فيض العليم ... سورة يونس، الآية: 8
أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
(
قولُهُ ـ تعالى شأنُه: {أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ} وهؤلاءِ الغافلون، المتَّصِفون بما ذُكِرَ آنفاً مِنْ صِفاتِ السوءِ، نهايَتُهم المحتومةُ وسكناهم، ومَكانُ إقامَتِهمُ الذي يستقِرّونَ فيه، خالدينَ لا يبرحونهُ أبداً هوَ نارُ جهنّم.
قوُلهُ: {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وذلك العقابُ إنَّما كان بِسَبَبِ كَسْبِهِم واجْتِراحِهِمُ السيئاتِ من كفرٍ بربِّهم ومولاهم الذي خلقهم وأحسن إليهم، وبما ارتكبوا مِنْ عِصْيانٍ وأَعمالٍ سَيِّئَةٍ، وفي هذِا رَدٌّ على الجَبْرِيَّةِ، فالآيةُ نَصٌّ على تَعَلُّقِ العِقابِ بالتَكَسُّبِ الذي للإنسان.
قولُهُ تعالى: {أولئك مَأْواهم النار} اسمُ الإشارةِ: "أولئك" مبتدأ، و "مَأْواهم" مُبتدأٌ ثانٍ، و "النارُ" خَبرُ المبتدأِ الثاني "مَأْواهم"، وجملةُ "مأواهم" من المبتدأِ وخبرِهُ، خَبرُ المبتدأِ الأوَّلِ "أولئك"، وجملةُ "أولئك" من المبتدأِ والخبرِ، خبرُ "إنَّ ". في الآية السابقة.
قولُه: {بما كانوا يكسبون} الباءُ حرفُ جرٍّ للسبَبِيَّةِ، و "ما" مَصْدَريَّةٌ، والجمعُ بين صيغتي الماضي "كانوا" والمستقبل "يكسبون" للدِلالة على الاستمرار والتجدُّدِ في كلِّ زَمانٍ. والجارُّ مُتَعَلِّقٌ بما تَضَمَّنَتْهُ الجُمْلَةُ مِنْ قولِهِ: "مَأْواهم النار". وقال أَبو البَقاءِ: إنَّ الباءَ تَتَعَلَّقُ بمَحْذوفٍ، أَيْ: جُوزُوا بما كانوا يَكْسِبُونَ. و "كانوا" كان الناسخةُ الناقصةُ، واسمُها واو الجماعة. و "يكسبون" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ ثبوتُ النون لأنَّه من الأفعال الخمسةِ، وفاعلُهُ ضميرٌ منفصلٌ مُقَدَّرٌ: "هم" وحذف مفعولُه للعلم به، أَيْ: يكسبونه منْ كفرٍ باللهِ تعالى وأعمالٍ سيِّئَةٍ. وجملَةُ "يَكْسِبونَ" مِنَ الفعلِ والفاعلِ ومفعولِهِ خبرُ "كان".