عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 275 الثلاثاء أكتوبر 16, 2012 7:06 am | |
| الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
(275) لَمَّا ذَكَرَ الله تَعَالَى الْأَبْرَارَ المؤدين النفقات، المخرجين الزكوات، المتفضِّلين بالبِرِّ والصدقات لِذوي الحاجات والقَرابات، في جميعِ الأحوالِ والأوقاتِ، شَرَعَ فِي ذِكْرِ أَكَلَةِ الرِّبَا وَأَمْوَالِ النَّاسِ بالباطلِ وأنواعِ الشُبُهات، وأَخبَرَ عَنْهُمْ يَوْمَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ وَقِيَامِهِمْ مِنْهَا إِلَى بَعْثِهِمْ وَنَشُورِهِمْ، فَقَالَ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، أَيْ لَا يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الْمَصْرُوعُ حالَ صَرْعِهِ وتَخَبُّطِ الشيطان لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَقُومُ قِيَامًا مُنْكَرًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آكِلُ الرِّبَا يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مجنوناً يخنق، وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ والحسن وقَتادة أنَّهم قالوا في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا...}، يَعْنِي لا يقومون يوم القيامة، وقال ابنُ جريرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لآكل الربا خُذْ سِلاحَكَ للحرب، وقرأ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا...} وذلك حين يَقوم من قبْرِه. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كالبيوت فيها الحيَّاتُ تَجْري مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكْلَةُ الربا)) (رواه ابن أبي حاتم وأحمد) وعن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فِي حَدِيثِ الْمَنَامِ الطَّوِيلِ: ((فَأَتَيْنَا عَلَى نَهْرٍ ـ حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَحْمَرُ مِثْلُ الدَّمِ ـ وَإِذَا فِي النَّهْرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السابح يَسْبَحُ ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ الْحِجَارَةَ عِنْدَهُ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا ـ وذكر في تفسيره ـ أنّه آكلُ الرِّبا) (رواه البخاري).وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، أَيْ إِنَّمَا جُوزُوا بِذَلِكَ لِاعْتِرَاضِهِمْ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ فِي شَرْعِهِ، وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا مِنْهُمْ لِلرِّبَا عَلَى الْبَيْعِ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْتَرِفُونَ بِمَشْرُوعِيَّةِ أَصْلِ الْبَيْعِ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ لَقَالُوا: إِنَّمَا الرِّبَا مِثْلُ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا قَالُوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} أَيْ هُوَ نَظِيرُهُ، فَلِمَ حَرَّمَ هَذَا وَأُبِيحَ هَذَا؟ وَهَذَا اعْتِرَاضٌ مِنْهُمْ عَلَى الشَّرْعِ، أَيْ هَذَا مِثْلُ هَذَا وَقَدْ أَحَلَّ هَذَا وَحَرَّمَ هَذَا وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تمام الكلام رداً عليهم، أي على ما قالواه مِنَ الِاعْتِرَاضِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِتَفْرِيقِ اللَّهِ بَيْنَ هذا وهذا حكماً، وهو العليم الحكيم الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهم يسالون، وهو العالم يحقائق الْأُمُورِ وَمَصَالِحِهَا وَمَا يَنْفَعُ عِبَادَهُ فَيُبِيحُهُ لَهُمْ، وَمَا يَضُرُّهُمْ فَيَنْهَاهُمْ عَنْهُ، وَهُوَ أَرْحَمُ بِهِمْ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا الطِّفْلِ. وَلِهَذَا قَالَ: {فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} أَيْ مَنْ بَلَغَهُ نَهْيُ اللَّهِ عَنِ الرِّبَا فَانْتَهَى حَالَ وُصُولِ الشَّرْعِ إِلَيْهِ فَلَهُ مَا سَلَفَ مِنَ الْمُعَامَلَةِ، لقوله: {عَفَا الله عما سلف} وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: ((وَكُلُّ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَيْ هَاتَيْنِ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ))، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ الزِّيَادَاتِ الْمَأْخُوذَةِ فِي حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ بَلْ عَفَا عَمَّا سَلَفَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ والسُّدي: {فله ما سلف} مَا كَانَ أَكَلَ مِنَ الرِّبَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ، وقال ابنُ أبي حاتَمٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لها (أم بحنة) أم ولد زيد بْنِ أَرْقَمَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَتَعْرِفِينَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَإِنِّي بِعْتُهُ عَبْدًا إِلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةٍ، فَاحْتَاجَ إِلَى ثَمَنِهِ فَاشْتَرَيْتُهُ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ بِسِتِّمِائَةٍ، فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا شَرَيْتِ، وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ أَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قد بطل إِنْ لَمْ يَتُبْ. قَالَتْ، فَقُلْتُ: أَرَأَيْتِ إِنْ تَرَكَتُ الْمِائَتَيْنِ وَأَخَذَتُ السِّتَّمِائَةِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ {فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ}، وَهَذَا الْأَثَرُ مَشْهُورٌ. وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَنْ حرَّمَ (مسألةَ العينة) و(العينة: أن يبيعه شيئاً إلى أجل، ثم يشتريه منه نقداً بأقل مما باعه، وفي هذا شبهة التحايل على أكلِ الرِّبا نسأله تعالى السلامة) مع ما جاء فيها من الأحاديث المذكورة الْمُقَرِّرَةِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ عَادَ} أَيْ إِلَى الربا ففَعَلَه بعد بُلوغِه نَهيَ اللهِ عَنْهُ فَقَدِ اسْتَوْجَبَ الْعُقُوبَةَ وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وقد قال أبو داوود، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ لَمْ يَذْرِ المخابرة فليؤذن بحرب مِّنَ الله وَرَسُولِهِ))، ,إنما حُرِّمَتِ (الْمُخَابَرَةُ) وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ من الأرض، و(المزابنة) وَهِيَ اشْتِرَاءُ الرُّطَبِ فِي رُؤُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ على وجه الأرض و(المُحاقلة) وَهِيَ اشْتِرَاءُ الْحَبِّ فِي سَنْبُلِهِ فِي الْحَقْلِ بِالْحَبِّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، إِنَّمَا حُرِّمَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَمَا شَاكَلَهَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الرِّبَا، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ التَّسَاوِي بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَبْلَ الْجَفَافِ، وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: الْجَهْلُ بِالْمُمَاثِلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ، وَمِنْ هَذَا حَرَّمُوا أَشْيَاءَ بِمَا فَهِمُوا مِنْ تَضْيِيقِ الْمَسَالِكِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الرِّبَا وَالْوَسَائِلِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ، وَتَفَاوُتِ نَظَرِهِمْ بِحَسَبِ مَا وَهَبَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَنِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عليم}وَبَابُ الرِّبَا مِنْ أَشْكَلِ الْأَبْوَابِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إِلَيْهِ: الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا)، يَعْنِي بذلك بعضَ المسائل التي فيه شَائِبَةُ الرِّبَا، وَالشَّرِيعَةُ شَاهِدَةٌ بِأَنَّ كُلَّ حَرَامٍ فَالْوَسِيلَةُ إِلَيْهِ مِثْلُهُ، لِأَنَّ مَا أَفْضَى إِلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، كَمَا أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَقَدْ ثَبَتَ في الصحيحين عن النعمان ابن بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: ((إن الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ. فَمَنِ اتَّقَى الشُّبَهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبَهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ)). وَفِي السُّنَنِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «دع ما يريبك إلى مالا يربك))، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: ((الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ، وَتَرَدَّدَتْ فِيهِ النَّفْسُ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ)). وَفِي رِوَايَةٍ: ((استفتِ قلبَك وَإِنْ أفتاك الناس وأفتوك)). وقال ابنُ عبّاسٍ: آخِرُ مَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم آية الرِّبا وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: (إِنِّي لَعَلِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ تَصْلُحُ لَكُمْ، وَآمُرُكُمْ بِأَشْيَاءَ لَا تَصْلُحُ لَكُمْ، وَإِنَّ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا آيَةَ الرِّبَا، وَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَنَا، فَدَعُوا مَا يُرِيبُكُمْ إِلَى مَا لَا يريبكم) (رواه ابن ماجة وابنُ مَرْدويْهِ) وعن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الرِّبَا ثلاثة وسبعون باباً)). وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: ((الربا سبعون جزءاً أيْسَرُها أنْ يَنْحَكَ الرجلُ أُمَّه)). (رواه ابن ماجة والحاكم عن ابنِ مسعودٍ وزاد الحاكم: ((وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ)) وَقَالَ الإمامُ أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَأْكُلُونَ فِيهِ الرِّبَا)). قَالَ، قِيلَ لَهُ: النَّاسُ كُلُّهُمْ؟ قَالَ: ((مَنْ لَمْ يَأْكُلْهُ مِنْهُمْ نالَه مِنْ غُبارِه)).ومن هذا القبيل تَحْرِيمُ الْوَسَائِلِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ الْحَدِيثُ الَّذِي روي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: (لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ)). قَالَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْأَئِمَّةِ: لَمَّا حَرَّمَ الرِّبَا وَوَسَائِلَهُ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَمَا يُفْضِي إِلَيْهِ مِنْ تِجَارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ: ((لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا (أجملوه وجملوه أي أذابوه) فباعوها وأكلوا أثمانها)). وقولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ))، قَالُوا: وَمَا يُشْهد عَلَيْهِ ويُكْتب، إِلَّا إِذَا أُظْهِرَ فِي صُورَةِ عَقْدٍ شَرْعِيٍّ وَيَكُونُ دَاخِلُهُ فَاسِدًا، فَالِاعْتِبَارُ بِمَعْنَاهُ لَا بِصُورَتِهِ، لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ. وَفِي الصَّحِيحِ: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ))، وَقَدْ صَنَّفَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ (ابْنُ تَيْمِيَّةَ) كِتَابًا فِي إِبْطَالِ التَّحْلِيلِ، تَضَمَّنَ النَّهْيَ عَنْ تَعَاطِي الْوَسَائِلِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى كُلِّ بَاطِلٍ، وَقَدْ كَفَى فِي ذَلِكَ وَشَفَى، فَرَحِمَهُ اللَّهُ ورضي عنه.قوله: {لاَ يَقُومُونَ} الظاهرُ أنها خبرُ الموصولِ المتقدِّم. وقال بعضهم: إنها حالٌ.قوله: {إِلاَّ كَمَا يَقُومُ} فيه الوجهان المشهوران وهما: النَصْبُ على النعتِ لمصدرٍ محذوفٍ أي: لا يقومون إلَّا قياماً مثلَ قيامِ الذي يتخبَّطُه الشيطانُ، وهو المشهورُ عند المُعربين، أو النصبُ على الحالِ من ضميرِ ذلك المصدرِ المُقدَّرِ أي: لا يقومونَهُ أي القيامَ إلا مُشْبِهاً قيامَ الذي يتخبطه الشيطانُ، وهو رأي سيبويه، وقد قَدَّمْتُ تحقيقهما.و"ما" الظاهرُ أنها مصدريةٌ أي: كقيامِ. وجَوَّزَ بعضُهم أن تكون بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ، والتقديرُ: إلا كالقيامِ الذي يقومه الذي يتخبَّطُه الشيطانُ، وهو بعيد.و"يتخبَّطه" يَتَفَعَّلُه، وهو بمعنى المجردِ أي يخبِطُه؛ فهو مثل: تَعدَّى الشيءَ وعَدَاه. ومعنى ذلك مأخوذٌ من خَبَطَ البعيرُ بأخفافِه: إذا ضربَ بها الأرضَ. ويقال: فلان يَخْبِط خَبْطَ عَشْواء، قال علقمةُ: وفي كل حَيًّ قد خَبَطْتَ بنعمةٍ .......... فَحُقَّ لشَأْسٍ من نَداكَ ذَنُوبُوقال زهير: رأيتُ المنايا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ ... تُمِتْه ومَنْ تُخْطِىءْ يُعَمَّر فَيَهْرَمِقوله: {مِنَ المس} فيه ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنه متعلقٌ بيتخبَّطُه من جهةِ الجنونِ، فيكونُ في موضعِ نَصبٍ. والثاني: أنَّه يتعلَّقُ بقولِه: "يقومُ" أي: لا يقومون مِنَ المَسِّ الذي بهم إلّا كما يقومُ المَصروعُ. الثالث: أنَّه يتعلَّقُ بقولِه: "يقومُ" أي: كما يقومُ المصروع من جنونِه. ذكر هذين الوجهين الأخيرين الزمخشري .والمَسُّ عُبِّر به عن الجنونِ في لسانهم، قالوا: مُسَّ فهو مَمْسُوس، مثل: جُنَّ فهو مَجْنون، وأنشد أبو بكر: أُعَلِّلُ نفسي بما لا يكونُ ................. كذي المَسِّ جُنَّ ولم يُخْنَقِوأصلُه أنَّهم يقولون: إنَّ الشيطانَ يَمَسُّ الإِنسانَ بيدِه ويُرْكِضُه برجلِه، ويُعَبَّرُ بالجنونِ عن النشاطِ والسرعةِ وخفةِ الحركةِ، لذلك قال الأعشى يصف ناقته: وتُصبحُ عن غِبِّ السُّرى وكأنما ......... أَلَمَّ بها مِن طائفِ الجنِّ أَوْلَقُوقال آخر: بخِيلٍ عليها جِنَّةٌ عبقريةٌ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . .قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ } مبتدأٌ وخبرٌ، أي: ذلك التخبُّطُ، أو ذلك القيامُ بسبب افترائِهم هذا القولَ. وقيل: "ذلك" خبرُ مبتدأٍ مضمرٍ تقديرُه: قيامُهم ذلك. إلّا أنَّ في هذا الوجهِ فصلاً بين المصدرِ ومتعلَّقِه الذي هو "بأنهم"، على أنّه لا يَبْعُدُ جوازُ ذلك لحذفِ المصدرِ. وقد جَعَلوا الربا أصلاً والبيعَ فرعاً حتى شَبَّهوه به، قال الزمخشري: فإنْ قلت: هلاَّ قيل: إنَّما الربا مثلُ البيع، لأنَّ الكلامَ في الربا لا في البيعِ. قلت: جِيء به على طريقةِ المبالغةِ، وهو أنَّهم قد بَلَغ من اعتقادهم في حِلِّ الرِّبا أنَّهم جَعَلوه أصلاً وقانوناً في الحِلِّ، حتى شَبَّهوا به البيع. وهو بابٌ في البلاغةِ مشهورٌ، وهو أعلى رُتَبِ التشبيه، ومنه قوله: ورَمْلٍ كأوراكِ العَذارى قَطَعْتُه ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .قوله: {وَأَحَلَّ الله البيع} الظاهرُ أنَّه من كلامِ اللهِ تعالى، أَخْبر بأنَّه أَحَلَّ هذا وحَرَّم ذاك، وعلى هذا فلا محلَّ لهذه الجملةِ من الإِعراب. وقال بعضُهم: هذه الجملةُ من تَتِمَّةِ قولِ الذين يأكلون الربا، فتكونُ في محلِّ نصبٍ بالقول عطفاً على المقول وهو بعيدٌ.قوله: {فَمَن جَآءَهُ} يُحتمل أَنْ تكونَ شرطيَّةً وهو الظاهرُ، وأَنْ تكونَ موصولةً وعلى كِلا التقديرَيْنِ فهي في محلِّ رفعٍ بالابتداء.وقوله: {فَلَهُ مَا سَلَفَ} هو الخبرُ، فإنْ كانَتْ شرطيةً فالفاءُ واجبةٌ، وإن كانَتْ موصولةً فهي جائزةٌ، وسببُ زيادتِها ما تقدَّم مِنْ شَبَهِ الموصولِ لاسمِ الشرطِ. ويجوزُ حالَ كونها شرطيَّةً وجهٌ آخرُ وهو أنْ تكونَ مَنصوبةً بفعلٍ مُضمَرٍ يُفسِّرُه ما بعدَه، وتكونُ المسألةُ من بابِ الاشتغالِ، ويُقَدَّر الفعلُ بعدَها لأنَّ لها صدرَ الكلامِ، والتقديرُ: فأيُّ شخصٍ جاءَتِ الموعظةُ جاءته، ولا يجوزُ ذلك فيها موصولةً لأنَّ الصلةَ لا تُفَسِّر عاملاً، إذ لا يَصِحُّ تسلُّطُها على ما قبلَها، وشرطُ التفسيرِ صحةُ التسلُّطِ. وسَقَطَتِ التاءُ من الفعلِ لشيئين: الفصلُ بين الفعلِ وفاعلِه بالمفعولِ، وكونُ التأنيثِ مجازياً، وقرأ الحسنُ، "جاءَتْه" على الأصل.قوله: {مِّنْ رَّبِّهِ} يجوزُ أن تكونَ متعلقةً بجاءَتْه، وتكونُ لابتداءِ الغاية مجازاً، وأن تتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنها صفةٌ لموعظة، أي: موعظةٌ من موعظاتِ ربه، أي بعضُ مواعِظه.وقوله: {فانتهى} نَسَقٌ على "جاءَتْه" عَطَفَه بفاءِ التعقيبِ أي: لم يتراخَ انتهاؤُه عن مجيءِ الموعظهِ.وقوله: {وَمَنْ عَادَ} الكلامُ على "مَنْ" هذه في احتمالِ الشرطِ والموصولِ كالكلامِ على التي قبلها. والضميرُ في قولِه: "فَأَمْرُه" يعودُ على "ما سَلَف"، أي: وأمرُ ما سلَفَ إلى الله، أي: في العفوِ عنه وإسقاطِ التِّبِعَةِ منه. وقيل: يعودُ على المنتهي المدلولِ عليه بانتهى أي: فأمرُ المنتهي عن الربا إلى الله في العفوِ والعقوبةِ. وقيل: يعودُ على ذي الربا في أَنْ ينتبهَ على الانتهاءِ أو يعيدَه إلى المعصيةِ. وقيل: يعودُ على الرِبا أي: في عفو الله عمَّا شاء منه أو في استمرارِ تحريمِه.والرِّبا لامُه واوٌ لقولِهم: رَبا يَرْبو، فلذلك يُثَنَّى بالواوُ ويكتَبُ بالألفِ. وجَوَّز الكوفيّون تثنيته بالياءِ وكذلك كتابتُه، قالوا لِكسر أولِه ولذلك أمالوه، وليس هذا مختصاً بمكسور الأولِ، بل الثلاثي من ذواتِ الواوِ المكسورُ الأولِ أو المضمومُه نحو: "رِبا" و"عُلا" حكمُه ما ذكرته عنهم، فأمَّا المفتوحُ الأولِ نحو: عصا وقَفَا فلم يُخالفوا البصريين، وكُتب في القرآنِ بخطِ الصحابة بواوٍ بعدها ألفٌ. والمادةُ تَدُلُّ على الزيادةِ والارتفاعِ ومنه الرَّبْوَةُ. وقال حاتم الطائي يصف رُمْحاً: وأسمرَ خطِيَّاً كأن كعوبَه ...... نَوَى القَسْبِ قد أَرْبَى ذِراعاً على العُشْرِ وقيل: إنّما كُتِبَ بالواوِ لأنَّ أهلَ الحجازِ تَعَلَّموا الخطَّ من أهلِ الحِيرة، وأهلُ الحِيرةِ يقولونَ: "الرِّبو" بالواوِ فكتبوها كذلك ونقلَها أهلُ الحجاز كذلك خَطَّاً لا لفظاً. وقد قرأ العدويُّ: "الرِّبَو" كذلك بواوٍ خالصة بعد فتحةِ الباء. فقيل: هذا القارىءُ أجرى الوصلَ مُجْرى الوقفِ، وذلك أنَّ من العربِ مَنْ يقلِبُ ألفَ المقصورِ واواً فيقول: هذه أَفْعَو، وهذا من ذاك، إلّا أنّه أَجْرى الوصلَ مُجْرى الوقفِ.ويقال: رِبا ورِما، بإبدالِ بائِه ميماً، كما قالوا: كَثَم في كَثَب. والألفُ واللام في "الرِّبا" يجوز أن تكونَ للعهدِ، إذ المرادُ الربا الشرعيُّ، ويجوزُ أنْ تكونَ لتعريفِ الجنس. | |
|