عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 57 الإثنين أكتوبر 01, 2012 8:50 am | |
| وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) قيل لمّا طَرَحَهم في متاهات الغُربةِ لمْ يَرْضَ إلاَّ بأن ظلَّلَهُم، وبِالكفاياتِ جَلَّلَهُم، وعنْ تكلُّفِ التَكَسُّبِ أَغناهم، وبجميلِ صُنْعِهِ فيما احتاجوا إليْه تَوَلاَّهم؛ فلا شُعُورُهم كانتْ تَطُولُ، ولا أَظفارُهم كانت تنبُت، ولا ثِيابُهم كانتْ تَتَّسِخْ، ولا شُعاعُ الشَّمْسِ كان يَنبسِطُ عليهم. وكذلك سُنَّتُهُ لِمَنْ حالَ بينَهُ وبيْنَ اخْتيارِه، يَكونُ ما يَختارُه ـ سبحانَه ـ له خيراً مِمّا يَختارُه لِنَفْسِهِ. فحِينَما وَصَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلى صَحْرَاءِ سِينَاءَ كَانَ الحَرُّ شَدِيداً، فَأَرْسَلَ اللهُ إِلَيهِمْ غُيُوماً بِيضاً تُظَلِّلُهُمْ، وتقِيهم الحَرَّ والشَّمْسَ، وَفَعَلَ هَذَا بِهِمْ لِيَقِيَهُمْ حَرَّ الشَّمْسِ نَهَارًا وَيَنْجَلِي فِي آخِرِهِ لِيَسْتَضِيئُوا بِالْقَمَرِ لَيْلًا. جَرَى هَذَا فِي التِّيهِ بَيْنَ مِصْرَ وَالشَّامِ لَمَّا امْتَنَعُوا مِنْ دُخُولِ مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ وَقِتَالِهِمْ وَقَالُوا لِمُوسَى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}. المائدة: 24. رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَمْشُونَ النَّهَارَ كُلَّهُ وَيَنْزِلُونَ لِلْمَبِيتِ فَيُصْبِحُونَ حيت كانوا بُكْرَةَ أمسِ. وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُم طَعَامٌ فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ، فَأَنْزَلَ عَلَيهِم المَنَّ (وَهُوَ مَادَّةٌ سُكَّرِيَّةٌ تَقَعُ عَلَى الأَشْجَارِ) فَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْدُونَ عَلَيهِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَأَرْسَلَ إلَيهِمِ السَّلْوى وَهُوَ طَائِرٌ يُشْبِهُ السُّمَانيَ، لَحْمُهُ لَذِيذُ الطَّعْمِ، فَصَارُوا يَأَكُلُونَ مِنْهُ، وَقَالَ اللهُ لَهُمْ: إِنَّهُ أَبَاحَ لَهُمُ الأَكْلَ مِنَ المَنِّ وَالسَّلْوَى، وَهُمَا مِنَ الطَّيِّبَاتِ التِي رَزَقَهُمْ إِيَّاهَا فَلْيَأْكُلُوا مَا شَاؤُوا وَلْيَعْبُدُوا اللهَ. وَلكِنَّهُمْ خَالَفُوا عَنْ أَمْرِ اللهٍ، فَكَفَرُوا تِلْكَ النِّعَمَ الجَزِيلَةَ، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ بِعَمَلِهِمْ هذا لا يُسِيئُونَ إِلى اللهِ، وَإِنَّما يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَيُسِيئُونَ إِلَيها لأَنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْهُمْ، وَعَنْ عِبَادَتِهِمْ. {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام}. عطفٌ على {بعثناكم}. البقرة: 56. وقيل: على {قُلْتُمْ} البقرة:55. والأوَّلُ أَظهرُ للقُرْبِ والاشْتِراكِ في المُسْنَدِ إليه مع التناسُبِ في المُسْنَديْن في كونِ كلٍّ منهما نِعمةٌ بخلاف {قُلْتُمْ} فإنّه تمهيدٌ لها، وإفادتِه تأخيرَ التَظليلِ والإنْزالِ عن واقعةِ طلبهم الرؤيةَ. وعلى التقديرين لا بُدَّ لِتَرْكِ كلمةِ {إِذْ} البقرة: 55 ههنا من نُكتَةٍ، ولعلَّها الاكتفاءُ بالدَّلالَةِ العَقْليَّةِ على كونِ كلٍّ منهما نعمةٌ مستقلَّةٌ مع التَحَرُّزِ عن تَكرارِها في {ظلَّلْنا} و{أَنزَلْنَا} والغَمامُ اسمُ جِنْسٍ ـ كحَمامةٍ وحَمامْ ـ وهو السحاب، وقيل: ما ابْيَضَّ منه، وقال مجاهد: هو أَبرَدُ من السَّحابِ وأرقُّ، وسُمِّيَ غَماماً لأنّه يَغُمُّ وجهَ السماءِ ويَستُرُه ومِنْه الغَمُّ والغَمَمُ، وهل كان غَماماً حَقيقةً أو شيئًا يشبِهُهُ وسُمِّيَ به؟ قولان، والمَشهورُ الأوَّلُ وهو مفعولُ {ظللنا} على إسقاط حرفِ الجَرِّ كما تقول: ظلَّلتُ على فُلانٍ بالرِّداءِ أو بِلا إسقاطٍ، والمعنى جَعلْنا الغَمامَ عليكم ظُلَّةً، والظاهرُ أنَّ الخِطابَ لجميعِهم فقد رُويَ أنَّهم لمّا أُمِروا بِقتالِ الجبَّارينَ وامْتَنَعوا وقالوا: {فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا}. المائدة: 4 2 ابْتلاهُم اللهُ تعالى بالتِّيهِ بين الشامِ ومِصْرَ أربعين سَنَةً، وشَكَوْا حَرَّ الشمسِ فلَطَفَ اللهُ تعالى بهم بإظلالِ الغَمامِ وإنزالِ المَنِّ والسلوى، وقيل: لما خَرَجوا مِنَ البحرِ وَقَعوا بأرضٍ بيضاءَ عفراءَ ليس فيها ماءٌ ولا ظِلٌّ فشَكَوْا الحَرَّ فَوُقُوا بِهِ، وقيل: الذين ظُلِّلُوا بالغَمامِ بعضُ بَني إسْرائيلَ، وكان اللهُ تعالى قد أَجرى العادةَ فيهم أنَّ مَنْ عَبَدَ ثلاثينَ سنةً لا يُحْدِثُ فيها ذَنْبًا أَظَلَّتْهُ الغَمامَةُ، وكان فيهم جَماعةٌ يُسَمَّوْنَ أصحابَ غَمائمَ فامْتَنَّ اللهُ تعالى عليهم لكونِهم فيهم مَنْ لَه هذه الكرامةُ الظاهرةُ والنِّعمَةُ الباهرةُ.والمَنُّ اسْمُ جِنْسٍ لا واحدَ لَه مِن لَفظِه، وهو شيءٌ يُشبِهُ الصَّمْغَ حُلْوٌ مَعَ شيءٍ مِنَ الحُموضَةِ كان يَنزِلُ عليهمْ كالطَلِّ مِن طُلوعِ الفَجرِ إلى طُلوعِ الشَّمسِ في كلِّ يومٍ إلّا يومَ السبتِ. وكان كلُّ شخصٍ مَأموراً بأنْ يأخُذَ قَدْرَ صاعٍ كلَّ يومٍ أو ما يَكفيهِ يوماً وليلةً، ولا يَدَّخِرَ إلّا يومَ الجُمُعةِ فإنَّ ادِّخارَ حِصَّةِ السَّبْتِ كان مُباحاً فيه. وقيل: المُرادُ بالمَنِّ جميعُ ما مَنَّ اللهُ تعالى بِه عليهم في التِّيهِ وجاءهم عَفواً بِلا تَعَبٍ، ويُؤيِّدُه قولُه صلى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((الكَمَأةُ مِنَ المَنِّ الذي مَنَّ اللهُ تعالى به على بني إسرائيل)). وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَمْأَةَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْ مِمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي التِّيهِ. وإِنَّمَا شَبَّهَهَا بِالْمَنِّ لِأَنَّهُ لَا مَئُونَةَ فِيهَا بِبَذْرٍ وَلَا سَقْيٍ وَلَا عِلَاجٍ فَهِيَ مِنْهُ أَيْ مِنْ جِنْسٍ مَنِّ بني إسرائيل. لَمَّا نَصَّ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ عَلَى أَنَّ مَاءَ الْكَمْأَةِ شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ: إِمَّا لِتَبْرِيدِ الْعَيْنِ مِنْ بَعْضِ مَا يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْحَرَارَةِ فَتُسْتَعْمَلُ بِنَفْسِهَا مُفْرَدَةً وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَمُرَكَّبَةٌ مَعَ غَيْرِهَا. وَذَهَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى اسْتِعْمَالِهَا بَحْتًا فِي جَمِيعِ مَرَضِ الْعَيْنِ. وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْكَمْءُ وَاحِدٌ وَكَمْآنُ اثْنَانِ وَأَكْمُؤٌ ثَلَاثَةٌ فَإِذَا زَادُوا قَالُوا (كَمْأَةٌ). والسَّلْوى اسْمُ جِنْسٍ أيْضاً واحدُها سِلْوَاةٌ. وليستْ الألفُ فيها للتأنيثِ وإلَّا لَما أُنِّثَتْ بالهاء في قولِ أبي صخرٍ الهُذَليِّ:وإني لتعروني لذكراك هزّةٌ ..........كما انتفضَ السِّلْواةُ مِن بَلَلِ القطرِ وروي ... العصفورُ بلله القطرُ. وقال رُؤبَةُ:لَوْ أَشْرَبُ السُّلْوَانَ مَا سَلَيْتُ ............. مَا بِي غِنًى عَنْكِ وإنْ غَنِيتُ وقيل السَّلوى واحدةٌ وجمعُها سَلاوي، وقيلَ: هو جَمْعٌ لا واحدَ لَهُ من لفظِه، وهو طائرٌ يشبهُ السُّماني أو هو السُّماني بِعَيْنِها، وكانت تأتيهم مِنْ جِهَةِ السَّماءِ بُكْرَةً وعَشِيًّا، أو متى أَحبُّوا فَيَختارون منها السَّمينَ ويَتركون منها الهَزيلَ، وقيل: إنَّ ريحَ الجَنوبِ تَسوقُها إليهم فيَختارون منها حاجَتَهم ويَذهبُ الباقي. وفي رِوايَة كانت تَنزِلُ عليهم مطبوخَةً ومَشْوِيَّةً، وسُبحانَ مَنْ يَقولُ للشيءِ كُنْ فيكونُ. وذُكِرَ أنَّ السَّلوى هو العَسَلُ بِلُغةِ كِنانَةٍ ويُؤيِّدُهُ؛ قول خالد بن زهيرٍ الهُذَليِّ: وقاسَمْتُها باللهِ جَهْراً لَأَنْتُمُ ........... أَلَذُّ مِن (السلوى) إذا ما نَشُورُهانَشورُها: نَشْتارُ منها. واشْتِقاقُها مِن السَّلْوَةِ لأنَّها لِطِيبِها تُسَلِّي عن غيرِها، وعَطْفُها على بعضِ وُجُوهِ المَنِّ مِنْ عَطْفِ الخاصِّ على العامِّ اعْتِناءً بِشأنِه.وَالسُّلْوَانَةُ (بِالضَّمِّ): خَرَزَةٌ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا صُبَّ عَلَيْهَا مَاءُ الْمَطَرِ فَشَرِبَهُ الْعَاشِقُ سَلَا قَالَ:شَرِبْتُ عَلَى سُلْوَانَةٍ مَاءَ مُزْنَةٍ ........ فَلَا وَجَدِيدُ الْعَيْشِ يَا مَيَّ مَا أَسْلُووَاسْمُ ذَلِكَ الْمَاءِ السُّلْوَانُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: السُّلْوَانُ دَوَاءٌ يُسْقَاهُ الْحَزِينُ فَيَسْلُو، وَالْأَطِبَّاءُ يُسَمُّونَهُ الْمُفَرِّحَ. يُقَالُ: سَلَيْتُ وَسَلَوْتُ لُغَتَانِ. وَهُوَ فِي سَلْوَةٍ مِنَ الْعَيْشِ أَيْ فِي رَغَدٍ.قولُه تعالى: {كُلُواْ مِن طيبات مَا رزقناكم} أَمْرُ إباحَةٍ على إرادةِ القولِ، أي وقلْنا أو قائلين، والطيِّباتُ المُسْتَلَذّاتُ، وذَكَرَها للمِنَّةِ عليهم، أو الحلالاتِ فهو للنَهْيِ عنِ الادِّخارِ، واستنبط بعضُهم مِن الآيةِ أنَّه لا يَكفي وضعُ المالِكِ الطعامَ بيْن يَدَيْ الإنْسانِ في إباحَةِ الأَكلِ، بلْ لا يَجوزُ التَّصَرُّفُ فيه إلَّا بإذْنِ المالِكِ، وهو أحدُ أقوالٍ في المسألة.قولُهُ: {وَمَا ظَلَمُونَا} عطفٌ على مَحذوفٍ أيْ فعَصَوْا ولَمْ يُقابِلوا النِّعَمَ بالشُّكْرِ، أو فَظَلَموا بأنْ كَفَروا هذه النِّعَمَ وما ظلمونا بذلك، ويَجوزُ أنْ لا يُقَدَّرَ محذوفٌ لأنَّه قد صَدَرَ منهم ارْتِكابُ قَبائحَ، مِن اتِّخاذِ العِجْلَ إلهاً، وسؤالِ رؤيتِه تَعالى ظُلْمًا وتَعَنُّتًا وغيرِ ذلك، فجاءَ قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمُونَا} بجُمْلَةٍ مَنْفِيَّةٍ تَدُلُّ على أنَّ ما وَقَعَ منهم مِنْ تلك القبائحِ لم يَصِلْ إليْنا منها نقصٌ ولا ضَرَرٌ. وفي هذا دليل على أنَّه ليسَ مِن شَرْطِ نفيِ الشيءِ عن الشيءِ إمكانُ وُقُوعِهِ لأنَّ ظُلْمَ الإنْسانِ للهِ تَعالى لا يُمْكِنُ وُقوعُه البتَّةَ.قولُه: {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالكُفْران أو بِما فعلوا إذْ لا يَتخطّاهم ضَرَرُهُ. وتقديمُ المفعولِ للدَّلالَةِ على القَصْرِ الذي يَقْتَضيهِ النَّفْيُ السابِقُ، وفيه ضَرْبُ تهَكُّمٍ بهم، والجَمْعُ بيْن صِيغَتَيْ الماضي والمُستقبَلِ للدَّلالَةِ على تَماديهم في الظُّلْمِ واسْتِمْرارِهم عليه. وفي ذِكْرِ {أنفسهم} بِجَمْعِ القِلَّةِ تَحقيرٌ لهم وتَقليلٌ، والنَّفسُ العاصِيَةُ أَقَلُّ مِنْ كلِّ قليلٍ.قوله ـ جلَّ شأنه: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام} وجَعَلْنا الغَمَامَ يُظَلِّلُكُمْ، لأنَّ العِبارةَ تَقتضي أنْ يَكونَ الغَمَامُ مَستُورًا بظِلٍّ آخَرَ، وقيلَ التقديرُ: ظَلَّلْناكم بالغَمامِ، والغَمامُ: السَّحابُ لأنَّه يَغُمُّ وجهَ السماءِ، أي يستُرُها، وكلُّ مَسْتورٍ مَغمومٌ أيْ مُغَطَّى، ومثلُه الغَيْمُ والغَيْن بالمِيمِ والنونِ، وفي الحديثِ الشريف: ((إنَّهُ لَيُغَانُ على قَلْبِي))، وواحدتُه غَمامةٌ فهو اسمُ جنسٍ.قوله: {كُلُوا} هذا على إضمارِ القَوْلِ، أي: وقُلْنَا لهم: كُلوا: وإضمارُ القولِ كثيرٌ في لسانِ العرب، ومنه: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم صبرتمْ فَنعم عقبى الدار}. الرعد: 23 ـ 24. أي: يقولونَ سلامٌ ومنه أيضاً {والذينَ اتَّخَذوا من دونِهِ أولياءَ ما نعبدُهم إلّا}. الزمر: 3. أي: يقولون ذلك، ومثله: {وأمَّا الذين اسْوَدَّتْ وجوهُهم أَكَفَرْتم } آل عمران: 106. أي: فيُقال لهم ذلك.{مِن طَيِّبَاتِ} مِنْ: لابتداءِ الغايةِ أو للتبعيضِ. {ما رَزَقْنَاكُمْ} يجوزُ في "ما" أنْ تكونَ بمعنى الذي، وما بعدَها صِلةٌ لها والعائدُ محذوفٌ، أي: رزقناكموه، وأنْ تَكونَ نَكِرةً مَوْصوفةً. فالجُملةُ لا مَحَلَّ لها على الأولِ ومحلُّها الجرُّ على الثاني، وأنْ تكونَ مصدريَّةً والجملةُ صلتُها، ولم يُحْتَجْ إلى عائدٍ، ويكونُ هذا المصدرُ واقعاً موقعَ المفعولِ، أي: مِنْ طيباتِ مَرْزُوقِنا.قولُه: {أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أنفسَهم: مفعولٌ مقدَّمٌ، و يَظْلِمُون في محلِّ النَّصْبِ لِكونِه خَبَرَ كانوا، وقُدِّم المفعولُ إيذاناً باختصاصِ الظُلْمِ بهم وأنَّه لا يَتَعَدَّاهم. والاستدراكُ في "لكنْ" واضحٌ. ولا بُدَّ من حَذْفِ جملةٍ قبل قوله: {وَمَا ظَلَمُونَا} والتقديرُ فَعَصَوْا ولم يُقابلوا النِّعَمَ بالشكر. أو إنَّ التقديرَ: فَظَلمُوا بأَنْ كفروا هذه النِّعَمَ وما ظلمونا، فاختصرَ الكلامَ بحذْفِه لدَلالَةِ {وَمَا ظَلَمُونَا} عليه. | |
|