قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ
(58)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} يخاطبُ اللهُ تعالى رسولَه الكريم عليه وآله أفضلُ الصلاةِ وأَكْمَلُ التَسليم، آمراً له بأنْ يردَّ عليهم فيما كانوا قد طلبوه من تعجيل العذاب الذي توعدهم به ربُّهم، أن قل يا محمَّدُ لو أَنَّ ما تطلبون مِنَ تعجيلِ الْعَذَابِ في قدرتي ومُكْنَتي لأَنْزَلْتُهُ بِكُمْ حَتَّى يَنْقَضِيَ الأَمْرُ إِلَى آخِرِهِ. وَالاسْتِعْجَالُ: تَعْجِيلُ طَلَبِ الشَّيْءِ قَبْلَ وَقْتِهِ. فلذلك كانتِ العَجَلَةُ مذمومةً، والإسراعُ تقديمُ الشيءِ في وقتِهِ فلِذلك كانتِ السُرْعةُ محمودةً والمعنى ما تطلبونَ تعجيلَه لو أنَّ إنْزالَه بِكمْ في مَقدوري وفي وُسعِي.
قولُهُ: {لَقُضِيَ الأَمْرُ بيْني وبينَكم} أيْ لَقُضِى اللهُ الأمْرَ بينَنا بأنْ يُنْزِلَه اللهُ سبحانَه بِكمْ بِسُؤالي لَه وطَلَبي منه ذلكَ أوْ لو كانَ العذابُ عِندي وفي قَبْضَتي لأَنْزَلْتُهُ بِكم وعندَ ذلك يُقْضَى الأمرُ بيْني وبينَكم.
وفي بِناءِ الفِعْلِ "قُضيَ" للمَفعولِ مِنَ الإيذانِ بتعينِ الفاعِلِ الذي هُو
اللهُ جَلَّتْ عَظَمَتُه، ومن تهويلِ الأَمْرِ ومُراعاةِ حُسْنِ الأَدَبِ ما لا يخفى.
قولُه: {وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} أيْ بالمشركين وبالوقتِ الذي يَنْزِلُ فيهِ عذابُهم وبما تَقْتَضيه مشيئتُه من تأخيرِهِ اسْتِدْراجاً لهم وإعذاراً إليهم.
وفي هذا بلاغٌ للخلقِ جميعاً بأنَّ أَحْداثَ الكونِ إنَّما يُجريها الحَقُّ سبحانه بإرادتِه وبمواقيتَ لا يَعلَمُها إلاَّ هو جلَّ وعَلا وليس لمخلوقٍ كائناً مَنْ كان أن يتدخَّل فيها، أو أن يكون له تأثيرٌ فيها تقديماً أو تأخيراً أو غير ذلك.
وقوله تعالى: {والله أَعْلَمُ بالظالمين} مِنْ بابِ إقامةِ الظاهرِ مقامَ المُضْمَرِ تَنْبيهاً على اسْتِحْقاقِهم ذلك بِصِفَةِ الظُلْمِ، إذ لو جاءَ على الأصلِ لقالَ: واللهُ أَعلَمُ بِكمْ. والجملةُ مُقرِّرَةٌ لما أَفادتْه الجُملةُ الامْتِناعيَّةُ مِنِ انْتِفاءِ كونِ أَمْرِ العَذابِ مُفوَّضاً إليْه عليْه الصلاةُ والسلامُ المُسْتَتْبِعِ لانْتِفاءِ قَضاءِ الأمرِ وتعليلٌ لَه. وقيلَ: هي في معنى الاسْتِدْراكِ، كأنَّه قيل: لو قَدرتُ أَهلكتُكم ولكنَّ اللهَ تعالى أَعْلمُ بمن يُهلِكُ مِنْ غيرِهِ ولَهُ حِكْمَةٌ في عدمِ التَمْكين مِنْه، وأيّاً ما كان فلا حاجةَ إلى حذفِ مُضافْ، وإنْ زَعَمَ بعضُهم ذلك، وقال، التَقديرُ: واللهُ أعلمُ بوَقْتِ عقوبةِ الظالمين