وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} يَنْهَى اللهُ ـ تَعَالَى، عِبَادَهُ عَنِ التكَبُّرِ والتَّجّبُّرِ، وَالتَّبَخْتُرِ فِي المَشْيَةِ، كَمَا هيَ عادةُ الجَبَّارينَ، فإنَّ الخُيَلاءَ والتَجَبُّرَ، والعُجْبَ والتَكَبُّرَ، كُلُّ ذَلِكَ سَبَبُهُ الغَفْلَةُ عَنِ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، والحِجابُ عَنْ شُهودِ الحَقِّ ـ سُبْحانَهُ. فَأَمَّا في حَالِ حُضُورِ القَلْبِ، واسْتِيلاءِ الذِكْرِ، وسُلْطانِ الشُهُودِ. فالقَلْبُ مُطْرِقٌ، وحُكْمُ الهَيْبَةِ غالِبٌ. فإنَّ مَنْ تَواضَعَ للهِ، رَفَعَهُ اللهُ، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ النبويِّ الشريفِ: ((مَنْ تَوَاضَعَ للهِ رَفَعَهُ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ حَقِيرٌ، وَعِنْدَ النَّاسِ كَبِيرٌ)). أَخْرَجَهُ الأئمةُ: أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: (2/386)، ومَسْلِمٌ في البِرِّ حَديث: (69)، والتِرْمِذِيُّ في البِرِّ بابِ: (82)، والدَارِمِيُّ فِي الزَّكاةِ باب: (34)، ومَالِكٌ فِي الصَدَقَةِ حديث: (12)، ووَرَدَ أَيضًا في الحديثِ الشَّريفِ: ((فإِنَّ اللهَ إِذا تَجَلَّى لِشَيْءٍ خَشَعَ لَهُ)). أَخْرَجَهُ الدارَقُطْنِيُّ (2/64). زِيَادَةً على ما رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ: (34/30) ط/ دارِ الرسالةِ، عَنْ أَبِي بَكَرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلًا حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ، وَثَابَ النَّاسُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَجُلِّيَ عَنْهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: ((إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَلَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ مَاتَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمَا شَيْئًا، فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ))، متَّفقٌ عليهِ، وزادَ عَلَيْهِ الدارَقُطْنِيُّ قولَهُ: ((فإِنَّ اللهَ إِذا تَجَلَّى لِشَيْءٍ خَشَعَ لَهُ)).
وَالْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وليسَ للنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلكَ لِيَعُمَّ الجَمِيعَ. والْمَرَحُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ: هو شِدَّةُ ونَشَاطِ الْمَرْءِ، وازْدِهَائِهِ وَفَرَحِهِ بِحَالِهِ فِي عِظَمِ جاهِهِ، واكْتِمالِ قُوَّتِهِ وَفُتُوَّتِهِ ووَفْرَةِ مَالِهِ، وَقد أُطْلِقَ هُنَا عَلَى مَشْيِ الْإِنْسَانِ مُتَكَبِّرًا متجبِّرًا مُتَبَخْتِرًا، لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ شِدَّةِ الْفَرَحِ وَالنَّشَاطِ عَادَةً. وقَالَ تَعَالَى أيْضًا عَلى لِسَانِ لُقْمَانَ الحَكيمِ مُقَرِّرًا لَهُ: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} الْآيَتَان: 18، 19، مِنْ سورةِ لُقْمان. وَقَالَ مِنْ سُورةِ : {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} الْآيَةَ: 63، مِنْ سُورَةِ الفُرْقان.
وَرُوِيَ أَنَّ سيِّدَنا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: رَأَى غُلَامًا يَتَبَخْتَرُ فِي مِشْيَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: (إِنَّ الْبَخْتَرَةَ مِشْيَةٌ تُكْرَهُ إِلَّا فِي سَبِيلِ اللهِ). يَعْنِي لِأَنَّهَا يُرْهِبُ بِهَا الْعَدُوَّ إِظْهَارًا لِلْقُوَّةِ عَلَى أَعْدَاءِ الدِّينِ فِي الْجِهَادِ. فَالْفَرَحُ وَالنَّشَاطُ مَحْمُودٌ في ساحاتِ قِتَالِ العَدُوِّ. وَقَدْ وَصَفَ اللهُ ـ تَعَالَى، نَفْسَهُ بِأَحَدِهِمَا، فِي الحديثِ الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ قَالَ رَسُولُ اللهِ: ((للهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلِ نَزَلَ مَنْزِلًا وَبِهِ مَهْلَكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ، فَنَامَ نَوْمَةً، فَاسْتَيْقَظَ، وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ، حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ والعَطَشُ، أَوْ مَا شَاءَ اللهُ، قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ)). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ: (1/383، رقم: 3627)، والبُخارِيُّ: (5/2324، رقم: 5949)، ومُسْلِمٌ: (4/2103، رقم: 2744)، والتِرْمِذِيُ (4/658، رقم: 2497) وقالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وغيرهم.
وأَسْنَدَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ أَبِيهِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُبْغِضُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْهَا مَا يُحِبُّ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنَ الْخُيَلَاءِ مَا يُحِبُّ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللهُ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللهُ، الْغَيْرَةُ فِي الدِّينِ، وَالْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُ اللهُ، الْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ دِينِهِ، وَالْخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّ اللهُ، اخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ، وَعِنْدَ الصَّدَقَةِ، وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يُبْغِضُ اللهُ، الْخُيَلَاءُ فِي الْبَاطِلِ)). وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي مُصَنَّفِهِ.
وإِقْبَالُ الْإِنْسَانِ عَلَى الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ تَرَفُّعًا دُونَ حَاجَةٍ إِلَى ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، لأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ وَإِجْرَاؤُهُ لِغَيْرِ مَعْنًى. وَأَمَّا الرَّجُلُ يَسْتَرِيحُ فِي الْيَوْمِ النَّادِرِ، وَالسَّاعَةِ مِنْ يَوْمِهِ، وَيُجِمُّ فِيهَا نَفْسَهُ في المَرَحِ وَالرَّاحَةِ لِيَسْتَعِينَ بِذَلِكَ عَلَى شُغْلٍ مِنَ الْبِرِّ، كَقِرَاءَةِ عِلْمٍ أَوْ صَلَاةٍ، فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
وأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مرحًا" قَالَ: لَا تَمْشِ فَخْرًا وكِبْرًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَبْلُغُ بِكَ الْجِبَالَ، وَلَا أَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ بِفَخْرِكَ وكِبْرِكَ.
قولُهُ: {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ} يَعْنِي لَنْ تَتَوَلَّجَ بَاطِنَهَا فَتَعْلَمَ مَا فِيهَا، فَإِنَّكَ أَيُّها الإِنْسَانُ مَهْمَا تَكَبَّرْتَ، واخْتَلْتَ، وزَهَوْتَ بِقُوَّتِكَ، فَلَنْ لاَ تَسْتَطِيعَ أَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ التِي تَمْشِي عَلَيْهَا، وإِنْ وَطَأْتَها بِقَدَمَيْكَ بِشِدَّةٍ، ولَنْ تَجْعَلَ فِيهَا خَرْقًا بِدَوْسِكَ لَهَا وَشِدَّةِ وَطْئِكَ عَلَيْهَا، وَالْخَرْقُ: قَطْعُ الشَّيْءِ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْأَدِيمِ، فَخَرْقُ الْأَرْضِ تَمْزِيقُ قِشْرِ التُّرَابِ. أَيْ: أَنْتَ أَيُّهَا الْمُتَكَبِّرُ الْمُخْتَالُ ضَعِيفٌ حَقِيرٌ عَاجِزٌ مَحْصُورٌ بَيْنَ جَمَادَيْنِ، أَنْتَ عَاجِزٌ عَنِ التَّأْثِيرِ فِيهِمَا، فَالْأَرْضُ الَّتِي تَحْتَكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُؤَثِّرَ فِيهَا فَتَخْرِقَهَا بِشِدَّةِ وَطْئِكَ عَلَيْهَا، فَاعْرِفْ قَدْرَكَ، وَلَا تَتَكَبَّرْ، وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا. ويجوزُ أَنْ يكونَ المَعْنَى: لَنْ تَقْطَعَ الْأَرْضَ بِمَشْيِكَ. يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ:
وَقَاتِمِ الْأَعْمَاقِ خَاوِي الْمُخْتَرَقْ ............ مُشْتَبَهِ الْأَعْلَامِ لَمَّاعِ الْخَفَقْ
لِأَنَّ مُرَادَ الرَّاجِزِ بِـ "الْمُخْتَرَقِ" هوَ مَكَانُ الِاخْتِرَاقِ. أَيِ: الْمَشْيِ وَالْمُرُورِ فِيهِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ لَنْ تَقْطَعَهَا. قالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا أَبْيَنُ، لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ "الْخَرْقِ"، وَهِيَ الصَّحْرَاءُ الْوَاسِعَةُ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ أَخْرَقُ مِنْ فُلَانٍ، أَيْ أَكْثَرُ سَفَرًا مِنْهُ وَعِزَّةً وَمَنَعَةً. وَيُرْوَى أَنَّ سَبَأً دَوَّخَ الْأَرْضَ بِأَجْنَادِهِ شَرْقًا وَغَرْبًا وَسَهْلًا وَجَبَلًا، وَقَتَلَ سَادَةً وَسَبَى ـ وَبِهِ سُمِّيَ "سَبَأٌ"، وَدَانَ لَهُ الْخَلْقُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، انْفَرَدَ عَنْ أَصْحَابِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي لَمَّا نِلْتُ مَا لَمْ يَنَلْ أَحَدٌ، رَأَيْتُ الِابْتِدَاءَ بِشُكْرِ هَذِهِ النِّعَمِ، فَلَمْ أَرَ أَوْقَعَ فِي ذَلِكَ مِنَ السُّجُودِ لِلشَّمْسِ إِذَا أَشْرَقَتْ، فَسَجَدُوا لَهَا، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ عِبَادَةِ الشَّمْسِ، فَهَذِهِ عَاقِبَةُ الْخُيَلَاءِ وَالتَّكَبُّرِ وَالْمَرَحِ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ.
قولُهُ: {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} أَيْ: لَنْ يَبْلُغَ طُولُكَ الْجِبَالَ، وَلاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطَاوِلَها، وَلاَ أَنْ تَبْلُغَ بِتَطاوُلِكَ قِمَمَهَا، مَهْمَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ وشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ. وَقَدْ أَجَادَ الكُرَيْزِيُّ حِينْ قَالَ:
وَلَا تَمْشِ فَوْقَ الْأَرْضِ إِلَّا تَوَاضُعًا ...... فَكَمْ تَحْتَهَا قَوْمٌ هُمْ مِنْكَ أَرْفَعُ
وَإِنْ كُنْتَ فِي عِزٍّ وَحِرْزٍ وَمَنَعَةٍ ........ فَكَمْ مَاتَ مِنْ قَوْمٍ هُمْ مِنْكَ أَمْنَعُ
قولُهُ تَعَالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} الوَاوُ: للعطْفِ، و "لا" ناهيَةٌ جازِمةٌ. و "تَمْشِ" فعلٌ مُضارعٌ مَجْزومٌ بـ "لا" الناهيةِ، وعلامةُ جزْمِهِ حذفُ الياءِ منْ آخِرِهِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أنت) يِعودُ عَلَى المُخاطَبِ، والجُمْلةُ مَعْطُوفةٌ على الجُمْلةِ التي قبلَهَا. و "فِي" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَمْشِ". و "الْأَرْضِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ. و "مَرَحًا" منصوبٌ على الحالِ مِنْ فاعِلِ "تَمْشِ"، ولَكِنَّهُ عَلى تَقْديرِ مُضافٍ، أَيْ: ذَا مَرَحٍ؛ أَيْ: مَارِحًا.
قولُهُ: {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ} إِنَّكَ: حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعلِ، للتوكيدِ. وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ. و "لَنْ" حرفٌ ناصِبٌ. و "تَخْرِقَ" فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بـ "لن"، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أنتَ) يَعُودُ عَلَى المُخَاطَبِ. وَ "الْأَرْضَ" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "إِنَّ"، وَجُمْلَةُ "إِنَّ" مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ مَا قَبْلَها.
قولُهُ: {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} الواوُ: للعطْفِ، و "لنْ" حرفٌ ناصِبٌ. و "تبلُغَ" فعلٌ مُضارعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "لَنْ"، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى المُخَاطَبِ. وَ "الْجِبالَ" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ. و "طُولًا" تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ الفاعِلِ؛ أَيْ: وَلَنْ يَبْلُغَ طُولُكَ الجِبالَ، ويَجُوزُ أَنْ يَكونَ حَالًا مِنْ فاعل "تَبْلُغَ" أَوْ مِنْ مَفْعُولِهِ، أَوْ مَصْدَرًا مِنْ مَعْنَى "تَبْلُغُ" أَوْ تَمْييزًا، أَوْ مَفْعُولًا لَهُ. وهذانِ ضَعيفانِ جِدًّا لِعَدَمِ المَعْنَى. وهذِهِ الجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في مَحَلِّ الرَّفْعِ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ "لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ".
قرَأَ العامَّةُ: {مَرَحًا} بِفَتْحِ الرَّاءِ، على أَنَّهُ مَصْدرٌ وَاقعٌ مَوْقِعَ الحالِ، أَيْ: مَرِحًا بِكَسْرِ الرَّاءِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قِراءَةُ بَعْضِهم فِيمَا حَكاهُ يَعْقوبُ "مَرِحًا" بالكَسْرِ. ويجوزُ أنَّهُ على حَذْفِ مُضافٍ، أَيْ: ذَا مَرَحٍ، أَوْ أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ.