وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (110)
قولُه ـ تعالى جِدُّه: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ} كما فعلَ بشيرٌ بِرِفاعَةَ أوْ طُعمةَ باليَهوديِّ، وهذا مِنْ تمامِ القِصَّةِ السابِقةِ، والمُرادُ بالسوءِ القبيحُ الذي يَسوءُ بِهِ غيرَه. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضيَ اللهُ عنهما: عَرَضَ اللَّهُ التَّوْبَةَ عَلَى بَنِي أُبَيْرِقٍ بِهَذِهِ الْآيَةِ، بأَنَّ "مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً" أَيْ مَنْ يَسْرِقَ أو "يَظْلِمْ نَفْسَهُ" بِالشِرْكِ ثمَّ "يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ" يَعْنِي بِالتَّوْبَةِ، فَإِنَّ الِاسْتِغْفَارَ بِاللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ لَا يَنْفَعُ.
قولُه: {يَجِدِ اللهَ غفورًا رحيمًا} يَجِدِ اللهَ: الوجودُ غايةُ الحَديثِ، والعاصي لا يَطلُبُ غيرَ الغُفرانِ، ولكنَّ اللهَ ـ سبحانَه ـ يُوصِلُه إلى النهايةِ بفضلِه ـ إذا شاء، فسُنَّتُه تحقيقُ ما فوقَ المَأمولِ لِمَنْ رَجاهُ تباركت أسماؤه وجَلَّتْ صفاتُه، "غفوراً" لِذُنوبِه كائنةً ما كانتْ "رحيمًا" مُتفضِّلًا عليه، وفيه مَزيدُ تَرغيبٍ لِطُعمةَ وقومِه في التوبةِ والاسْتِغفارِ لِما أنَّ مُشاهدةَ التائبِ لآثارِ المَغفِرةِ والرَّحمةِ نعمةٌ عظيمة.
قَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي شَأْنِ وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ فقد أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَقَتَلَ حَمْزَةَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وقال: إِنِّي لَنَادِمٌ فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَنَزَلَ: "وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ" الْآيَةَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْعُمُومُ وَالشُّمُولُ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ. وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ قَالَا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مَنْ قَرَأَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ (النِّسَاءِ) ثُمَّ اسْتَغْفَرَ غُفِرَ لَهُ والآيتين هما: "وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً". و{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً}. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ حَدِيثًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نَفَعَنِي اللَّهُ بِهِ مَا شَاءَ، وَإِذَا سَمِعْتُهُ مِنْ غَيْرِهِ حَلَّفْتُهُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ "وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً".
قولُهُ ـ تعالى: {ومَنْ يَعملْ يَجدْ} يَعملْ: فعلُ الشَرْطِ مجزومٌ، و"يَجِدْ" جوابُه، وهو مجزومٌ كذلك.