هي إجابات على أسئلة وجهت إلي أنشرها هنا لما قد يكون فيها من فائدة لأبنائي وبناتي وأحبائي الأعزاء
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ الكريم عبد القادر الأسود :
أهلا وسهلا بك ومرحبا في عين الفيجة وبين أهالي عين الفيجة اخا كريما وأستاذا رفيعا
فرحت بك أشجار الحور والجوز والدلب والصفصاف , وانسابت السواقي ألحانا عذبة بقدومك
وتقبل مني بدايةً هذين البيتين اللذين أخصك بهما :
من حروفي تنساب أحلى المعاني ... لكريمٍ مستقبَلٍ بالأماني
جاء ضيفا عند اللقاء سرورٌ ... يرتوي من فيض الجمال زماني
أستغل فرصة وجود شاعر كبير مثلك لأسألك عن السليقة الشعرية أهي فطرية أم مكتسبة ؟
وكيف يمكن تنميتها وصقلها ؟
في هذا المجال أحب أن أورد دور قراءة المعلقات في تنمية سليقتي الخاصة
وأحب أن أعرف رأيك بمقولة أن الشعر ليس فقط ما اصطف على الوزن فحسب
إنما بالإضافة لذلك هو ما خرج من الشعور ومن دفء الأحاسيس ليشعر القارئ بدفئه وحلاوته
الكثير من شبابنا لا يعرفون الفرق بين شعر التفعيلة والقصيدة النثرية
لذلك أطلب منك أن توضح للإخوة الفرق بينهما وأن تعطينا رأيك بشعر التفعيلة
ولماذا أصبح شعر التفعيلة أكثر قبولا من القراء في وقتنا الحاضر ؟
وفي النهاية أتمنى لك طيب الإقامة هنا وأرجو ألا تكون أسئلتي مزعجة
وأستذكر إن لم أكن مخطئا أني اجتمعت بك بأحد المنتديات الأدبية ( ****)
أهلا وسهلا بك مجددا ولك كل الاحترام والتقدير
بسم الله والصلاة على سيدنا رسول الله ومن والاه ، بعد: أخي الكريم الأستاذ
الباسل حفظكم الله وشكر لكم ترحيبكم وصادق عاطفتكم ورقيق شعركم ، وفي
الإجابة عما سألتموه اقول وبالله التوفيق: أنّ الشعر كل الشعر لازمة
مطالعته وحفظه ما تيسر للمبتدئ ذلك لأنه الرافد الأهم للخيال والصاقل
البارع للموهبة فالمعلقات والشعر القديم يوسس الفصاحة ويقوي الأصالة ويوثق
الارتباط ويرفد خزان المرء بالمفردات ، والشعر الحديث يساعدك على أن تشق
طريقك لتكون شخصيتك المستقلة ويوسع أفق الخيال ويغني المخيلة.
ولقد كان شعر التفعيلة درجة في سلم الانحدار الذي ما فتئ أعداء الأمة
يدفعون إليه لكنه حافظ على موسيقى الشعر وإن تحرر من القافية الواحدة وعدد
التفعيلات في البيت الواحد ، إنما بدأ شعراؤه يبتعدون ـ في غمرة لهاثهم
وراء الصورة ـ شيئاً فشيئاً عن تحري الجمال فيها ، وإذا كان شعراء العصر
الوسيط ـ ولا أسميه عصر الانحطاط كما فعل الكثير من النقاد ـ إذا كان
أولائك قد أساؤوا، من حيث أرادوا الإحسانَ ، بالإكثار من ألوان البديع ،
فإن هؤلاء قد أساؤوا بسيعيهم المحموم لاقتناص الصورة كيفما اتفق ، فهذا أحد
عمالقة شعر التفعيلة بدر شاكر السياب يقول في قصيدته المعروفة: عيناك
غابتا نخيل ساعة السَحر ، ولم يفطن إلى أنّ هذه الصورة ليست بالمستملحة،
ذلك لأن غابة النخيل إنما تكون مظلمة في هذا الوقت غامضة مبهمة لا وضوح
فيها ولا بريق.
ثمَّ يتابع : أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر ، وفيها تأكيد على الصورة
الأولى إنما جاءت أقبح فأي جمال في شرفة البيت لتشبه العين بها ؟
ولذلك عارضتُه فقلت : عيناك أغنيتا قمر ** معزوفتان بلا وتر
وأظن القارئ سيميز بين الصورتين فهنا العين أغنية إنما يؤديها القمر
فهي صورة جديدة مبتكرة وفيها من الجمال ما فيها ، فتصور قمراً يغني ، إذاً عينا حبيبتي زاهيتين براقتين بالنور والسرور.
وهكذا فالصورة والبديع في الشعر كاملح في الطعام إذا أكثرت منه فوق ما يحتمل لم يكن مستساغاً .
ومن هنا نصل إلى ما يسمى بقصيدة النثر ، فهي بالإضافة إلى صورها الغامضة
والتي يأتي بها الشاعر كيفما اتفق ـ في الغالب ـ دون تحري الشفافية والجمال
، هو يمعن بالهدم بحيث أغرق في الرمزية والغموض بحيث لم يعد يفهمه أحد حتى
أنه ـ في الغالب ـ يعجز أن يشرح لك مقصده وما يريد ، وقد أجابني أحدهم
خلال حوار دار بيننا ، وطلبت منه أن يفسر لي مقطعاً من قصيدة له: الشعر
كالسحر تحس به ولا تستطيه أن تمسك به ، فقلت له: لأسلم معك ـ جدلاً ـ بصحة
هذه المقولة ألست كاتباً صاحب رسالة يجب عليه القيام بحقها ، فكيف تؤدي
رسالتك إذا لم يفهمك الذين تتوجه إليهم بالخطاب ؟ (فبهت الذي كفر) .
أما الأخطر من ذلك ـ إضافة إلى التخلي عن أساسيات وما يميزه عن النثر
كموسيقا التفعيلة وسواها .. فقد حملوا المفردة مالا تحتمله من معنى بدعوى
الاشتقاق والتجديد بحيث أصبحت التراكيب بذاتها مستهجنة ومستعصية على الفهم ،
أما الاشتقاق فله قواعده وضوابطه ، أما الفوضى فلا طائل وراءها ولا فائدة
منها . ولله الموفق لكل خير.
[/size]