عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 91 الأربعاء يونيو 05, 2013 6:45 am | |
| سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً.
(91) قَوْلُهُ ـ تَعَالَى شأنُه: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ} فِئَةٌ أخرى من المُنَافِقين، يُظْهِرُونَ لِلنَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ الإِسْلاَمَ، لِيَأْمَنُوا بِذَلِكَ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ وَذَرَارِيهِمْ، وَيُصَانِعُونَ الكُفَّارَ فِي البَاطِنِ، فَيَعْبُدُونَ مَعَهُمْ مَا يَعْبُدُونَ لِيَأْمَنُوا بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَهُمْ فِي البَاطِنِ مَعْ أُولَئِكَ الكفار. قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها} وَكُلَّمَا دُعُوا إلى الشِّرْكِ "الفِتْنَةِ" أَوْغَلُوا فِيهِ وَانْهَمَكُوا، وَتَحَوَّلُوا إلَيهِ أَقْبَحَ تَحوُّلٍ إلى الْكُفْرِ. وَقِيلَ: أَيْ سَتَجِدُونَ مَنْ يُظْهِرُ لَكُمُ الصُّلْحَ لِيَأْمَنُوكُمْ، وَإِذَا سَنَحَتْ لَهُمْ فِتْنَةٌ كَانَ مَعَ أَهْلِهَا عَلَيْكُمْ. و"أُرْكِسُوا فِيها" أَيِ انْتَكَسُوا عَنْ عَهْدِهِمُ الَّذِينَ عَاهَدُوا. وَقِيلَ: أَيْ إِذَا دعوا إلى الشرك رجعوا وعادوا إليه.قولُه: "فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً" أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بِقِتَالِهِمْ هؤلاء إلى أنْ يَعْتَزِلُوا القِتَالَ، وَيَقْبَلُوا بِالصُّلْحِ وَالمُهَادَنَةِ، وَيُلْقُوا إلى المُسْلِمِينَ زِمَامَ المُسَالَمَةِ وَالمُهَادَنَةِ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِلمُؤْمِنِينَ سُلْطَاناً وَاضِحاً عَلَى قِتَالِهِمْ.وهذه الآيةُ مقابِلةٌ للآيةِ السابقة، والتقابلُ بينهما إمَّا بالإيجابِ والسَلبِ، وإمَّا بالعَدَمِ والمُلْكةِ لأنَّ إحداهما عَدَميَّةٌ والأُخرى وُجوديَّةٌ وليس بينَهما تَقابُلُ التَضادِّ، ولا تَقابلُ التَضايُفِ لأنَّهما لا يُوجدان إلَّا بيْن أَمريْن وُجوديَّيْن، فقولُه ـ سبحانه: "فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ" مقابلٌ لقولِه ـ تعالى ـ في الآيةِ السابقةِ: {فَإِنِ اعتزلوكم}، وقولُه ـ جَلَّ وعَلا ـ هنا: "وَيُلْقُواْ" مقابلٌ لقولِه ـ عَزَّ شأنُه ـ هناك: {وَأَلْقَوْاْ}، وقولُه ـ جَلَّ جلالُه ـ في هذه: "وَيَكُفُّواْ" مقابلٌ لقولِه ـ عَزَّ مِنْ قائلٍ ـ في تلك: {فَلَمْ يقاتلوكم}، والواوُ لا تَقتَضي الترتيب، فالمُقدَّمُ مُرَكَّبٌ مِنْ ثلاثةِ أجزاءٍ في الآيتَيْن، وهي في الآيةِ الأولى الاعتِزالُ وعدمُ القتالِ وإلقاءُ السَلَمِ، فبِهذه الأجزاءِ الثلاثةِ تَمَّ الشَرْطُ، وجزاؤه عدمُ التَعَرُّضِ لهم بالأخذِ والقتْلِ كما يُشيرُ إليْهِ قولُه ـ تعالى: {فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} النساء: 90. وفي الآية الثانيةِ عدمُ الاعتِزالِ وعدمُ إلقاءِ السَلَمِ وعدمُ الكَفِّ عنِ القِتالِ، فبهذه الأجزاءِ الثلاثةِ تَمَّ الشرط، وجزاؤه الأَخْذُ والقَتْلُ المُصرَّحُ به بقولِه ـ سبحانَه: {فَخُذُوهُمْ واقتلوهم}. ومِنْ هذا يُعلَمُ أنَّ "وَيَكُفُّواْ" بمعنى لم يكفوا عطفٌ على المَنفيِّ لا على النَفيِ بِقرينةِ سُقوطِ النُونِ الذي هو علامةُ الجَزْمِ، وعطفُه على النفيِ والجزْمِ بأنْ الشَرطيَّةِ لا يَصِحُّ لأنَّه يَستلزَمُ التَناقُضَ لأنَّ معنى {فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ} إنْ لمْ يَكفُّوا، وإذا عُطِفَ "وَيَكُفُّواْ" على النفيِ يَلزَمُ اجْتِماعُ عدمِ الكَفِّ والكَفُّ، وكلامُ اللهِ تعالى مُنَزَّهٌ عنه، وكذا لا يَصِحُّ كونُ قولِه ـ سبحانه: "وَيَكُفُّواْ" جملةً حاليَّةً أو استئنافيَّةً بيانيَّةً أوْ نَحْوِيَّةً لاسْتِلْزامِ كلٍّ منهما التَنَاقُضَ معَ أنَّه يَقتضي ثُبوتَ النونِ في "يَكُفّوا" على ما هو المعهودُ في مِثْلِهِ، وأبو حيَّان جعلَ الجزاءَ في الأوّلِ: مُرتَّباً على شيئين وفي الثانية: على ثلاثة، والسِرُّ في ذلك الإشارةُ إلى مزيدِ خَباثةِ هؤلاءِ الآخرين.وفي أسبابِ النُزولِ قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ تِهَامَةَ طَلَبُوا الْأَمَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَأْمَنُوا عِنْدَهُ وَعِنْدَ قَوْمِهِمْ. مُجَاهِدٌ: هِيَ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ في نعيم ابن مَسْعُودٍ كَانَ يَأْمَنُ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هَذَا فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَسَدٍ وَغَطَفَانَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَأَسْلَمُوا ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى دِيَارِهِمْ فَأَظْهَرُوا الْكُفْرَ.قولُه تعالى: {سَتَجِدُونَ} السين للاسْتقبال على أصلِها. وقالوا: ليست للاستقبال هنا بلْ للدَّلالةِ على الاستِمرارِ، وليس بظاهر. وقرأ عبدُ الله: "رُكِسوا" فيها ثلاثياً مخفَّفًا، ونَقلَ ابْنُ جِنّي عنْه "رُكِّسُوا" بالتشديد.وقولُه: {وَيَكُفُّواْ} جملةٌ حاليَّةٌ أو اسْتِئنافيَّةٌ بيانِيَّةٌ | |
|