وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ.
(198)
قزلُهُ ـ تعالى جَدُّه: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا} أَيْ: قلْ للمُشْرِكين: وإنْ تَدعوا الذينَ تَدْعونَ مِنْ دونِ اللهِ إلى الهُدى لا يسمعوا. والضَميرُ المَرْفوعُ للمُشركينَ، والضَميرُ المَنْصوبُ عائدٌ إلى الذين تَدعون مِنْ دُونِهِ، أَيْ الأَصْنامِ. والهُدى على هَذا الوَجْهِ ما فِيهِ رُشْدٌ ونَفْعٌ للمَدْعو. وذَكَرَ "إِلَى الْهُدَى" لِتَحقيقِ عَدَمِ سمَاعِ الأَصْنامِ، وعدَمِ إِدْراكِها، لأنَّ عَدَمَ سماعِ دَعْوَةِ ما يَنْفَعُ لا يَكونُ إلاَّ لِعَدَمِ الادْراكِ. ولهذا خُولِفَ بَينَ قولِهِ هُنا: "لا يَسْمَعُوا" وقولِهِ في الآيةِ السابقة: {لا يَتَّبِعُوكُمْ} لأنَّ الأَصْنامَ لا يَتَأَتَّى مِنْها الاتِّباعُ، إذْ لا يَتَأَتّى مِنْها المَشْيُ الحَقيقيُّ ولا المجازِيُّ أيْ الامْتِثالُ.
قولُهُ: {وَتضَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} وتراهم: الخطابُ هنا لمنْ يصْلُحُ أَنْ يخاطَبَ، فهو مِنْ خِطابِ غيرِ المُعَيَّنِ. و "ينظرون إليك" تَشْبيهٌ بَليغٌ، أيْ تَراهم كأنهم يَنظُرونَ إليْكَ، لأنَّ صُوَرَ كثيرٍ مِنَ الأَصْنامِ كانَ على صُوَرِ الأَناسيِّ، وقد نحتوا لها أَمْثالَ الحَدَقِ الناظِرَةِ إلى الواقِفِ أَمامَها. لأنهم صَوَّروا أَصْنامَهم بِصورَةِ مَنْ قَلَّبَ حَدَقَتَهُ إلى الشيْءِ يَنْظُرُ إليْهِ. فهي مُقابِلَةٌ بِوَجْهِها وَجْهَ من يقفُ أمامها، أي مقابلاً لها، وهو مِنْ قولهم: جَبَلانِ مُتَناظرانِ، أيْ: مُتَقابلان، ويجوزُ أن يكون الضميرُ عائداً على المُشركين، أيْ: إنهم وإنْ كانُوا يَنْظُرونَ إلى النَّاسِ إلاَّ أَنهم لِشِدَّةِ إعْراضِهم عَنِ الحَقِّ لم يَنْتَفِعوا بذلك النَّظِر والرُّؤيةِ؛ فصاروا كأنَّهُمْ عُمْيٌ. وهو قولُ الحَسَنِ البَصْريِّ وأَكثرِ المُفَسِّرين، قال ـ رضي اللهُ عنه: ("وإنْ تَدعوهم إلى الهدى" يَعني: المُشْرِكينَ لا يَسْمَعوا ولا يَعْقِلوا ذَلك بِقُلوبهم، وتَراهُم يَنْظُرونَ إليْكَ بِأَعْيُنِهم وهُمْ لا يُبْصرون بقلوبهم). وهو كَقولِه تَعالى في سورة الحج: {وتَرى الناسَ سُكارى وما هم بِسُكارى} الآية: 2، أيْ: كأَنهم سُكارى.