عبد القادر الأسود
¤° صاحب الإمتياز °¤
عدد المساهمات : 3986 تاريخ التسجيل : 08/09/2011 العمر : 76 المزاج : رايق الجنس :
| موضوع: فيض العليم من معاني الذكر الحكيم ، سورة البقرة ، :الآية: 450 الأحد سبتمبر 30, 2012 9:13 am | |
| وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) كان أهمَّ أُمورِهم الصَبْرُ والوقوفُ للعدوِّ، ثمَّ بعدَه النُّصرةُ عليهم فإنَّ الصبرَ حقُّ الحَقِّ، والنُّصْرَةُ نصيبُهم، فقدَّموا تحقيقَ حَقِّهِ ـ سبحانُه ـ وتوفيقَه لهم، ثمَّ وُجودَ حظِّهم مِن النُّصْرَةِ، ثمَّ أَشاروا إلى أنَّهم يَطلُبون النُّصْرَةَ عليهم ـ لا للانتِقامِ منهم لأَجْلِ ما فاتَهم من نصيبِهم ـ ولكن لكونِهم كافرين، أعداءَ اللهِ. فقاموا بِكلِّ وجهٍ للهِ بالله؛ فلِذلكَ نُصِرُوا وَوَجدوا الظَفَرَ.قولُهُ تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُواْ} أي ظهرَ طالوتُ ومَن معه وصاروا في بَرازٍ مِن الأرضِ وهو ما انكَشَفَ منها واستوى. و"بَرَزُوا" صَارُوا فِي الْبَرَازِ وَهُوَ الْأَفْيَحُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُتَّسِعُ. وَكَانَ جَالُوتُ أَمِيرَ الْعَمَالِقَةِ وَمَلِكَهُمْ ظِلُّهُ مِيلٌ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْبَرْبَرَ مِنْ نَسْلِهِ، وَكَانَ فِيمَا رُوِيَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ فَارِسٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: فِي تِسْعِينَ أَلْفًا، وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ كَثْرَةَ عَدُوِّهِمْ تَضَرَّعُوا إِلَى رَبِّهِمْ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا} الْآيَةَ. وهذه هي الشُّحنةُ الإيمانيَّةُ لِمَن يُريدُ أنْ يُواجِهَ عدوَّه فهو يُنادي قائلًا: {رَبَّنَآ} إنَّه لم يقل: يا الله، بل يقول: {رَبَّنَآ}؛ لأنَّ الربَّ هو الذي يَتَولّى التَربيَةَ والعطاءَ، بينما مَطلوبُ "الله" هو العبوديَّةُ والتَكاليفُ؛ لذلك يُنادي المؤمنُ ربَّه في المَوقِفِ الصَّعبِ "يا ربنا" أي يا مَن خلقتَنا وتَتَولّانا وتُمِدُّنا بالأَسبابِ، قال المؤمنون مع طالوت: {رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً}. وعندما نتأمَّلُ كلمةَ {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً} تُفيدُنا أنّهم طلَبوا أنْ يَملأَ اللهُ قلوبَهم بالصَّبْرِ ويَكونُ أَثَرُ الصَّبْرِ تَثبيتُ الأقدامِ {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا}. أي هَبْ لنا كَمالَ القُوَّةِ والرسوخَ عندَ المُقارَعَةِ بحيثُ لا تَتَزلْزَلُ حتّى يُواجِهوا العدوَّ بإيمان، وعند نِهايَةِ الصَّبْرِ وتَثبيتِ الأقدامِ يأتي نَصرُ اللهِ للمُؤمنين على القومِ الكافرين، وتأتي النتيجةُ للعزمِ الإيماني والقتالُ في قولِه الحقّ: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ الله . . .}. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ يَقُولُ فِي الْقِتَالِ: ((اللَّهُمَّ بِكَ أَصُولُ وَأَجُولُ)) وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوَذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ وَأَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ)) وَدَعَا يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ يَسْتَنْجِزُ اللَّهَ وَعْدَهُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي "آلِ عِمْرَانَ" إِنْ شاء الله تعالى.قولُه تعالى: {بَرَزُواْ لِجَالُوتَ} في هذه اللام وجهان، أحدُهما: أنَّها تتعلَّق بـ "برزوا"، والثاني: أنّها تتعلَّقُ بمحذوفٍ على أنّها ومجرورَها حالٌ من فاعلِ "بَرَزوا" قال أبو البقاء: "ويجوزُ أن تكونَ حالاً أي: بَرَزوا قاصدين لجالوتَ". ومعنى بَرَزوا صاروا إلى بَرازٍ مِن الأرضِ، وهو ما انكشَفَ منها واستوى، ومنه المُبَارَزَةُ في الحَرْبِ لظهورِ كلِّ قِرْنٍ لصاحبهِ. وفي ندائِهِم بقولِهم: "رَبَّنا" اعترافٌ منهم بالعُبوديَّةِ وطلَبٌ لإِصلاحِهم لأنَّ لَفظةَ "الربِّ" تُشْعِرُ بذلك دونَ غيرِها، وأَتَوْا بلفظِ "على" في قولهم: "أَفْرِغ علينا" طلَباً لأنْ يكونَ الصبرُ مستعلِياً عليهم وشاملاً لهم كالظَرفِ. | |
|