِ "فَزٌّ"، وَمِثْلُهُ قوْلُ زُهيْرِ بْنِ أَبي سُلْمَى:
كَمَا استغاثَ بِسَيءٍ فَزُّ غَيْطلةٍ ...... خَافَ العُيُونَ ولمْ يُنظَرْ بِه الحِشَكُ
السَيِّءُ هُنَا: اللَّبَنُ الَّذِي يَكُونُ فِي أَطْرَافِ الْأَخْلَافِ قَبْلَ نُزُولِ الدِّرَّةِ، وَالْحَشَكُ: الدِّرَّةُ: إِذَا امْتَلَأَتْ، وأَصْلُهُ بسُكُونِ الشينِ، لِأَنَّهُ مَصْدَرُ حَشَكَتِ، وَإِنَّمَا حَرَّكَهُ لِلْوَزْنِ. وَالْغَيْطَلَةُ: هِيَ بَقَرَةُ الْوَحْشِ ذَاتُ اللَّبَنِ. وَأَصْلُ الفَزِّ: القَطْعُ، يُقالُ: تَفَزَّزَ الثَّوبُ، أَيْ: تَقَطَّعَ. ويُقالُ: أَفَزَّهُ الخَوْفُ، واسْتَفَزَّهُ: أَزْعَجَهُ.
وَ "بِصَوْتِكَ"، قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُما: صَوْتُهُ، كُلُّ دَاعٍ إِلَى مَعْصِيَةِ اللهِ. وقالَ مُجاهِدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: الصَّوْتُ ـ هُنَا: هُوَ الغِنَاءُ والمَعازِفُ والمَزَامِيرُ والمَلاهي، لأَنَّها كُلَّهَا أَصْواتٌ مُخْتَصَّةٌ بِالمَعَاصِي، فَهِيَ مُضافَةٌ إِلَى "الشَيْطَانِ". وَقِيلَ "بِصَوْتِكَ"، مَعْنَاهُ: بِدُعائِكَ إِيَّاهُمْ إِلَى طاعَتِكَ، وَقِيلَ: "بِصَوْتِكَ"، أَيْ بِوَسْوَسَتِكَ. وَالصَّوابُ أَنْ يَكونَ المعنى يَعُمَّ ذَلِكَ جميعَهُ، واللهُ أَعْلَمُ.
قولُهُ: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} أَجْلِبْ: أَيْ: هَوِّلْ؛ وَأَصْلُ الْإِجْلَابِ: السَّوْقُ بِجَلَبَةٍ مِنَ السَّائِقِ. وَالْجَلَبَةُ: الْأَصْوَاتُ الكَثيرَةُ المُرْتَفِعَةُ المُخْتَلِطَةُ. تَقُولُ الْعَرَبُ: أَجْلَبَ عَلَى فَرَسِهِ، وَجَلَبَ عَلَيْهِ: إِذَا صَاحَ بِهِ مِنْ خَلْفٍ بِصَوْتٍ مُرتفعٍ حاسًا لَهُ عَلى السَّبْقِ. وَقِيلَ: أَجْلَبَ عَلَيْهِ: تَوَعَّدْهُ بِشَرٍّ. وَقِيلَ: أَجْلَبَ عَلَيْهِ: إِذَا أَعَانَ عليْهِ، والجَلَبَةُ: الصِّياحُ. وَ "بِخَيْلِكَ ورَجْلِكَ" مَعَنَاهُ: اجْمَعْ عَلَيْهِمُ الجُمُوعَ مِنْ جُنْدِكَ، فهو اسْتِعَارَةٌ ومَجَازٌ، بِمَعْنَى: اسْعَ سَعْيَكَ، وابْلُغْ جُهْدَكَ، وَقدْ تُطْلَقُ "الْخَيْلُ" عَلَى الْأَفْرَاسِ نَفْسِها، وَعَلَى الْفَوَارِسِ الرَّاكِبِينَ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ. وَقالَ قَتَادَةُ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُ، مَعْنَاهُ: أَنَّ لَهُ مِنَ الجِنَّ خَيْلًا ورَجِلًا. وَ "الرَّجْلُ": جَمْعُ رَاجِلٍ، عَلى "فَعْلٍ" جَمْعُ "فَاعِلِ"، وَصْفًا عَلَى "فَعْلٍ" بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، مِنْ صِيَغِ الْجُمُوعِ، فَيَقُولُونَ فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ كَ "رَاجِلٍ" وَ "رَجْلٍ"، وَ "صَاحِبٍ" وَ "صَحْبٍ"، وَ "رَاكِبٍ" وَ "رَكْبٍ"، وَ "شَارِبٍ" وَ "شَرْبٍ": إِنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ لَا جَمْعٌ، وَهُوَ خِلَافُ التَّحْقِيقِ. وَقالَ مُجَاهدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، المُرادُ بِـ "خَيْلِكَ ورَجْلِكَ" فُرْسَانُ النَّاسِ ورِجَالَتُهُم المُتَصَرِّفُونَ فِي البَاطِلِ، لِيُغْوونَ غيرَهمْ مِنَ النَّاسَ، وَيَصْرِفونَهم عَنْ سَبيلِ اللهِ، فَإِنَّهم كُلَّهمْ أَعْوانُ إِبْلِيسَ، واللهُ أَعْلَمُ.
قولُهُ: {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ مَعْصِيَةٍ يَرْتَكِبُهُا ابْنُ آدَمَ بِالمَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ وِسْواسُ إِبْلِيسَ، كَالرِّبَا، وَكُلِّ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنِ اكْتِسَابِ الْأَمْوَالِ بِالطُّرُقِ الْمُحَرَّمَةِ شَرْعًا، وَإِنْفَاقِها فيما يُغْضِبُ اللهَ ـ تَعَالى، كَمَهْرِ البَغِيِّ، وَثَمَنِ الخَمْرَةِ، وحُلْوانِ الكَاهِنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. ومِنْهَا مَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ طَاعَةً لَإبْلِيسَ، كَ "الْبَحَائِرِ" وَ "السَّوَائِبِ" وَنَحْوِ ذَلِكَ. قالَ تعالى مِنْ سُورةِ الأَنْعَام: {وَجَعَلُوا للهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا للهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} الْآيَةَ: 136، وَقَالَ في الآيةِ: 138، منها: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}، وَقَالَ مِنْ سُورةِ يونُسَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ} الآية: 59، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَ "والأَوْلادِ" عَامٌّ لِكُلِّ مَا يَصْنَعُ في أَمْرِ الذُرِّيَّةِ مِنَ المَعَاصِي كَإيلادِهمْ بارتكابِ فاحِشَةِ الزِّنا، وتَسْمِيَتِهِمْ الأَسْماءَ المَكْروهَةِ، ك "عبْدَ شَمْسٍ"، و "عبْدِ الحارثِ"، وَ "عَبْدِ اللَّاتِ"، وعبدِ العُزَّى وَغَيْرِه مِمَّا يسمَّى بِهِ الأَوْلادُ طاعةً للشيطانِ، فإنَّ خيرَ الأَسْمَاءِ مَا حُمِّدَ وعُبِّدَ، كمَا قَالَ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فيما أَخرجَهُ مسلمٌ مِنْ حَديثِ ابْنِ عُمَرَ ـ رضِيَ اللهُ عنهُما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ أَحَبَّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ تَعَالى عَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ))، صَحِيحُ مُسْلِمٍ بِرَقَم: (2132)، وأخرجهُ أَيضًا عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ في سُنَنِه: (4/287، برقم: 4949)، والتِرْمِذِيُّ: (5/132، برقم: 2833)، وَقالَ: حَسَنٌ غَريبٌ. وابْنُ مَاجَهْ: (2/1229، برقم: 3728)، والحاكِمُ: (4/304، بِرقم: 7719)، وقالَ: صَحيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. ووافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَأَخرجَهُ أَيضًا ابْنُ أَبي شَيْبَةَ: (5/263، برقم: 25911)، وَالدارِمِيُّ: (2/380، برقم: 2695)، وأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى: (5/164) برقم: (2778) مِنْ حديثِ أَنَسٍ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُ. وأَخْرَجَ الطَبَرانِيُّ في المُعْجَمِ الكَبير: (8/400)، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مسعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُسَمَّى الرَّجُلُ: حَارِثٌ، أَوْ وَلِيدٌ، أَوْ حَكَمٌ، أَوْ أَبُو الْحَكَمِ، أَوْ أَفْلَحُ، أَوْ نَجِيحٌ، أَوْ يَسَارٌ، وَقَالَ: إِنَّ أَحَبَّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، مَا تُعُبِّدَ بِهِ. وأَخْرَجَ أيضًا في المُعْجَمِ الكَبيرِ: (16/237)، عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَسَمُّوا بِاسْمِ الأَنْبِيَاءِ، أَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةَ، وَارْتَبِطُوا الْخَيْلَ وَامْسَحُوا بنوَاصِيهَا وَأَعْجَازِهَا، أَوْ قَالَ: وَأَكْفَالِهَا وَقَلِّدُوهَا وَلا تُقَلِّدُوهَا الأَوْتَارَ، وَعَلَيْكُمْ بِكُلٍّ كُمَيْتٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ، أَوْ أَشْقَرَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ، أَوْ أَدْهَمَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ)). وَرَوَى أَبو نُعَيْمٍ بِسَنَدِهِ مَرْفُوعًا إلى رَسُولِ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((قَالَ الله تَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلالِي لَا عَذَّبْتُ أَحَدًا تَسَمَّى بِاسْمِكَ فِي النَّارِ))، ذَكَرَهُ المُلَّا عَلي القَارِي. فَإِنَّ مِنْ حَقِّ الولَدِ عَلَى أَبِيهِ حُسْنُ اخْتِيارِ اسْمِهِ. ويَدْخُلُ في مُشَارَكَةِ الشَيْطَانِ لَهُمْ في أَوْلادِهِمْ: وَأْدُهُم، أَوْ قَتْلُهم، خَشْيَةَ العَارِ، أَوِ الفَقْرِ، قالَ تَعَالى مِنْ سُورَةِ الأَنْعَامِ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِرَاءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} الآية: 140، فَقَتْلُهُمْ أَوْلَادَهُمُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ طَاعَةً لِلشَّيْطَانِ مُشَارَكَةٌ مِنْهُ لَهُمْ فِي أَوْلَادِهِمْ حَيْثُ قَتَلُوهُمْ فِي طَاعَتِهِ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ فَقَالَ بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ))، أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ: الحَميدِيُّ: (516)، والطَيَالِسِيُّ: (1/352، برقم: 2705)، وأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: (1/286، برقم: 2597)، والبُخَارِيُّ: (3/1196، برقم: 3109)، وَمُسْلِمٌ: (2/1058، برقم: 1434)، وَأَبُو داودُ: (2/249، برقم: 2161)، والتِرْمِذِيُّ: (3/401، برقم: 1092)، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحيحٌ. وابْنُ مَاجَهْ: (1/618، برقم: 1919)، وابْنُ حِبَّان: (3/263، برقم: 983). وَمِنْ مُشَارَكَةِ الشيْطانِ لَهُم أَوْلادَهمْ، تَعْليمُهُمُ السِّحْرَ، أَو عَقيدَةَ الكُفْرِ، وأَشْبَاهَ ذَلِكَ مِمَّا نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُبَيِّنَةِ بَعْضَ مُشَارَكَتِهِ لَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ، مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المُجاشِعِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((يَقُولُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ، فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ .. ))، صحيح مُسْلِمٍ: (63 ـ (2865)، وَأَخْرَجَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الحديثِ الشريفِ بِأَطْولَ مِنْ هذا. واجْتَالَتَهُمْ: ساقَتْهم على غيرِ هُدًى، يُقَالُ: اجْتَالَ الشَّيْءَ: إِذَا ذَهَبَ بِهِ وَسَاقَهُ، ويُقَالُ: جَالَ، وَاجْتَالَ: إِذَا ذَهَبَ وَجَاءَ، وَمِنْهُ الْجَوَلَانُ فِي الْحَرْبِ، أَيْ: الكرُّ، والفَرُّ، والدورانُ حولَ الخصْمِ بُغْيَةَ النَّيْلِ مِنْهُ.
قولُهُ: {وَعِدْهُمْ} أَيْ: مَنِّهِمْ بِمَا لا يَكونُ ولا يتحقَّقُ أَبَدًا، وَلَا يَتِمُّ لَهُمْ، وَلا يَنَالُونَهُ، كوَعِدِ إِبْلِيسَ لَهُمْ بِالفَنَاءِ عِنْدَ المَوْتِ، وبَأَنَّهم غَيْرُ مَبْعُوثِينَ بَعْدَهُ، فَلا حِسَابَ ولا عِقابَ، وَذَلِكَ لِيُوَرِّطَهُمْ بِتَجَنُّبِ طاعَةِ ربِّهم، والخروجِ على أوامِرِهِ ونَواهِيهِ، واتِّباعِ أَهوائهم وشهواتِهم، وتَرْكِ عِبَادَةِ خَالِقِهم، والمُنْعِمِ عَلَيْهِمْ، الذي يَمُدُّهُمْ بأَسْبَابِ الحَيَاةِ. فَيَتَّبِعونَ الشَهَوَاتِ، ويرْتِكِبُونَ المُوبِقَاتِ، ثُمَّ يُفَاجَؤونَ بالبَعْثِ والحياةِ بَعْدَ المَمَاتِ، ويَرْجِعونَ بالخُسْرانَ المُبِينَ، الذي لا عِوَضَ عَنْهُ، ورِبْحَ بعدَهَ، فيَنْدَمُونَ وَلاتَ حَيْنَ مَنْدَمِ.
قولُهُ: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} أَخْبَرَ اللهُ ـ تَعَالى، أَنَّهُ إِنَّما يَعِدُهم "غُرُورًا" مِنْهُ، وخِدَاعًا لَهُمْ، فهوَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا. ولا قُدْرةَ لَهُ حقيقةً في تَقْديمِ أَيِّ نَفْعٍ لَهُمْ، أَوْ حجْبِ أَيِّ ضَرَرٍ عَنْهُم. فَقَدْ بَيَّنَ ـ تَعَالَى، في هَذهِ الآيَةِ المُبَارَكَةِ، أَنَّ مَوَاعِيدَ الشَّيْطَانِ كُلَّهَا غُرُورٌ وخداعٌ وَبَاطِلٌ، كَوَعْدِهِ لَهُمْ بِأَنَّ الْأَصْنَامَ تَشْفَعُ لَهُمْ يومَ القيامةِ، وَتُقَرِّبُهُمْ عِنْدَ اللهِ زُلْفَى، وَأَنَّ اللهَ لَمَّا وهَبَهُمُ الْمَالَ وَالْوَلَدَ فِي الدُّنْيَا، فإِنَّما هي كرامةٌ لهم، وسَيَهَبُهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاعِيدِ الْكَاذِبَةِ الباطلةِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالى منْ سُورَةِ النِّساء: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} الآية: 120، وَقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ إبراهيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} الآية: 22، وَكقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ الحديد: {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ} الآية: 14، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وهو مِنْ بابِ الالْتِفَاتِ، وإِقامَةِ الظاهِرِ مُقَامَ المُضْمَرِ؛ إِذْ لَوْ جَرَى عَلَى سَنَنِ الكَلامِ الأَوَّلِ لَقَالَ: وَمَا تَعِدُهُمْ، بالتَّاءِ مِنْ فَوْق.
قولُهُ تَعَالَى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} الوَاوُ: حرفٌ للعَطْفِ، و "اسْتَفْزِزْ" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ. وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجوبًا، تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى إِبْلِيسَ ـ أخزاهُ اللهُ، وَ "مَنِ" اسْمٌ مَوْصُولٌ مبنيٌّ على السكونِ في محَلِّ النَّصْبِ على المفعوليَّةِ، وحُرِّكَ بالكسْرِ لالتقاءِ الساكنينِ. و "اسْتَطَعْتَ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو تاءُ الفاعِلِ، وهي ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرفعِ فاعِلُهُ، ومفعولُهُ، مَحْذوفٌ والتقديرُ: مَنِ اسْتَطَعْتَ اسْتِفْزازَهُ، والجُمْلَةُ صِلَةُ الاسْمِ المَوْصُولِ "مَن" في مَحَلِّ نَصْبٍ على كونِها مَفْعُولًا للاسْتِفْزازِ، أَيْ: اسْتَفْزِزِ الذي اسْتَطَعْتَ اسْتِفْزازَهُ مِنْهُمْ. وقالَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُريُّ: يَجُوزُ أَنْ تَكونَ جُمْلَةً اسْتِفْهامِيَّةً مَنْصوبَةَ المَحَلِّ بِـ "اسْتَطَعْتَ"، ولَيْسَ بِظَاهِرٍ لأَنَّ "اسْتَفْزِزْ" يَطْلُبُهُ مَفْعُولًا بِهِ، فَلَا يُقطَعُ عَنْهُ، وَلَوْ جَعَلْناهُ اسْتِفْهامًا لَكانَ مُعَلَّقًا لَهُ، وَلَيْسَ هوَ بِفِعْلٍ قَلْبِيٍّ فَيُعَلَّقُ، والعائدُ الضَمِيرُ المَحْذوفُ. وَ "مِنْهُمْ" مِنْ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِحالٍ مِنْ الاسمِ الموصولِ "مَنْ"، أَوْ مِنَ العائدِ المَحْذوفِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرْفِ الجرِّ، والميمُ عَلامةُ الجمعِ المُذكَّرِ. وَ "بِصَوْتِكَ" الباءُ حَرٍفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "اسْتَفْزِزْ"، و "صوتِكَ" مَجْرُورٌ بحرفِ الجَرِّ، مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَجُمْلَةُ "اسْتَفْزِزْ" جملةٌ أَمْرِيَّةٌ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ "اذْهَبْ" عَلَى كَوْنِها منصوبةً بالقولِ لِـ "قالَ".
قولُهُ: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} الوَاوُ: حرفٌ للعَطْفِ، وَ "أَجْلِبْ" فِعْلُ أَمْرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى الفعلِ قبلِهِ: "اسْتَفْزِزْ"، وَلَهُ نَفْسُ إِعْرابِهِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةُ قولِهِ مِنَ الآيةِ: 63، التي قبلَها: {اذْهَبْ} عَلَى كونِها في محلِّ النَّصِبِ بالقولِ. و "عَلَيْهِمْ" عَلَى: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَجْلِبْ"، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ بِحَرْفِ الجرِّ، والميمُ للجمعِ المذكَّر. و "بِخَيْلِكَ" الباءِ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ مِنْ فَاعِلِ "أَجْلِبْ"؛ أَيْ: حَالَةَ كَوْنِكَ مَصْحُوبًا بِخَيْلِكِ، ويَجوزُ أَنْ تَكُونَ الباءُ هُنَا مَزيدَةٌ، كما هيَ في قَوْلِ الأَخْطَلِ:
هُنَّ الحرائرُ لا رَبَّاتُ أَخْمِرَةٍ ............ سُودُ المَحَاجِرِ لا يَقْرأْنَ بالسُّوَرِ
و "خَيْلِكَ" مَجْرُورٌ بحرفِ الجرِّ مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "وَرَجِلِكَ" حرفُ عَطْفٍ، ومَعْطُوفٌ عَلَى خَيْلِكِ، مجرورٌ مُثلُهُ.
قولُهُ: {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} الوَاوُ: جرفُ عَطْفٍ، و "شارِكْهُمْ" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ الظاهِرِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجُوبًا تَقْديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى إِبْلِيسَ ـ لَعَنَهُ اللهُ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ عَلى المَفْعُولِيَّةِ، والمِيمُ عَلامَةُ الجَمْعِ المُذكَّر، وجملَةُ "شارِكْهُمْ" الأَمْرِيَّةِ مَعْطُوفةٌ عَلَى جُمْلَةِ {اذْهَبْ} مِنَ الآيةِ التي قبلَها عَلَى كَوْنِها فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولَ القولِ للفعلِ {قل}. و "فِي" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "شارِكْهُمْ"، و "الْأَمْوالِ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وَ "الْأَوْلادِ" مَعْطُوفٌ عَلَى الأَمْوالِ مَجرورٌ مِثْلُهُ.
قولُهُ: {وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} الواوُ: حَرْفُ عَطْفٍ، و "عِدْهُمْ" فِعْلُ أَمْرٍ مَعْطوفٌ عَلى "شَارِكْهُمْ"، ولَهُ مِثْلُ إِعْرابِهِ، وَ "وَما" الواوُ: حَالِيَّةٌ، أَوْ اعْتِراضِيَّةٌ. وَ "مَا" نَافِيَةٌ لا عَمَلَ لَهَا. وَ "يَعِدُهُمُ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازِمِ. والهَاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الرَّفْعِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ. وَ "الشَّيْطانُ" فَاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ. و "إِلَّا" أَداةُ اسْتِثْناءٍ مُفَرَّغٍ. و "غُرُورًا" نَصْبٌ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ لأَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذوفٍ، والتَقْديرُ: إِلَّا وَعْدًا غُرُورًا؛ أَيْ: باطِلًا، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ المَنْفِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى الحَالِ مِنْ فاعِلِ "عِدْهُمْ"، وَفِي الكلامِ الْتِفاتٌ، أَوْ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ لاعْتِراضِها بَيْنَ الجُمَلِ التي خَاطَبَ اللهُ بِهَا إِبْلِيسَ اللَّعينَ. أَوْ أَنَّهُ نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذوفٍ، وَهُوَ نَفْسُهُ مَصْدَرٌ، فَالأَصْلُ: إِلَّا وَعْدًا غُرُورًا، فَيَجِيءُ فِيهِ مَا فِي (رَجْلٌ عَدْلٌ)، أَيْ: إِلَّا وَعْدًا ذَا غُرُورٍ، أَوْ عَلى المُبَالَغَةِ، أَوْ عَلَى: وَعْدًا غَارًّا، وَنَسَبَ الغُرورَ إِلَيْهِ مَجَازًا. أَوْ أَنَّهُ مفعولٌ مِنْ أَجْلِهِ، أَيْ: مَا يَعِدُهم مِمَّا يَعِدُهم مِنَ الأَماني الكاذِبَةِ إِلَّا لِأَجْلِ الغُرورِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ مَفْعُولًا بِهِ عَلى الاتِّساعِ، أَيْ: مَا يَعِدُهُمُ الشيْطانُ إِلَّا الغُرُورَ نَفْسَهُ. قَرَأَ الجُمْهُورُ: {وأَجْلِبْ}، بهمزةٍ بكسْرِ اللامِ. وَقَرَأَ الحَسَنُ: "واجْلُبْ" بِوَصْلِ الأَلِفِ وَضَمِّ اللامِ.
قَرَأَ العامَّةُ: {وَرَجْلِك} بِسُكونِ الجيمِ، فَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكونَ تَخْفِيفًا مِنْ "رَجِلَ" بِكَسْرِ الجِيمِ، أَوْ ضَمِّها، وهُوَ اسْمُ جَمْعٍ لِـ "راجِلٍ"، كَ "رَكْبٍ" في "راكِبٍ"، و "صَحْبٍ" فِي "صاحِبٍ". والأَخْفَشُ يَجْعَلُ هَذَا النَّحْوَ جَمْعًا صَريحًا. وَقَرَأَ حفصٌ عَنْ عاصِمٍ: "ورَجِلِكَ" بِكَسْرِها، بِمَعْنَى "رَجُلٍ" بِالضَمِّ بِمَعْنَى "رَاجِلٍ" مِنْ قولِهم: رَجِلَ يَرْجَلُ، إِذا صارَ راجِلًا، فَيَكونُ مِثْلَ: "حَذِرَ" و "حَذُرَ"، و "نَدِسَ" وَ "نَدُسَ"، وهو مُفْرَدٌ أُريدَ بِهِ الجَمْعُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هِيَ صِفَةٌ، تَقولُ: يَمْشِي فُلانٌ رَجِلًا، إِذَا كانَ غَيْرَ رَاكِبٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَمَا أُقاتِلُ عَنْ دِينِي عَلى فَرَسِي ............. أَوْ هَكَذا رَجُلًا إِلَّا بِأَصْحابِي
أَيْ: فارسًا وَلَا رَاجِلًا. وَقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَلَى أَنَّ "فَعِلًا" بِمَعْنَى "فاعِلٍ" نَحْوَ: "تَعِبَ" و "تاعِبٍ"، ومَعْنَاهُ: وَجَمْعُكَ الرَّجِلُ، وتُضَمُّ جِيمُهُ أَيْضًا، فَيَكونُ مِثْلَ: "حَذُرَ" و "حَذِرَ"، و "نَدُسَ" و "نَدِسَ"، وأَخَوَاتٍ لَهُمُا. وَقَرَأَ قَتَادَةُ عِكْرِمَةُ: "ورِجالِكَ" جَمْعَ "رَجِلٍ" بِمَعْنَى "رَاجِلٍ"، أَوْ جَمْعَ رَاجِلٍ ك "قائمٍ" وَ "قيامٍ". وَقُرِئ: "ورُجَّالِكَ" بِضَمِّ الرَّاءِ، وتَشْديدِ الجِيمِ، وهوَ جَمْعُ "رَاجِلٍ" ك "ضَارِبٍ" و "ضُرَّابٍ".