وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)
قولُهُ ـ تعالى شأْنُهُ: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ رَبَّكُمْ مِمَّا أَسْلَفْتُمْ مِنْ ذُنُوبٍ، وَتُوبُوا إِلَيهِ فِيمَا تَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ أَيَّامِكُمْ عَنِ الأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ، وَاسْتِغْفَارُهُ ـ سبحانَهُ وتَعَالَى، مِنْ أَسْبَابِ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ مُكَرَّرًا فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيَانِ فِعْلَ الْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ اللَّذَيْنِ هُمَا سَبَبُ الْعُمْرَانِ وَالْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا، وَمَغْفِرَةِ اللهِ وَمَثُوُبَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُمَا هُنَا بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى، وَهِيَ الرَّحْمَةُ وَالْمَوَدَّةُ.
قولُهُ: {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} إِنَّ رَبِّي وَدُودٌ، كَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِمَنْ أَخْلَصَ التَّوْبَةَ إِلَيْهِ. والوَدُودُ بناءُ مُبَالَغَةٍ مِنْ وَدَّ الشَّيْءَ يَوَدُّهُ وُدًّا، ووِدادًا، ووِدادَةً ووَدَادَةً أَيْ أَحَبَّهُ وآثَرَهُ. والمَشْهورُ وَدِدْتُ بِكَسْرِ عَيْنِ الفعلِ، وَودَدْتُ بفتحِها، والوَدودُ الذي يَوَدُّ عِبَادَهُ ويَرْحَمُهم. وقيلَ: بأَنَّ الودودَ هو الذي يُحِبُّه عِبادُه، ويُوادُّون أَوْلياءَهُ، فهم بِمَنْزِلَةِ "المُوادُّ" مَجَازًا.
قولُهُ تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} الواوُ: للعطف، و "اسْتَغْفِرُوا" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على حَذفِ النونِ مِنْ آخِرِهِ لأنَّ مضارعَهُ من الأفعالِ الخمسةِ، والواوُ الدالَّةُ على الفاعلِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعِلِهِ، والألِفُ: الفارقةُ، و "رَبَّكُمْ" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ وهوَ مُضافٌ، وضميرُ المُخاطَبينَ "كم" متَّصلٌ بهِ في محلِّ جرٍّ بالإضافةِ إليه، والجملةُ معطوف في محلِّ نصبٍ بالقولِ لِ "قال" عطفًا على جُملَةِ "يَجْرِمَنَّكُمْ" من الآيةِ السابقة. و "ثُمَّ" حرفُ عطفٍ للترتيبِ والتراخي، و "توبوا" مثلُ "استغفروا" معطوفٌ عليهِ. و "إِلَيْهِ" جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ به، والجُمْلَةُ في محلِّ نصبٍ بالقولِ عطفًا على جُمْلَةِ "اسْتَغْفِرُوا".
قولُهُ: {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} إِنَّ: حرفٌ ناصِبٌ، و " رَبِّي" اسُمُهُ منصوبٌ به وعلامةُ نصبِهِ الفتحةُ المقدَّرةُ على ما قبلِ اليَاءِ لانشغالِ المحلِّ بالحركةِ المناسبة لها، وهو مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ في محلِّ جرِّ مُضافٍ إليه، و "رحيمٌ" خبرٌ أوَّل ل "إنَّ" مرفوعٌ، و "وَدُودٌ" خبرٌ ثانٍ لها، وجُمْلَةُ "إنَّ" مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها منَ الإعرابِ، مَسوقَةٌ لِتَعْليلِ ما قَبْلَها عَلى كَوْنِها مَقولَ "قَالَ".