فيضُ العليم ... سورة الرعد، الآية: 5
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
(5)
قولُهُ ـ تعالى شأْنُهُ: {وَإِنْ تَعْجَبْ} الْعَجَبُ: تَغَيُّرُ النَّفْسِ بِرُؤْيَةِ الْمُسْتَبْعَدِ فِي الْعَادَةِ، وَلَا يَجُوزُ التَّعَجُّبُ عَلَيْهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ تَغَيُّرُ النَّفْسِ بِمَا تَخْفَى أَسْبَابُه، واللهُ ـ سبحانَه، لا يخفى عليه شيءٌ. وهذا انْتِقالٌ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِي الْبَعْثِ بعد أَنْ قُضِيَ حَقُّ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ، وَهُوَ غَرَضٌ مُسْتَقِلٌّ مَقْصُودٌ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ الشَّريفَةِ، فَخَاطِبُ الحقُّ ـ سُبْحانَهُ وتعالى، عبدَهُ ورَسُولَّهُ محمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمُ، وَكلَّ مَنْ هو أهلٌ للخطابِ، ويرى ويَسْمَعُ المُشْرِكِينَ وهو يعبدونَ مِنْ دونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّ وَلاَ يَنْفَعُ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَوْثَانِ ويخضعونَ لهُ، بَعْدَ أَنْ قَامَتِ الحُجَّةُ وَالأَدِلَّةُ عَلَى وُجُودِ الخَالِقِ، وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَعَظَمَتِهِ، ويَعْجَبُ مِنْ عِبَادَةِ هَؤُلاَءِ لتلكَ الأصنامِ والأَوْثانِ. وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: يُريدُ مِنْ تكذِيبِهم إِيَّاكَ بَعدَ مَا كُنْتَ عِنْدَهُمُ الصادِقَ الأَمينَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبي حاتمٍ: (7/2221). وقال الكلبيُّ: يَعْني: إِنْ تَعْجَبْ مِنْ تَكْذيبِ أَهْلِ مَكَّةَ لَكَ، وكُفْرِهم باللهِ. وأَخرَجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ أيضًا، وَأَبُو الشَّيْخ عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَوْلَهُ: إِنْ تَعْجَبْ يَا مُحَمَّدُ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ. وأَخرَجَ ابنُ جريرٍ، وابْنُ أَبي حاتمٍ، وأَبو الشيخِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ قَالَ: إِنْ تَعْجَبْ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ وَهُمْ رَأَوْا مِنْ قُدْرَةِ اللهِ وَأَمَرِهِ وَمَا ضَرَبَ لَهُمْ مِنَ الأَمْثَالِ، وَأَرَاهُمْ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَالأَرْضِ الْمَيْتَةِ إِنْ تَعْجَبْ مِنْ هَذَا فَتَعَجَّبْ مِنْ قَوْلِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِم، وَأَبُو الشَّيْخ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "وَإِن تعجب فَعجب قَوْلهم" قَالَ: عَجِبَ الرَّحْمَنُ مِنْ تَكْذيبِهِمْ بِالْبَعْثِ.
قولُهُ: {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} فَأَعْجَبُ مِنْهُ تَكْذِيبُهُمْ بِالبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَاسْتِبْعَادُهُمْ وُقُوعَهُ، وَقَوْلُهُمْ: أَبَعْدَ أَنْ نَمُوتَ، وَتُصْبِحَ عِظَامُنَا رُفَاتاً وَتُرَاباً، هَلْ سُيُعِيدُنَا اللهُ إِلَى الحَيَاةِ مَرَّةً أُخْرَى، وَيَخْلُقُنَا خَلْقاً جَدِيداً؟ تفسير ابن أبي حاتم: عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ: عَجِبَ الرَّحْمَنُ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِالْبَعْثِ.
تفسير ابن أبي حاتم، عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ قَالَ: إِنْ تَعْجَبْ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ فَتَعَجَّبْ مِنْ قولهم؟ إذا كنا ترابا أإنا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّ خَلَقَهُمْ مِنْ نُطْفَةٍ فَالْخَلْقُ مِنْ نُطْفَةٍ أَشَدُّ مِنَ الخلق من التراب وأعظم.
تفسير ابن أبي حاتم عَنْ أَسْبَاطٍ عَنِ السُّدِّيِّ: أإذا كُنَّا تُرَابًا: فَكَانَتِ اللُّحُومُ رُفَاتًا.
قولُهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ} أَيْ: أُولئِكَ المُنْكِرونَ لِقُدْرَتِهِ ـ سُبْحانَهُ وتعالى، عَلَى بَعْثِ الموتى بعدَ أنْ يَصِيروا رُفاتًا هُمُ المُصرُّونَ على الكُفرِ، المُتَمادونَ فيهِ، كامِلُوا الكُفْرِ.
قولُهُ: {وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} يُسْحَبُونَ بِهَا في النَّارِ، و "الْأَغْلالُ" جَمْعُ غُلٍّ، وَهُوَ طَوْقٌ تُشَدُّ بِهِ الْيَدُ إِلَى الْعُنُقِ. وَقِيلَ: "الْأَغْلَالُ" هي أَعْمَالُهُمُ السَّيِّئَةُ الَّتِي تُلَازِمُهم.
أخرج ابْنُ أبي شَيْبَةَ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، والخَطِيبُ البغداديُّ، عَنِ الْحَسَنِ البصريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ الأَنْكَالَ لَمْ تُجْعَلْ فِي أَعْنَاقِ أَهْلِ النَّارِ لأَنَّهُمْ أَعْجَزُوا الرَّبَّ، وَلَكِنَّهَا جُعِلَتْ فِي أَعْنَاقِهِمْ لِكَيْ إِذَا طَفَا بِهِمُ اللَّهَبُ أَرْسَبَتْهُمْ فِي النَّارِ.
قولُهُ: {وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ماكِثُونَ فيها أَبَدًا، لا يَحولونَ عَنْها ولا يَزُولُونَ ولا يَنْفَكُّونَ عَنْها. قيلَ: وَتَوْسِيطُ ضَميرِ الفَصْلِ "هم" يَدُلُّ عَلَى تَخْصيصِ الخُلُودِ بِمُنْكِرِي البَّعْثِ. وقِيلَ: إنَّ تَوْسِيطَ ضَميرِ الفصلِ هنا لَيْسَ لِتَخْصيصِ الخُلودِ بِمُنْكِرِي البَعْثِ خَاصَّةً، بَلْ هو عامٌّ لِجَميعِ المَدْلولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ: "أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ". وذَلِكَ أنَّ "هُمْ" لَيْسَ ضِميرَ فَصْلٍ هُنَا، لأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَقَعَ بَيْنَ مُبْتَدَأٍ وخَبَرٍ يَكونُ اسْمًا مَعْرِفَةً، أَوْ مِثْلَ المَعْرِفَةِ في أَنَّهُ لا يَقْبَلُ حَرْفَ التَّعْريفِ كَصِيَغِ "أَفْعَل" التَّفْضيلِ، وهو لَيْسَ كَذَلِكَ هُنَا، وأُجِيبَ بِأَنَّ المُرادَ بالفَصْلِ الضَميرُ المُنْفَصِلُ، وأَنَّهُ أَتى بِهِ وجَعَلَ الخَبَرَ جُمْلَةً مَعَ أَنَّ الأَصْلَ فِيهِ الإِفْرادُ لِقَصْدِ الحَصْرِ، والتَّخْصيصُ المَذْكورُ هنا كَمَا في قولِكَ: (هوَ عارِفٌ). وقالَ بَعْضُهم: لَعَلَّ القائلَ بِمَا ذُكِرَ لا يَتْبَعُ النُّحاةَ في الاشْتِراطِ المَذْكورِ، كَمَا أَنَّ الجُرْجانِيَّ والسُّهَيْلِيَّ جَوزاهُ إِذا كانَ الخَبَرُ مُضارعًا، واسْمُ الفاعِلِ "خالدون" مِثْلُهُ.
قولُهُ تَعَالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} الواوُ: للاسْتِئْنَافِ. و "إِنْ" شَرْطِيَّةٌ جَازِمَةٌ. و "تَعْجَبْ" فعلٌ مُضارِعٌ مَجْزُومٌ بِها عَلَى كَوْنَهُ فِعْلَ شَرْطِ لَها، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى المُقصودِ بالخطابِ وهو سيِّدُنا مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. و "فَعَجَبٌ" الفاءُ: رابِطَةٌ لِجَوابِ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ وُجُوبًا؛ لِمجيئِهِ جُمْلَةً اسْمِيَّةً، و "عَجَبٌ" خَبَرٌ مُقَدَّمٌ مرفوعٌ وقُدِّمَ عَلَى المُبْتَدَأِ للقَصْرِ والتَّسْجيلِ مِنْ أَوَّلِ الأَمْرِ بِكَوْنِ قَوْلِهِمْ ذَاكَ أَمْرًا عَجيبًا. و "قَوْلُهُمْ" مرفوعٌ بالابْتِداءِ مُضافٌ، وضميرُ الغائبينَ "هم" المُتَّصِلُ في مَحَلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليهِ، ولا بُدَّ مِنْ صِفَةٍ مَحْذوفَةٍ لِتَتِمَّ الفائدَةُ؛ والتَّقديرُ: فَعَجَبٌ أَيُّ عَجَبٍ قَوْلُهم، وَيَجوزُ أَنْ يَكونَ "عجبٌ" مُبْتَدَأً، وسَوَّغَ الابْتِداءَ بالنَّكِرَةِ حِينَئِذٍ الوَصْفُ المُقَدَّرُ، ولا يَضِرُّ حِينَئِذٍ كَوْنُ خَبَرِهِ مَعْرِفَةً. قالَ الشَّيْخُ أَبو حَيَّانٍ الأَنْدَلُسِيُّ: (وهذا كَمَا اَعْرَبَ سِيبَوَيْهِ "كَمْ" مِنْ "كَمْ مَالُكَ" و "خيرٌ" مِنْ "اقْصِدْ رَجُلًا خَيْرٌ مِنْهُ أَبوهُ" مُبْتَدَأَيْنِ لِمُسَوِّغِ الابْتِداءِ بِهِما، وخَبَرَهُما مَعْرِفَةً). لكنَّ الذي حَمَلَ سِيبَوَيْهِ عَلى ذَلِكَ في المَسْأَلَتَيْنِ أنَّ أكثرَ ما يقع موقعَ "كم" و "خيرٌ" ما هُوَ مُبْتَدَأٌ، فَلِذَلِكَ حَكَمَ عَلَيْهِما بِحُكْمِ الغالِبِ بِخِلافِ ما نَحْنُ فِيهِ فإنَّ هُنَاكَ عِلَّةً لا تَتَأتَّى هَهُنَا. وقالَ أبو البقاءِ العُكبريُّ: يجوزُ: أَنَّ "عجبٌ" مُبْتَدَأٌ بِمَعْنَى "مُعْجِبٌ"، و "قولُ" فاعلٌ بِهِ. ورَدَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أبو حيَّانٍ: (بأنَّهم نَصُّوا على أَنَّ "فَعَلًا" و "فِعْلًا" و "فُعْلَة" يَنُوبُ عَنْ "مَفْعولٍ" في المعنى ولا يَعْمَلُ عَمَلَهُ، فلا تَقُولُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ ذِبْحٍ كَبْشُهُ، ولا غُرْفَةٍ ماؤُهُ، ولا قَبَضٍ مالُهُ). وأَيْضًا فإنَّ الصِفَاتِ لا تَعْمَلُ إِلاَّ إِذا اعْتَمَدَتْ عَلَى أَشْياءَ مَخْصوصَةٍ، ولَيْسَ مِنْها شَيْءٌ هنا. وهذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مِنْ مُبْتَدَئِها وخبرِه في مَحَلِّ الجَزْمِ على أَنَّها جَوابٌ لِـ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ، وجُمْلَةُ "إِنْ" الشَّرْطِيَّةِ: من فعلِ شَرْطِها وجَوابِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا نَحْوِيًّا لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرابِ.
قولُهُ: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا} الهَمْزَةُ: للاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ التوبيخيِّ. و "إِذَا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمانِ مُجَرَّدٌ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الظَرْفِيَّةِ الزَمَانِيَةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذوفٍ مَعْلُومٍ مِمَّا بَعْدَهُ والتَقْديرُ: أَنُبْعَثُ إِذا كُنَّا تُرابًا. و "كُنَّا" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مبنيٌّ على السكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ، و "نا" ضميرُ جماعةِ المُتَكَلِّمينَ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ اسْمِها. و "تُرَابًا" خَبَرُها منصوبٌ بها، وجُمْلَةُ "كانَ" من اسمِها وخبرها في مَحَلِّ الجَرِّ بإضافَةِ "إذا" إليها، والتقديرُ: أَنُبْعَثُ وَقْتَ كَوْنِنا تُرابًا؟ لا نُبَعَثُ حِينَئِذٍ، والجُمْلَةُ المَحْذوفَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولَ القولِ لِـ "قولُهم"، ويَجُوزُ أَنْ تكونَ هيَ ومَا في حَيِّزِها في مَحَلِّ الرَّفْعٍ بَدَلًا مِنْ "قولُهُم"، بَدَلَ كُلٍ مِنْ كُلٍّ، لأَنَّ هَذَا هَوَ نَفْسُ قَوْلِهم.
قولُهُ: {أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} الهَمْزَةُ: للاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ التوبيخيِّ مُؤَكِّدَةٌ للأُولى. و "إِنَّا" حرفٌ ناصِبٌ ناسخٌ مشبَّهٌ بالفعلِ، و "نا" ضَميرُ جَمَاعَةِ المُتَكَلِّمينَ مُتَّصِلٌ بهِ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصبِ، اسْمُها.ُ و "لَفِي" واللامُ المزحلقةُ للتوكيدِ (حرفُ ابْتِداء)، و "في" حرفُ جَرٍّ، متعلِّقٌ بخبرِ "إِنَّ" المَحْذوفِ، و "خَلْقٍ" مَجْرورٌ بِهِ، و "جَدِيدٍ" صِفَةٌ لِـ "خَلْقٍ" مجرورةٌ مثله، وجُمْلَةُ "إنَّ" مع اسمها وخبرها فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولَ القولِ لِـ "قولُهم".
قولُهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ} أُولَئِكَ: أُولاءِ: اسْمُ إِشارَةٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الجَرِّ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتَدَاءِ، والكافُ للخطابِ، و "الَّذِينَ" اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ، خَبَرُهُ، والجُمْلَةُ الاسميَّةُ هذه مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "كَفَرُوا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الضمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ: ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ، فاعِلُهُ. و "بِرَبِّهِمْ" الباءُ: حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِـ "كَفَرُوا"، و "ربِّ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مُضافٌ، وضميرُ الغائبينَ متَّصلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ صِلَةُ المَوْصُولِ.
قولُهُ: {وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} وَأُولَئِكَ: الواوُ: للعَطْفِ، و "أُولَئِكَ" اسمُ إشارةٍ مُبنيٌّ في محلِّ الرفعِ بالابْتَدَاءِ والكافُ للخطابِ، وهو مبتدأٌ أَوَّل. و "الْأَغْلَالُ" مرْفوعٌ بالابْتِداءِ، مبتدأٌ ثانٍ. و "فِي" حرفُ جَرِّ متعلِّقٌ بخبرِ المبتدأِ الثاني، و "أَعْنَاقِهِمْ" مجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ مُضافٌ، وضميرُ الغائبينَ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليه. والجُمْلَةُ مِنَ المُبْتَدَأِ الثاني مَعَ خَبَرِهِ خَبَرُ المبتدأِ الأوَّلِ، والجُمْلَةُ الاسميَّةُ الأُولى مِنَ المبتدَأِ الأوَّلِ وخَبَرِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ: "أُولَئِكَ الَّذِينَ" فلا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} الواوُ: للعطفِ، وَ "أُولَئِكَ" اسمُ إِشارةٍ مبنيٌّ في محلِّ الرفعِ بالابتداءِ. و "أَصْحَابُ" خَبَرُهُ مرفوعٌ مضافٌ، و "النارِ" مجرورٌ بالإضافةِ إليهِ، والجملةُ مَعْطوفةٌ عَلَى جُمْلَةِ "أُولَئِكَ" الأُولى، على كونِها مستأنَفَةً لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} هُمْ: ضميرٌ مُنفصلٌ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ بالابْتِداءِ. و "فِيهَا" حرفُ جرِّ متعلقٌ بالخبرِ بعدَهُ، و "ها" ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "خَالِدُونَ" خَبَرُ المُبتدأِ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السالمُ، والنونُ عوَضٌ عنِ التنوينِ في الاسمِ المُفْرَدِ، وهذِهِ الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ "أَصْحَابُ النَّارِ".
قرأَ الجمهورُ: {أَإِذا كُنَّا} بِهَمْزَةِ اسْتِفْهَامٍ فِي أَوَّلِهِ قَبْلَ هَمْزَةِ إِذا. وَقَرَأَ ابْنُ كثيرٍ بِياءٍ ساكِنَةٍ بَعْدَ الهَمْزَةِ مِنْ غَيْرِ مَدَّ، وقرَأَ أَبو عَامِرٍ بِمَدِّ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ ثُمَّ بياءٍ ساكِنَةٍ بعدَها. وقرَأَ نافِعٌ مثلَ أَبي عَمْرٍو، واخْتَلَفَ عَنْهُ في المَدِّ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: {أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} بِهَمْزَةِ اسْتِفْهَامٍ قَبْلَ هَمْزَةِ "إِنَّا". وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ "إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جديدِ" على أنَّه خبر، ووافَقَهُ الكِسائيُّ في اكْتِفائِهِ بالاسْتِفْهامِ الأَوَّلِ.