وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
(43)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} لقد جَرَتْ عَادَةُ اللهِ تَعَالَى مُنْذُ أَوَّلِ الْخَلْقِ وَالتَّكْلِيفِ أَنْ يَبْعَثَ رَسُلًا مِنَ الْبَشَرِ، وقَدِ استمرَّتْ هَذِهِ الْعَادَةُ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلى خاتَمِ الأَنْبِياءِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَيْهِمْ أَجْمَعين. وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مَا أَرْسَلَ أَحَدًا مِنَ النِّسَاءِ أَبَدًا. وكَذَلِكَ فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا أَرْسَلَ رَسُولًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى النَّاسِ. وأَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ ـ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، إِلَّا مَنْ هُوَ بِصُورَةِ الرِّجَالِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَضَرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَفِي صُورَةِ سُرَاقَةَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ حَالِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُ عِنْدَ إِبْلَاغِ رِسَالَةِ اللهِ تَعَالَى إِلَى الرَّسُولِ قَدْ يَبْقَوْنَ عَلَى صُورَتِهِمُ الْأَصْلِيَّةِ الْمَلَكِيَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نَبِيَّنا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَى جِبْرِيلَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ. وَعَلَيْهِ فقد تَأَوَّلُ بعضُهم قَوْلَهُ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ النَّجْمِ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى} الآيتَانِ: (13 و 14).
قولُهُ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} قِيلَ: الْمُرَادُ بِأَهْلِ الذِّكْرِ أَهْلُ اليَهُودُ، وَالذِّكْرُ هُوَ التَّوْرَاةُ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ: {وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} الآيةَ: 105، يَعْنِي التَّوْرَاةَ. وَقيلَ: أَهْلُ الذِّكْرِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِأَخْبَارِ الْمَاضِينَ، إِذِ الْعَالِمُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ ذَاكِرًا لَهُ. وقَالَ الزَّجَّاجُ: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الْكُتُبِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ مَعَانِيَ كُتُبِ اللهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ بَشَرٌ، وَقَالَ أيضًا: مَعْنَاهُ سَلُوا كُلَّ مَنْ يُذْكَرُ بِعِلْمٍ وَتَحْقِيقٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ وَهِيَ قَوْلُهُمْ: اللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ وَاحِدًا مِنَ الْبَشَرِ، إِنَّمَا تَمَسَّكَ بِهَا كُفَّارُ مَكَّةَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَصْحَابُ الْعُلُومِ وَالْكُتُبِ فَأَمَرَهُمُ اللهُ بِأَنْ يَرْجِعُوا فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ إِلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِيُبَيِّنُوا لَهُمْ ضَعْفَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ وَسُقُوطَهَا، فَإِنَّ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ تَزْيِيفِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ وَبَيَانِ سُقُوطِهَا.
أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا رَسُولًا، أَنْكَرَتِ الْعَرَبُ ذَلِكَ، وَمَنْ أَنْكَرَ مِنْهُم قَالُوا: اللهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكونَ رَسُولُهُ بَشَرًا مِثْلَ مُحَمَّدٍ. فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: {أَكَانَ للنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُم} الآيَةَ: 2 منْ سورةِ يُونُس. وَقَالَ: "وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم فاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" يَعْنِي فاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ والكُتُبِ الْمَاضِيَةِ: أَبَشَرًا كَانَتِ الرُّسُلُ الَّذينَ أَتَتْهُم، أَمْ مَلَائِكَةً، فَإِنْ كَانُوا مَلَائِكَةً أَتَتْكمْ، وَإِنْ كَانُوا بَشَرًا فَلَا تُنْكِرُوا أَنْ يَكُونَ رَسُولًا. ثُمَّ قَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا يُوحَى إِلَيْهِم مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} الآيَة: 109، مِنْ سورةِ يُوسُف. أَيْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ السَّمَاء كَمَا قُلْتُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رضِيَ اللهُ عنهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا"، قَالَ: قَالَتِ الْعَرَبُ: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنا الْمَلَائِكَةُ} الآية: 73، مِنْ سورةِ الْمَائِدَة. قَالَ اللهُ: مَا أَرْسَلْتُ الرُّسُلَ إِلَّا بَشَرًا "فَاسْأَلُوا" يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ "أَهْلَ الذِّكْرِ" وَهُمْ أَهْلُ الْكِتابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذينَ جَاءَتْهُمْ قَبْلَكُمْ "إِنْ كُنْتُم لَا تَعْلَمُونَ" أَنَّ الرُّسُلَ الَّذينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ كَانُوا بَشَرًا مِثْلَهُ فَإِنَّهُمْ سَيُخْبِرونَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا بَشَرًا مِثْلَهُ. وَأَخْرَ الْفِرْيَابِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضِيَ اللهُ عنهُما، "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ" يَعْنِي مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللهِ فِي التَّوْرَاةِ والإِنْجيلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ" قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ وَنَفَرٍ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ، وَكَانُوا أَهْلَ كُتُبٍ يَقُولُ: فَاسْأَلُوهُمْ "إِنْ كُنْتُم لَا تعلمُونَ" أَنَّ الرَّجُلَ لِيُصَلِّي ويَصومَ ويَحجَّ وَيَعْتَمِرَ وَأَنَّهُ لِمُنَافِقٌ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ بِمَاذَا دَخَلَ عَلَيْهِ النِّفَاقُ؟ قَالَ: ((يَطْعَنُ عَلَى إِمَامِهِ، وإِمامُةِ مَنْ قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنْ جَابِرٍ ـ رضيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((لَا يَنْبَغِي للْعَالِمِ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ عِلْمِهِ، وَلَا يَنْبَغِي للجاهِلِ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ جَهْلِهِ، وَقدْ قَالَ اللهُ تعالى: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُعْرَفَ عَمَلُهُ عَلى هُدًى أَمْ عَلَى خِلَافِهِ.
واخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُجْتَهِدِ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ؟ مِنْهُمْ مَنْ حَكَمَ بِالْجَوَازِ، وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْمُجْتَهِدِينَ عَالِمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إِلَى الْمُجْتَهِدِ الْآخَرِ الَّذِي يكونُ عَالِمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فَإِنْ لَمْ يَجِبْ فَلَا أَقَلَّ مِنَ الْجَوَازِ. واحْتَجَّ نُفَاةُ الْقِيَاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا: الْمُكَلَّفُ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ وَاقِعَةٌ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِحُكْمِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقِيَاسُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِحُكْمِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ سُؤَالُ مَنْ كَانَ عَالِمًا بِهَا لِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حُجَّةً لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ سُؤَالُ الْعَالِمِ لِأَجْلِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ اسْتِنْبَاطُ ذَلِكَ الحكم بِوَاسِطَةِ الْقِيَاسِ، فَثَبَتَ أَنَّ تَجْوِيزَ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ يُوجِبُ تَرْكَ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ. وَاللهُ أَعْلَمُ. وَقد ثَبَتَ جَوَازُ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَالْإِجْمَاعُ أَقْوَى مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ، "ما" نافِيَةٌ، و "أَرْسَلْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو "نا" المُعظِّم نفسِهِ سُبْحانَهُ، وَ "نا" ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعِلِهِ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَرْسَلْنَا"، و "قَبْلِكَ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ. و "إِلَّا" أَدَاةُ اسْتِثْناءٍ مُفَرَّغٍ، (أَداةُ حَصْرٍ)، و "رِجَالًا" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ. وهَذِهِ الجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا، مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {نُوحِي إِلَيْهِمْ} نُوحِي: فِعْلٌ مُضَارِعٌ، وعلامَةُ رَفْعِهِ الضَمَّةُ المُقَدَّرَةُ عَلَى آخِرِه لثقلِها على الياءِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُستترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ "نحنُ" التعظيمِ يَعودُ عَلَى "اللهِ" تَعَالى. و "إِلَيْهِمْ" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "نوحي"، والجُمْلَةُ في محلِّ النَّصْبِ صِفَةً لِـ "رِجَالًا".
قولُهُ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} الفاءُ: وَاقِعَةٌ في جوابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ بـ: إِنْ شَكَكَتُمْ فِيما ذُكِرَ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِكْرِ، و "اسْأَلُوا" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ عَلى حذْفِ النونِ لأنَّ مُضارعَهُ منَ الأفعالِ الخمسةِ، وواوُ الجماعَةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ، مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرَّفعِ فاعِلُهُ، والأَلِفُ الفارقةُ. و "أَهْلَ" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، وهو مُضافٌ. و "الذِكْرِ" مجرورٌ بالإضافةِ إليهِ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ في مَحَلِّ الجَزْمِ بالشَّرْطِ جوابًا لَهُ، وجُمْلَةُ الشَّرْطِ المُقَدَّرِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قوْلُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} إِنْ: حَرْفُ شَرْطٍ جازمٌ. و "كُنْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو تاءُ الفاعِلِ، وتاءُ الفاعِلِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على الضمِّ في محلِّ الرَّفعِ اسْمُ "كان". و "لا" نافيةٌ لا عَمَلَ لها، و "تَعْلَمُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ فِي آخِرِهِ، لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُ. والجُمْلَةُ خَبَرُ "كانَ" في محلِّ النَّصْبِ. وجُمْلَةُ "كانَ" في مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "أَنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِها فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا، وَجَوابُ "إِنْ" الشَرْطِيَّةِ مَحْذوفٌ والتَقْديرُ: إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ فإِنَّهمْ يَعْلَمُونَهُ، وَجُمْلَةُ "إِنْ" الشَرْطِيَّةِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعْرابِ.
قرَأَ الجُمْهُورُ: {يُوحَى} بِضَمِّ الياءِ وَفَتْحِ الحَاءِ، وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ "يُوحِي" بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الحاءِ، وَقَرَأَ عاصِمٌ مِنْ طَريقِ حَفْصٍ وَحْدَهُ: "نُوحِي" بالنُّونِ وكَسْرِ الحاءِ، وَهِيَ قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، وأَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُلَمِيِّ ـ رضيَ اللهُ عنهم أجمعين.