عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم ... سورة النساء، الآية: 39 السبت مايو 11, 2013 4:19 am | |
| وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ
وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا. (39) قولُه تعلى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} سبحانَ اللهِ ما أَجهلَ هذا الإنسانِ، فإنَّه بجهلِه يُورِدُ نفسَهُ مَوارِدَ الهَلاك، ويُغامِرُ بِمصلَحتِه ويُوقِعُ نفسَه في خسارةٍ لا مُبُرِّرَ لها، عِناداً وصَلَفاً وزَيغاً عن الحقِّ، انْظُرْ أيُّها المَغرورِ بِنفسِه المُتَّبعُ هواها ووسوسةِ شيطانِه، انْظرْ إلى حالِك ومآلك عندما تُقامرُ بحياةٍ أَبديَّةٍ سعيدةٍ منعَّمةٍ في جَنَّةٍ عاليةٍ قُطوفُها دانيةٌ، لا تَسمَعُ فيها لاغِيَةً، وتُورِدُ نفسَك جهنَّم خالداً فيها مخلّداً في عذابٍ مقيمٍ، لا تَستطيعُ منه إفلاتاً ولا عنه مَصرِفاً، عندما تأبى أنْ تؤمِنَ باللهِ وما جاءَ مِنْ عندِ اللهِ، وتُؤمِنُ بيومٍ يَجمعُ اللهُ فيه خلقَه للحسابِ والجَزاءِ، انظُرْ ما ذا يُكلِّفكَ هذا الإيمانُ، في الحقيقةِ لا شيءَ، هو مُجَرَّدُ تَصديقٍ، بهذِه الحقائقِ الغَيْبِيَّةِ التي يأتي رُسُلُ اللهِ لِيُخبِروكَ بِها مُؤيَّدين بالمعجزاتِ والبراهينِ القطعيَّةِ على صِدْقِهِم فيما يُخبرون عن اللهِ ـ تَبارك وتعالى، إيمانٌ فقطْ لا يُكلِّفُك شَيئاً وتفوزُ بهذا النَعيمِ المُقيمِ، وانْظُرْ ماذا ستخسَرُ إذا أنتَ لمْ تؤمِنْ، ولم تُصدِّقْ رُسُلَ اللهِ ـ عليهِمُ الصلاةُ والسلامُ، وأيَّ مَورِدٍ تُورِدُه نفسَك بَدَلَ هذا العطاءِ العظيمِ مِنْ رَبٍّ عظيمٍ "وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" سُبحانَ اللهِ ما أَشدَّ جهلَكَ يا أيُّها الإنسان! {إنَّه كان ظَلوماً جهولًا}. في بِدايةِ حياتي شُغِفتُ بالمُطالَعَةِ حتى كنت أُصبِحُ على الكِتابِ أحيانًا، فإذا ظفِرتُ بكتابٍ جديدٍ لم أدعْه حتّى أفرُغَ مِن قراءتِه، لاسيما كتبَ الفِكرِ والفَلسَفةِ، حتَّى أنّي غَرِقتُ في الفَلسَفةِ الماركسيَّةِ الإلحاديَّةِ وجَدَليَّتِها ومادِّيتِها (الديالكتيكية)، وكِدْتُ أَهلِكَ لولا السابقةُ الحُسْنى التي أَكرمني اللهُ بها، ولولا ما سَبَقَ لي مِن ثقافةٍ إسلاميَّةٍ إيمانيَّةٍ. فقد اقْتَنعْتُ بكلِّ مَقولاتِ نظريَّةِ (ماركس ـ انجلز) الإلحاديَّةِ لاسِيَّما الجانبيْن الاجتماعي والاقتصادي منها، أمّا في جانِبِها الغِيْبِيِّ فلم تُحسَمْ عندي مسألةُ وُجودِ اللهِ الخالقِ الصانعِ والمُدبِّرِ وعدمُ وُجودِه، وبَقيتُ أربعَ سنواتٍ أبحثُ في كتب الملاحدةِ عن برهان يَجعلُني أُسَلِّمُ، بِأنَّه لا خالقَ ولا إله، وإنَّما هي الطبيعةُ تتطوَّرُ وتتحوَّل وتتبدَّل وتتفاعل فتنتج نفسَها بنفسها. ولما لم أجدْ البرهانَ المُقنِعَ على ذلك، وقفتُ معَ نَفسي ذاتَ يومٍ، وخاطبْتُها قائلًا: يا نفسُ إنْ أنتِ آمنْتِ بِما جاء بِه رُسُلُ اللهِ، لن تخسري شيئاً من حُطامِ الدنيا ومتاعها، ورَبِحْتِ حياةً أَبديَّةً في نَعيم دائمٍ، إذا وجدْتِ ما جاءَ به هؤلاء المُرسلون حَقيقةً، فإنْ لم تَجدي ذلك كذلك لم تَخسري شيئاً، لكنَّك إنْ كذَّبْتِ رُسُلَ اللهِ، وكان حقيقة فقد خسرتِ خسارةً عظيمةً لا يُمكنُ تعويضُها، ونَدِمتِ حيثُ لا يَنفعُ النَّدَمُ. وبدأتْ رِحلَةُ عودتي إلى اللهِ ربّي لهُ المِنَّةُ الحَمْدُ أنْ هَداني إلى هذا الدين والصراطِ المستقيم، وما كنتُ لأهتَدِيَ لولا أنْ هداني الله. وبعد فهذا النصُّ توبيخٌ للذين يؤثرون رِضا النَّاسِ على رضا الله ربهم وخلقهم ومولاهم الذي بيده نفعهم وضرهم، فلا يبتغون ما عنده، ويبتغون ما عند الناسِ، فيراءون ويمنعون الخير لذات الخير. وما الذي عند الناسِ غيرُ بِضْعِ كَلِماتٍ فيها بعض إطراءٌ وثناءٌ وحَسْبُ، هذا إذا تكرَّموا عليْكَ بها، بل ربَّما حسدوك على ما بيدك من نعمة الله وتمنَّوْا زوالَها عنك وأنتَ تَمُدُّ لهم يدَ البِرِّ والإحسان. قولُه: {وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا} فربُّك الذي رزقك وأعطاك وأنعم عليك بالكثير. يأمرُك أنْ تُعطيَ القليلَ منه لإخوانك المحتاجين، وما قلّلَ عليهم رَبُّهم عجزاً ولا بُخلًا ـ حاشا لله جلَّ وعلا ـ إنَّما شاءتْ إرادتُه واقتضتْ حِكمَتُه أنْ يُعطيَك الكثيرَ ويُقتِّرَ على أخيكَ حتّى تَمُدَّ يَدَكَ إليْه بالمُساعدةِ، فتفوزَ بقلبِهِ وحبِّه وتنالَ رَحمةِ خالقِه وربِّه، فيعيشَ المُجتمعُ الإنسانيُّ مطمئناً في بحبوحةٍ ووئامٍ ، وتَصوَّروا أنَّ مُجتَمعاً بِقُدُراتٍ مُتكافِئةٍ وأَرزاقٍ مُتَساويةٍ لا يَحتاجُ أحدٌ فيه أَحَداً، فلا داعيَ للتَعاون ولا مجالَ لِتبادُلِ المنفعةٍ، ولا ودادَ ولا مودّة، إنّه مجتمعُ الحجارةِ والصُخورِ وليس مجتمعَ البَشريَّةِ والإنسانيةُ. "وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا" عليمٌ بما يُصْلِحُهم ويَصْلُحُ لهم، وعليمٌ بما يفعلون، إن طاعةً وبرًّا، وإنْ عصياناً وهُجْراً، وهذا العلمُ ضَرورِيٌّ لمن يُريدُ أنْ يَجْزيَ خيراً بخيرٍ وشّرًّا بِشَرٍّ.قولُه تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ} قد تقدَّمَ الكلامُ على نظيرتِها، وهذا يَحْتَمِل أنْ يَكونَ الكلامُ قد تَمَّ هنا، أي: وأيُّ شيء عليهم في الإِيمان باللهِ، أو: وماذا عليهم مِن الوبالِ والعذابِ يومَ القيامة، ثمَّ استأنَفَ بقولِه: "لَوْ آمَنُواْ" ويكونُ جوابُها محذوفاً، أيْ: لَحَصَلَتْ لهمُ السعادةُ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكونَ تمامُ الكلامِ بـ "لو" وما بعدَها، وذلك على جَعْلِ "لو" مصدريَّةً عندَ مَنْ يُثْبِتُ لها ذلك، أيْ: وماذا عليهم في الإِيمانِ، ولا جوابَ لها حينئذٍ. وأَجازَ ابنُ عطيَّةَ أنْ يَكونَ "وَمَاذَا عَلَيْهِمْ" جواباً لـ "لو" فإنْ أرادَ مِنْ جِهَةِ المَعنى فَمُسَلَّمٌ، وإنْ أرادَ مِن جهةِ الصِناعةِ ففاسدٌ؛ لأنَّ الجوابَ الصناعيَّ لا يتقدَّمُ عند البَصريين، وأيضاً فالاستفهامُ لا يُجابُ به "لو". وأجازَ أبو البقاءِ في "لو » أنْ تكونَ بمعنى "إنْ" الشرطيَّةِ كما جاءَ في قولِه: {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} البقرة: 221. أي: وأيُّ شيءٍ عليهم إنْ آمنوا، ولا حاجةَ إلى ذلك. | |
|