لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128)
قولُهُ ـ تَعالى جَدُّهُ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} افْتُتِحَتْ هذه الآيةُ المباركةُ بحرفَيْ تأكيدٍ هما (اللام) و (قد) لاهْتِمامِ بهذِهِ الجُمْلَةِ نظراً لأهميَّةِ الغَرْضِ الذي سِيقَتْ من أَجْلِهِ، لأن فيما تَضَمَّنَتْهُ ما يُنْكِرُهُ المُنافقونَ، وهوَ كَوْنُه رَسُولاً مِنَ اللهِ، وهذا التَأْكيدُ يجعلُ المُخاطَبينَ مُنزََّلينَ مَنْزِلَةَ المُنْكرينَ لَمَجيئِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهم لم يَنْتفَعوا به، وفيه إيماءٌ إلى اقْتِرابِ الرَحيلِ، لأنَّهُ لمَّا أُعيدَ الإخْبارُ بمَجيئهِ بعد أَعوامٍ طويلَةٍ من حصولِه كان ذلك كنايَةً عَنْ قربِ انْتِهائه. والمجيءُ: مُسْتَعْمَلٌ هُنا في الخِطابِ بِالدّعْوةِ إلى الدينِ عَلى سَبيلِ المجازِ. شَبَّهَ تَوَجُّهَهُ إليهم بالخِطابِ الذي لم يَكونوا يَتَرَقَّبونَهُ، بِمَجيءِ الوافدِ إلى الناسِ مِنْ مَكانٍ آخَرَ. وهُو اسْتِعمالٌ شائعٌ في القُرآنِ.
والخطابُ للعَرَبِ، أَوْ لقُريشٍ، يَمْتَنُّ بهِ عَلَيهم بِأَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولاً مِنْ جِنْسِهِمْ وَلُغَتِهِمْ وَقَوْمِهِمْ، بحيْثُ يَعْرِفونَ حَسَبَهُ وصِدْقَهُ وأَمَانَتَهُ، ويَفْهَمونَ خِطابَهُ. ولِذلِكَ قالَ: "مِنْ أَنْفُسِكُمْ". والأَنْفُسُ: جمعُ نفْسٍ، وهيَ الذاتُ. ويُضافُ النَفْسُ إلى الضَميرِ فَيَدُلُّ عَلى قَبيلَةِ مُعادِ الضَميرِ، أَيْ: هُوَ مَعْدودٌ مِنْ ذَوِي نَسَبِهم، ولَيْسَ عِدادُهُ فِيهم بِحِلْفٍ أَوْ وَلاءٍ أَوْ إِلْصاقٍ. يَقالُ: هُوَ قُرَيْشِيٌّ مِنْ أَنْفُسِهم، ويُقالُ: القُرَيْشِيُّ مَوْلاهُمْ أَوْ حَليفُهم، فمَعْنى "مِنْ أَنْفُسِكُم" مِنْ صَميمِ نَسَبِكمْ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الخِطابَ للعَرَبِ لأَنَّ النَازِلَ بَيْنَهمُ القُرآنُ يَوْمَئِذٍ لا يَعْدونَ العَرَبَ ومَنْ حالَفَهُمْ وتَوَلاَّهم مثلَ سَلْمانَ الفارسِيَّ وبِلالٍ الحَبَشِيِّ. وفيهِ امْتِنانٌ عَلى العَرَبِ، وتَنْبيهٌ عَلى فَضِيلَتِهم، وفِيهِ أَيْضاً تَعْريْضٌ بِتَحْريضِهم عَلى اتِّباعِهِ، وتَرْكِ مُناوَأَتِهِ، وأَنَّ الأجدرَ بهمُ الافْتِخارُ بِهِ، والالْتِفافُ حَوْلَهُ، كَما قالَ تَعالى في ذِكْرِ القُرآنِ: {وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكِ} سُورَةُ الزُخْرُفِ، الآية: 44. أَيْ: يَبْقى مِنْهُ لَكُمْ ذِكْرٌ حَسَنٌ.
ويَجوزُ أَنْ يَكونَ المَعنيَّ بالخِطابِ جميعُ بَني آدَمَ لأَنَّ رِسالَتَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، عامّةٌ شاملَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ سَبَأٍ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} الآية: 28. ولِقَوْلِهِ في سُورَةِ الأَنبياءِ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} الآيَة: 107. ولِقَولِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: فيما أَخرجَ الشَيْخان في الصَحيحَيْنِ عن جابرِ بْنِ عبدِ اللهِ ـ رَضيَ اللهُ عنهُ: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَة، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّة)). صحيحُ البخاريِّ، برقم: (335). وصحيحُ مُسلِم، برقم: (521). وفيما أَخرجَ ابْنُ المنذرِ عنْ أبي هُريْرَةَ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، قال: ((أُعْطيتُ خمساً لمْ يعطهنَّ نَبيٌّ قبْلي: بُعِثتُ إلى الناسِ كافَّةً إلى كُلِّ أَبْيَضَ وأَحمرَ، وأَطْعَمْتُ أُمَّتي المَغنَمَ لمْ يُطْعَمْ أُمَّةٌ قبلَ أُمَّتي، ونُصِرْتُ بالرُعْبِ بينَ يَدَيَّ مِنْ مَسيرَةِ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ ليَ الأَرْضُ مَسْجِداً وطَهُوراً، وأُعْطِيتُ الشفاعةَ فادَّخَرْتُها لأمَّتي يومَ القيامةِ)). وأَخرجَهُ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عباسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، فقال: ((الأَحمرَ والأصْفَرَ)) بَدَلاً مِنْ: ((أَبَيضَ وأَحمرَ)) وذُكِرَ في روايةٍ ((الأسْوَدَ))، وللحديثِ رِوايةٌ أُخْرى في مُسْنَدِ أَحمَدِ عَنْ أَبي ذرٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
قولُهُ: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أيْ إنَّه ـ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسلَّمَ، يَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُكُم، ويُسيئُهُ، فحَذَفَ العائدَ عَلى التَدْريجِ، وهذا كَقَوْلِه:
يَسُرُّ المرءَ ما ذَهَبَ الليالي ................... وكان ذهابُهنَّ له ذهاباً
أي : يَسُرُّهُ ذهابُ الليالي. فإنَّ شَرِيعَتَهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، كُلُّها يُسْرٌ وَسَمَاحَةٌ وَكَمَالٌ، ولذلك يَعِزُّ عَلَيْهِ وَيَصْعُبُ ما يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَيَزِيدُهُمْ عَنَتاً، لأنَّهُ أَرَادَها يُسْراً وَسَمَاحَةً.
والعزيزُ: الغالبُ. والعِزَّةُ: الغَلَبَةُ. يُقالُ عَزَّهُ إذا غَلَبَهُ. ومِنْهُ قولُه تعالى في سورة (ص): {وعَزَّني في الخطابِ} الآية: 23، أي: غلَبَني بالحُجَّةِ، فإذا عُدِّيَ بِ "على" دَلَّ على مَعْنى الثِقَلِ والشِدَّةِ عَلى النَفْسِ. قالَ بِشْرُ بْنُ عُوانَةَ في ذِكْرِ قَتْلِهِ الأَسَدُ ومُصارَعَتِهِ إيَّاهُ:
فقلتُ له يَعِزُّ عليَّ أَني ..................... قَتَلْتُ مُناسِبي جَلَداً وقَهْراً
و "عَنِتُمْ" تَعِبْتُمْ. والعَنَتُ: التَعَبُ، أَيْ شاقٌّ عَلَيْهِ حُزْنُكم وشَقاؤكم. وهذا كقولِهِ تعالى في سُورَةِ الشُعَراءِ: {لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَنْ لا يَكونوا مِؤْمِنين} الآية: 3. وذِكْرُ هذا في صِفَةِ الرَسُولِ يُفيدُ أَنَّ هَذا خُلقٌ لَهُ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فَيكونُ أَثَرُ ظُهورِهِ الرِّفقَ بالأُمَّةِ والحَذَرَ ممَّا يُؤدّي بهم إلى العَذابِ في الدَنْيا والآخِرَةِ. ومِنْ آثارِ ذَلِكَ شَفاعَتُهُ للناسِ كُلِّهم في المَوْقِفِ لِتَعْجيلِ الحِسابِ. ثمَّ إنَّ ذلك يُومئُ إلى أَنَّ شَرْعَهُ جاءَ مُناسِباً لخُلُقِهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، فانْتَفى عَنْه الحَرَجُ والعُسْرُ، قال تَعالى في سُورَةِ البَقَرَةِ: {يُريدُ اللهُ بِكمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ} الآية: 185. وقال في سورةِ الحجّ: {ومَا جَعَلَ عَلَيكم في
الدينِ مِنْ حَرَجٍ} الآية: 78.
قولُهُ: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} أيْ: وَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى هِدَايَتِكمْ وَصَلاحِ حَالِكمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. والحرصُ على الشَيْءِ: شِدَّةُ الرَغْبَةِ فيه. ولما تَعَدَّى إلى ضَميرِ المُخاطَبينَ الدَالِّ على الذَواتِ، وليستِ الذَواتُ هي مُتَعَلَّقُ الحِرْصِ هنا، تَعَيَّنَ تقديرُ مُضافٍ، فُهِمَ مِنْ مَقامِ التَشْريعِ، فيقدَّرُ: حَريصٌ على إيمانكم أَوْ هِدايتكم.
قولُهُ: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَّحِيمٌ} وهما أيضاً منْ صفاته ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فهو شَدِيدُ الرَأْفَةِ بِالمُؤْمِنِينَ شديدُ الرَحْمِةِ بهم. والرأْفَةُ: رِقَّةٌ في القلبِ تجاه أحدٍ تَنْشَأُ عِنْدَ نُزولِ ضُرِّ به. والرحيمُ منَ الرَّحمةِ: وهي رقَّةٌ أيضاً تَقْتَضي الإحسانَ للمَرْحومِ. وبين هاتين الصفتين عُموم وخصوصٌ مُطْلَقٌ، ولذلك جمَعَ بَيْنَهُما هُنا.
قوله تعالى: {لقد جاءَكم رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكم} اللامُ و "قد" حرفا تأكيدٍ، والجملةُ جَوابُ قَسَمٍ مُقَدَّر.
قولُه: {عَزِيزٌ عليه ما عَنِتُمْ} في قولِه: "عزيزٌ" أَوْجُهٌ، أَحَدُها: أَنْ يَكونَ صَفَةً لِ "رَسول"، وفيه أَنَّهُ تَقَدَّم غيرُ الوَصْفِ الصَريحِ عَلى الوَصْفِ الصَريحِ، وقد يُجابُ بأنَّ "من أنفسكم" مُتَعَلِّقٌ بِ "جاء"، و "ما" في "ما عنتم" يجوزُ أَنْ تَكونَ مَصْدَرِيَّةً، ويجوزُ أن تكون اسماً موصولاً بمعنى الذي، وعلى كلا التقديرين فهي فاعلٌ ب "عزيزٌ"، ويجوزُ أَنْ يَكونَ "عزيزٌ" خبراً مقدماً، و "ما عَنِتُّم" مُبْتَدَأً مُؤَخَّراً، والجُمْلةُ من المبتدأ والخبر صفةٌ لِرَسُولٍ. وقد ابْتُدئَ بالنَكِرَةِ لأَجْلِ عَمَلِها في الجارِّ بَعْدَها. لكنَّ الأَرْجَحَ أَنْ يَكونَ "عزيز" صِفَةً لِ "رسول" لقولِهِ بِعْدَ ذلك: "حريصٌ" فلم يُجْعلْ خَبراً لِغَيرِهِ، وادِّعاءُ كَوْنِهِ خَبرَ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ، أيْ: هُوَ حريصٌ، لا حاجةَ إلَيْهِ.
وفي العُدولِ عَنِ الإتْيانِ بِلَفْظِ العَنَتِ الذي هُو المَصْدَرُ الصَريحُ، إلى الإتيانِ بالفِعْلِ مَعَ "ما" المَصْدَرِيَّةِ السابِكَةِ للمَصْدَرِ نُكْتَةٌ، وهِي إفادَةُ أَنَّهُ قَدْ عَزَّ عَلَيْهِ عَنَتُهمُ الحاصِلُ في الزَمَنِ الماضي، وذلك بما لَقُوهُ مِنْ قتْلِ قَوْمِهم، ومِنْ أَسْرٍ في الغَزْوِ، ومِنْ قوارِعِ التهديدِ والوَعيدِ في القرآن الكريم. فلو أُتيَ بالمَصْدَرِ، لم يَكُنْ مُشيراً إلى عَنَتٍ مُعيَّنٍ، ولا إلى عَنَتٍ وَقَعَ لأنَّ المَصْدَرَ لا زمَانَ لَهُ، بَلْ كانَ مُحْتَمَلاً أَنْ يَعِزَّ عَلَيْهِ بِأَنْ يُجَنِّبَهم إيَّاهُ، ولكنَّ مَجيءَ المَصْدَرِ مُنْسَبِكاً مِنَ الفِعْلِ الماضِي يَجْعَلُهُ مَصْدَراً مُقَيَّداً بالحُصُولِ في الزمنِ الماضي، أَلاَ تَرَى أَنَّكَ تُقَدِّرُهُ هَكذا: (عَزيزٌ عَلَيْهِ عَنَتُكم الحاصِلُ في ما مَضى). لِتَكونَ هَذْهِ الآيَةُ تَنْبيهاً عَلَى أَنَّ ما لَقُوهُ مِنَ الشِدَّةِ إنَّما هُو لاسْتِصْلاحِ حالهمْ لَعَلَّهم يَخْفِضونَ بَعْدَها مِنْ غَلْوائهم، ويَرْعَوونَ عَنْ غَيِّهم، ويَشْعُرونَ بِصَلاحِ أَمْرِهم.
قولُهُ: {حريصٌ عليكم} حريصٌ: نَعْتٌ ثالثٌ ل "رسولٌ"، و "عليكم" الجارُّ مَتَعلِّقٌ ب "حريص".
قولُهُ: {بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ} الجارُّ مُتَعَلِّقٌٌ ب "رَؤوفٌ". ولا يجوزُ أَنْ تَكونَ المسألةُ مِنَ التَنازُعِ لأنَّ مِنْ شَرْطِهِ تَأَخُّرَ المَعْمولِ عَنِ العامِلَيْن، وإنْ كانَ بَعْضُهم قدْ خالَفَ، فأجازَ نصبَ زيدٍ على التَنَازُعِ في قولهم: زَيْداً ضَرَبْتُ وشَتَمْتُهُ. وإذا فرَّعْنا على هذا التَضْعيفِ كانَ مِنْ إِعْمالِ الثاني لا الأَوَّلِ لِمَا عُرِف منْ أَنَّهُ مَتى أُعْمِلَ الأوَّلُ أُضْمِرَ في الثاني مِنْ غيرِ حَذْفٍ.
وقولُهُ: {بالمؤمنين رَؤوفُ رَحيمٌ} رَؤوفُ: أي شَديدُ الرَأْفَةِ. و "رَحيمٌ" أي شَديدُ الرَّحمةِ، لأَنَّهُما صِيغَتا مُبالَغَةٍ، وهما يَتَنازَعانِ الجارَّ والمجرورَ المُتَعَلِّقَ بهما، من قولِهِ تعالى: "بالمؤمنين".
وتقديمُ المُتَعَلِّقِ على عامِلَيْهِ المُتَنازِعَيْن عليه في قولِهِ: "بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم" للاهْتِمامِ بالمُؤمِنينَ في توجُّهِ صِفَتَيْ رَأْفَتِهِ ورحمتِهِ بهم. وأَمَّا رَحمتُهُ العامَّةُ ـ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم، الثابِتَةُ بِقَوْلِهِ تعالى: {وما أَرْسَلْناكَ إلاَّ رحمةً للعالمَينَ} سورة الأَنبياء، الآية: 107. فهيَ رَحمةٌ مَشَوبَةٌ بِشِدَّةٍ على غَيرِ المُؤمِنينَ فهُوَ ـ بالنِسْبَةِ لِغَيرِ المؤمنين، رائفٌ وراحِمٌ، ولا يُقالُ: بهم رَؤوف رحيم.
قرأ العامَّةُ: {مِنْ أَنْفُسِكم} بضمِّ الفاء، وقرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وأَبو العالِيَةِ، والضَحَّاكُ، وابْنُ مُحَيْصِن، ومحبوبٌ، عَنْ أَبي عَمْرٍو، وعبدِ اللهِ ابْنِ قُسَيْطٍ المَكِّيِّ ويَعقوبَ، مِنْ بعضِ طُرُقِهِ "مِنْ أنْفَسِكُم" بفتحِ الفاء، مِنَ النَفاسَةِ، أَيْ: مِنْ أَشْرَفِكم. وهي قِراءةُ رَسُولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفاطِمَةَ وعائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.