فيض العليم ... سورة الرعدِ الآية: 36
وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36)
قولُهُ ـ جَلَّ وعَلا: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} اسْتِئنافٌ ابتِدائيٌّ، للانْتِقالِ إِلَى فَضْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي حُسْنِ تَلَقِّيهِمْ لِلْقُرْآنِ الكريمِ، وثناءٌ مِنْهُ ـ سُبْحانَهُ وتعالى، عَلَى الذينَ عَرَفُوا الحَقَّ مِنْهم واتَّبَعوهُ. بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ، و "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ" هُمْ كَمَا قالَ قَتَادَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فيما أَخْرَجَهُ عنهُ: أَنَّهم أَصْحابُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرِحُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ القُرْآنِ الكريم. ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ. وأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: هُمُ المُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ. أَي عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ، وكَعْبُ الأَحْبَارِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما ومَنِ تَبِعَهُما مِنَ اليهودِ، وَمَنْ آمَنَ مِنَ النَّصَارَى، وَهُمْ ثَمانُونَ رَجُلًا: أَرْبَعُونَ مِنْ نَجْرَانَ، وثَمَانِيَةٌ بِالْيَمَنِ، واثْنانَ وثَلاثونَ بالحَبَشَةِ مِنْهُمُ النَّجاشِيُّ مَلِكُهُمْ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، صَدَّقُوا بِالْقُرْآنِ وَفَرِحُوا بِهِ وَهُمُ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي سُورَةِ المائدَةِ بقَوْلِهِ: {وَإِذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} الْآية: 83.
وقيلَ بَلْ هُمْ فريقٌ مِنَ اليَهُودِ والنَّصَارَى فَرِحُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ تَصْديقِ كُتُبِهِم، وَكَانُوا يَحْسَبُونَ دَعْوَةَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَقْصُورَةً عَلَى الْعَرَبِ، فَكَانَوا يَسْتَظْهِرُونَ بِالْقُرْآنِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، كما قَالَ تَعَالَى في الآية: 89، مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ: {وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا}. وَفَرِيقٌ منهم لَمْ يَثْبُتْ لَهُمُ الْفَرَحُ بِالْقُرْآنِ لِبُعْدِهم عَنْ مَكَّةَ المُكرَّمةِ، وَمَا كَفَرَ الْفَرِيقَانِ بِهِ إِلَّا حِينَ عَلِمُوا أَنَّ دَعْوَةَ الْإِسْلَامِ عَامَّةٌ.
وَقد ظَهَرَتْ في هَذَهِ الآيةِ الكريمةِ بَلَاغَةُ القرآنِ الكريمِ في التَّعْبِيرِ بِـ "يَفْرَحُونَ" دُونَ يُؤْمِنُونَ، فإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وكَانَ نُزُولُهَا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ وَبَعْضُ نَصَارَى نَجْرَانَ والْيَمَنِ.
قولُهُ: {وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} الْأَحْزَابِ: همُ الكَفَرَةُ الذينَ تَحَزَّبُوا عَلَى سيِّدِنا رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالعَدَاوَةَ نَحْوَ الحَبْرِ اليهوديِّ: كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ، وأُسْقُفَيْ نَجْرانَ: السَّيِّدِ، والعاقِبِ، وأَتْباعِهم. فالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْزَابِ أَحْزَابُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى من سورةِ مريم: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ} الآية: 37، أَيْ وَمِنْ أَحْزَابِهِمْ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَ الْقُرْآنِ، فَاللَّامُ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ. وَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ هُمْ الدُهاةُ والخُبَثَاءُ فيهِمُ، الَّذِينَ اسْتَشْرَفُوا إِبْطالَ الْقُرْآنِ للكثيرِ مِنْ شَرَائِعَهُمْ، فَأَنْكَرُوا بَعْضَهُ، وَهُوَ مَا فِيهِ مِنِ الْإِيمَاءِ إِلَى ذَلِكَ مِنْ إِبْطَالِ أُصُولِ عَقَائِدِهِمْ مِثْلَ عُبُودِيَّةِ عِيسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، للهِ تَعَالى بِالنِّسْبَةِ لِلنَّصَارَى، وَنُبُوءَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَهُودِ. و "مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ" أَيْ الشَّرائعَ الجَديدَةَ، إِنْشاءً أَوْ نَسْخًا، مِمَّا لا يُوافِقُ مَا حَرَّفوهُ، فإِنَّ ذَلِكَ إِنَّما هوَ جِناياتُ أَيْديهم، وأَمَّا مَا يُوافِقُ كُتُبَهم فَلَمْ يُنْكِروهُ، وإِن لَّمْ يَفْرَحُوا بِهِ.
أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "وَمِنَ الْأَحْزَابِ" قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، و "مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ" قَالَ: بَعْضَ الْقُرْآنِ.
وأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتَادَة ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "وَالَّذينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ" قَالَ: أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرِحُوا بِكِتَابِ اللهِ وبِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَدَّقُوا بِهِ. و "وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بعْضَهُ} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ.
وَأخرج ابْنُ جَريرٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَالَّذين آتَيْنَاهُم الْكتابَ يَفْرَحونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ" قَالَ: هَذَا مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَفْرَحُونَ بِذلكَ. وَقَرَأَ: {وَمِنْهُم من يُؤمن بِهِ وَمِنْهُم مَنْ لَا يُؤمِنُ بِهِ} الآيَة: 40، منْ سُورَة يُونُس، و "وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ" قَالَ: الْأَحْزَابُ الْأُمَمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ، مِنْهُم مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَنْ أَنْكَرَهُ.
قولُهُ: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ} أَمْرٌ مِنَ اللهِ تعالى لِنَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُعْلِنَ لِلْفَرِيقَيْنِ بِأَنَّهُ مَا أُمِرَ إِلَّا بِتَوْحِيدِ اللهِ تعالى وحدَهُ كَمَا أُمِرَ فِي الْآيَةِ: 64، مِنْ سورةِ آلِ عِمرانَ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعَالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} فَمَنْ فَرِحَ بِالْقُرْآنِ فَلْيَزْدَدْ فَرَحًا وَمَنْ أَنْكَرَ بَعْضَهُ فَلْيَأْخُذْ بِمَا لَا يُنْكِرُهُ وَهُوَ عَدَمُ الْإِشْرَاكِ. فقد َأَفَادَتْ هذهِ الآيةُ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ ـ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، إِلَّا بِأَنْ يَعْبُدَ اللهَ، وَلَا يُشْرِكَ بِهِ أَحَدًا أَبَدًا، فَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ.
وَهذا مِنْ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ الكريمِ، فإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ في مجادلةِ أَهْلِ الكتابِ بِذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ بَلْ أَتَى بِهِ مُتَدَرِّجًا فِيهِ فَقَالَ: أَنْ أَعْبُدَ اللهَ لِأَنَّهُ لَا يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُ وَلا أُشْرِكَ بِهِ لِإِبْطَالِ إِشْرَاكِ الْمُشْرِكِينَ وَلِلتَّعْرِيضِ بِإِبْطَالِ إِلَهِيَّةِ سيِّدِنا عِيسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّ ادِّعَاءَ بُنُوَّتِهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى يَؤُولُ إِلَى الْإِشْرَاكِ باللهِ ـ سبحانَهُ وتعالى.
وقالَ الإمامُ القُشيريُّ ـ رضي اللهُ عنْهُ: العبوديةُ المُبادَرَةُ إلى ما أُمِرْتُ به، والمحاذرة مما زجُرْتُ عنه، ثمَّ التبرِّي عن الحَوْل والمُنَة، والاعْتِراف بالطَوْلِ والمِنَّة. وأَصْلُ العُبُوديَّةِ القيامُ بالوظائفِ، ثمَّ الاستقامةُ عِنْدَ رَوْحِ اللَّطائفِ. وسُئِلَ سَهْلُ بْنُ عبْدِ اللهِ التَسْتُريُّ ـ رضيَ اللهُ عنْهُ: مَتَى يَصِحُّ للعَبْدِ مَقَامُ العُبُوديَّةِ؟ فقالَ: إِذا تَرَكَ تَدْبيرَهُ، ورَضِيَ بِتَدبيرِ اللهِ ـ عَزَّ وجَلَّ، فِيهِ.
قولُهُ: {إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} بَيَانٌ لِقولِهِ: "إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ"، أَيْ أَنْ أَعْبُدَهُ وَأَنْ أَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمَّا جاءَ الأَمْرُ بِذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللهِ تعالى، اسْتُفِيدَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ، فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ.
وقُدِّمَ الْمَجْرُورِ هُنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلِاخْتِصَاصِ، أَيْ إِلَيْهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ أَدْعُو بِهَذَا الْقُرْآنِ أَو هو ـ سُبْحانَه، لا غيرُهُ أَخُصُّ بدعوتي هذِهِ، وَإِلَيْهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ مَرْجِعي ومَئَابِي، أَوْ هُوَ مَنْ أَخُصُّ بالإنابَةِ والمآبِ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ هَذَا مَا يُنْكِرُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهَ: وَإِلَيْهِ مَآبِ يَعُمُّ الرُّجُوعَ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْبَعْثُ. وَهَذَا مِنْ وُجُوهِ الْوِفَاقِ فِي أَصْلِ الدِّينِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الصنعانيُّ، وَابْنُ جَريرٍ الطبريُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "وَإِلَيْهِ مَآبُ" قَالَ: إِلَيْهِ مَصيرُ كُلُّ عَبْدٍ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ. و "الَّذِينَ" اسْمٌ موصولٌ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ الرفعِ بالابْتِداءِ. و "آتَيْنَاهُمُ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ، لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو "نا" الجماعة، و "نا" الجماعة ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِ رفعِ فاعِلِهِ، والهاء: ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ نَصْبِ مفعولِهِ الأوَّل، والميمُ علامةُ جمعِ المذكَّرِ، و "الكتابَ" مفعولُهُ الثاني منصوبٌ، والجُمْلةُ صِلَةُ الاسْمِ المَوْصُولِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "يَفْرَحُونَ" فِعْلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثبوتُ النونِ في آخِرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمسةِ، وواوُ الجَماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعِلِهِ، وهذه الجملةُ الفِعْلِيَّةُ في مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ المُبْتَدَأِ "الذينَ"، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ هذه مِنَ المبتدأِ وخبرِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "بِمَا" الباءُ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِـ "يَفْرَحُونَ"، و "ما" اسمٌ مَوْصولٌ أَوْ نَكِرةٌ موصوفةٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "أُنْزِلَ" فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، مَبْنِيٌّ للمجهولِ، ونائبُ فاعِلِهِ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلَى "ما". و "إِلَيْكَ" إلى حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، والكافُ ضميرُ المُخاطَبِ المتَّصلُ بهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ، والجُمْلَةُ صِلَةٌ لِـ "ما" إنْ كانتْ موصولةً، أَوْ صِفَةٌ لَهَا إِنْ كانتْ مَوْصُوفَةً.
قولُهُ: {وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "مِنَ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بخبَرٍ مُقدَّمٍ، و "الْأَحْزَابِ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مَعْطوفَةٌ عَلى الجُمْلَةِ التي قَبْلَها. و "يُنْكِرُ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوزًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "ما"، و "بَعْضَهُ" مفعولٌ بِهِ منصوبٌ، وهو مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ في مَحَلِ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ، والجُمْلَةُ صِلَةُ المَوْصولِ.
قولُهُ: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ} قُلْ: فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على السُّكونِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "إِنَّمَا" كافَّةٌ ومَكْفُوفَةٌ، تُفيدُ الحَصْرٍ. و "أُمِرْتُ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو تاءُ الفاعِلِ وهي ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ رفعِ نائبِ فاعِلِهِ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ لـ "قل". و "أَنْ" حرفٌ ناصِبٌ، و "أَعْبُدَ" فِعْلٌ مُضارعٌ منصوبٌ بـ "أنْ" وفاعِلُهُ ضميرٌ مسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ "أنا" يَعودُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ولفظُ الجَلالةِ "اللهَ" مَفْعولٌ بِهِ منصوبٌ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ مَعَ "أَنْ" المَصْدَرِيَّةِ في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرورٍ بِحَرْفِ جَرٍّ مَحْذوفٍ والتقديرُ: إِنَّما أُمِرْتُ بِعِبادَةِ اللهِ، والجارُّ والمَجْرورُ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أُمِرْتُ". و "وَلَا أُشْرِكَ" الواوُ: للعَطْفِ، و "لا" نافيةٌ لا عَمَلَ لها، و "أُشْرِك" مثلُ "أعبُدَ" مَعْطوفٌ عَلَيْهِ. و "بِهِ" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ، والتَقْديرُ: أُمِرْتُ بِعِبادَةِ اللهِ وَعَدَمِ الإِشْراكِ بِهِ.
قولُهُ: {إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} إِلَيْهِ: مِثْلُ "بِهِ" مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ. وَ "أَدْعُو" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ وعلامَةُ رفعِهِ الضمَّةُ المُقدَّرةُ على آخرِهِ لِثِقَلِها على الواوِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ "أَنَا" يَعودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "أُمِرْتُ". و "وَإِلَيْهِ" الواوُ: عَاطِفَةٌ. و "إِلَيْهِ" تقدَّمَ إعرابُها. و "مَآبِ" مَرْفوعٌ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ مرفوعٌ وعَلامَةُ رَفْعِهِ الضَمَّةُ المُقَدَّرَةُ عَلَى مَا قَبْلَ ياءِ المُتَكَلِّمِ المَحْذوفِ اجْتِزاءً عَنْها بالكَسْرَةِ المَمْنُوعَةِ بِسُكونِ الوَقْفِ. و "مَآبِ" مُضافٌ، وياءُ المُتَكَلِّمِ المَحْذوفَةِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ "أُمِرْتُ".
قرأَ العامَّةُ: {ولا أُشْرِكَ} عَطفًا على "أَعْبُدَ" وقَرَأَ نافع في رَوايةٍ عَنْهُ "ولا أُشْرِكُ" بِالرَفْعِ وهِيَ تَحْتَمِلُ القَطْعَ، أَيْ: وَأَنَا لا أُشْرِكُ، وقِيلَ: هِيَ حالٌ. وفيهِ نَظَرٌ؛ لأَنَّ المَنْفِيَّ بـ "لا" كالمُثْبِتِ في عَدَمِ مُبَاشَرَةِ واوِ الحالِ لَهُ.