عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 262 الثلاثاء أكتوبر 09, 2012 6:19 am | |
| الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
(262) لَمَّا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلُ ذِكْرُ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى الْعُمُومِ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ وَالثَّوَابَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَا يُتْبِعُ إِنْفَاقَهُ مَنًّا وَلَا أَذًى، لِأَنَّ الْمَنَّ وَالْأَذَى مُبْطِلَانِ لِثَوَابِ الصَّدَقَةِ كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ بَعْدَ هَذَا، وَإِنَّمَا عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُرِيدَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَثَوَابَهُ بِإِنْفَاقِهِ عَلَى الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجُو مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يَنْظُرُ من أحوال فِي حَالٍ سِوَى أَنْ يُرَاعِيَ اسْتِحْقَاقَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً}. وَمَتَى أَنْفَقَ لِيُرِيدَ مِنَ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ جَزَاءً بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَهَذَا لَمْ يُرِدْ وَجْهَ اللَّهِ، فَهَذَا إِذَا أَخْلَفَ ظَنَّهُ فِيهِ مَنَّ بِإِنْفَاقِهِ وَآذَى. وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْفَقَ مُضْطَرًّا دَافِعَ غُرْمٍ إِمَّا لِمَانَّةٍ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ أَوْ لِقَرِينَةٍ أُخْرَى مِنَ اعْتِنَاءِ مُعْتَنٍ فَهَذَا لَمْ يُرِدْ وَجْهَ اللَّهِ. وَإِنَّمَا يُقْبَلُ مَا كَانَ عَطَاؤُهُ لِلَّهِ وَأَكْثَرُ قَصْدِهِ ابْتِغَاءَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، كَالَّذِي حُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَاهُ فَقَالَ:يَا عُمَرَ الْخَيْرِ جُزِيَتَ الْجَنَّهْ ...................... اكْسُ بُنَيَّاتِي وَأُمَّهُنَّهْوَكُنْ لَنَا مِنَ الزَّمَانِ جُنَّهْ ........................... أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّهْقَالَ عُمَرُ: إِنْ لَمْ أَفْعَلْ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ:إِذًا أَبَا حَفْصٍ لَأَذْهَبَنَّهْقَالَ: إِذَا ذَهَبْتَ يَكُونُ مَاذَا؟! قَالَ:تَكُونُ عَنْ حَالِي لَتُسْأَلَنَّهْ .................... يَوْمَ تَكُونُ الْأُعْطِيَاتُ هَنَّهْوَمَوْقِفُ الْمَسْئُولِ بَيْنَهُنَّهْ ....................... إِمَّا إِلَى نَارٍ وَإِمَّا جَنَّهْفَبَكَى عُمَرُ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ ثُمَّ قَالَ: يَا غُلَامُ، أَعْطِهِ قَمِيصِي هَذَا لِذَلِكَ الْيَوْمِ لَا لِشِعْرِهِ! وَاللَّهِ لَا أَمْلِكُ غَيْرَهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْعَطَاءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ خَالِيًا مِنْ طَلَبِ جَزَاءٍ وَشُكْرٍ وَعُرْيًا عَنِ امْتِنَانٍ وَنَشْرٍ كَانَ ذَلِكَ أَشْرَفَ لِلْبَاذِلِ وَأَهْنَأَ لِلْقَابِلِ. فَأَمَّا الْمُعْطِي إِذَا الْتَمَسَ بِعَطَائِهِ الْجَزَاءَ، وَطَلَبَ بِهِ الشُّكْرَ وَالثَّنَاءَ، كَانَ صَاحِبَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ، وَفِي هَذَيْنِ مِنَ الذَّمِّ مَا يُنَافِي السخاء. وإن طلب كَانَ تَاجِرًا مُرْبِحًا لَا يَسْتَحِقُّ حَمْدًا وَلَا مَدْحًا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} أي لا تعطى عَطِيَّةً تَلْتَمِسُ بِهَا أَفْضَلَ مِنْهَا. وَذَهَبَ ابْنُ زيد إلا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي الَّذِينَ لَا يَخْرُجُونَ فِي الْجِهَادِ بَلْ يُنْفِقُونَ وَهُمْ قُعُودٌ، وَإِنَّ الْآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا هِيَ فِي الَّذِينَ يَخْرُجُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، قَالَ: وَلِذَلِكَ شُرِطَ عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَلَى الْأَوَّلِينَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ، لِأَنَّ التَّحَكُّمَ فِيهِ بَادٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قيل: إنّها نَزَلتْ في سيدنا عثمانَ بنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ: جَاءَ عُثْمَانُ بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهَا وَيُقَلِّبُهَا وَيَقُولُ: ((مَا ضَرَّ ابْنَ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ، الْيَوْمِ اللَّهُمَّ لَا تَنْسَ هَذَا الْيَوْمَ لِعُثْمَانَ}. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو لِعُثْمَانَ يَقُولُ: ((يَا رَبَّ عُثْمَانَ إِنِّي رَضِيتُ عَنْ عُثْمَانَ فَارْضَ عَنْهُ)). فَمَا زَالَ يَدْعُو حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَنَزَلَتْ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً}. الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنًّا وَلا أَذىً} الْمَنُّ: ذِكْرُ النِّعْمَةِ عَلَى مَعْنَى التَّعْدِيدِ لَهَا وَالتَّقْرِيعِ بِهَا، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ وَنَعَشْتُكَ وَشِبْهَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَنُّ: التَّحَدُّثُ بِمَا أَعْطَى حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ الْمُعْطَى فَيُؤْذِيَهُ. وَالْمَنُّ مِنَ الْكَبَائِرِ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهُ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ تَتَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ وَالدَّيُّوثُ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَالْمُدْمِنُ الْخَمْرَ وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى)). وَفِي بَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ: ((الْمَنَّانُ هُوَ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مِنَّةً)). وَالْأَذَى: السَّبُّ وَالتَّشَكِّي، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمَنِّ، لِأَنَّ الْمَنَّ جُزْءٌ مِنَ الْأَذَى لَكِنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَئِنْ ظَنَنْتَ أَنَّ سَلَامَكَ يُثْقِلُ عَلَى مَنْ أَنْفَقْتَ عَلَيْهِ تُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: يَا أَبَا أُسَامَةَ دُلَّنِي عَلَى رَجُلٍ يَخْرُجُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقًّا فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَخْرُجُونَ يَأْكُلُونَ الْفَوَاكِهَ فَإِنَّ عِنْدِي أَسْهُمًا وَجَعْبَةً. فَقَالَ: لَا بَارَكَ اللَّهُ فِي أَسْهُمِكِ وَجَعْبَتِكِ فَقَدْ آذَيْتِهُمْ قَبْلَ أَنْ تُعْطِيَهُمْ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: فَمَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يُتْبِعْهُ مَنًّا وَلَا أَذًى كَقَوْلِهِ: مَا أَشَدَّ إِلْحَاحَكَ! وَخَلَّصَنَا اللَّهُ مِنْكَ! وَأَمْثَالُ هَذَا فَقَدْ تضمن الله له الأجر، والأجر الجنة،وَنَفَى عَنْهُ الْخَوْفَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِمَا يَسْتَقْبِلُ، وَالْحُزْنَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ دُنْيَاهُ، لِأَنَّهُ يَغْتَبِطُ بِآخِرَتِهِ فَقَالَ: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}. وَكَفَى بِهَذَا فَضْلًا وَشَرَفًا لِلنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِيهَا دَلَالَةٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْغَنِيَّ عَلَى الْفَقِيرِ حَسَبَ مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.قولُه تعالى: {الذين يُنْفِقُونَ} فيه وجهان، أحدُهما: أن يكونَ مرفوعاً بالابتداءِ وخبرُهُ الجملةُ من قولِه: {لهم أجرُهم}، ولم يُضَمَّن المبتدأُ هنا معنى الشرطِ فلذلك لم تَدْخُلَ الفاءُ في خبره، لأنَّ القصدَ بهذهِ الجملةِ التفسيرُ للجملةِ قبلَها، لأنَّ الجملة قبلَها أُخْرِجَتْ مُخْرَجَ الشيءِ الثابت المفروغِ منه، وهو تشبيهُ نفقتِهم بالحَبَّةِ المذكورة، فجاءَتْ هذه الجملةُ كذلك، والخبرُ فيها أُخرج مُخْرَج الثابتِ المستقرِّ غيرِ المحتاجِ إلى تعليقِ استحقاقٍ بوقوعِ غيرِهِ ما قبله. والثاني: أنَّ {الذين} خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أي: هم الذين يُنْفقون، وفي قوله: {لهم أجرُهم} على هذا وجهان، أحدُهما: أنَّها في محل نصبٍ على الحال. والثاني: ـ وهو الأَوْلَى ـ أن تكونَ مستأنفةً لا محلَّ لها من الإِعرابِ، كأنها جوابُ سائِلٍ قال: هل لهم أَجْرٌ؟ وَعَطَفَ بـ "ثم" جرياً على الأغلبِ، لأنَّ المتصدِّقَ لغيرِ وجهِ اللهِ لا يَحْصُل منه المَنُّ عقيبَ صدقَتِهِ ولا يؤذِي على الفور، فجرى هذا على الغالب، وإنْ كان حكمُ المنِّ والأذى الواقِعَيْن عقيبَ الصدقةِ كذلك. ومعنى "ثُمَّ" إظهارُ التفاوتِ بين الإِنفاقِ وتَرْكِ المنِّ والأذى، وأنَّ تَرْكَهما خيرٌ من نفسِ الإِنفاقِ، كما جَعَلَ الاستقامَةَ على الإِيمانِ خيراً من الدخولِ فيه بقولِهِ: {ثُمَّ استقاموا} فُصِّلت: 30، فَجَعَلَهَا للتراخي في الرتبةِ لا في الزمانِ، وقد تكرَّر له ذلك غيرَ مرةٍ. و "ما" مِنْ قولِهِ: "ما أَنْفَقُوا" يجوزُ أن تكونَ موصولةً اسميةً فالعائدُ محذوفٌ، أي: ما أنفقوه، وأن تكونَ مصدريةً فلا تحتاجُ إلى عائدٍ، أي: لا يُتْبِعُون إنفاقَهم. ولا بُدَّ من حذفٍ بعد "مَنَّاً" أي: مَنَّاً على المُنْفِقِ عليه ولا أذى له، فَحُذِفَ للدلالة.والمَنُّ: الاعتدادُ بالإِحسانِ ، وهو في الأصل : القَطْعُ ، ولذلك يُطْلَقُ على النعمةِ ، لأنَّ المُنْعِمَ يَقْطَعُ من مالِهِ قطعةً للمُنْعَمِ عليه . والمَنُّ : النقصُ من الحق ، والمَنُّ : الذي يُوزن به ، ويُقال في هذا "منًّا" مثل: عَصَا. وتقدَّمَ اشتقاقُ الأذى.و"مَنَّاً" مفعولٌ ثانٍ، "ولا أذى" عطفٌ عليه، وأبعدَ مَنْ جَعَلَ "ولا أذى" مستأنفاً، فَجَعَلَهُ من صفاتِ المتصدِّق، كأنه قال: الذين ينفقون ولا يتأذَّوْن بالإِنفاقِ، فكيونُ "أذى" اسمَ لا وخبرُها محذوفٌ، أي: ولا أذىً حاصلٌ لهم، فهي جملةٌ منفيةٌ في معنى النهي، وهذا تكلُّفٌ، وحَقٌّ هذا القائلِ أن يقرأ "ولا أذى" بالألف غيرَ مُنَوَّنٍ، لأنه مبنيٌّ على الفتح على مشهورِ مذهبِ النحاةِ. | |
|