أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ
(97)
قولُه ـ تباركت أسماؤه: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ} أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى الكَافِرَةِ أَنْ ينزلَ بهمْ عَذَابُ اللهِ وَنَكَالُهُ لَيْلاً وَهُمْ بَائِتُونَ فِي دُورِهِمْ لَيْلاً، أو وقتَ بياتهم، وَهُمْ نَائِمُونَ مُطْمَئِنُّونَ لاَ يَتَوَقَّعُونَ بَلاءً ولا عذاباً؟، أيظنونَ أنهم في مَنجاةٍ من ذلك ومأمنٍ؟.
يوضِّحُ الحقُّ أنَّ الذين كذبوا من أهل القرى، لم يستطيعوا تأمين أنفسِهم أنْ يأتيَهُمُ العذابُ بغتةً، كما أَتى قومَ نوحٍ، وقومَ هُود، وقومَ صالح، وقومَ لوط، وقومَ شُعيب؟ والبأس هو الشدة التي يأخُذُ بها الحقُّ ـ سبحانه ـ الأُمَمَ حين يَنحرفونَ عن مِنْهَجِه، ويعزفون عن شريعته.
وعندما يذكر الحقُّ ـ سبحانه ـ الأحداث فهو يريد ما تتطلَّبُه الأحداثُ مِنْ زمانٍ ومَكان؛ لأنَّ كلَّ حَدَثٍ لابُدَّ لَهُ مِن زَمَانٍ ولا بُدَّ له من مكان، فلا حَدَثَ بلا زمان ولا مكان، والمكان هنا هو القرى، والزمان هو الذي سيأتي البأسُ فيه، وهو قد يأتيهم وهم نائمون، أو يأتيهم ضُحًى وهم يلعبون، وهذه التعابير إلهيَّةٌ. وقد يجيء البأس على أهل قرية نهاراً، أو ليلاً، في أي وقت من الأوقات، إذاً لا يأمَنُ المرءُ أَنْ يأتي البأس ليلاً أو نهاراً.
أخرج أبو الشيخ عن أبي نَضرةَ قال: يُسْتَحَبُّ إذا قَرَأَ الرّجُلُ هذه الآيةَ أنْ يَرْفَعَ بها صوتَه.
قولُهُ تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى} الهمزةُ لإنكارِ الواقِعِ واسْتِقباحِه، وقيل: لإنكارِ الوُقوعِ ونَفيِهِ، وهو عطفٌ على قولِهِ: {فأخذناهم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} وما بينَهما اعتراضٌ. وبياتاً في الأصلِ مصدرٌ بمعنى البيتوتة ويجيء بمعنى التبييت كالسَّلامِ بمعنى التسليم. وإنما عَطَفَتْ بالفاءِ لأنَّ المَعْنى: فَعَلوا وصنعوا فأخذناهم بغتةً، أَبَعْدَ ذلك أَمِنَ أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً، وأَمِنَ أهلُ القرى أنْ يأتيَهم بأسُنا ضُحى. وهو مذهبُ الجماعة، وإنما تأخَّر وتقدَّمَتْ عليه همزة الاستفهام لقوَّةِ تصدُّرها في أول الكلام، وقد تقدَّم تحقيق هذا غيرَ مرَّةٍ.
قولُه: {أن يأتيهم} المصدر "إتيان" المؤوَّل من "أن يأتيهم" مفعولٌ به.
قوله {بَيَاتاً} يجوزُ أَنْ يَكونَ حالاً من الفاعل بمعنى مبيتا بالكسر أو من المفعول بمعنى مبيتين بالفتح، وأَنْ يَكونَ ظَرْفاً. وجُوِّزَ أنْ يكونَ مصدرَ بَيَتَ ونُصِبَ على أنَّه مفعولٌ مُطلَقٌ ل "يأتيهم" من غير لفظه أيْ تَبْييتاً.
قوله: {وَهُمْ نَائِمُونَ} جملةٌ حالية، من ضميرهم البارز "هم" أو أنها حال من الضمير المستتر في "بَيَاتاً" لأنَّه يتحمَّلُ ضميراً لِوُقوعِه حالاً فتكون الحالان متداخلتين.