بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فقد جاء في حلية الأولياء, عن مبارك أبي حماد قال: سمعت سفيان الثوري رحمه الله يقول لعلي بن الحسن السُّلَيْمي:
أولاً: إيَّاك وما يُفسد عليك عمَلَكَ وقَلبَكَ، فإنَّما يُفسدُ عليكَ قلبَك مجالسةُ أهلِ الدنيا، وأهلِ الحرص، وإخوان الشياطين الذين ينفقون أموالهم في غير طاعة الله.
ثانياً: إيَّاك وما يُفسدُ عليكَ دينَكَ، فإنَّما يُفسدُ عليكَ دينكَ مجالسةُ ذوي الألْسُنِ المكثرينَ للكلام.
ثالثاً: إيَّاك وما يُفسدُ عليكَ معيشتَكَ، فإنَّما يُفسدُ عليكَ معيشتَك أهلُ الحرصِ وأهلُ الشهوات.
رابعاً: إيَّاك ومجالسةَ أهلِ الجفاء، ولا تَصْحَب إلا مؤمناً, ولا يأكُلُ طعامَكَ إلا تَقِيٌّ, ولا تَصْحَبِ الفاجرَ, ولا تُجالسْهُ, ولا تُجالسْ مَنْ يجالسُهُ، ولا تؤاكلْهُ ولا تؤاكلْ مَنْ يُؤاكلُهُ، ولا تحبَّ مَنْ يحبُّهُ, ولا تُفْشِ إليه سِرَّكَ، ولا تَتَبَسَّمْ في وجههِ، ولا تُوَسِعْ له في مجلسِكَ، فإنْ فعلتَ شيئاً من ذلك فقد قطعْتَ عُرَى الإسلامِ.
خامساً: إيَّاك وأبوابَ السُّلْطان، وأبوابَ مَنْ يأتي أبوابَهُمْ، وأبوابَ مَنْ يهوى هواهُمْ، فإنَّ فِتْنَتَهُمْ مثلُ فِتَنِ الدَّجَّالِ، فإنْ جاءكَ منهم أحدٌ فانظرْ إليه بوَجْهٍ مُكْفَهِرٍ, ولا تُبَاْلِ منهم شيئاً فيرَوْنَ أنهمْ على الحقِّ, فتكونَ من أعوانهم, فإنَّهم لا يخالطون أحداً إلا دَنَّسوهُ.
سادساً: كُنْ مثلَ الأُتْرُجَّة, طيِّبَةِ الريحِ, طيِّبَةِ الطعمِ, لا تُنازِعْ أهلَ الدُّنيا في دنياهم تكنْ مُحَبَّباً إلى الناس.
سابعاً: إيَّاك والمعصيةَ, فتستحقَّ سَخَط اللهِ، واعلمْ أنَّه لم يكنْ أحدٌ أكرمَ على اللهِ من آدمَ عليهِ السلامُ، جَبَلَ اللهُ تُرْبَتَهُ بِيَدِهِ، ونفخَ فيهِ من رُوحِهِ، وأكرَمَهُ بسجودِ ملائكتِهِ، وأَسْكَنَهُ جنَّتهُ، فأخرجَهُ منها بذَنْبٍ واحدٍ، واعلمْ يا أخي أنَّ اللهَ تعالى لا يُدخِلُ أحداً الجنةَ بالمعاصي، وأنَّ داودَ عليهِ السلامُ, خليفةَ اللهِ في الأرضِ، نَزَلَ ما نَزَلَ به بخطيئةٍ واحدةٍ، ولو أنَّا عَمِلْنا مثلَها لَقُلْنا ليستْ بِخَطيئَةٍ، فاتَّقِ الله يا أخي, واجتنبِ المعاصيَ وأهلَها، فإنَّ أهلَ المعاصي اسْتَوْجَبوا مِنَ اللهِ النِّقْمَةَ.
ثامناً: كُنْ مَبْذولاً بمالِكَ ونفسِكَ لإخوانِكَ، ولا تَغُشَّهم في السرورِ والعلانيةِ.
تاسعاً: أَبْغِضِ الجُهَّالَ ومجالسَتَهُمْ، والفُجَّارَ وصُحْبَتَهُم، فإنَّه لا يَنْجو مَنْ جاوَرَهُمْ إلا مَنْ عَصَمَ اللهُ.
عاشراً: إذا كُنْتَ معَ الناسِ فعليكَ بكَثْرَةِ التَّبَسُّمِ والبشاشةِ، وإذا خَلَوْتَ بِنَفْسِكَ فعليكَ بكَثْرَةِ البُكاءِ والهَمِّ والحُزْنِ، فقدْ بَلَغَنا ـ واللهُ أعلمُ ـ أنَّ أكثرَ ما يجدُ المؤمنُ يومَ القيامَةِ في كتابِهِ منَ الحسَناتِ الهمُّ والحُزْنُ، وإيَّاكَ وخُشوعَ النِّفاقِ, وأنْ تُظْهِرَ على وجهِكَ خُشوعاً ليسَ في قَلْبِكَ.
اللهم اجعلها حجَّةً لنا لا علينا.
آميــــن.