روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 70

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 70 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 70 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 70   فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 70 I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 14, 2013 10:19 am

وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ.
(70)
قولُهُ تعالى شأنُه: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} هو خطابٌ آخرُ مِنَ اللهِ تعالى لرسولهِ، عليه الصلاةُ والسلامُ، وَدَعْ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ، أَنْتَ وَمَنْ تَبِعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، هَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ، الذِينَ اتَّخَذُوا دِيْنَهُمْ الذي فُرِضَ عليهم وكُلِّفُوه وأُمِروا بإقامَةِ واجِباتِهِ، وهو الإسلام، لَعِباً وَسُخْرِيَةً وُهُزُواً، وَغَرَّتْهُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيا، وَلاَ تُبَالُوا بِتَكْذِيبِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ، وَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ، وَأَمْهِلُوهُمْ قَليلاً، فَإِنَّهُمْ صَائِرُونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ. فمعنى "ذَرْهُمْ" أَعْرِضْ عنْهم ولا تُبالِ بِتَكْذيبِهم واسْتِهْزائهم ولا تُقِمْ لهم وزناً في نَظَرِك، وليس المرادُ أنْ يَتْرُكَ إنْذارَهم لأنَّه قالَ لَه بعدَهُ "وَذَكِّرْ بِهِ" وإنَّما المُرادُ تَرْكُ مُعاشَرَتِهم ومُلاطَفَتِهم لا تَرْكُ إنْذارِهم وتَخويفِهم.
قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مَنْسُوخٌ، نَسَخَهُ قولُه تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} التوبة: 5. وَقِيلَ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، لأَنَّ قَوْلَهُ: "وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ" تهديدٌ، كقوله: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} الحجر: 3. وكقولِهِ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} المدثّر: 11. فإنَّ مَعْنَى قولِه: "وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ" لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ التَّبْلِيغُ وَالتَّذْكِيرُ بِإِبْسَالِ النُّفُوسِ. وَمَعْنَى "لَعِباً وَلَهْواً" أَيِ اسْتِهْزَاءً بِالدِّينِ الَّذِي دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: اسْتَهْزَءُوا بِالدِّينِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ. وَالاسْتِهْزَاءُ لَيْسَ مُسَوَّغًا فِي دِينٍ. وَقِيلَ: "لَعِباً وَلَهْواً" بَاطِلاً وَفَرَحًا. وَجَاءَ اللَّعِبُ مُقَدَّمًا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ، وقد نُظِمَتْ في قولِه:
إِذَا أَتَى لَعِبٌ وَلَهْوٌ ...................... وَكَمْ مِنْ مَوْضِعٍ هُوَ فِي الْقُرْآنِ
فَحَرْفٌ فِي الْحَدِيدِ وَفِي الْقِتَالِ ............... وَفِي الأَنْعَامِ مِنْهَا مَوْضِعَانِ
ولم يقل سبحانه اتَّخَذوا اللَّعِبَ واللَّهْو ديناً لأنهم لم يجعلوا كلَّ ما هو مِنَ اللَّعِبِ واللَّهْوِ دينًا لهم، وإنَّما هم عَمَدوا إلى أنْ يَنْتَحِلوا دِيناً فجَمَعوا لَهُ أشياءَ مِنَ اللَّعِبِ واللَّهْوِ وسمُّوها دِيناً. وجُوِّزَ أنْ يَكونَ المَعنى اتخذوا الدينَ الواجِبَ شيئاً مِنْ جِنْسِ اللَّعِبِ واللَّهْوِ كَعِبادَةِ الأَصْنامِ وتحريمِ البَحائِرِ والسَوائِبِ ونحوِ ذلكَ، أوِ اتَّخَذوا ما يَتَدَيَّنون بِهِ ويَنْتَحِلونَه بمنزلَةِ الذينِ لأهلِ الأدْيانِ، شيئاً مِنَ اللَّعِبِ واللهو. وحاصِلُهُ أنهم اتخذوا اللَّعِبَ واللَّهْوَ ديناً، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالدِّينِ هُنَا الْعِيدُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا يُعَظِّمُونَهُ وَيُصَلُّونَ فِيهِ للهِ تَعَالَى، وَكُلُّ قَوْمٍ اتَّخَذُوا عِيدَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا إِلاَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنَّهم اتَّخذوهُ صَلاةً وَذِكْرًا وَحُضُورًا بِالصَّدَقَةِ، مِثْلَ الْجُمُعَةِ وَالْفِطْرِ وَالنَّحْرِ.
قَوْلُهُ: {وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} أَيْ لَمْ يَعْلَمُوا إِلاَّ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا. فانخدعوا بمظاهرها واغتنموا ملاذَّها، وركنوا إلى زينتها، ونسوا الآخرةَ وما فيها من نعيم مقيم أو عذاب دائمٍ كلٌّ بحسب ما قدَّمَ منْ عَمَلٍ، فلما نسوا هذه الحقيقةَ، أسقطوا من حسابهم يوم الحساب والدينونة. فساءت أعمالهم.      
قولُه: {وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ} فذكر يا أيها النبيُّ وذَكِّرُوا النَّاسَ يا أيها الذين آمنوا واتبعوا الرسولَ، صلى اللهُ عليه وسلم، ذكِّروا دَائِماً بِهَذَا القُرْآنِ، وَحَذِّرُوهُمْ نِقَمَ اللهُ وَعَذَابَهُ الأَلِيمُ، لِكَيْلاَ تَفْتَضِحَ نَفْسٌ يَوْمَ القِيَامَةِ فَتَصِيرَ إلَى التَّهْلُكَةِ، وَتَكُونَ رَهْنَ العَذَابِ. فيا أيها النبيُّ وإنْ كُنْتَ مَأْمُورًا بِوَعْظِهِمْ، لا تُعَلِّقْ قَلْبَكَ بهم فإنَّهم أهلُ تَعَنُّتٍ، وإنما عليك تذكيرهم بذلك وحسب وليس عليك هداهم كما بين ذلك في غير مكان من كتابه العزيز.
قولُه: {لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها}. أي ليس لهذِه النَّفسِ ناصرٌ يَنْصُرُها مِنْ دونِ اللهِ ولا شفيعٌ يَدْفَعُ عنها، ومهمَّا قدَّمَتْ مِنْ فِداءٍ فلَنْ يُقْبَلَ منْها، فالمُرادُ بالعَدْلِ هُنا الفداءُ فهو كقولِه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرض ذَهَباً وَلَوِ افتَدى بِهِ} آل عمران: 91. والمقصودُ من هذه الآيةِ بيانُ أَنَّ وُجوهَ الخَلاصِ مسدودةٌ على تِلك النَّفْسِ، فلا وليَّ يتولّى دفعَ ذلكَ المحذورِ عنها، ولا شفيعَ يَشْفَعُ فيها، ولا فِدْيَةَ تُقْبَلُ منها، حتى لو جُعِلَتِ الدُنْيا بأَسْرِها فِدْيَةً مِنْ عَذابَ اللهِ. الْعَدْلُ الْفِدْيَةُ.
قولهُ: {أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا} وَهَؤُلاَءِ الذِينَ افْتَضَحُوا، وَصَارُوا رَهْنَ العَذَابِ، "أُبْسِلُوا" بِسَبَبِ مَا اجْتَرَحُوهُ مِنَ الذُّنُوبِ، أَيْ ذكِّر بالقرآنِ أو بيومِ الحِسابِ قبل "أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ" أي تُرْتَهَنُ وَتُسْلَمُ لِلْهَلَكَةِ، بِسَبَبِ مَا اقْتَرَفَتْهُ مِنَ الأَعْمَالِ السَيِئَةِ، وَمَا اجْتَرَحَتْهُ مِنَ الذَّنُوبِ وَالخَطَايَا. فَمَنْ أُبْسِلَ فَقَدْ أُسْلِمَ وَارْتُهِنَ. وَقِيلَ: أَصْلُهُ التَّحْرِيمُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: هَذَا بَسْلٌ عَلَيْكَ أَيْ حَرَامٌ، فَكَأَنَّهُمْ حَرَّمُوا الْجَنَّةَ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الْجَنَّةُ. قَالَ الأعشى ميْمون:
أَجَارَتُكُمْ بَسْلٌ عَلَيْنَا مُحَرَّمٌ ................... وَجَارَتُنَا حِلٌّ لكم وحليلُها
فالإبسالُ: التحريمُ، وَالإِبْسَالُ: تَسْلِيمُ الْمَرْءِ لِلْهَلاكِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ، يقولون: "أَبْسَلْتُ وَلَدِي" أي أَرْهَنْتُهُ، قَالَ عَوْفُ بْنُ الأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرٍ:
وَإِبْسَالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ ............................ بَعَوْنَاهُ وَلا بِدَمٍ مُرَاقِ
قولُه: "بَعَوْنَاهُ" بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَعْنَاهُ جَنَيْنَاهُ. وَالْبَعْوُ الْجِنَايَةُ. وَكَانَ حَمَلَ عَنْ غَنِيٍّ لِبَنِي قُشَيْرٍ دَمَ ابْنَيِ السُّجَيْفَةِ فَقَالُوا: لا نَرْضَى بِكَ، فَرَهَنَهُمْ بَنِيهِ طَلَبًا لِلصُّلْحِ. وَأَنْشَدَ النَّابِغَةُ (الْجَعْدِيُّ):
وَنَحْنُ رَهَنَّا بِالأُفَاقَةِ عَامِرًا ............. بِمَا كَانَ فِي الدَّرْدَاءِ رَهْنًا فَأُبْسِلا
الدَّرْدَاءُ: كَتِيبَةٌ كَانَتْ لَهُمْ.
وقالَ الرَّاغبُ: البَسْلُ: ضَمُّ الشيءِ ومَنْعُه، ولِتَضَمُّنِهِ معنى الضَمِّ اسْتُعيرَ لِتَقَطُّبِ الوَجْهِ فقيلَ: هو: باسِلٌ ومُتْبَسِلُ الوَجْهِ، ولِتَضْمينِه معنى
المَنْعِ قيلَ للمُحَرَّم والمُرتَهَنِ: "بَسْلٌ". ثمَّ قالَ: والفرقُ بين الحرامِ والبَسْلِ أنَّ الحرامَ عامٌّ فيما كان ممنوعاً مِنْهُ بالقَهْرِ والحُكْمِ، والبَسْلُ هو المَمنوعُ بالقَهْرِ، وقيلَ للشجاعةِ بَسالَةٌ: إمَّا لِما يُوْصَفُ بِهِ الشُجاعُ مِنْ عُبوسِ وجْهِهِ، أوْ لِكونِه مُحَرَّماً على أَقْرانِهِ، أو لأنََّه يَمْنَعُ ما في حوزتِه وما تحتَ يَدِهِ مِنْ أعدائه، والبُسْلَةُ أُجْرَةُ الراقي، مأخوذةٌ مِنْ قولِ الراقي: أَبْسَلْتُ زيداً أيْ: جَعَلْتُه محرَّماً على الشيطانِ أوْ جَعَلْتُه شجاعاً قويّاً على مدافعتِهِ.
قولُهُ: {لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ} أي
سَيَكُونُ شَرَابُهُمْ، يَوْمَ القِيَامَةِ، مِنْ مَاءٍ شَدِيدِ الحَرَارَةٍ "حَمِيمٍ"، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ. وَالْحَمِيمُ الْمَاءُ الْحَارُّ، وَفِي التَنْزيلِ {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} الحج، الآية: 19. و{يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} الرحمن: 44. وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ لاَ يَكُونُ لِهَذِهِ النَّفْسُ المُذْنِبَةِ شَفِيعٌ وَلاَ وَلِيٌّ يَشْفَعُ لَهَا أَوْ يَنْصُرُهَا مِنْ دُونِ اللهِ، وَإِنَّها إذَا بَذَلَتْ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الفِدَاءِ "العَدْلِ"، لِتَنْجُوَ مِنَ العَذَابِ، فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهَا ذَلِكَ.
قولُه تعالى: {اتخذوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} "اتخذوا" يجوزُ أنْ تتَعدّى لواحدٍ على أنَّها بمعنى اكْتَسَبوا وعملوا، و"لهواً ولعباً" على هذا مفعولٌ مِنْ أَجْلِهِ أي: اكْتَسَبوهُ لأَجْلِ اللَّهْوِ واللَّعِبِ. ويجوز أن تتعدّى إلى اثنينِ أَوَّلُهُما "دينَهم" وثانيهما "لعباً ولهواً" ويظهر من بعض كلام الزمخشري وكلامِ ابْنِ عطيَّةَ أنَّ "لعباً ولهواً" هو المفعولُ الأوَّلُ، و"دينَهم" هو المفعول الثاني. قال الزمخشري، أي: دينَهم الذي كان يجبُ أنْ يَأْخُذوا بِهِ لَعِباً ولهْواً، وذلك أنَّ عبادَتَهم وما كانوا عليه من تَبْحيرِ البَحائرِ وتَسْويبِ السوائبِ مِنْ بابِ اللهوِ واللَّعِبِ، واتِّباعِ هَوى النَّفسِ وما هو مِنْ جِنْسِ الهَزْلِ لا الجَدِّ، أَوْ اتَّخَذوا ما هو لَعِبٌ ولهْوٌ مِنْ عِبادةِ الأَصْنامِ دِيناً لهم، أو اتخذوا دِينَهم الذي كُلِّفُوهُ وهو دِينُ الإِسلام لَعِباً ولهواً، حيثُ سَخِروا بِه، فظاهرُ تقديرِه الثاني يدلُّ على ما ذكرنا. وقال ابْنُ عطيَّةَ: وأضافَ الدينَ إليهمْ على مَعنى أنهم جَعَلوا اللَّعِبَ واللَّهْوَ دِيناً، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكونَ المعنى: اتَّخَذوا دينَهم الذي كان يَنْبَغي لهم لَعِباً ولهْواً، فتَفسيرُه الأَوَّلُ هو ما ذكرناهُ عنْه. قال الشيخُ أبو حيّان التوحيدي: وهذا الذي ذكراه إنَّما ذَكراهُ تَفسيرُ مَعنًى لا إعرابٌ، وكيف يَجْعلان النَكِرَةَ مفعولاً أَوَّلَ والمعرفةَ معفولاً ثانياً مِنْ غيرِ داعيةٍ إلى ذلك مَعَ أنَّهُما مِنْ أَكابِرِ أَهْلِ هذا الشأنِ، وانْظُرْ كيفَ أَبْرزا ما جَعلاهُ مفعولاً أَوَّلَ مَعرفةً، وما جَعلاهُ ثانياً نَكِرَةً في تَركيبِ كلامِهِما، ليَخِدوا على كلامِ العَرَبِ، فكيف يُظَنُّ بهما أنْ يَجعلا النَكِرَةَ مُحَدَّثاً عَنْها والمَعْرِفَةَ حَديثاً في كلامِ اللهِ تعالى؟
وقولُه: {وَذَكِّرْ بِهِ} أي بالقرآن، يَدلُّ لَه قولُه: {فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ} ق: 45. وقيلَ: يَعودُ على حسابهم. وقيلَ: على الذين، وقيل: هذا ضَميرٌ يُفسِّرُه ما بعدَهُ.
وقوله: {وَغَرَّتْهُمُ الحياة} هي جملةٌ مُستأنفةٌ أو عطفٌ على صلةِ الذين، أيْ: "الذي اتَّخَذوا" و"غَرَّتْهُم"، وقد تقدَّم في آخر سورة آل عمران معنى "الغرور" مفَصَّلاً، وقيلَ "غرَّتهم" هنا" مِنَ "الغَرِّ" بفَتْحِ العينِ، أيْ: مَلأتْ أَفْواهَهُم وأَشْبَعَتْهُمْ، وعليْه قولُ الشاعر:
ولمَّا التَقَيْنا بالحُلَيْبَةِ غَرَّني ..................... بمعروفِهِ حتى خرجْتُ أفوقُ
قولُهُ: {أَن تُبْسَلَ} المشهورُ، بل الإِجماعُ، على أنَّهُ مَفعولٌ مِنْ أَجْلِهِ وتقديرُهُ: مَخافَةَ أَنْ تُبْسَلَ، أو كَراهَةَ أَنْ تُبْسَلَ، أوْ أَنْ لا تُبْسَلَ، وقال الشيخ أبو حيان، بعدَ أنْ نَقَلَ هذا: ويجوزُ عنْدي أنْ يَكونَ في مَوْضِعِ جَرٍّ على البَدَلِ مِنَ الضَميرِ، والضَميرُ مُفَسَّرٌ بالبَدَلِ، ويُضْمَرُ الإِبْسالُ لما في الإِضمارِ مِنَ التَفْخيمِ، كما أَضْمَروا ضَميرَ الأمرِ والشأنِ، والتقديرُ: وذكِّرْ بارتهانِ النفوسِ وحَبْسِها بما كَسَبَتْ، كما قالوا: "اللهمَّ صَلِّ عَلَيْهِ الرؤوفِ الرحيمِ" وقد أجازَ ذلك سِيبوَيْهِ فقال: فإنْ قلتَ: ضَرَبْتُ وضَربوني قومَك" نَصَبْتَ، إلاَّ في قولِ مَنْ قالَ: أَكَلوني البراغيثُ، أوْ تَحْمِلُه على البَدَلِ مِنَ المُضْمَرِ، فإنْ قلتَ: "ضَرَبَني وضَرَبْتُهم قومُك" رَفَعْتَ على التقديم والتأخيرِ، إلاَّ أَنْ تَجْعَلَ هَهُنا البَدَلَ كما جعلتَه في الرَّفعِ. وقدْ رُوِيَ قولُه: (.. فاستاكَتْ به عُودِ إسْحِلِ). بِجَرِّ "عُودِ" على البَدَلِ مِنَ الضَميرِ.
أمَّا تفسيرُ الضميرِ غيرِ المَرفوعِ بالبَدَلِ فهو قولُ الأَخْفشِ وأَنْشَدَ عليْه هذا العَجُزَ وأَوَّلُه:
إذا هي لم تَسْتَكْ بعودِ أراكةٍ ............ تُنُخَّلَ فاستاكَتْ به عودِ إسحلِ
والبيتُ لطُفَيل الغَنَويّ، يُروى برَفْع "عودُ" وهذا هو المشهورُ عندَ النُّحاةِ، ورَفعُهُ على إعمالِ الأوَّلِ وهو "تُنُخِّلَ" وإهمالِ الثاني وهو "فاستاكَتْ" فأَعطاهُ ضَميرَه، ولو أَعْمَلَه لقال: "فاستاكَتْ بعودِ إِسْحِلِ" ولا يمكنُ لانْكسار البَيْتِ، والروايةُ الأُخْرى التي اسْتَشْهَدَ بها ضَعيفةٌ جِدّاً لا يَعْرِفُها أَكْثُرُ المُعْرِبين، ولو اسْتَشْهَدَ بما لا خلافَ فيهِ كقولِ الفرزدق:
على حالةٍ لو أنَّ في القومِ حاتِماً ............. على جُودِهِ لَضَنَّ بالماءِ حاتمِ
بجرِّ "حاتمِ" بَدَلاً مِنَ الهاءِ في "بجودِه" والقوافي مجرورَةٌ لَكانَ أَوْلَى.
وقوله: {بِمَا} متعلّقٌ ب "تُبْسَل" أيْ: بسببِ، و"بَسَلَ": تكونُ أحياناً حَرْفَ جَوابٍ ك "أَجَلْ"، واسمَ فعل بمَعنى اكْتَفِ ك "بَسّ" و"ما" مَصْدَرِيَّةٌ أو بمعنى الذي، أو نَكِرَةٌ، وأَمْرُها واضِحٌ.
قولُه: {لَيْسَ لَهَا} الظاهرُ أنَّ هذه الجُملَةَ مُستأنفةٌ سِيقَتْ للإِخبارِ بذلك. ويمكن أنْ تكونَ في محَلِّ رَفْعٍ صِفَةً ل "نفسٌ" أو أنَّها في محَلِّ نَصْبٍ حالاً مِنَ الضَميرِ في "كَسَبَتْ".
قوله: {مِن دُونِ} مِنْ: الأظهرُ أنها لابتداءِ الغايةِ، أو زائدةٌ، وإذا كانت لابْتِداءِ الغايةِ فتتعلَّق بحالٍ مِنْ "وليّ" لأنها لو تأخَّرَتْ لكانَتْ صفةً لَه، فتتعلَّقُ بمحذوفٍ هو حالٌ. أو تتعلَّقُ بخبرِ "ليسَ" المحذوف أيضاً، وعلى هذا فيكون "لها" مُتَعلِّقاً بمحذوفٍ على البَيانِ. و{مِن دُونِ الله} فيه حذفُ مضافٍ أيْ: مِنْ دونِ عذابِهِ وجَزائه.
قولُهُ: {كُلَّ عَدْلٍ} مَنْصوبٌ على المَصْدَرِيَّةِ لأنَّ "كلَّ" بحسبِ ما تُضافُ إليْه، هذا هو المشهورُ، ويجوزُ نَصْبُهُ على المفعولِ بِه أيْ: وإنْ تَفْدِ يَدُاها كُلَّ ما تَفْدِي بِهِ لا يُؤخَذُ، فالضميرُ في "لا يُؤْخَذُ" على الأوَّلِ: عائدٌ على المعدولِ بِهِ المفهومِ مِنْ سِياقِ الكَلامِ، ولا يَعودُ إلى المَصدَرِ، لأنَّه لا يُسْنَدُ إليْهِ الأَخْذُ، وأَمَّا في {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} البقرة: 48. فمعنى المَفْدِيِّ بِهِ فيَصِحّ. أي: إنَّه إنما أُسْنِدَ الأخْذُ إلى العدلِ صريحاً في البقرة، لأنَّه ليس المرادُ المصدرَ بلِ الشيءُ المَفْدِيُّ به، وعلى الثاني يَعودُ على "كل عدل" لأنَّه ليس مَصْدَراً فهو كآيَةِ البَقَرةِ.
قولُه: {أولئك الذين أُبْسِلُواْ} يجوزُ أنْ يَكونَ "الذين" خبراً و"لهم شراب" خبراً ثانياً، ويجوزُ أنْ يَكونَ "لهم شراب" حالاً: إمَّا مِنَ الضَميرِ في "أُبْسِلوا" وإمَّا مِنَ الموصولِ نَفْسِهِ، و"شرابٌ" فاعلٌ لاعْتِمادِ الجارِّ قبْلَهُ على ذي الحالِ، ويجوزُ أَنْ يَكونَ "لهم شراب" مُسْتَأْنَفاً. ويجوزُ أنْ يكونَ "الذين" بَدَلاً مِنْ "أولئك" أوْ نعتاً لهم فيتعيَّنُ أنْ تَكونَ الجُملةُ مِنْ "لهم شرابٌ" خبراً للمُبتَدَأِ، فتَحَصَّل في المَوصولَ أيْضاً ثلاثةُ أَوْجُهٍ: كونُه خبراً أوْ بَدَلاً أوْ نَعْتاً، فجاءتْ مَعَ ما قبْلَها سِتَةُ أَوْجُهٍ في هذِه الآيةِ. و"شرابٌ" يجوزُ رَفعُه مِنْ وجهين: الابتدائيَّةِ والفاعليَّةِ عندَ الأَخْفَشِ، وعَنْدَ سيبويْهِ أيضاً على أنْ يَكونَ "لهم" هو خبرَ المبتَدَأِ أوْ حالاً حيثُ جَعلناهُ حالاً، و"شراب" مُرْتَفِعٌ بِه لاعْتِمادِهِ على ما تَقَدَّمَ، و"من حميمٍ" صفةٌ ل "شراب" فهو في محلِّ رَفْعٍ ويَتَعَلَّقُ بمحذوفٍ. و"شراب" فَعَالٌ بمعنى مَفْعولٍ، وفعالٌ بمعنى مفعول كطعام بمعنى مطعوم، وشراب بمعنى مشروب، لا يَنْقاسُ، فلا يُقالُ: أَكَالٌ بمعنى مَأكول، ولا ضَراب بمعنى مضروب. والإِشارة ب "ذلك" إلى "الذين اتخذوا"، فلذلك أتى بصيغة الجَمعِ، وفي قولِ ابْنِ عَطيَّةَ وأبي البَقاءِ إلى الحَبْسِ المفهومِ مِنْ قولِهِ: "أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ" إذِ المُرادُ بِهِ عُمومُ الأنْفُسِ فلِذلكَ أُشيرَ إليْه بالجَمْعِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 70
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 8
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 24
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 41
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 56
» فيض العليم ... سورة الأنعام، الآية: 73

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: