وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ
(21)
قولُهُ ـ تعالى شأنُه: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} تأكيدٌ لما قبلَه وتقريرٌ له، أي: ولا تَكُونُوا كَالمُنَافِقِينَ وَكَالمُشْرِكِينَ الذِينَ قَالُوا: سَمِعْنَا مَا قُلْتَهُ يَا مُحَمَّدُ، وَلَكِنَّهُمْ فِي الحَقِيقَةِ لَمْ يَسْمَعُوا شَيْئاً، سمع وعيٍّ وفهم وتدبُّرٍ وَلذلك لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ ولم يعملوا بمقتضى رسالة ربهم، ومن سمع ولم يَستجبْ كَانَ شَرّاً ممن لم يَسْمَعْ؛ لأنَّ الذي لم يَسْمَعْ لم تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ، أَماَّ الذي سمعَ وبلَغَتْه الدعوةُ ولكنْ لم تستجبْ له ولم يُنَفِذْ ما طلب منه، فإنَّ ذنبه كبيرٌ وإثمَه عظيم.
وفي هذه الآية المباركة تحذيرٌ منه تعالى للمؤمنين عن مخالفتِهِ، وتَنبيهٌ على أَنُّ هذه المخالفةَ مؤدِّيةٌ إلى الانْتِظامِ في سِلْك الكَفرةِ بِكونِ سماعِهم كَ لا سماعٍ، فلا تكونوا ـ بمخالفةِ الأمرِ والنهيِ، "كالذين قَالُواْ سَمِعْنَا" وهو مجرُّد ادِّعاءِ مِنْ غيرِ فهمٍ ولا إذعانٍ كالكفرة والمنافقين الذي يّدعون السماعَ حيثُ لم يُصدّقوا ما سمعوه ولم يفهموه حَقَّ فَهْمِهِ فكأنهم لا يَسمعونَه أساساً "وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ" جعلَ السماعَ كنايةً عن القَبولِ. لأنَّ الإنسانَ لا يمكنُهُ أَنْ يَقْبَلَ التَكْليفَ وأَنْ يَلْتَزِمَهُ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يَسْمَعَهُ، ومنهُ قولُكُ سمِعَ اللهُ لمنْ حمِدَهُ. وكذلك تقول اللهم اسمع دعائي، وأنت تعلم أنَّ اللهَ سميعُ الدعاءِ وإنْ لم تَقُلْ أَنتَ ذلك، لكنك تقولُ: اللهم اسمع دعائي بمعنى "اللهمَّ اقْبَلْهُ"، فالمرادُ بالسمع إذاً القبول.
قولُهُ تعالى: {وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} حالٌ مِنْ ضَميرِ "قالوا" أيْ: قالوا ذلك والحالُ أَنَّهم لا يَسْمَعونَ. وهذا نفيٌّ خاصٌّ لكنَّهُ أتي به نكرةً ولم يعرِّفه ليكون مُطْلَقاً فأنزلهم منزلة مَنْ لا يَسْمَعُ أَصْلاً بجعلِ سماعِهم كعدَمَه. وقد أتى فِعْلُ "لا يَسْمَعُونَ" بصيغةِ المُضارِعِ ليفيد أَنَّهم مُسْتَمِرُّونَ على عَدَمِ السَمْعِ فَلِذلِكَ لم يَقُلْ وهم لم يَسْمَعوا بصيغة الماضي.