[size=29.3333]وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[/size][size=29.3333]. (155)[/size]
[size=29.3333]قولُهُ ـ تعالى شَأْنُهُ: {وهذا كتابٌ أَنْزَلْناهُ} أَيْ: الذي تُلِيَتْ عَليْكُم [/size]
[size=29.3333]أَوامِرِهِ ونَواهِيهِ أَيْ القرآن "كِتَابٌ" مُبْارَكٌ عَظيمُ الشأُنِ لا يُقادَرُ قَدْرُهُ "أنزلناه" بوِساطةِ الرّوحِ الأَمينِ، على عَبْدِ اللهِ ورَسولِهِ وخاتَمِ أَنْبِيائهِ مُحَمَّدٍ ـ عليْهِ الصَلاةُ والسَّلامُ ـ لِيُبَلِّغَهُ للنّاسِ كافَّةً بَلْ ولِلْجانِّ كَذلك، كَما سَلَفَ بيانُهُ. فاتَّبِعُوهُ واحْذَرُوا غَضَبَ اللهِ وعِقابَهِ، إنْ أَنْتُمْ لَمْ تُؤمِنوا بِهِ ولَمْ تَعمَلُّوا بِما فِيه. فالإشارةُ إلى القُرآنِ لأَنَّهُ حاضِرٌ مُهَيَّأٌ كامِلٌ.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {مُبارَكٌ} أَيْ كَثِيرُ الْخَيْرَاتِ، فيه الخَيْرُ والحَقُّ والفَضْلُ، وفيهِ مَصالِحُ النَّاسِ في مَعاشِهم، وفيهِ الشَريعةُ الإنْسانِيَّةُ الكامِلَةُ، ما تَرَكَ صَغيرةً ولا كَبيرةً مِنْ أَمْرِ الدينِ والدنيا إلاَّ بَيَّنَها وفَصَّلَها تَفْصيلاً، ففيهِ ما يُطَهِّرُ الجسمَ والروحَ، وفيهِ ما يُصلِحُ الفَرْدَ والجَماعَةَ ويُنَمِّيها، وفيهِ ما يَجْمَعُ النَّاسَ على الوِدِّ والرّحْمةِ، وفيهِ ما يُحَقِّقُ العَدالَةَ في هذا الوُجودِ، وهو صالحٌ لِكُلِّ زمانٍ ومكانٍ ومجتمعٍ، وهُوَ حَبْلُ اللهِ المَتينُ وصِراطُهُ المُسْتَقيمُ إلى يَومِ الدّينْ. "مباركٌ" عليكَ وبَرَكَتُه أنَّه أنْزِلَ على قَلبِك بِجَعْلِ خُلُقِكَ القرآن، ومُبارَكٌ على أمَّتِكَ بأنَّهُ حَبْلٌ بَيْنَهم وبيْنَ ربَّهم وخالقِهم، لِيُوصِلَهم إليْهِ بالاعْتِصامِ به. وهو مُبارَكٌ لِكُلِّ مَنْ أَخَذَ به واتَّبَعَ نهجَهُ وتمسَّكَ بما فيه، وعَمِلَ بأَوامرِهِ ونواهيه، وسُمِّيَ ـ أَيْضًا ـ كَريمًا ومجيداً فمَنِ اتَّبَعَهُ يَصيرُ مَجيدًا.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {فَاتَّبِعُوهُ} أَيِ اعْمَلُوا بِمَا فِيهِ.[/size] [size=29.3333]لأَنَّه إذا كان لهذا الكِتابِ كلُّ هذه البَرَكَةِ، وهذِهِ الهدايةِ، فإنَّ اتِّباعَهُ يَكونُ واجِباً ولازِماً لِمَصْلَحَتِهم، فإنَّ [/size]
[size=29.3333]فيهِ النَّفعُ العَميمُ؛ وكان "فَاتَّبِعُوهُ" لِرَجاءِ الخَيْرِ مِنْهُ. [/size]
[size=29.3333]وقولُهُ: {وَاتَّقُوا} أَيِ اتَّقوا اللهَ، غَضَبَهُ وعَذابَه, وقيل: اتَّقُوا تَحْرِيفَهُ. فالاتِّباعُ لِرَجاءِ النَّفْعِ، والاتِّقاءُ لِتَجَنُّبِ ما يَتَرَتَّبُ على المُخالَفَةِ مِنْ حسابٍ وعِقابٍ وانتِقامٍ في الدنيا والآخرةِ، فالأَمْرانِ فيهِما تَرْغيبٌ في الخَيْرِ بالاتِّباعِ، وتَرْهيبٌ من المُخالفةِ باتِّقاءِ نارِ جَهَنَّم عندَ الاخْتِلافِ والمُعانَدَةِ.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أَيْ رَجاءَ أَنْ تَعُمَّكم رَحمةٌ مِنَ اللهِ ـ تَعالى ـ ورَحْمَةُ اللهِ وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ، والرَجاءُ إنّما يكونُ مِنَ العَبيدِ لِمَولاهم العظيم ـ تَبَارَكَ وتَعالى. فرَحْمَةُ اللهِ هِيَ الغايةُ المَرْجُوَّةُ مِنَ الاتِّباعِ والتَقْوى.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ تعالى: {وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} يَجوزُ أَنْ يَكونَ "كتابٌ" و"أَنْزلْناهُ" و"مباركٌ" إخْباراً عنِ اسْمِ الإِشارةِ عندَ مَنْ يُجيزُ تُعُدُّدَ الخَبَرِ مُطلَقاً، أَوْ بالتَأْويلِ عِنْدَ مَنْ لَّمْ يُجَوِّزْ ذّلكَ. ويَجوزُ أَنْ يَكونَ "أَنْزَلْناهُ" و"مُبارَكٌ" وَصْفَيْن لِـ "كتاب" عندَ مَنْ يُجيزُ تقديمَ الوَصْفِ غيرَ الصَّريحِ على الوَصْفِ الصَّريحِ. وقد تقدَّمَ تَحقيقُ ذلك في السُّورَةِ قَبْلَها في قولِهِ: {بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} سورة المائدة، الآيةُ: 54، قالَ أَبو البَقاءِ: ولو كان قُرِئَ "مباركاً" بالنَّصْبِ على الحالِ لَجازَ". ولا حَاجَةَ إلى مِثْلِ هذا. وقُدِّمَ الوَصْفُ بالإِنْزالِ لأَنَّ الكَلامَ مَعَ مُنْكِري أَنَّ اللهَ يُنْزِّلُ على البَشَرِ كِتاباً ويُرسِلُ رَسولاً. وأَمَّا وصْفُهُ بالبَرَكَةِ فهو أَمْرٌ مُتَراخٍ عَنْهم، وجِيءَ بِصَفَةِ الإِنْزالِ بِجُملةٍ فِعْلِيَّةٍ أُسْنِدَ الفِعْلُ فيها إلى ضَميرِ المُعَظِّمِ نَفسَهُ مُبالَغَةً في ذلك، بِخِلافِ ما لَوْ جِيءَ بِها اسْماً مُفْرَداً.[/size]