عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 71 الأحد مايو 26, 2013 2:25 pm | |
| يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا.
(71) قَوْلُهُ ـ تَعَالَى شأنُه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَخْذِ الحَذَرِ مِنَ الأَعْدَاءِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ التَّعَرُّفَ عَلَى أَحْوَالِ هَؤُلاءِ الأَعْدَاءِ، وَمَعْرِفَةِ أَرْضِهِمْ، وَعَدَدِهِمْ، وَسِلاَحِهِمْ، وتَحالُفاتِهِمْ، وَثَرواتِهِمْ ووضعَهم الاقتصادي والاجتماعي، إلى آخرِ ما هنالك مِنْ معلوماتٍ ضَروريَّةٍ للتَعَرُّفِ على الثَغَراتِ التي مِنَ المُمكِنِ اسغلالُها والنُّفوذُ منْها لإحرازِ النَّصرِ عليْه، فمعرِفةُ العدوِّ معرفةً جيِّدةً عامل أساسيٌّ مِنْ عوامِلِ النصرِ، كَمَا يَسْتَلْزِمُ التَّأهُّبَ لَهُمْ، وَإِعْدَادَ الرِّجَالِ لِلْحَرْبِ وَتَدْرِيبَهُمْ وَتَسْلِيحَهُمُ، وَجَمْعَ السِّلاَحِ وَالمُؤَنِ وَوَسَائِلِ النَّقْلِ وَالرُّكُوبِ، وَالاسْتِعْدَادَ لِلنَّفِيرِ لِلْقِتَالِ، حِينَمَا يَدْعُو دَاعِيَ الجِهَادِ، وَالخُرُوجَ جَمَاعَاتٍ مُتَلاَحِقَةً "ثُبَاتٍ"، أَوْ خُرُوجَ المُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ جَمِيعاً، حَسْبَ حَالِ العَدُوِّ، وَخَطَرِهِ وَقُوَّتِهِ، وَالخَطَرِ الذِي يَتَهَدَّدُ الأمَّةَ.وهو خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمْرٌ لَهُمْ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْخُرُوجِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَحِمَايَةِ الشَّرْعِ. وَوَجْهُ النَّظْمِ وَالِاتِّصَالِ بِمَا قَبْلُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ طَاعَةَ اللَّهِ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ، أَمَرَ أَهْلَ الطَّاعَةِ بِالْقِيَامِ بِإِحْيَاءِ دِينِهِ وَإِعْلَاءِ دعوتِه، وأمرَهم أَلَّا يَقْتَحِمُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ عَلَى جَهَالَةٍ حَتَّى يَتَحَسَّسُوا إِلَى مَا عِنْدَهُمْ، وَيَعْلَمُوا كَيْفَ يَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ، فَذَلِكَ أَثْبَتُ لَهُمْ فَقَالَ: "خُذُوا حِذْرَكُمْ" فَعَلَّمَهُمْ مُبَاشَرَةَ الْحُرُوبِ. وَلَا يُنَافِي هَذَا التَّوَكُّلَ بَلْ هُوَ مَقَامُ عَيْنِ التَّوَكُّلِ. خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْحَذَرَ يَدْفعُ ويَمنَعُ مِنْ مَكايدِ الْأَعْدَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ مَا كَانَ لِأَمْرِهِمْ بِالْحَذَرِ مَعْنًى. ولَيْسَ فِي الآيةِ دليلٌ على أنَّ الحذَرَ يَنفعُ مِنَ الْقَدَرِ شَيْئًا، وَلَكِنَّا تُعُبِّدْنَا بِأَلَّا نُلْقِيَ بِأَيْدِينَا إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ ((اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ)). وَإِنْ كَانَ الْقَدَرُ جَارِيًا عَلَى مَا قُضِيَ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ، فَالْمُرَادُ مِنْهُ طُمَأْنِينَةُ النَّفْسِ، لَا أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ مِنَ الْقَدَرِ وكذلك أخْذُ الحَذَرِ. والدليلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى أَصْحَابِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنا} التوبة: 51. فَلَوْ كَانَ يُصِيبُهُمْ غَيْرُ مَا قَضَى عَلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْكَلَامِ مَعْنًى. قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} الْمَعْنَى: انْهَضُوا لِقِتَالِ الْعَدُوِّ. و"ثُباتٍ" كِنَايَةٌ عَنِ السَّرَايَا، و"أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً" مَعْنَاهُ الْجَيْشُ الْكَثِيفُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَلَا تُخْرَجُ السَّرَايَا إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ لِيَكُونَ مُتَجَسِّسًا لَهُمْ، عَضُدًا مِنْ وَرَائِهِمْ، وَرُبَّمَا احْتَاجُوا إِلَى دَرْئِهِ. وَقِيلَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا} وَبِقَوْلِهِ: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ}، وَلَأَنْ يَكُونَ (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا) مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ: "فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً" وَبِقَوْلِهِ: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} أَوْلَى، لِأَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ تَقَرَّرَ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَمَتَى سَدَّ الثُّغُورَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أُسْقِطَ الْفَرْضُ عَنِ الْبَاقِينَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَتَيْنِ جَمِيعًا مُحْكَمَتَانِ، إِحْدَاهُمَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى تَعَيُّنِ الْجَمِيعِ، وَالْأُخْرَى عِنْدَ الِاكْتِفَاءِ بِطَائِفَةٍ دون غيرها.قولُهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُم} حِذْركم: الَحذَرُ والحِذْرُ لغتان بمعنىً. قيل: ولم يُسْمَعْ في هذا التركيبِ إلاّ: "خُذْ حِذْرك" بالكسر لا "حَذَرك". وقوله: {فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} ثُباتٍ: نصبٌ على الحالِ، وكذا "جميعاً"، ولم يُقْرأْ إلَّا بكسر التاء. وهذه هي اللغة الفصيحةُ. وبعضُ العرب ينصِبُ جمعَ المؤنثِ السالمِ، إذا كان معتلِّ اللامِ معوَّضًا منها تاءُ التأنيثِ بالفتحةِ، وأنشد الفراءُ لأبي ذُؤيبٍ الهذلي:فلمَّا جَلاها بالأُيام تَحيَّزَتْ .................... ثُباتاً عليها ذُلُّها واكتئابُهاوقرئ شاذاً: "ويَجْعلون لله البناتَ" بالفتحة. وحُكِي: "سمعتُ لغاتَهم" وزَعمَ الفارسيُّ أنَّ الوارِدَ مِن ذلك مفردٌ رُدَّتْ لامُه؛ لأنَّ الأصلَ: "لُغَوَة" فلمَّا رُدَّتِ اللامُ قُلِبَتْ ألفاً، وقد رُدَّ على الفارسي بأنَّه يَلزمُه الجَمْعُ بيْن العِوَضِ والمَعَوَّضِ منه، ويَرُدُّ عليه أيضاً القراءةُ المتقدِّمةُ في "البناتَ" لأنَّ المُفردَ منْه مَكسورُ الفاءِ.و"ثباتٍ" جمعُ ثُبَة ووزنُها في الأصلِ: فُعَلَةٌ كَحُطَمَةٍ، وإنَّما حُذِفتْ لامُها وعُوِّضَ منْها تاءُ التأنيثِ، وقالوا إنَّ أصلَ لامِها واوٌ وحجَّتُهم في ذلك أنَّها مُشتقَّةٌ مِن ثَبا يَثْبوا كَخَلا يَخْلو أي: اجتمع، وقيل إن أصلَها ياءٌ وحجتُهم أنَّها مشتقةٌ من ثَبَيْتُ على الرجلِ إذا أَثنَيْتُ عليْه كأنَّكَ جَمَعتَ محاسِنَه، وتُجمَعُ بالألفِ والتاءِ وبالواوِ والنونِ، ويَجوزُ في فائِها حين تُجمَعُ على "ثُبِين" الضمُّ والكسرُ، وكذا كلُّ ما أشبهَها نحو: "قُلَّةٍ" و"بُرَّةٍ" ما لم تُجْمَعْ جمعَ تكسيرٍ. والثُّبَةُ: الجماعةُ مِنَ الرِّجالِ تَكونُ فَوْقَ العَشَرَةِ. وقيل: الاثنانِ والثَلاثةِ، وتُصَغَّرُ على "ثُبَيَّةٍ" بِرَدِّ المَحذوفِ، وأمَّا "ثُبَةُ الحَوْضِ" وهي وسَطُه فالمَحذوفُ عينُها لأنَّها مِنْ بابِ يَثُوبُ المَاءُ أيْ يَرْجِعُ، تُصَغَّر على "ثُوَيْبةٍ" كقولِكَ في تصغير سَنَةٍ: "سُنَيْهَةٌ".والنَّفَرُ: الفَزَعُ، يُقالُ: نَفَرَ إليْه أيْ: فَزِع إليْه، وفي مُضارعِهِ لُغتَان: ضَمُّ العينِ وكسرُها، يُقالُ: نَفَرَ الرجُلُ يَنْفِرُ بالكَسْرِ، ونَفَرَتِ الدابَّةُ تَنْفُرُ بالضَمِّ فَفَرَّقوا بينَهما في المُضارِعِ، وهذا الفرق يَرُدُّه قراءةُ الأعْمَشِ "فانفُروا" أو "انفُروا" بالضَّمِّ فيهما. والمصدرُ: النَّفيرُ والنُّفورُ والنَّفْرُ، والنَّفَرُ: الجَماعةُ كالقومِ والرَّهْطِ. | |
|